وحين فتح الملك التابوت لم يجد به سوى رق به صور فرسان عابسي الوجوه مسلحين بالقسي والخناجر، وقد كتب فوق هذه الصور: «انظر أيها الطائش الأرعن إلى هؤلاء، فإنهم سيثلون عرشك ويخضعون مملكتك»، وبينما كان الملك وأصحابه يحدقون في الصور إذ سمعوا زمازم الحرب ولجبها، ورأوا أن الصور طفقت تتحرك كأنها في غمام حتى أخذت هيئة حرب في ميدان.
6
رأى لذريق في هول وحزن
بهذا المنظر السحري حربا
عواقبها تراها العين جهرا
وإن كانت من القدر المخبا
ثم أبصروا ميدانا عظيما يتفانى فيه المسيحيون والمسلمون في موقعة طاحنة، وسمعوا أصوات جري الخيل ووقع حوافرها، وزعق الأبواق والصنوج، وما يصم الآذان من ضرب آلاف من الطبول بين بريق السيوف والقضب وحفيف السهام وصليل الرماح، ورأوا أن النصارى يتضاءلون أمام أعدائهم الذين تدفقوا عليهم كما يتدفق السيل، فتبدد شملهم، وسقط إلى الأرض بيرق الصليب، وديس علم إسبانيا تحت الأقدام، وامتلأ الجو بصيحات الانتصار يخالطها صراخ الغضب وأنين المحتضرين.
ورأى الملك لذريق بين هذه الفرق الفارة من الميدان فارسا متوجا، كان ظهره إليه، ولحظ أن سلاح هذا الفارس وعدته تشبه سلاحه وعدته، وأنه كان يركب جوادا أشهب يشبه جواده «أوريليا».
ثم رأى أن الفارس بعد قليل سقط عن جواده في هرج الحرب ومرجها فلم يعد يرى، وأن أوريليا أخذ يعدو في الميدان بغير راكب.
وحينما خرج الملك وحاشيته من الحصن دهشين خائفين اختفى التمثال من الوجود، وسقط الشيخان الحارسان ميتين عند مدخل الحصن، وكان من إرهاص الطبيعة الغاضبة أن التهمت النار الحصن، فتأجج كل حجر فيه وآض رمادا تذروه الرياح، ويقول القصاصون إنه كلما سقط رماد من هذه الأحجار في مكان، وجد بجانبه نقطة من الدم المسفوك.
Bilinmeyen sayfa