Dünya Edebiyat Tarihi (Birinci Cilt)
قصة الأدب في العالم (الجزء الأول)
Türler
ولذا ذهب بعض الباحثين إلى أن رب الكون واحد عند زرادشت، لا شريك له، وإن يكن في الكون خير وشر يتنافسان، فنزعة الشر بادية في برد الشتاء يجمد الماء ويثلج الأرض ويعوق الشجر عن النمو والإثمار، وفي الخواطر الشريرة تطوف بالرءوس وفي الشك والإلحاد، وفي الفقر والكسل، وفي الأوثان وعبادتها، وفي الحياة، وفي الخيانة والكذب، والظلام وكريه الروائح، والأمراض وضروب الوباء، وفي الحيوان المفترس والزواحف السامة والحشرات ... تلك وما إليها صنائع «روح الشر» التي أخذت على نفسها أن تهدم وتهلك وتبيد. ودعا زرادشت في تعالميه أن يكون الانسان خيرا في قوله وفي تفكيره وفي عمله. وخير إنسان عند الله يتمثل في «يما»
64
وهو الذي ورد في الشاهنامة والأساطير الفارسية باسم «جمشيد»؛
65
فقد وهب الله «يما» محراثا ورمحا ذهبيا ليتخذ منهما شارتين لسلطانه فوق الأرض، وأخذ «يما» يعمل في الأرض بما أمره الله ففلحها وأعدها للزراعة، وأسكنها رجالا وماشية وكلابا وطيرا، ثم أمدها بالنار.
أخذ «يما» يقيم في الأرض دولة الخير، غير عالم أن «روح الشر» كامنة في حنايا الطبيعة تتربص له، فأنذره الله بما قد يغشاه من سيل وصقيع ليكون على حذر، فهب «يما» من فوره يعد الحظائر المنيعة لماشيته وخيوله، ورجاله ونسائه، ومختلف أنواع الطير، كما أعد أمكنة آمنة يخزن فيها الحب، ويحفظ شعلة النار. أعد من كل شيء زوجين، كأنه نوح ينقذ في سفينته صنوف الكائنات. إن «روح الخير» قد بذرت بذور الشجرة المثمرة وتعهدتها بماء الطهر والنقاء، وراقبت نموها لكي تثمر أطيب الثمرات «وإذا بروح الشر يندفع من جهة الشمال، فينفخ نفخة واحدة من الثلج والصقيع - هي الخيانة والسوء - فتأتي على الشجرة النضرة وتحولها حطبا يابسا. هكذا بدأت المعركة بين الخير والشر؛ بين التقوى والضلال؛ بين النور والظلام؛ الأول يصون صنع الله والثاني يهلكه ويفنيه. وتتجه الديانة الزرادشتية بكل همها نحو حماية الإنسان من روح الشر وصحبته.»
أراد زرادشت أن يجتث روح الشر من جذورها، ويفني روح التدمير ولا يبقي على وجه الأرض إلا البناء والتعمير، ففصل القواعد الصحية ونظم الحياة التي من شأنها أن تصون الفرد والمجتمع. وأول ما ذكره «الأفستا» من هذه القواعد هو: كيف ينبغي أن يتصرف الأحياء في جثة الميت حتى يتخلصوا مما يترتب على وجودها من وباء خبيث. ويعبر كتاب الأفستا عن هذه الحقيقة الصحية بعبارة مجازية فيقول: إن روح الشر إذا ما وجدت جثمان ميت تحولت من فورها إلى ذبابة خبيثة تملأ جسدها بالمرض وتروح بين الناس وتغدو لتنشر بينهم حملها الخبيث. ثم يستطرد الكتاب في ذكر الدقائق التي يجب على الإنسان أن يؤديها تأييدا لروح الخير: أين يضع الجثة؟ كيف يطهر مكانها من الدار؟ ماذا يصنع بملابس الميت؟ ... إلخ.
ويتلو ذلك في أوامر الكتاب وجوب فلاحة الأرض لتنتج الحب والشجر؛ فالله يأمر الإنسان أن يروي اليابس الجاف، وأن يجفف المستنقعات، وأن يسكن الأرض ناسا وماشية وكل ذي نفع وخير. وإن «زرادشت» لتأخذه رعدة الفزع حين يتصور أن الإنسان قد تحدثه نفسه أن يدنس الأرض بدفن الموتى في جوفها، وما خلقت إلا للزرع الذي يقيم الحياة في الأحياء. إن الموتى موضعهم قمم الجبال، تلتهمهم سباع الطير، أو تأكلهم عوامل الطبيعة.
ثم يأمر الكتاب بما ينبغي أن يراعى في الحبالى إبان الحمل وعند الولادة، حتى تسلم الوالدة والولد، ثم يفصل قواعد النظافة والطهارة والوقاية من الأمراض المعدية.
أما وقد سلم الجسد بهذا التدبير، فإن «زرادشت» يستطرد في بسط قواعد الأخلاق، فيقول: إن الإنسان قد ولد وفي فطرته عقلان: عقل خير وعقل شرير، وكل من العقلين يحاول أن تكون له السيطرة على توجيه الإنسان في أفكاره وألفاظه وأعماله. وقد لخص زرادشت الحياة الخلقية في ثلاثة أركان أساسية؛ أفكار خيرة، وألفاظ خيرة، وأعمال خيرة؛ فهذه الجوانب الثلاثة طرق ثلاثة تؤدي إلى الجنة، ومن يسعى لتحقيقها، إنما يسعى لتأييد الخير وإعلاء كلمة الله: «فلا تنحرف عن أفضل الأشياء وهي ثلاثة: تفكير خير وقول خير وفعل خير.»
Bilinmeyen sayfa