أي: من عهد الصبا إلى هذا الوقت كنت أجوب الدنيا في طلب المعالي، وما بلغت منها رتبة إلا تمنيت فوقها أخرى حتى ما بقي منها بلد لم أجربه ذوائبي صبيًا في
طلبها، ولا مكان لم تطأه ركائبي مدركًا بسببها، ويدلك عليه قوله:
فإمَّا تريني لا أُقيم ببلدةٍ ... فآفةُ غمدي في دلوقيَ مَن حَدِّي
أي: لا يقنعني ما أناله من العُلى بكل بلدة، فأفارقها إلى غيرها طلبًا للزيادة عليها، فإن قال: ما للصبي وطلب المحل العليِّ قُلنا: من يقول في الصِّبا:
أيَّ محلٍّ أرتقي؟ ... أيَّ عظيمٍ أتَّقي؟
إلى أخرها، حقيق بأن يقول مثلها، على أنه قد قيل في غيره ما ينص على ما ذكرناه في معناه ولا يتحاماه، مثل قول القائل:
إنَّ المكارمَ والمعاليَ والنَّدى ... لمحَمَّد بنِ القاسمِ بنِ محمَّدِ
قادَ الجيوشَ لخمسَ عشرةَ حِجَّةً ... يا قربَ ذلكَ سُؤددًا من مولِدِ
(فلمْ يبقَ خَلقٌ لم يَرِدنَ فنِاَءه ... وهنَّ لهُ شَربٌ ورودَ المَشاربِ)
قال أبو الفتح: أي قد وردت مواهبه فناء كل أحد، ووصلت إلى كل إنسان، وهن له شرب، أي: هن ينفعنه كما ينفع الماء وارده، وكأنهن قد وردن عليه ورود الناس
1 / 70