آه ... إنك تفعل كالحيوان السيئ.
ولكن وسط الأغنية وقف باربايني هادئا ونظرته إلى ألواح الزجاج السوداء، وقال: أي نعم يا ستراوراكي ... إنني أدرك أنك حيوان سيئ؛ لأن الحيوانين الجميلين اللذين كانا بالخارج لم يعودا هناك إن لم أكن سيئ الرؤية.
وفي قفزة خرجت، ولكنني لم ألتقط غير ضوضاء عدو صاخب يتردد صداه في الليل.
وبعد ساعة ونحن نتعثر في الظلام، ونتردى في كافة الحفر صاح بي باربايني مؤنبا: «لقد أردت أن تحيي حظنا، والآن فلتمش على قدمك أيها الطفل الخائب العنيد، ولكي تعزي نفسك غن، لقد سكرت من جديد ...»
ويل لمن يجهل أن السعادة هي أن يحس الإنسان بقلبه ينبض في أرض الإنسان الطيبة، تلك الأرض الرفيعة المستوى التي تمدك بعصيرها المنعش.
فخلال السنوات التي التحمت فيها حياتي بحياة باربايني في كل موحد، كانت الطبيعة نفسها تبدو لي ودودة أخوية شاعرية، وكان كل شيء يلوح لي جميلا وجديرا بأن يحب، وفقد القبح ما يوحي به من تقزز، وكانت الحماقة تصطدم بسخريتنا، والاحتيال ينكشف، وعنف الأقوياء لاح لي محتملا، وعندما كان الاحتكاك بالابتذال يأخذ بخناقنا كنا نهرب منه إلى الحياة في صمت ... إلى الحياة؛ حيث تتحدث الطبيعة وحدها بالعينين والقلب، كان باربايني قادرا على أن يمشي يوما بأكمله دون أن يتفوه بلفظ، وبالنظرة وحدها كان يريني ما يستحق الانتباه، وكان يسمي هذا حماما مطهرا، وكان هذا حقا، فمشاهد الطبيعة الصامتة تطهر وترد للإنسان - الذي تجرحه الحقارة - روحه، وليس هناك - مهما بلغ من القوة - من يستطيع أن يمر بالميكروب دون أن يحس بالعدوى.
ولكن هذا الصديق الكبير لسن يفاعتي، كان فوق ذلك عالما بالعصر القديم وفلسفاته، وبجميع أحاديثه عن الحياة، وهي الأحاديث التي كانت ممتعة في أوقات الراحة، وكان يؤديها بأمثلة يستمدها من الحكمة، وهو لم يكن حكيما، ولكنه كان يحب سكينة القلب الواعية.
وقال لي: إن عاجلا أو آجلا، لا بد أن ينتهي الرجل الذكي إلى فهم عدم جدوى الصخب العاطفي الذي ينزل الاضطراب بالسلام ويحرق الحياة، وسعيد من يصل إلى فهم ذلك سريعا، فإن ذلك سيزيده متعة بالحياة.
وفي يوم من أيام الخريف البارد وجدنا أنفسنا في معسكر للمناورات بالقرب من حلب؛ فانقض الجنود على شرابنا الساخن، وأسرع الضباط أنفسهم لينعموا به، ولما كانت لدينا جمرات تحت الإبريقين فقد وقفوا يستكتبون ويتحادثون، وقص ضابط كبير على مرءوسيه حماية الجنرال صديق الإسكندر الأكبر الذي أعطى رأيه إلى جانب اقتراح السلام الذي تقدم به دارا، قائلا: «كنت مستعدا أن أقبل لو أن الإسكندر الأول أو القاهر الأكبر كان قد رد.»
وأنا أيضا لو كنت ... لو كنت ...
Bilinmeyen sayfa