ولهذا كنت دائما عدوا لعبارة: «قص علينا طرفا من حياتك!»
وهنا أيضا صعوبة ... عندما يحب الإنسان لا يعيش وحده، والإنسان لا يعيش وحده حتى عندما يريد ألا يحب - كما هي حالي اليوم - وهذا حق على الأقل بالنسبة للعاطفيين الذين لم يكفوا عن أن يحيوا على الذكريات؛ وذلك لأنه ليست هناك ذكريات بغير حاضر.
ولقد يرغب الإنسان في الموت كما رغبت بإخلاص عدة مرات في حياتي ، ولكن الوجوه الجميلة التي عرفتها في الماضي كانت تتقدم إلي حية وتلين قلبي، وتحل البهجة محل المرارة، وتضطرني مرة أخرى ومن جديد إلى البحث عن البلسم الخالد في وجوه الناس، ومن بين تلك الوجوه الجميلة كان باربايني.
لا أستطيع تقريبا أن أقص شيئا عنه، فقد عشت ثماني سنوات ملتحما بحياته، وقد جاب شبحانا ديار بكير، وحلب وأنقرة وسيواس وإيرزروم ومائة مدينة أخرى صغيرة وقرية، ولم نبع شيئا غير السحلب، ولقد مرت السجاجيد والمناديل والسكاكين والعطور والعقاقير والخيول والكلاب والقطط جميعها بأيدينا، ولكن السحلب المبروك هو الذي كان ينقذنا دائما من البؤس، وعندما كانت تطرحنا إحدى العمليات التجارية أرضا كنا نجري عدوا لإحضار الأباريق المسكينة التي علاها الصدأ، ثم «سحلب ... سحلب ... ها هو السحلب اللذيذ» ونحن نتبادل النظرات ونضحك.
كنا نضحك؛ لأن باربايني كان صديقا لا نظير له، وكنت أنا سبب الكارثة دائما بسوء تصرفي الخارق، ومن بين حماقاتي أذكر واحدة كانت عاتية: كنا قد وضعنا نقودنا كلها في حصانين جميلين اشتريناهما من سوق كبير على بعد خمسة عشر كيلومترا تقريبا من أنقرة، وكنا سعداء؛ لأن الصفقة كانت طيبة في رأينا، وفي طريق العودة، بسبب الانشراح وبسبب التعب أيضا، ثارت بي رغبة في أن نتوقف أمام حانة منعزلة.
وكنا في الليل، وعارضني باربايني قائلا: دع هذا يا ستاوراكي، ولنواصل السير إلى المنزل حيث يتناول كل منا كأسا.
لا يا باربايني! هنا ... دقيقة واحدة فقط؛ لكي نحتفي بحظنا.
واستسلم الرجل المسكين وربطنا الحيوانين في عمود بالخارج، واحتفلنا بكأس وعيوننا على النافذة، ثم بآخر، وأخذ الجوع يفري بطوننا فأكلنا وشربنا دورقا ثم آخر؛ لأن باربايني أو أنا لم نعد نبصق على الحياة الطيبة، وتحركت القلوب فأخذنا نغني:
لقد سكرت من جديد
ومن جديد تكسر الكئوس
Bilinmeyen sayfa