يقص إستاورو - بائع الليمونادة في قرية برايلا برومانيا - على صديق له تاريخ حياته الغريبة المحزنة.
منذ طفولته شاهد حياة اللذة التي عاشتها أمه وأخته كيرا، وهما معا تجمعان بين الاستهتار والجمال.
كما شهد تأديب الأب - وهو نجار متيسر - والأخ الأكبر للمرأتين، لمحاولة ردهما إلى حياة أكثر وقارا، فأم ستاورو - الذي كان يسمى عندئذ دراجومير - أنهكت ضربا وفقدت إحدى عينيها، وذات يوم هربت ومعها طفلاها اللذان انفصلت عنهما سريعا، ولم يرياها بعد ذلك قط.
وعاد دراجومير وكيرا إلى قرية برايلا، حيث عاشا في نزل، حتى كان يوم استطاع فيه تركي عجوز اسمه ناظم أفندي أن يغريهما ويقتادهما إلى مركبه الشراعي الفخم، وسجنت كيرا في حريم القسطنطينية، وأتلف الغاصب الحقير أخلاق الأخ إتلافا نهائيا.
وبعد أشهر طويلة في السجن الفخم، استطاع دراجومير أن يفلت، وكان عندئذ في الخامسة عشرة من عمره، جميلا فخم الثياب، ولكن في سذاجة لا تصدق، وأخذ يتسكع في المدينة إلى أن التقطه مصطفى بك، الذي وفر له حياة أكثر بذخا من حياته عند ناظم أفندي، ولكنه أضاف الكحول إلى الانحرافات الأخرى التي كان اليافع قد عرفها.
ومع ذلك فبرغم الرقابة الشديدة استطاع دراجومير أن يهرب مرة أخرى، والكمر - أي حزام النقود المشدود على وسطه - مليء بالقطع الذهبية والحلي.
واستطاع أن ينتقل إلى بيروت، حيث استغلته أسرة من الفنانين، ثم انتقل إلى دمشق حيث سرق منه - في أحد الفنادق - الحزام الذي يضم ثروته كلها، وها هو يرى كيرا في عربة تدخل إلى فيلا فاخرة، فأراد أن يدخل هو الآخر، ولكنه ضرب ضربا مبرحا بعصب ثور، وترك على حافة الطريق في شبه إغماء من الألم. •••
هنا تصل رحل عذابي إلى قمتها، وهنا تنتهي أحزان ثلاث سنوات من الطفولة المعذبة؛ وذلك لأنه إذا كان الله قد قسا علي وحرمني من كيرا، فإنه لم يحرمني من لطفه، إذ أرسل لي صديقا.
جمعت جسمي الجريح، وبمشقة استطعت أن أسحب نفسي إلى الناحية الأخرى من الطريق، وانطرحت على الأرض منهكا، وفي تلك اللحظة اقترب مني رجل بين الأربعين والخمسين من عمره، فقير الثياب، في زي يوناني، حاملا في يد وعاء السحلب، وفي الأخرى سلة بها الكوبات، ووضع أدواته وربع أذرعه، وتفوه بعلامة تعجب صادرة من أحشائه قائلا باليونانية: «آه يا غلامي المسكين! لقد شهدت ضربك ووقفت عاجزا، أية إساءة ارتكبتها في حق هؤلاء المتوحشين لكي يعذبوك على هذا النحو؟!»
وتطلعت إلى وجهه المشرب بالإخلاص، وذقنه الشعثاء التي خطها الشيب، وعينيه الطيبتين الناضحتين بالألم تحت جبهته المجعدة، وتملكني الغضب وتمردت على مشاعري الخاصة قائلا: «اذهب إلى الشيطان، اغرب عني.»
Bilinmeyen sayfa