وذات صباح في يوم الأربعاء السابق على عيد القيامة، كان الأب نيكيفور قد خلع عجلات عربته لكي يشحمها، وإذا به يلمح الأستاذ ستيرول من قرية نياموتزو - وهو تاجر أصباغ ومراهم، وبودرة، وأدهنة، وأدوات تجميل، وصبغات للشعر، وزيت اللوز، وزهر الكبريت، والحشيشة المغربية، وورق أرمينيا، وغيرها من السموم الصغيرة.
في ذلك العصر لم يكن هناك صيدلي في نياموتزو، وكان الأستاذ ستيرول يحضر كل ما يحتاجه الرهبان والراهبات، وإذا شئتم الحق كان يزاول أيضا نوعا آخر من التجارة سأكتفي بالتلميح به، وعليكم الفهم! وهو نوع أكثر أهمية بكثير من عمل قسيس الاعترفات نفسه، ولولا الأستاذ ستيرول لأغلقت الأديرة أبوابها! - صباح الخير يا أب نيكيفور. - وعليك السلام يا أستاذ ستيرول! أي ريح مواتية قادتك إلى هنا؟ - أتيت من أجل زوجة ابني، إنها تريد الذهاب إلى بياتزا، كم تطلب لتحملها إليها؟ - آه ... لا بد أنها تحمل معها عددا من الأغطية كما جرت العادة عندكم، ولكن لا بأس، فعربتي واسعة وبها مكان، ولكي لا أساومك يا أستاذ ستيرول، أعطني ستة عشر ليا - أي: قطعة صغيرة جميلة من الذهب - وأنا أحملها لك كالملكة، وها أنت ترى كيف جددت عجلات عربتي، بل وشحمتها أيضا؛ بحيث أصبحت تنزلق كقباقيب الانزلاق. - تسعة ليات تكفي يا أب نيكيفور ... وابني سيقدم لك بعض الكئوس في بياتزا. - فليكن! على بركة الله يا أستاذ ستيرول، وأنا أقبل لأننا في عز السوق، ولربما وجدت زبائن عند العودة، ولكنني أود أن أعلم فقط متى سنرحل؟ - على الفور يا أب نيكيفور إذا كنت مستعدا. - طبعا، أنا مستعد يا أستاذ ستيرول، ولكني يلزمني فقط أن أسقي مهاري، اذهب لتخطر زوجة ابنك وسألحق بك بعد لحظة.
وفي نشاط ومهارة - كما اعتاد - ملأ العربة بالشوفان، وشد فوقها الغطاء، وربط فيها المهار، وألقى بمعطف فوق كتفيه، وتناول سوطه، وها هو يرحل يا أطفال، فلم يكد الأستاذ ستيرول يصل بيته حتى كان الأب نيكيفور قد وصل بعربته.
وخرجت من البيت ملكة زوجة ابنه لكي ترى حوذيها على نحو ما يجري العرف في الريف، كانت ملكة مولودة في بياتزا، وها هما خداها متوردان، ربما لشدة ما بكت لفراق حمويها! وكانت تلك أول زيارة لها لنياموتزو، أو كما يقولون باكورة زيارتها لحمويها، ولم تكن قد تزوجت إستيك ابن الأستاذ ستيرول إلا منذ أسبوعين، أو على الأصح لم يكن إستيك قد تزوج ملكة؛ لأنه هو الذي ترك بيت أسرته كما تجري العادة، وبعد أسبوعين اصطحب ملكة إلى بياتزا لمزاولة أعماله. - أرى أنك قد حافظت على كلمتك يا أب نيكيفور.
باستطاعتك يا أستاذ ستيرول أن تثق دائما بكلمتي، ثم إنني لا أعرف شيئا في المصابيح، وأفضل أن أبدأ رحلتي في الصباح الباكر؛ لكي أصل قبل هبوط الليل.
هل ستصل بياتزا عند المساء يا أب نيكيفور؟
ما هذا يا أستاذ ستيرول، إنني أرجو أن أصل بفضل الله بعد الغداء مباشرة!
إن ثقتي فيك كاملة يا أب نيكيفور، وأنت أكثر مني دراية وخبرة بهذه الأمور، ولكني مع ذلك أرجوك أن تقود بعناية حتى لا تقلب زوجة ابني!
آه يا أستاذ ستيرول! لقد زاولت هذه المهنة لزمن مديد، وكم نقلت من سيدات وراهبات وبنات أشراف وعلية القوم، وبفضل الله لم يشك في أحد، وذلك فيما عدا الأخت إيفلامبيا بوابة دير فاراتيك، التي كانت لي معها بعض المضايقات بسبب ما اعتادته من ربط بقرتها في مؤخرة العربة أينما ذهبت؛ وذلك لكي تحصل دائما على اللبن مجانا!
وكان في هذا ما يزعجني؛ لأن البقرة هي البقرة دائما، وكانت تلتهم الشوفان من عربتي، بل لقد كسرت سلم العربة ذات يوم، كما أنها في المرتفعات كانت تختلف فتشد الوثاق، حتى كادت أن تخنق مهاري ذات مرة، وبالجملة «طهقت» منها، وتجرأت على أن أقول لها: لماذا أيتها الأخت كل هذا الشح بدراهم معدودات، مع أنك لست بخيلة فيما يتعلق بالإنفاق الكبير؟ رنت إلي عندئذ برقة لتقول في صوت هامس: اسكت أيها الأب نيكيفور! اسكت! لا تغضب من هذه البقرة المسكينة التي لا ذنب لها، فآباء جبل أنتوس المقدس هم الذين أملوا علي - كقاعدة - ألا أشرب إلا من لبن نفس البقرة لكي أظل شابة زمنا طويلا، ولا حيلة لي في ذلك، فلا بد من طاعتهم في كل شيء؛ وذلك لأن فخامتهم يعرفون أكثر مما نعرف نحن الخاطئات، وعندما علمت ذلك أحسست أن الأخت على شيء من الحق وتركتها وشأنها، وعلى أية حال فإنها لم تكن تخلو من العته؛ وذلك لأنها لم تكن تريد أن تشرب إلا من نبع واحد، وأما أنت يا أستاذ ستيرول، فأظن أنك تلصق بي بقرة أثناء الرحلة! وأما عن السيدة الصغيرة، فأنا متأكد أنها ستنزل عندما نصل إلى مرتفع أو منخفض حاد، وبخاصة أن المناظر جميلة الآن في الريف على نحو مذهل، ولكن كفى ثرثرة! هيا اصعدي يا سيدتي فسأحملك إلى زوجك العزيز! آه ... هؤلاء السيدات الشابات ... إنني أعرفهن جيدا! فعندما يبعد عنهن الزوج لا يقر لهن قرار، ولا يفكرن إلا في العودة السريعة إلى البيت على نحو ما يعدو الحصان إلى الحظيرة.
Bilinmeyen sayfa