وتولت الأم الحيرة كيف تتصرف؟ لقد كان جل مناها أن تقبل ابنتها هذا الخاطب لتطمئن على مستقبل حياتها. ولأنه رجل اجتمعت فيه كل معاني الرجولة، وكل صفاتها، فرفضه يمكن أن يساء بين الناس تأويله. لكنها لا تملك إكراه ابنتها على أمر لا تريده، مخافة أن يؤنبها ضميرها بقية حياتها، إذا لم تكن هذه الزوجية موفقة! •••
انتهى التفكير بجنان إلى أن ضربت للدكتور مرزوق موعدا، لقيته فيه وحدها، وقالت له: أنت يا دكتور رجل كامل الصفات، ولولا ما بينك وبين سوسن من فارق السن، لما ترددت في قبول خطبتك. لكنها تشعر وأنت تحادثها بأنك أبوها، فلا يشجعها ذلك على أن تكون زوجا لك. وقد حاولت أن أقنعها بأن هذا الشعور طارئ يزول بالعشرة، فأصرت على رأيها ... وإنني لآسفة أشد الأسف أن أبلغك ذلك، فقد كنت شديدة الرغبة في مصاهرتك، لنسعد بأن تكون من أسرتنا.
أطرق الدكتور مرزوق طويلا حين سمع هذا الكلام، ثم رفع رأسه وحدق بجنان، وفي عينيه بريق، لم تلحظه من قبل. وقال: وأنا حريص على أن أكون من أسرتكم، وأن أكون من سوسن مكان أبيها. فهل تقبلين أنت أن تكوني زوجتي؟ هذه يدي أمدها إليك؟ فهل تقبلينها؟
لم تكن جنان تتوقع هذه المفاجأة، ولكنها سرت بها، وألقت ببصرها إلى الأرض طويلا، ثم قالت: وماذا يقول الناس عند ذلك عني؟ إنني غصبت خطيب ابنتي، لأنه أعجبني، أو لأنني أعجبته؟ لا أستطيع أن أجيبك الآن، فاترك لي على الأقل فرصة تفكير.
قال مرزوق: «أنت وما تشائين. فكري في الأمر ، وأنا في انتظار كلمة منك ألبيها لساعتي.»
والواقع أن جنانا كانت تتمنى أن يخطبها الدكتور مرزوق، منذ رفضته ابنتها، هذا الرفض الأحمق. أفكان ذلك لأنها أحبته، أم كان رد فعل من جانبها لتصرف ابنتها تصرفا لم يعجبها؟
وهل خطبها مرزوق إلى نفسه، لأنه أحبها بعد الأحاديث التي دارت بينهما، أم لأنه رأى في الزواج منها ردا لاعتباره إزاء رفض سوسن خطبته؟
أيا كان الأمر، لقد عرضت جنان خطبة الدكتور إياها على ابنها، بمحضر من ابنتها، وقالت: لا يزال في الوقت متسع، فإن أصرت أختك على رفض هذا الخاطب الذي لا يرفض، فسأقبل أنا خطبته.
وأصرت الفتاة في عنادها على موقفها، وانتفضت منصرفة من مجلس أمها، كاسفة تبكي.
ودعت جنان مرزوقا، وأعلنت إليه أنها سعيدة بخطبته. وفي الغد من ذلك اليوم عقد قرانهما، وانتقلت جنان إلى منزله، تاركة ولديها مع حاشية من الخدم، ومع المربية التي كفلتهما منذ مولدهما، فكانت منهما بمثابة والدتهما. •••
Bilinmeyen sayfa