ـ[قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر]ـ
المؤلف: أبو محمد الطيب بن عبد الله بن أحمد بن علي بامخرمة، الهِجراني الحضرمي الشافعي (٨٧٠ - ٩٤٧ هـ)
عُني به: بو جمعة مكري / خالد زواري
الناشر: دار المنهاج - جدة
الطبعة: الأولى، ١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٨ م
عدد الأجزاء: ٦
أعده للشاملة/ محمود الجيزي
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Bilinmeyen sayfa
المجلّد الأوّل
[مقدمات]
بين يدي الكتاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وبعد:
فيقول العلامة ابن خلدون: (اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب، جم الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم؛ حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا) (١).
بين يديك أخي القارئ هذا الكتاب التاريخي، وهو من الذخائر اليمنية، والنفائس الحضرمية، يعرض لأخبار الأدباء والشعراء، والأطباء والزهاد وغيرهم، وكانت نظرة المصنف شاملة؛ فلم يقتصر على تاريخ رجال اليمن وحوادثه، وأئمته وأعلامه، بل عمت تراجم رجاله رقعة العالم الإسلامي الجغرافية من أقصى بلاد ما وراء النهر شرقا إلى المغرب وأقصى بلاد الأندلس غربا.
وتزداد أهمية هذا السفر: أنه سجل قلمه أخبارا عن حضرموت وما والاها إلى تعز المحروسة، وأماطت ريشة الإمام بامخرمة عن أعلام في هذا الجزء الكبير من اليمن العزيز، وتحدث عنهم بطريقة العلماء الأماجد، فأبان عن شخصياتهم ومذاهبهم وأحوالهم دون تحيز أو ملق أو نزق، وهذه هي طريقة الأئمة المخلصين، كما أن مصادره التي اعتمد عليها وفيرة، ومنها ما لم تمتد إليه يد الباحثين؛ لندرته أو فنائه؛ بحيث صار في حكم المعدوم، فليس لنا طريق توصل إلى معلومات في تلك الموضوعات إلا كتابه هذا.
ومما زاد الكتاب أهمية: ما تميز به من منهج علمي وحياد إزاء الفرق والمذاهب المتعددة الذين عرض مناهجهم في «قلادته»، فجمال الدين من الأعلام المتمكنين، والعلماء البارزين، وهو من أسرة عريقة في العلم والشرف، وقد تقلد القضاء بعد طول تمنع، فكان يقال له: قاضي الدولة الطاهرية-كوالده-وكان مفتيها بعدن.
_________
(١) تاريخ ابن خلدون (١/ ١٣).
1 / 7
والذي يعنينا في هذه الأحرف: أن المؤلف استقى مادة كتابه-ولا سيما تراجم أهل اليمن خاصة-من مصادر متنوعة وثيقة، حبرتها أنامل يمنية؛ ك «كتاب السلوك» للجندي، و«طراز أعلام الزمن» للخزرجي، و«تحفة الزمن» للأهدل، و«الجوهر الشفاف» للخطيب، و«البرقة المشيقة» لعلي بن أبي بكر، و«طبقات الخواص» لشهاب الدين الشّرجي الزبيدي، و«تاريخ ابن حسان»، وهو مصدر نفيس، ولكنه في عداد الكتب المفقودة التي لم تعرف إلا بالنقل من نصوصها في هذه «القلادة».
وخلاصة القول: إن هذا الكتاب الموسوم ب «قلادة النحر» تميز بالخصائص التالية:
١ - تميز بتنوع التراجم؛ فهو لم يعن بتراجم طبقة معينة، ولم يقتصر على زمن دون آخر، ولم ينتق تراجم قطر خاص، فقد حلت «قلادته» جيد التاريخ، وأشرقت في نحر الأعيان؛ من محدثين وفقهاء، وخلفاء ووزراء، وشعراء وأدباء، وملوك وسلاطين، وقواد وفاتحين، وقضاة ونحاة، وزهاد وعباد، اغترف من بحر الحقائق دون مواربة، ونطق قلمه بالصدق دون تلعثم، وكشف عن محيا الحقيقة، فتجلت في أبهى حللها، وقيد في «قلادته» من الفوائد النفيسة ما يزري باللؤلؤ المنظوم؛ لأن تفنن فكره وتنوع معارفه كان لهما أثر خلاب؛ إذ سكب من تلك المعارف في طروسه، فبهر أولي الألباب؛ لما ضمه فيها من نفائس مستجادات، وتحليلات واستنتاجات.
٢ - إن الترتيب الزمني اعتمد فيه على السنين؛ فافتتح كتابه من فاتحة التاريخ الهجري سنة (١ هـ) إلى عصر المؤلف سنة (٩٢٧ هـ)، وهو إذ قسمه إلى وحدات مئوية .. فإنه جزء الوحدة إلى خمسة أقسام، كل قسم يضم طبقات عشرين سنة، والعشرون ذاتها جعلها شطرين: الأول خصصه للتراجم مرتبة على الوفيات، والثاني في الحوادث ورتبها على السنين، وهذه الطريقة التي سلكها في الترتيب من أوليات «القلادة»؛ إذ هو ابتكار غير مسبوق، ونظام لم ينسج على منواله السابقون.
وهو في خضم نقش التراجم لم يميز تراجم اليمنيين عمن سواهم من الأقطار الأخرى، بل كانت التراجم خليطا من هؤلاء وأولئك، فالكل على بساط التاريخ سواسية، فلا تحيز ولا عاطفة ميالة، وكأن يراعة الشيخ تقول: (وكل إناء بالذي فيه ينضح).
٣ - وكما كان للمؤلف مصادر يستقي منها تراجمه لأهل اليمن .. كذلك كانت له مصادر وثيقة متنوعة اعتمد عليها للتراجم العامة، ومن أبرزها: كتب مؤرخ الإسلام الذهبي،
1 / 8
وبخاصة كتاب «العبر»، و«وفيات الأعيان» لابن خلكان، و«تهذيب الأسماء واللغات» للنووي، و«العقد الثمين» للفاسي، وغيرها من كتب التاريخ.
وهو في كل تراجمه يعمد إلى الاقتصاد في العرض، والتثبت في النقل، وطرح السفاسف، وتقييد ما هو خلاصة، والإعراض عن المهاترات التي لا ثمرة لها، وهكذا كانت «قلادته» مضيئة في نحر العلا، سامية على أترابها، عفيفة في عرضها.
٤ - ورغم أن نسخة المؤلف كانت مسودة لم تبيض؛ إذ عاجلته المنية قبل تبييضها .. إلا أنها كتب لها الذيوع والانتشار في العالمين العربي والأوروبي، وتلقفتها الأيدي، واستفاد منها الباحثون.
وحين عزمت دار المنهاج إبرازها إلى عالم الطباعة .. كانت البواعث على هذا عديدة، ومن أهمها: حسن وضعها، ونفاسة محتواها، واستئثارها بتراجم علماء يمنيين كانوا قبل في عداد المغمورين، إضافة إلى توافر كثير من مصادر الكتاب، وقد اعتمدنا في إخراج الكتاب على خمس نسخ خطية، لكل نسخة رمزها الخاص، ومنها نسخة (م) رمز المتحف البريطاني.
ثم إن لجنة التحقيق لم تكتف بمقابلة الكتاب على المخطوطات الخمس، بل دعمت ذلك بالنظر في مصادر التراجم؛ وصولا إلى اليقين، واستظهارا من باب الزيادة في التثبت، الأمر الذي جعل نص الكتاب غاية في الإحكام والإتقان.
وها هي دار المنهاج تزف «قلادة النحر» مجلوة إلى طلبة العلم الأكارم؛ نشرا للمعرفة، وتنفيذا للعهد الذي قطعته على نفسها في إخراج كل سفر نافع، يشع بضياء التحقيق، ويزهو بالحلل الفنية، والإخراج المتقن، فلله الحمد والمنة.
النّاشر
1 / 9
ترجمة المؤلّف (١)
(٨٧٠ - ٩٤٧ هـ)
اسمه ونسبه:
هو العلامة المؤرخ الفقيه جمال الدين أبو محمد الطيب (٢) بن عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة السّيباني الحميري الهجراني الحضرمي العدني الشافعي.
نشأته وأسرته:
أصله من بلدة الهجرين، ارتحل أبوه الفقيه عبد الله من حضرموت إلى عدن طلبا للعلم، وظل يتردد فيما بينهما، إلا أن أكثر إقامته كانت بمدينة عدن حيث كان مولد مؤرخنا فيها لما كان أبوه متوليا وظيفة الإفتاء بها، ولد ليلة الأحد ثاني عشر شهر ربيع الثاني سنة (٨٧٠ هـ).
نشأ الشيخ الطيب بن عبد الله في عدن، وتلقى العلم فيها على والده وغيره من علماء عدن وقضاتها الذين سنذكر بعضهم عند الحديث عن شيوخه.
وأخواله العلماء الفضلاء آل باشكيل؛ حيث تزوج والده ابنة شيخه القاضي محمد بن مسعود باشكيل.
-والده: أبو الطيب عبد الله بن أحمد الشهير بامخرمة.
ولد ببلد الهجرين سنة (٨٣٣ هـ) كما وجد بخطه، وربّي يتيما في حجر أمه، فكفله خاله أبو بكر باقضام، وكان ذكيّا من صباه.
حج من بلده ماشيا مع آل باعصيّة طريق السراة سنة (٨٥٣ هـ) وأسقط فرضه، فلما رجع
_________
(١) انظر ترجمته في «النور السافر» (ص ٣٠٣)، و«تاريخ الشحر» (ص ٢٧٧)، و«شذرات الذهب» (١٠/ ٣٨٢)، و«السنا الباهر بتكميل النور السافر» (ص ٤٦١، خ)، و«هدية العارفين» (٥/ ٤٣٣)، و«الأعلام» للزركلي (٤/ ٩٤)، و«معجم المؤلفين» (٢/ ١٨)، و«الروض الأغن» (٢/ ٦٥)، و«مصادر الفكر الإسلامي في اليمن» (ص ٦١، ٥٠٢).
(٢) ذكر بعض المعاصرين أن اسمه: (عبد الله الطيب)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.
1 / 11
من الحج .. دخل عدن لطلب العلم، فقصد القاضي محمد بن أحمد با حميش المتوفى سنة (٨٦١ هـ)، فقرأ عليه، وسمع كثيرا من كتب الفقه ك «التنبيه» و«المنهاج» وغير ذلك، وقرأ «ألفية ابن مالك» على الفقيه ابن أزهر، وقرأ على القاضي محمد بن مسعود باشكيل المتوفى سنة (٨٧١ هـ) كثيرا من كتب الحديث والتفاسير وغيرها، وأجاز له إجازة عامة في جميع أنواع العلوم، وزوجه القاضي باشكيل ابنته، وقرأ على الفقيه البرجمي كتاب «المصابيح».
ولي قضاء عدن مدة يسيرة، فباشره بعفة وجد، فأنصف الضعيف من القوي.
وانتفع به خلق، منهم: أولاده الطيب وعمر وأحمد، والقاضي عبد الله بن عبد الرحمن بافضل، والفقيه علي بن زيد الشرعبي، والفقيه محمد بن العفيف، والفقيه عمر بن أحمد با كثير وغيرهم.
وله مصنفات، منها: «نكت على جامع المختصرات»، و«نكت على ألفية ابن مالك»، و«شرح على ملحة الحريري»، وفتاوى مجموعة رتبها على أبواب الفقه وغيرها.
وكان رحمه الله تعالى يصدع بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم؛ يجاهر السلطان فمن دونه.
توفي بعدن سحر ليلة الاثنين لتسع بقيت من المحرم سنة (٩٠٣ هـ).
اخوة صاحب الترجمة:
- أخوه وشيخه شهاب الدين أحمد: ولد سنة (٨٦٦ هـ) بعدن.
حفظ القرآن الكريم، وانتفع بوالده كثيرا، وجدّ واجتهد في طلب العلم حتى أعجب به والده، وكان له علم بالفرائض والجبر والمقابلة، درّس في منصورة عدن الفقه، وبرع في التدريس، ودرّس أيضا في ظاهرية عدن الحديث، وله شرح على «جامع المختصرات» للنسائي.
قال المؤلف: قرأت عليه «التنبيه»، و«المنهاج»، وكثيرا من كتب الحديث، وبه تخرجت، وعليه انتفعت رحمه الله تعالى.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩١١ هـ).
-أخوه محمد: ولد بالهجرين سنة (٨٧٣ هـ)، وهو أخو المؤلف لأبيه.
حفظ القرآن الكريم وطلب العلم بعدن، وقد درس على أخيه الطيب مؤلف هذا الكتاب كتاب «التنبيه».
أصيب بالجذام، فخرج إلى الهند للتداوي، ولكنه لم يشف، فرجع إلى عدن وازداد
1 / 12
مرضه، وكانت وفاته بالشحر سنة (٩٠٦ هـ).
-أخوه عبد الله: ويعرف بالعمودي، ولد بعدن سنة (٨٨١ هـ).
حفظ القرآن الكريم وله دون عشر سنين، وكان فيه فهم وذكاء مفرط، وكان عارفا باللغة والنحو، وله ديوان شعر.
توفي سنة (٩٠٣ هـ).
-أخوه عمر: مولده في الهجرين سنة (٨٨٤ هـ)، ونشأ في قرية (موشح) عند أخواله، ثم سار إلى عدن، ولازم والده الإمام، ثم لازم بعده السيد أبا بكر العيدروس العدني المتوفى سنة (٩١٤ هـ) والشيخ عبد الرحمن با هرمز الأخضر المتوفى سنة (٩١٤ هـ).
وكان متصوفا متقشفا، أخذ عنه الشيخ معروف بن عبد الله باجمال المتوفى سنة (٩٦٨ هـ)، والشيخ أبو بكر بن سالم العلوي صاحب عينات المتوفى سنة (٩٩٢ هـ)، وكان يربي المريدين، ويرشد السالكين، ووافاه الأجل في سيؤون سنة (٩٥٢ هـ).له ديوان شعر كبير، و«ورد الوارد القدسي» وهو تفسير إشاري، وغير ذلك. رحمه الله تعالى.
-ابن أخيه: عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد بامخرمة.
كان آية في العلم خصوصا الفقه والفلك، أخذ عن والده عمر وعمه الطيّب، وبرع في العلوم، وانتصب للتدريس والفتوى، وانتهت إليه رئاسة العلم والفتوى في جميع جهات اليمن، وكان المؤلف رحمه الله تعالى يقول: لا أستطيع ما يستطيع عليه ابن أخي في حل المشكلات، وتحرير الجوابات، على المسائل العويصات الغامضات.
ولي قضاء الشحر مرتين، ومن تصانيفه: كتاب ينكت فيه على «شرح المنهاج» للشيخ ابن حجر الهيتمي في مجلدين، و«شرح الرحبية»، و«ذيل على طبقات الشافعية» للإسنوي، و«مشكاة المصباح لشرح العدة والسلاح» وغير ذلك.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٧٢ هـ).
أبناء المؤلف:
- ولده محمد: توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٣٣ هـ) في حياة والده المترجم.
-ولده عبد الله: خطيب محدث، توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٧٥ هـ).
شيوخه:
تتلمذ المؤلف رحمه الله تعالى على جلّة من علماء بلده، في مقدمتهم والده وأخوه شهاب الدين أحمد اللّذين قدمنا ذكرهما عند الحديث عن أسرته، ومن شيوخه أيضا:
1 / 13
-جمال الدين محمد بن أحمد ابن علي بافضل الحضرمي.
ولد بتريم سنة (٨٤٠ هـ)، ونشأ بغيل أبي وزير.
حفظ القرآن الكريم، واشتغل على الفقيه باعديل، وقرأ «التنبيه» وغيره من كتب الفقه على القاضي محمد بن أحمد با حميش، وتزوج بزوجته لما توفي، وأجازه القاضيان محمد بن أحمد با حميش ومحمد بن مسعود باشكيل، وأفتى ودرس، وقصده الطلبة من أنحاء اليمن.
له «شرح ألفية البرماوي»، و«العدة والسلاح في أحكام النكاح»، و«مختصر قواعد الزركشي»، و«شرح أبواب تراجم البخاري» وغير ذلك من المصنفات.
وبالجملة فقد كان حسن المذاكرة، موظفا أوقاته على العبادة والطاعة.
قرأ عليه مؤرخنا «صحيح البخاري»، و«شرحه على البرماوية»، و«قواعده» التي اختصرها من «قواعد الزركشي»، وسمع عليه «تفسير البيضاوي»، و«الحاوي»، و«صحيح مسلم» وغير ذلك، وانتفع به خلق كثير.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٠٣ هـ).
-الشريف الحسين بن الصديق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل.
ولد سنة (٨٠٥ هـ) ببندر عدن.
كان فقيها عارفا بمتن الحديث، قرأ على الإمام الحافظ يحيى العامري الأمهات الست وغيرها من كتب الحديث، ودرّس الفقه والحديث والنحو في جامع عدن وفي بيته، وانتفع به جمع في دينهم ودنياهم.
كان يسعى بين الدولة والعرب المفسدين بالصلح والذمة.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٠٣ هـ).
-القاضي محمد بن حسين القمّاط.
ولد بزبيد سنة (٨٢٨ هـ)، ونشأ وتعلم بها.
برع في الفقه، ودرس وأفتى، وتولى قضاء عدن سنة (٨٨٣ هـ).
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٠٣ هـ)، وقيل: سنة (٩٠٤ هـ).
1 / 14
-القاضي العلامة أحمد بن عمر المزجد.
ولد سنة (٨٤٧ هـ).
كان من العلماء المشهورين، وأحد المحققين المعتمدين، المرجوع إليهم في النوازل المعضلة، والحوادث المشكلة.
تلقى علومه على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القاسم جعمان، والقاضي عبد الله بن الطيب الناشري وغيرهم.
ومن مصنفاته: «العباب المحيط بمعظم نصوص الشافعي والأصحاب»، و«تحفة الطلاب» و«منظومة الإرشاد» وغيرهما، وله شعر حسن.
انتفع به خلق من الطلبة، وكانت وفاته رحمه الله تعالى سنة (٩٣٠ هـ).
-الفقيه الأديب الشاعر حسن بن عبد الرحمن الصباحي.
مفتي تعز، كان شاعرا مفلقا، إماما في علم الحساب والفرائض والجبر والمقابلة.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٨٩٨ هـ).
تلامذته:
ممن تتلمذ على العلاّمة بامخرمة:
-أخوه محمد بن عبد الله بن أحمد بامخرمة.
-ابن أخيه عبد الله بن عمر بن عبد الله بن أحمد بامخرمة.
وقد قدمنا الحديث عنهما لما ذكرنا أسرته.
-ابن خال المؤلف محمد بن الطاهر بن عبد الرحمن بن القاضي محمد بن مسعود أبو شكيل.
ولد سنة (٨٠٢ هـ)، وتوفي والده وهو ابن سنة، فكفله والد مؤرخنا الفقيه عبد الله بن أحمد بامخرمة، فعلمه القرآن وأدبه وهذبه، ودرس على صاحب الترجمة الطيب بامخرمة «صحيح البخاري»، وكانت بينهما ألفة ومودة أكيدة من الصغر، وحج وأخذ عن مشايخ الحرمين الشريفين، ثم رجع إلى عدن.
توفي رحمه الله تعالى سنة (٩٠٢ هـ).
1 / 15
علمه وفضله ومصنفاته:
كان مؤرخنا رحمه الله تعالى مالك ناصية العلوم وفارس ميدانها، وحائز قصب السبق على حلبة رهانها.
وكان من أحسن الناس تدريسا، وذكر جماعة أنهم لم يروا مثله في حل المشكلات وتحقيق المعضلات، وصار عمدة في عدن هو وعصريّة محمد بن عمر باقضام المتوفى سنة (٩٥٢ هـ)، والفقيه محمد باقضام كان كثير الاستحضار للفروع، حسن التصرف فيها، لكن ليس له في غير الفروع يد، وأما صاحب الترجمة الشيخ الطيب بامخرمة .. فقد شارك في كثير من العلوم؛ كالتفسير والحديث والفقه والعربية، وكان يقول: إني أقرأ في أربعة عشر علما.
كان حسن السيرة والمحاضرة، لطيف المذاكرة، كثير الاستحضار لفروع الأحكام التي تخفى على كثير من العلماء الأعلام، وخصوصا في كتب الشيخين وغيرهما من المتأخرين.
صنف كتبا كثيرة، منها:
- «شرح صحيح مسلم»: قال الشلي في «السنا الباهر» (ص ٤٦٢، خ): (وصنف كتبا كثيرة، منها «شرح صحيح مسلم» غالب استمداده من «شرح الإمام النووي»، بل هو هو في الحقيقة مع زيادات وتحقيقات في بعض المواضع).
- «أسماء رجال مسلم»: لم نجد من تكلم عنه بشيء غير ذكرهم له بأنه من مؤلفات صاحب الترجمة.
- «النسبة إلى المواضع والبلدان»: هو معجم جغرافي مبني على نسبة الإنسان وغيره إلى البلدان أو الأمصار أو القرى أو الحصون أو الجبال أو الأنهار أو غير ذلك، وهو حافل بتراجم الرجال وذكر المشاهير، توسع فيه بإيراد الأقوال والأشعار، مضبوط بالنص على الحروف والحركات والأوزان، مفيد في بابه، ونقل عن مصادر بعضها مفقود اليوم، وقد طبع في مجلد فاخر، اعتنى به السيد عبد الله بن محمد الحبشي حفظه الله تعالى.
- «تاريخ ثغر عدن»: وهو كتاب لطيف، يتحدث عن تاريخ عدن حرسها الله تعالى، وقد جاء الكتاب على قسمين:
القسم الأول: في ذكر شيء مما جاء فيها من الآيات والأحاديث والآثار والأشعار وغير ذلك؛ من ذكرها وذكر سورها ومشهور دورها، وباب برّها، وما ينسب إليها مما هو حواليها من الأماكن والمواطن.
1 / 16
القسم الثاني: في ذكر تراجم من نشأ بها أو وردها من العلماء والصلحاء، والملوك والأمراء، والتجار والوزراء.
حققه المستشرق الهولندي أوسكار لوفغرين، وطبع بليدن عام (١٩٥٠ م)
- «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر»: وهو كتابنا هذا.
مناصبه:
كان مؤرخنا في أول حياته مفتيا ومدرسا فحسب، وامتحن بقضاء عدن عند كبر سنه وضعف قواه، وكان سبب قبوله إلحاح الدولة عليه بتسلّم هذا المنصب إضافة إلى فقره خاصة وأنه يعول عائلة كبيرة، فاضطرّ للقبول، وذلك في سنة (٩٣٤ هـ).
وفاته:
أصابه رحمه الله تعالى في آخر عمره مرض، ولم يزل يتزايد به حتى منعه من الصلاة إلا بالإيماء برأسه، ومكث نحو سنتين أو أكثر على هذه العلة إلى أن مات رحمه الله تعالى في سادس شهر المحرم سنة (٩٤٧ هـ) بعدن، ودفن في قبر جده لأمه القاضي العلامة محمد بن مسعود أبي شكيل بوصية منه، وذلك في قبة الشيخ جوهر رحمهم الله تعالى.
وكثر الحزن والتأسف من الخاص والعام، وكان ﵀ من محاسن الدهر، جمع الله فيه من محاسن الصفات؛ من التواضع، وحسن الخلق، والبشاشة، ولين الجانب، وكرم النفس، وصلة الإخوان، والصبر والرفق ومداراة الناس، وحسن التدبير، والمواظبة على الطاعة.
قال تلميذه وابن أخيه العلامة عبد الله بن عمر بامخرمة: ولما توفي كنت غائبا بمكة شرفها الله، فلما رجعت وبلغني خبر وفاته .. رثيته بقصيدة مطلعها: [من الكامل]
انهدّ ركن الدين وهو قويم ... وانهار طود المجد وهو صميم
وتغيّرت شمس البلاد وأظلمت ... وتناثرت من أفقهنّ نجوم
والأفق منعكر الظّلام كأنّما ال ... دّخان في جوّ السّما مركوم
هذي علامات القيامة هذه ال ... أشراط هذا الموعد المحتوم
هذا الإمام قضى عليه نحبه ... الطيّب العلاّمة المرحوم
شيخ العلوم وناشر أعلامها ... محيي الفهوم إذا تموت فهوم
1 / 17
علم الأئمة واحد في عصره ... ولكل عصر واحد معلوم
من للعلوم الزهر بعد وفاته ... هيهات قد رمست وراه علوم
ومنها:
مولاي أوحشت الديار فهذه ... أطلالكم فيها تصيح البوم
لا عيش يصفو بعدكم كلاّ ولا ... تلك الرسوم وإن عظمن رسوم
قد كانت الدنيا تزين بذكركم ... منها العراق ومصرها والرّوم
واختص ذا اليمن المبارك بالذي ... قد خصه واليمن فيه قديم
لا سيّما عدن فقد فخرت بكم ... فخرا على وجه العلى مرقوم
والثغر منها كان يبسم ضاحكا ... فاليوم يبكي واعترته هموم
لهفي على تلك المحاسن إنها ... كالزهر وهو الطيب المشموم
وسع الأنام فكلهم أولاده ... راضون عنه كأنه معصوم
كثرت فضائله فطاب لقائل ... في وصفه المنثور والمنظوم
***
1 / 18
وصف النّسخ الخطّيّة
اعتمدنا في إخراج هذا الكتاب على خمس نسخ خطية:
الأولى: الأصل؛ لأنها نسخة كاملة بأجزائها الثلاثة، ولأنها مكتوبة من نسخة مسودة المصنف رحمه الله تعالى، وهي نسخة مكتبة يني جامع، محفوظة بالمكتبة السليمانية بإسطنبول، رقم: (٨٨٣)، وعدد أوراقها (٦٠٤) ورقة، ومتوسط عدد الأسطر (٣٣) سطرا، ومتوسط عدد كلمات السطر الواحد (١٦) كلمة.
جاء في طرتها: هذه النسخة مكتوبة من نسخة مسودة المصنف ﵀ رحمة واسعة، حيث لم يف عمره إلى التبييض.
وكان الفراغ من نسخها يوم الثلاثاء التاسع من شهر ربيع الآخر أحد شهور السنة الأولى بعد الألف من هجرته عليه أفضل الصلاة والسلام بخط أفقر عباد الله وأحوجهم إليه يحيى بن أحمد بن علي الصعدي الشافعي عفا الله عنه وعن والديه وعن جميع المسلمين، آمين.
ورمزنا لها ب (ت)
الثانية: نسخة مكتبة الأحقاف-برقم (٢١٥٦) و(٢١٥٨)، وهي نسخة كاملة اعتراها نقص في بعض الأماكن، خطها نسخي معتاد، مكونة من ثلاثة أجزاء في مجلدين، وعدد أوراقها (٥٦٦) ورقة، متوسط عدد الأسطر (٣٣) سطرا، وعدد كلمات كل سطر (١٩) كلمة، برسم الأمير المؤيد بالله محمد بن القاسم بن محمد بن رسول سنة (١٠٣٥ هـ).
ورمزنا لها ب (ق)
الثالثة: نسخة مكتبة الأحقاف-مجموعة عمر بن أحمد بن سميط برقم (٢)، رقم:
(٢١٥٧)، وتحتوي على الجزء الثاني فقط مع بعض النقص في آخرها، وعدد أوراقها (١٩٠) ورقة، ومتوسط عدد الأسطر (٢٩) سطرا، ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحد (١٤) كلمة.
وهي نسخة بخط نسخي، ورءوس التراجم بالحمرة، وكانت كتابتها في القرن العاشر ظنّا، وعليها تملكات أقدمها سنة (١٠٨٨ هـ)، وبها آثار رطوبة وأرضة.
ورمزنا لها ب (س)
1 / 19
الرابعة: نسخة مصورة عن نسخة المتحف البريطاني، وتحتوي على الجزء الثالث كاملا، وخطها نسخي، وعدد أوراقها (٢٠١) ورقة، ومتوسط عدد الأسطر (٣١) سطرا، ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحد (١٥) كلمة، وهي نسخة منقولة عن نسخة الأحقاف التالية الذكر رقم (٢١٥٩) والتي كتبت بخط العلامة عمر بن إبراهيم الحباني (١) وتاريخ نسخها سنة (١٠٣٠ هـ) بخط الفقيه صلاح بن أحمد بن داعر.
ورمزنا لها ب (م)
الخامسة: أيضا نسخة مكتبة الأحقاف-مجموعة حسين بن سهل-رقم: (٢١٥٩)، وتحتوي على الجزء الثالث كاملا، وهي نسخة بخط نسخي، والعناوين بالحمرة، وبها آثار ترميم، وعدد أوراقها (٢٣٦) ورقة، ومتوسط عدد الأسطر (٢٩) سطرا، ومتوسط عدد الكلمات في السطر الواحد (١٥) كلمة، ناسخها العلامة عمر بن إبراهيم الحباني رحمه الله تعالى، وكان الفراغ من نسخها أوائل شهر جمادى الأخرى سنة (٩٨٧ هـ)، وهي برسم الشيخ الكبير العلامة عمر بن عبد الله بن علوي بن عبد الله بن أبي بكر العيدروس رحمه الله تعالى، وهو أول التملكات.
ورمزنا لها ب (ل).
***
_________
(١) توفي العلامة عمر الحباني سنة (٩٩٥ هـ)، وكان نسّاخا، كتب بقلمه نحو أربعين مجلدا من عيون المؤلفات والكتب. انظر «تاريخ الشعراء الحضرميين» (١/ ١٧٩).
1 / 20
منهج العمل في الكتاب
- نسخنا الكتاب وقابلناه بالنسخ الخطية، وأثبتنا الفروق المهمة.
-دوّنا بعض حواشي المخطوطات التي رأينا إثباتها، وهي قليلة جدّا.
-وضعنا الآيات القرآنية بين قوسين ()، وجعلناها برسم المصحف الشريف على رواية الإمام حفص عن عاصم.
-قمنا بتخريج الأحاديث من المصادر الحديثية.
-رصّعنا الكتاب بعلامات الترقيم المناسبة وفق المنهج المتبع في الدار.
-نسبنا الأبيات الشعرية إلى بحورها.
-وضعنا في مقدمة الكتاب ترجمة للمؤلف رحمه الله تعالى.
-وضعنا لكل ترجمة عنوانا بين معقوفين يتضمن ما يشتهر به صاحب الترجمة؛ ليتميز عن غيره.
-رقمنا التراجم ترقيما تسلسليا من أول الكتاب إلى آخره.
-باعتبار أن الكتاب لا يزال مسودة ولم يبيّض زدنا بعض الكلمات وأحيانا جملا كاملة لا يستقيم النص بدونها معتمدين على موارد المؤلف، وذلك دون تنبيه في الغالب؛ لكثرة هذه الزيادات، واقتصرنا على وضعها بين معقوفين.
-قمنا بتغيير بعض الكلمات التي كان الخطأ والسهو فيها من النساخ أو من المؤلف بيّنا دون الإشارة في الهامش؛ وذلك لأسباب ثلاثة:
١ - كثرة هذا السهو مما يؤدي إلى تشويه الكتاب وإثقاله بالحواشي.
٢ - عدم استقامة الكلام بدون هذا التغيير البيّن.
٣ - اتباع مصادر الترجمة في إيرادها لهذه الكلمات، وخاصة المصادر التي يعتمد عليها المصنف كثيرا، والتي نجد فيها تطابقا كبيرا مع ما يورده المصنف، كتاريخ الذهبي الموسوم
1 / 21
ب «العبر»، وكتاريخ ابن خلكان المسمّى «وفيات الأعيان»، وك «طراز أعلام الزمن»، والكتب التي ينقل عنها المؤلف ناسبا الكلام إلى مصنفيها.
-علقنا على بعض المفردات التي تحتمل أكثر من وجه بذكر الفروق التي وجدناها في المصادر والتي قد تفيد القارئ.
-أوردنا في الهامش مصادر كل ترجمة بما يتناسب مع قدر المترجم له وطول الترجمة وقصرها مع الاهتمام بمنزلة صاحب الترجمة؛ فإن كان فقيها .. لم نغفل المصادر التي تعنى بتراجم الفقهاء، وإن كان قارئا .. لم نغفل المصادر التي تعنى بتراجم القراء، وإن كان نحويا أو أديبا .. فكذلك، وهكذا.
-إذا اتفقت المصادر على وفاة من نترجم له مخالفة ما في كتابنا .. قمنا بتصحيح ذلك، ونقلنا الترجمة إلى موضعها الصحيح حسب الطبقات والسنوات.
-إذا أعاد المؤلف إحدى التراجم مرة أخرى في طبقة أخرى .. أحلنا الترجمة التي ذكرت فيها وفاة صاحب الترجمة خطأ على الترجمة التي فيها تاريخ الوفاة صوابا، وذكرنا مصادر الترجمة في الموضع الأصلي للترجمة.
-خرجنا النصوص التي نقلها المؤلف عن غيره من المؤرخين.
-مقابلة نصوص التراجم والحوادث بالمصادر والمراجع التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب.
-شرحنا الكلمات الغامضة وخاصة ما استعمل فيه اللهجة اليمنية.
***
1 / 22
صور المخطوطات المستعان بها
1 / 23
راموز ورقة العنوان للنسخة (ت) المجلد الأول
راموز الورقة الأولى للنسخة (ت) المجلد الأول
1 / 25
راموز الورقة الأخيرة للنسخة (ت) المجلد الأول
راموز ورقة العنوان للنسخة (ت) المجلد الثاني
1 / 26
راموز الورقة الأولى للنسخة (ت) المجلد الثاني
راموز الورقة الأخيرة للنسخة (ت) المجلد الثاني
1 / 27