الكتاب: القَولُ البَدِيعُ في الصَّلاةِ عَلَى الحَبِيبِ الشَّفِيعِ
المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي (المتوفى: ٩٠٢هـ)
الناشر: دار الريان للتراث
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
1 / 7
تعريف بالمؤلف:
هو: الإمامُ العلَّامةُ الحافظُ / شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي - نسبة إلى سخا شمال مصر - الشافعي، (٨٣١ هـ الموافق ١٤٢٨ - ٩٠٢ هـ) .
مؤرخ كبير وعالم حديث وتفسير وأدب شهير من أعلام مؤرخي عصر المماليك. ولد وعاش في القاهرة، ومات بالمدينة المنورة سافر في البلدان سفرا طويلا وصنف أكثر من مائتي كتاب أشهرها الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ترجم نفسه فيه بثلاثين صفحة.
[مولده]
ولد شمس الدين السخاوي في ربيع الأول سنة ٨٣١ هـ، الموافق ١٤٢٨م، في حارة بهاء الدين - في تلك الفترة - قريبا من مدرسة شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بالقرب من باب الفتوح - حاليا - بالقاهرة، وبعدها انتقل إلى ملك لأبيه مجاور لمسكن ابن حجر العسقلاني.
[نشأته العلمية]
بداية؛ أرسله أبوه إلى المؤَدِّب الشَّرف عيسي بن أحمد المقسي الناسخ فأقام عنده فترة قصيرة، ثم نقله أبوه إلى زوج أخته الفقيه الصالح البدر حسين بن أحمد الأزهري أحد أصحاب الشيخ يوسف الصَّفِّي المالكي فقرأ عنده القرآن.
بعدها بفترة، توجه به أبوه إلى الفقيه الشيخ الشمس محمد بن أحمد النحريري السعودي الضرير - مؤدب البرهان بن خَضِر والجلال بن الملقِّن وابن أسد وغيرهم من العلماء الكبار في هذا العصر لاستكمال تعلم القرآن وعلوم تجويده، وحفظ منه فوائد ونوادر في الأدب، وقرأ عليه بعض الحديث، وبعدها انتقل بأمر من السعودي الضرير إلى الشيخ الشهاب بن أسد فحفظ عنده كتاب عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني المقدسي، وكتاب التنبيه - ألفه عم السخاوي -، وكتاب المنهاج الأصلي وألفية بن مالك وكتاب النخبة، وكذلك قرأ عليه القرآن بقراءة أبو عمرو وابن كثير المقرئ، وكذلك تدرب على القراءة والمطالعة، حتى صار يشارك غالب من يتردد عليه في فهم القرآن والفقه وغيره.
كانت من عادة السخاوي أنه كلما حفظ كتابا عرضه على شيوخ عصره لكن لم يأخذ عنهم؛ ومنهم:
المحب بن نصر الله البغدادي الحنبلي.
الشمس بن عمَّار المالكي.
الشيخ النور التلواني - نسبة لتلوانة.
الجمال عبد الله الزيتوني - نسبة لمنية الزيتون.
الشيخ الزين عُبادة، ومعه الشمس البِسَاطِي، وجده.
بعدها حفظ ألفية العراقي وكتاب شرح النخبة وغالب كتاب الشاطبية وبعض كتاب جامع المختصرات، ومقدمة الساوي في العروض وكتب أخرى كثيرة لم يكمل حفظها.
بعد ذلك قرأ بعض القرآن علي الشيخ النور البلبيسي - نسبة لبلبيس - إمام الأزهر، وقرأ على الشيخ الزين عبد الغني الهيثمي على رواية بن كثير، وسمع كثيرا من الروايات السبعة والعشرة على الشيخ الزين رضوان العُقْبِي، والشيخ الشهاب السكندري وغيره من مشايخ هذا العصر. بل يقول السخاوي أنه سمع الفاتحة وبداية سورة البقرة على شيخه بقراءة بن أسد وجعفر السنهوري وغيرهما من مشايخ القراءات في هذا العصر.
حفظ القرآن وهو صغير، ثم حج في سنة خمس وثمانين وجاور سنة ست وسبع وأقام منهما ثلاثة أشهر بالمدينة المنورة ثم حج سنة اثنين وتسعين وجاور سنة ثلاث وأربع ثم حج سنة ست وتسعين وجاور إلى أثناء سنة ثمان وتوجه إلى المدينة فأقام بها أشهر أو صام رمضان بها ثم عاد في شوال إلى مكة وأقام بها مدة ثم رجع إلى المدينة وجاور بها حتى مات سنة اثنتين وتسعمائة يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك.
يعتبر الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، كتاريخ للتاريخ الإسلامي فقد سمع السخاوي الكثير عن أستاذه وشيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى ٨٥٢ هـ. وقد لازمه أشد الملازمة وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره. وأخذ عنه أكثر تصانيفه وقال عنه هو أمثل جماعتي.
[مؤلفاته]
ترك السخاوي تراثا علميًا ناصعًا في الحديث والتاريخ، منه - في الحديث:
المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة.
الأخبار المكللة في الأحاديث المسلسلة.
الغاية في شرح الهداية.
شرح الشمائل النبوية لالترمذي.
التحفة المنيفة فيما وقع من حديث أبي حنيفة.
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث.
في التاريخ:
الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع.
التبر المسبوك في ذيل السلوك.
بغية العلماء والرواة في أخبار القضاة (ذيل رفع الإصر) .
التوبيخ لمن ذم أهل التاريخ.
1 / 8
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي شرف قدر سيدنا محمد الرسول الكريم، وخصنا بالصلاة عليه، وأمرنا بذلك في القرآن الحكيم، ومَنَّ علينا باتباع هذا النبي الرحيم، وحبب إلينا اقتفاء آثاره في القديم والحديث، وخص أهل هذا الشأن بالخصال الجميلة والفضل الجسيم، وجعلهم أولى الناس برسوله السيد العظيم؛ لإكثارهم كتابة وقراءة وسماعا من الصلاة والتسليم عليه، اللهم صلِ على سيدنا محمد وآله وصحبه أولى الفضل العميم صلاة وسلامًا دائمين يضيء نورهما جنح الليل البهيم.
1 / 9
القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع
المقدمة
أما بعد فإن الله بقدرته وسلطانه، ورأفته وإحسانه، بعث سيدنا محمد ﷺ، وشرف وركم، الدين القويم، والمنهج المستقيم، والخلق العظيم، والخلق السليم، وارساه رحمة للعالمين، ونجاة لمن آمن به من الموحدين، وإمامًا للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين، وشفيعًا في المحشر ومفخرًا للمعشر، ومزيلًا للغمة، عن جميع الأمة، أرسله على حين فترة نت الرل فهدى به لا قوم الطرق وأوضح السبل، وأفترض على العباد طاعته وتعزيزه، وتوقيره ورعايته، والقيام بحقوقه، وإمتثال ما قرره في مقهومه ومنطوقه، والصلاة عليه والتسليم، ونشر شريعته بالعلم والتعليم، وجعل الطرق مسدودة عن جنته، إلا لمن سلك طريقه واعترف بمحبته، وشرح له صدره ورفع له ذكره ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره، فيا سعة من وفق لذلك، ويا ويح من قصر عن هذه المسالك، وصلى الله وسلم عليه، وزاده فضلًا وشرفًا لديه، وكنت بحمد الله في تحصيل سنته ملازمًا، وتتبع آثاره وضبطها هائمًا، رجاء لحصول الثواب وقصدًا لقرع الباب، فيألني بعض الأصدقاء المحبين، من الفضلاء المتعبدين، ممن يتعين إجابة رسول الله، لتحقق فضله وكثرة أفضاله، أن أجمع كتابًا في الصلاة على سيد البشر، استجلابًا من الله للصلات والبشر، يكون عمدة لمن رجع إليه، وكفاية لمن عول عليه، وعدة في الوسائل، وقربة للجميل من الخصائل، ونجاة من أهل الدارين، وأكتسابًا
1 / 11
للمواهب السنية وما يندفع به الشين، غير مطيل في ذلك بالإسناد، ليسهل تحصيله لأولى التوفيق والسداد، ومعقبًا كل حديث بعزوه لمن رواه، مبينًا غالبًا صحته أو حسنه أو ضعفه لدفع الأشياء، ذاكرا نبذة يسيرة من الفوائد المأثورة، والنوادر المشهورة، والحكايات المسطورة، مما يتضمن المعنى المذكور، المضاعف لفاعله الخير والأجر، سالك في ذلك كله مسلك الإختصار، دون الهذر والإكثار، فاعتذرت له بمعاذير لم يلتفت إليها، ولا عول في العدول عن مقصده عليها، فعند ذلك أخذت في سبب التقتير عن مدارك قصده، خشية التنفير عن مصادقته ووده، فإذا البحر عميق، والمجا غريق، ومقام النبوة بالفضائل حقيق، ومن قال وجد مكان القول ذا سعة ولكن أين اللسان المطيق المنطيق، وأين العبارة التي تذيق طعم الشفاء ولا تضيق، غير أنها إضافة ونسبة، ورتبة في التصنيف دون رتبة، وعاجز وأعجز، ولو وعد أح من نفيه استيفاء هذا الباب لما أنجز، لكن المرجو من فضل الله ذي المن والجود، أن يكون هذا التأليف إمامًا في كثرة الجمع وحائز الجل المقصود، وقد رتبته على مقدمة وخمسة أبواب وخاتمة.
أما المقدمة ففي تعريف الصلاة لغة وإصطلاحًا وحكمها ومحلها والمقصود بها وختمتها بنبذة من فوائد الآية الشريفة التي هي أصل الباب.
1 / 12
أبواب الكتاب
الباب الأول: في الأمر بالصلاة على رسول الله ﷺ وكيفية ذلك على اختلاف أنواعه والأمر بتحسين الصلاة عليه والترغيب في حضور المجالس التي تصلي فيها عليه وأن علامة أهل السنة الكثرة منها وأن الملائكة تصلي عليه على الدوام وامهار آدم لحوا ﵉ الصلاة عليه وأن بكاء الصغير مدة صلاة عليه والأمر بالصلاة عليه لذا صلى على غيره من الرسل وما ورد في الصلاة على غير الأنبياء والرسل والخلاف في ذلك، وختمته بفائدة حسنته في أفضل الكيفيات في الصلاة وفي غير ذلك وفصول سبعة عشر مهمة.
الباب الثاني: في نوايا الصلاة على رسول الله ﷺ لمن صلى عليه من صلاة الله ﷿ وملائكته ورسوله وتكفير الخطايا وتزكية الأعمال ورفع الدرجات ومغفرة الذنوب واستغفارها لقائلها وكتابة قيراط مثل أحد من الأجر والكيل بالمكيال الأوفى وكفاية أمر الدنيا والآخر لمن جعل صلاته كلها صلاة عليه ومحق الخطايا وفضلها على عتق الرقاب والنجاة بها من الأهوال وشهادة الرسول بها ووجوب الشفاعة ورضى الله ورحمته والامان من سخطه والدخول تحت ظل العرش ورجحان الميزان وورود الحوض والامان من العطش والعتق من النار والجواز على السراط ورؤية المقعد المقرب من الجنة قبل الموت وكثرة الأزواج في الجنة ورجحانها على أكثر من عشرين غزوة وقيامها مقام الصدقة للمعسر وأنها
1 / 13
زكاة وطهارة وينمو المال ببركتها وتقضي بها مائة من الحوائج بل أكثر وأنها عبادة وأحب الأعمال إلى الله وتزين المجالس وتنفي الفقر وضيق العيش ويلتمس بها مظآن الخير وأن فاعلها أولى الناس به وينتفع هو وولده وولد ولده بها ومن أهتديت في صحيفته ثوابها وتقرب إلى الله ﷿ وإلى رسوله وأنها نور وتنصر على الأعداء وتطهر القلب من النفاق والصدا وتوجب محبة الناس ورؤية النبي ﷺ في المنام وتمنع من اغتياب صاحبها وهي من أبرك الأعمال وأفضلها وأكثرها نفعًا في الدين والدنيا وغير ذلك من الثواب المرغب للفطن الحريض على اقتناء ذخائر الأعمال وإجتناء الثمرة من نضاير الأمال في العمل المشتمل على هذه الفضائل والمناقب الكريمة والفوائد الجمة العميمة التي لا توجد في غيره من الأعمال، ولا تعرف لسواه من الأفعال والأقوال ﷺ تسليمًا كثيرة، وختمته بفصول مهمة.
والباب الثالث: في التحذير من ترك الصلاة عليه عندما يذكر ﷺ بالدعاء بالإبعاد والأخبار له بحصول الشقا ونسيان طريق الجنة ودخول النار والوصف بالجفاء وأنه أبخل الناس والتنفير من ترك الصلاة عليه لمن جلس مجلسًا وإن من لم يصل عليه لا دين له وغير ذلك وختمته أيضًا بفوائد نفيية.
والباب الرابع: في بليغه ﷺ سلام من يسلم عليه ورده السلام وغير ذلك من الفوائد والتتمات.
والباب الخامس: في الصلاة عليه ﵌ في أوقات مخصوصة كالفراغ من الوضوء ونحوه وفي الصلاة وعند إقامتها وعقبها وتأكد ذلك بعد الصبح والمغرب في التشهد والقنوت وعند القيام للتهجد وبعده والمرور بالمساجد ورؤيتها ودخولها والخروج منها وبعد إجابة المؤذن ويوم الجمعة وليلتها وخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء والكسوفين وفي أثناء تكبيرات العيد وعلى الجنازة وعند إدخال الميت في القبر وفي رجب وشعبان وعند رؤية الكعبة وفوق الصفا والمروة والفراغ من التلبية واستلام الحجر وفي الملتزم وعشية عرفة ومسجد الخيف وعند رؤية المدينة وزيارة قبره ووداعه ورؤية اثاره الشريفة ومواطئه ومواقفه مثل بدر وغيرها وعند الذبيحة وعقد البيع وكتابة الوصية والخطبة للتزويج وفي
1 / 14
طرفي النهار وعند أرادة النوم والسفر وركوب الدابة ولمن قل نومه وعند الخروج إلى السوق أو الدعوة ودخول المنزل وأفتتاح الرسائل وبعد البسلمة وعند الهم والكرب والشدائد والفقر والغرق والطاعون وفي أول الجعاء وأوسطه وآخره وعند طنين الأذن وخدر الرجل والعطاس والنسيان واستحسان الشيء ونهيق الحمير وأكل الفجل والتوبة من الذنب وما يعرض من الحوائج وفي الأحوال كلها ولمن أتهم هو بريء وعند لقاء الإخوان وتفرق القوم بعد اجتماعهم وختم القرآن ولحفظه وعند القيام من المجلس وكل موضع يجتمع فيه لذكر الله افتتاح كل كلام وعند ذكره ونشر العلم وقراءة الحديث والإفتاء والوعظ وكتابة اسمه وثواب كتابتها وما قيل فيمن أغفله وغير ذلك ﵌ وفي أثناء ذلك فوائد حسنة وتنبيهات مهمة.
وأما الخاتمة: ففي جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وما شترط في ذلك وفيها أمور مهمة ثم اسود اسماء الكتب المصنفة في هذا الباب وأبين ما وقفت عليه منها ثم أذكر اسماء الكتب التي أنتفعت بها في هذا التأليف المرجو حصول النفع به في الدارين وقصدت بجعله خمسة أبواب رجاء أن يحفظني الله تعالى في الحواس الخمس وسميته (القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع) والله اسأل أن ينفع به كاتبه وجامعه وناظره وسامعه وأن يحفني فيه بالإخلاص باطنًا وظاهرًا ويكون لي في الشدائد والكروب عونًا وناصرًا ويحشرني في الزمرة المحمدية، ويرزقني الفهم الصالح في الكتاب والسنة النبوية بمنه وكرمه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.
1 / 15
تعريف الصلاة لغة واصطلاحًا
المقدمة في تعريف الصلاة لغة واصطلاحًا وحكمها محلها والمقصود بها أما أصلها لغة فيرجع إلى معنيين احدهما الدعاء والتبرك فمنه: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾، وقوله وصلاة السول وقوله، ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ ومنه الصلاة على الجنازة أي الجعاء للميت أنشدوا:
وقابلها الريح في دنها وصلى على دنها وارتم
قال أبو عمر النميري ومنه قول الأعشى:
لها حارس لا يبرح الجهر ينهها وإن ما دعت صلى عليها وزمزما
وسمي الدعاء صلاة لأن قصد الداعي جميع المقاصد الحسنة الجميلة والمواهب السنية الرفيعة أولًا وآخرًا ظاهرًا وباطنًا دينا ودنيا بحسب إختلاف السائلين ففيه معنى الجمعية كما سيأتي والله أعلم.
والمعنى الثاني، العبادة، ومنه قوله ﵊ إذا دعى أحدكم إلى طام فإن كان صائمًا فليصل وقد فير بالمعنى الأول أيضًا وهو الأكثر وقيل أن الصلاة في اللغة الدعاء وهو على نوعين دعاء عبادة ودعاء مسألة فالعابد داع كالسائل وبهما فير قوله تعالى أدعوني أستجب لكم فقيل أطيعوني أثبكم وقيل سلوني أعطكم وقوله ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ .
1 / 17
قال ابن القيم: والصواب أن الدعاء يعم النوعين قال وبهذا تزول الإشكالات الواردة على اسم الصلاة الشرعية هل هو منقول عن موضوعه في اللغة فيكون حقيقة شرعية لا مجازًا شرعيًا فعلًا هذا تكون الصلاة باقية على مسماها في اللغة وهو الدعاء والدعاء دعاء عبادة ودعاء مسألة والمصلي من حين تكبيره إلى سلامه بين دعاء العبادة ودعاء المسألة فهة في صلاة حقيقة لا مجازًا ولا منقولة ولكن خص اسم الصلاة بهذه العبادة المخصوصة كسائر الألفاظ التي يخصها أهل اللغة والعرف ببعض مسماها كالدابة والرأس ونحوهما فهذا غاية تخصيص اللفظ وقصره على بعض موضوعه وهذا لا يوجب نقلًا ولا خروجًا عن موضوعه الأصلي انتهى.
ولما ذكر العلامة اللغوي مجد الدين اختلاف العلماء هل هي الدعاء أو مشتقة من الصلاة بالقصر وهي النار أو الملازمة أو الترحم أو التعظم أو غير ذلك مما ذكر عن الحليمي عقب ذلك بقوله ونحن بتأييد الله وتوفيقه لا نعرج على شيء مما ذكروه وعندنا فيها قول هو القول إن شاء الله تعالى.
وذلك أن مادة ص ل وو ل ي موضوعه لأصل واحد وملحوظ لمعنى مفرد وهو الضم والجمع وجميع تفاريعها راجعة إلى هذا المعنى وكذلك سائر تقاليبها كيف ما تصرفت وتقلبت كان مرجعها إلى هذا المعنى وبيان ذلك أن ص ل ومنها الصلاة وسط الظهر من الإنسان ةمن كل ذي أربع وقيل ما أنحدر من الوركين كل ذلك لما فيه من الإنضمام والإجتماع ومنه صلاة بالنار شواه لأنه ينضم ويجتمع اجزاؤه وصلا يده سخنها وادفاها لأنضمام الحرارة إليها وصلاه خاتله وخدعه لأنه ينضم ويجتمع لخدعه كإنضمام الصياد منه الصلاية لمدق الطيب يجمع فيه الطيب والمصلي من أفراس الحلبة يجمع مع السابق والصلاة كنايس اليهود لاجتماعهم فيها ومنها ص ول منه صال على قرنه صولا إذا سطا عليه ووثب إليه والمصولة المكنسة لأنه يجمع بها الكناسة والصيلة بالكسر عقدة في العدبة والمصول شيء يجمع فيه الحنظل وينقع لتذهب مرارته والتصويل كنس نواحي البيدر أي جمع مل تفرق منها.
الثالثة: ل وص تقول لا ص لوصا إذل لمح من خلل الباب كالمختفي وكذلك لا وص ملاوصة واللصوص واللواص والملوس الفالوذ لانعقاده وانجماعه
1 / 18
واللواص أيضًا العسل لذلك أو لاجتماعه في الخلية ولا ص حاد عن الطريق كأنه طلب الإختفاء والإجتماع وكذلك ل ي ص.
والرابعة: ل ص وو ل ص ي تقول لصاه يلصوه ولصا إليه إذا أنضم إليه لريبة وكذلك لصى يلصى كرمى يرمي ولصى يلصى كرضى يرضي.
والخامسة: وص ل وصله وصلا وصله لامه ووصل الشيء ووصل إلى الشيء وصولا ووصلا وصلة بلغه وأجتمع به وأنتهى إليه ومنه الوصيلة الناقة التي وصلت بين عشرة البطن والشاة التي ولدت سبعة أبطن عناقين عناقين فظهر بذلك معنى الضم والجمع في جميع مواد الكلمة فيميت الأفعال المشروعة المخصوصة صلاة لما فيها من اجتماع الجوارح الظاهرة والخواطر الباطنة وإزاحة المصلي عن نفيه جميع المفرقات والمكدرات وجمعه جميع المهمات المجتمعات للحاظر المسكنات أو لاشتمالها على جميع المقاصد والخيرات وكونها أصل العبادات وأم الطاعات انتهى.
وتستعمل الصلاة بمعنى الاستغفار أيضًا ومنه قوله ﷺ أني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم إنه فير في الراوية الأخرى أمرت أن أستغفر لهم وتستعمل بمعنى البركة ومنه قوله ﷺ اللهم صل على آل أبي أوفى وتستعمل بمعنى القراءة ومنه قوله ﴿لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ وبمعنى الرحمة والمغفرو وأما قول الأعشى:
تراوح من صلاة المليك فطورا سجودا وطورا جوارا
فالمراد به الصلاة الشرعية التي فيها الركوع والسجود والحوار هنا الرجوع إلى القيام والقعود إذا تقرر هذا فليعلم أن الصلاة يختلف حالها بحسب حال المصلي والمصلي له والمصلي عليه ففي البخاري عن أبي العاليه أن معنى صلاة الله على نبيه ثناؤه عليه عند ملائكته ومعنى صلاة الملائكة عليه الدعاء له وكذا روينا في أواخر الثامن من حديث الخرساني عن الربيع بن أنس في قوله أن الله ملائكته يصلون على النبي قال صلاة الله عليه ثنلؤه عند ملائكته وصلاة الملائكة عليه الجعاء له وقوله يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه أدعوا له وعند ابن أبي خاتم في تفييره عن
1 / 19
سعيد بن جبير مقاتل بن حيان هو الذي يصلي عليكم يغفر لكم ويأمر الملائكة أن يستغفروا لكم وعن ابن عباس أن معنى صلاة الملائكة الدعاؤ بالبركة وقد علق ذلك البخاري عنه فقال وقال ابن عباس يصلون يبركون وتقل الترمذي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا صلاة الرب الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار وهو منقول عن ابي العالية والضحاك إلا أنهما قالا صلاة الملائكة الدعاء وقال الضحاك بن المزاحم أيضًا صلاة رحمته وفي رواية عنه مغفرته وصلاة الملائكة الدعاء أخرجهما إسماعيل القاضي من طريقه فكأنه يريد الدعاء بالمغفرة نحوها ورجع الشيخ شهاب الذين القرافي أن الصلاة من الله المغفرة وكذا فيرها الأرموي والبيضاوي وقال الإمام فخر الدين الرازي والأمدي أنها الرحمة.
وروى ابن أبي حاتم في تفييره أيضًا عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى هل يصلي ربك قال فكان لك كبر في صدر موسى فأوحى الله إليه أخبرهم أني أصلي وأن صلاتي وأن رحمتي سبقت غضبي وهو في معجمي الطبراني الأوسط والصغير عن عطاء بن أبي رياح عن أبي هريرة عنه رفعه قلت يا جبرائيل أيصلي ربك جل ذكره قال نعم قلت ما صلاته قال سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي وعنابن حاتم أيضًا من طريق عطاء المذكور في قوله تعالى أن الله ولا ملائكته يصلون على النبي قال صلاته ﵎ سبوح قدوس سبقت رحمني غضبي وقال المبرد الصلاة من الله الرحمة ومن الملائكة رقة تبعث على استدعاء الرحمة وتعقب بأن الله تعالى غاير بين الصلاة والرحمة في قوله تعالى أولئك عليهم صلات من ربهم ورحمة وكذلك فهم الصحابة المغايرة من قوله صلوا عليه وسلموا تسليمًا حتى سألوا عن كيفية الصلاة مع ما تقدم من ذكر الرحمة في تعليم السلام حيث جاء بلفظ السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وأقرهم النبي ﷺ فلو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لقال لهم قد علمتم ذلك في السلام وقد قال ابن الإعرابي الصلاة من الله الرحمة ومن الآدميين وغيرهم من الملائكة والجن الركوع والسجود والدعاء والتسبيح ومن الطير والهوام التسبيح قال تعالى كل قد علم صلاته وتسبيحه وقال ابن عطية صلوات الله على عبيده عفوه ورحمته وبركته وتشريفه أياهم في الدنيا والآخرة وقال في قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم
1 / 20
وملائكته صلاة الله على العبد هي رحمته له وبركته لديه ونشره الثناء الجميل عليه وصلاة الملائكة دعاؤهم وقال غيره صلاة الملائكة رقة ودعل وقال الراغب الصلاة في اللغة الدعاء والتبريك والتحميد ومن الله التزكية، ومن لملائكة الإستغفار ومن الناس الدعاء وقال الزمخشري لما كان من شأن المصلي أن يتعطف في ركوعه وسجوده أستعير لمن يتعطف على غيره حنوا عليه وترؤفا كعائد المريض في انعطافه عليه والمرأة في حنوها على ولدها ثم كثر حتى استعمل في الرحمة والترؤف ومنه قولهم صلى الله عليك أي ترحم وترأف حكاه المجد اللغوي وقال بعده فإن قلت هو الذي يصلي عليكم إن فيرته بترحم وترأف فما تصنع بقوله تعالى ملائكته قلت هي مثل قولهم اللهم صلي على المؤمنين جعلوا لكونهم مستجابي الدعوى كأنهم فاعلون للرحمة والرأفة وقال الماوردي هو اسم مشترك لمعان فمن الله في أظهر الوجوه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن المؤمنين الدعاء وقال إنما أكدها بالعطف مع اختلاف اللفظ لأنه أبلغ - انتهى.
وجوز الحليمي أن يكون الصلاة بمعنى السلام عليه فإن شيخنا وفيه نظر وحديث كعب وغيره يعني من الإحاديث الآتية يرد على ذلك وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه ثناؤه وتعظيمه وصلاة الملائكة وغيرهم طلب ذلك له من الله تعالى والمراد طلب الزيادة لا طلب أصل الصلاة وقيل صلاة الله على خلقه تكون عامة فصلاته على انبيائه هي ما تقدم من الثناء والتعظيم وصلاته على غيرهم الرحمة فهي التي وسعت كل شيء ونقل عياض عن بكر القشيري قال الصلاة على النبي من الله تشريف وزيادة تكرمه وعلى من دون النبي رحمة.
وبهذا التقرير يظهر الفرق بين النبي ﷺ وبين سائر المؤمنين حيث قال الله تعالى أنه الله وملائكته يصلون على النبي وقال قبل ذلك في السورة المذكورة هو الذي يصلي عليكم وملائكته ومن المعلوم أن القدر الذي يليق بالنبي ﷺ من ذلك أرفع مما يليق بغيره والإجماع منعقد على أن في هذه الآية من تعظيم النبي ﷺ والتنويه به ما ليس في غيرها - أنتهى.
1 / 21
وجعل الحليمي أن معنى صلاة الله تعالى على نبيه تعظيمه له فقال في شعب الإيمان له إما الصلاة في اللسان فهي التعظيم وقيل للصلاة المعهودة صلاة لما فيها من حني الصلاة وهو وسط لأن انحناء الصغير للكبير إذا رآه تعظيمًا منه له في العادات ثم سموا قرائتها أيضًا صلاة إذ كان المراد من عامة ما في الصلاة من قيام وقعود وغيرهما تعظيم الرب ثم توسعوا فيموا كل دعاء صلاة إذا كان الدعاء تعظيمًا للمدعو بالرغبة إليه والتبؤس له وتعظيمًا للمدعو به بإبتغاء ما يبتغي له من فضل الله تعالى وجميل نظره وقيل الصلاة لله أي الأذكار التي يراد بها التعظيم المذكور والإعتراف له بحلالة القدر وعلو الرتبة وكلها لله تعالى أي هو مستحقها لا يليق بأحد سواه فإذا قلنا اللهم صل على محمد فإنما نريد اللهم عظم محمدًا في الدنيا باعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وإجزال أجره ومثوبته وإبداء فضله للأولين والأخرين بالمقام المحمود وتقديمه على كافة المقربين والشهود قال وهذه الأمور وإن كان الله تعالى قد أوجبها للنبي صلى الله عليه وسلك فإن كان شيء منها ذات درجات ومراتب فقد يجوز إذا صلى عليه واحد من أمته وأستجيب دعؤه فيه أن يزاد للنبي ﷺ بذلك الدعاء في كل شيء مما سميناه رتبة ودرجة ولهذا كانت الصلاة مما يقصد بها قضاء حقه ويتقرب بادائها إلى الله ﷿ ويدل على أن قولنا اللهم صلي على محمد صلاة منا عليه لنا لا نملك إيصال ما يعظم به أمره ويعلو به قدره إليه إنما ذلك بيد الله تعالى فصح أن صلاتنا عليه الدعاء بذلك وابتغاؤه من الله جل ثناؤه قال وقد يكون للصلاة على رسول الله ﷺ وجه آخر وهو أن يقال الصلاة على رسول الله ﷺ كما يقال السلام على رسول الله والسلام على فلان وقد قال الله ﷿ ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ ومعناه لتكن أو كانت الصلاة على رسول الله ﷺ كما يقال صلى الله عليه أي كانت من الله عليه الصلاة أو لتكن الصلاة من الله عليه ووجه هذا أن التمني على الله سؤال ألا ترى أنه يقال غفر الله لك ورحمك فيقوم ذلك مقام اللهم أغفر له اللهم أرحمه والله أعلم - انتهى.
كلام الحليمي: وقوله أن معنى الصلاة عليه التعظيم قال شيخنا لا يعكر
1 / 22
عليه عطف آله وأزواجه وذريته عليه فإنه لا يمتنع أن يدعي لهم بالتعظيم إذ تعظيم كل أحد بحسب ما يليق به وما تقدم عن أبي العالية أظهر فإنه يحصل به استعمال لفظ الصلاة بالنسبة إلى الله تعالى وإلى ملائكته وإلى المؤمنين المأمورين بذلك بمعنى واحد ويؤيده أنه لا خلاف في جواز الترحم على غير الأنبياء وأختلف في جواز الصلاة على غير الأنبياء ولو كان معنى قولنا اللهم صل على محمد اللهم أرحم محمدًا أو ترحم على محمد لجاز لغير الأنبياء وكذا بمعنى التزكية وكذا الرحمة لسقط الوجوب في التشهد عند من يوجبه بقول المصلي في التشهد السلام عليك إيها النبي ورحمة الله وبركاته ويمكن الإنفصال بأن ذلك وقع بطريق القصد فلا بد من الإتيان به ولو سبق الإتيان بما يدل عليه.
فائدة: روينا في فضل الصلاة على النبي ﷺ لإسماعيل القاضي عن محمد بن سيرين أنه كان يدعو للصغير كما يدعو للكبير فقيل له أن هذا ليس له ذنب فقال النبي ﷺ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقد أمرت أن أصلي عليه قلت والحكمة في الثاني تؤخذ مما قدمناه قريبًا وكذا مما سأتي في المقدمة أيضًا في قبيل الكلام على تفيير الآية وقد قال الفاكهاني أن لصلاة عليه عبادة لنا وزيادة حسنات في أعمالنا قال وفيه نكتة أخرى بديعة هي أنه أحب الخلق إلى الله ونحن إنما نذكره بأذكار الله لنا فهو الذاكر في الحقيقة ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره انتهى. أو نقول ونحن نصلي عليه صلى الله علينا فيستلزم إكثار صلاته علينا ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره قاله شيخنا.
(فائدة في طلب المغفرة للصغير)
وأما الحكمة في طلب المغفرة للصغير مع أنه لا يلحقه اثم فهي كما قال شيخنا ﵀ إذا سئل عن قولهم في دعاء الجنازة اللهم أغفر لصغيرنا وكبيرنا يحتمل أوجهها أحدها أن يكون المراد بطلبها له تعليقها ببلوغه إذا بلغ وفعل ما يحتاج إليها. ثانيها أن يكون طالبها له ينصرف إلى والديه أو إلى أحدهما أو إلى من رباه. ثالثها أنه ينصرف إليه برفع منزلته مثلًا كما في البالغ الذي لا ذنب له إذا فرض كمن مات بعد بلوغه بقليل أو بعد إسلامه الخالص بقليل. رابعها أنه يتخرج على
1 / 23
أحد أقوال العلماء في الأطفال والمراهقين وكذا من بلغ العشر من السنين فإن كل ذلك محتمل لأن المسألة إجتهادية فيحسن الجعاء لهم بإعتبار ذلك والله أعلم.
(حكم الصلاة)
وأما حكمها: فقد قال شيخنا ﵀ أن حاصل ما وقف عليه من كلام العلماء فيه عشرة مذاهب أولها: قول ابن جرير الطبري وغيره كم لامستحبات وأدعى الطبري الإجماع على ذلك وأعترض عليه في ذلك وومن لمح بالإعتراض عليه أبو اليمين بن عساكر حيث قال: وحمل بعضهم ما ورد من الأمر بذلك في الآية على الندب لا على الوجوب ولا يسلم لهذا القائل قوله ولا يسلم من الإعتراض عليه فيه فإنه أدعى على ذلك الإجماع وهو محل النزاع انتهى.
وقد أول بعض العلماء هذا القول بما زاد على المرة الواحدة وهو متعين والله أعلم.
ثانيها: إنها واجبة في الجملة بغير حصر لكن أقل ما يحصل به الأجزاء مرة وأدعى بعض المالكية الإجماع عليه وعبارة ابن القصار منهم المشهور عن أصحابنا إن ذلك واجب في الجملة على الإنسان وفرض عليه أن يأتي بها مرة من دهره مع القدرة على ذلك ذكر الفاكهاني عقب هذا ما لخصه يحتمل أن يكون أحترز بقوله المشهور عن قول الطبري يعني الماضي ويحتمل أن لا مفهوم لذلك وإنما أراد أشتهر من قول الأصحاب لا إن ثم مخالفًا، وقال القاضي أبو محمد بن نصر الصلاة على النبي ﷺ واجبة في الجملة وقال ابن عبد البر أجمع العلماء أن الصلاة على النبي ﷺ فرض على كل مؤمن لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، ثالثها تجب مرة في العمر في صلاة أو في غيرها وهي مثل كلمة التوحيد وهو محكي عن أبي خليفة وصرح به من المقلدين أبو بكر الرازي ونقل أيضًا عن مالك والثوري والأوزاعي أعني وجوبها في العمر مرة واحدة لأن الأمر مطلق لا يقتضي تكرارًا والماهية تحصل بمرة قال عياض وابن عبد البر وهو قول جمهور الأمة انتهى.
1 / 24
وممن قال به ابن حزم أيضًا وقال القرطبي المفير لا خلاف في وجوبها في العمر مرة وأنها واجبة في كل حين وجوب السنن الموكدة وسبقه ابن عطية فقال الصلاة على النبي ﷺ في كل حال واجبة وجوب السنن الموكدة التي لا يسع تركها ولا يغفلها إلا من لا خير فيه.
رابعها: تجب في العقود آخر الصلاة بين قول التشهد وسلام التحليل وإليه ذهب الشافعي ومن تبعه وتعقب من أحتج بوجوبها في هذا المحل من الشافعية كأبن خزيمة والبيهقي بحديث ابن مسعود الأتي حيث قال فيه في بعض طرقه إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا بأنه لا دلالة فيه على ذلك بل إنما يفيد إيجاب الإتيان بهذه الألفاظ على من صلى على النبي ﷺ في التشهد وعلى تقدير أنه يدل على إيجاب أصل الصلاة فلا يدل على هذا المحل المخصوص ولكن قرر البيهقي ذلك بأن الآية لما نزلت وكان النبي ﵌ قد علمهم كيفية السلام عليه في التشهد والتشهد داخل الصلاة فيألوا عن كيفية الصلاة فعلمهم فدل على أن المراد بذلك إيقاع الصلاة عليه في التشهد بعد الفراغ من التشهد الذي تقدم تعليمه لهم - وأما إحتمال أن يكون ذلك خارج الصلاة فهو بعيد كما قال عياض وغيره لكن قال إبن دقيق العيد ليس فيه تنصيص على أن الأمر به مخصوص بالصلاة وقال قد كثر الاستدلال به على وجوب الصلاة عليه في الصلاة.
وقرر بعضهم الاستدلال بأن الصلاة عليه واجبة بالإجماع وليست عليه خارج الصلاة واجبة بالإجماع فتعين أن تجب في الصلاة.
قال وهذا ضعيف لأن قوله لا تجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد به عينًا فهو صحيح لكن لا يفيد المطلوب لأنه يفيد أنه تجب في أحد الموضوعين لا بعينه.
وزعم القرافي في الذخيرة أن الشافعي هو المستدل بذلك ورد بنحو ما ورد به إبن ديقي العيد.
قال شيخنا: ولم يصب في نسبة ذلك الشافعي والذي قاله الشافعي في الأم: فرض الله الصلاة على رسول الله ﷺ بقوله ﴿إِنَّ اللَّهَ
1 / 25
وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾، فلم يكن فرض الصلاة عليه في موضع أولي منه في الصلاة ووجدنا الجلالة على النبي ﷺ بذلك ثم ساق حديث أبي هريرة وكعب الآتي ذكرهما ثم قال الشافعي فلما روي أن النبي ﷺ كان يعلمهم التشهد في الصلاة وروي عنه أنه علمهم كيف يصلون عليه في الصلاة لم يجز أن تقول التشهد في الصلاة واجب والصلاة عليه فيه غير واجبة.
وقد تعقب بعذ المخالفين هذا الاستدلال من أوجه أحدها ضعف شيخ الشافعي في حديث أبي هريرة المشار إليه الثاني تقدير صحته فقوله فيه يعني في الصلاة لم يصرح بالقائل يعني الثالث قوله في حديث كعب الآتي أنه كان يقول في الصلاة وإن كان ظاهرة أن المراد الصلاة المكتوبة لكنه يحتمل أن يكون المراد بقوله في الصلاة أي صفة الصلاة عليه هو إحتمال قوي لأن أكثر الطرق عن كعب يدل على أن السؤال وقع من صفة الصلاة لا عن محلها.
الرابع أنه ليس في الحديث ما يدل على تعيين ذلك في التشهد خصوصًا بينه وبين السلام من الصلاة وقد اطنب قوم في نسبة الشافعي في ذلك إلى الشذوذ منهم أبو جعفر الطبري وعبارته أجمع جميع المتقدمين والمتأخرين من علماء الأمة على أن الصلاة عليه غير واجبة في التشهد ولا سلف للشافعي في هذا القول ولا سنة يتبعها وكذا قال أبو الطحاوي وأبو بكر بن المنذر والخطابي وأورد عياض في الشفاء مقالاتهم وقال شارح العمدة من كتب الحنفية قيل لم يقله أحد قبله وذكر ابن بطال في شرحه على البخاري أن كل من روى التشهد من الصحابة لم يذكر الصلاة على النبي ﵌ وعلم أبو بكر وعمر التشهد على المنبر كذلك بحضرة المهاجرين والأنصار من غير نكير فمن أوجب ذلك فقد رد الآثار وما مضى عليه السلف وأجمع عليه الخلف وروته الأمة عن نبيها ﷺ انتهى وكل ذلك ليس بحيد فقد قال شيخ شيوخنا الحافظ أبو الفضل العراقي قد سمعت غير واحد من مشائخنا ينكرون على القاضي عياض إنكاره على الشافعي ونسبته إلى الشذوذ بذلك في كتاب موضوعه ضرف المصطفى مع كونه يحكي في الشفاء الخلاف في طهارة بوله ودمه واستحسن ذلك منه لزيادة شرفه بذلك فكيف ينكر
1 / 26
قوله بوجوب الصلاة عليه وهو زيادة شرف له انتهى على أنه قد أنتصر جماعة للشافعي فذكروا أدلة نقلية ونظرية ودفعوا دعوى الذوذ فنقلوا القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار ﵃.
فأما المحكي عن الصحابة والتابعين فأصح ما ورد في ذلك عنهم ما سيأتي في الباب الأخير عن ابن مسعود موقوفًا فإن ابن مسعود ذكر أن النبي ﷺ علمهم التشهد في الصلاة وأنه قال ثم ليتخير من الجعاء فلما أثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء دل على أنه أطلع على زيادة ذلك بين التشهد والدعاء وأندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي مثل ما ذكر عياض حيث قال وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه له النبي ﷺ ليس فيه ذكر الصلاة عليه وكذا قال الخطابي أن في آخر حديث ابن مسعود إذا قلت هذا فقد قصيت صلاتك لكن رد عليه بأن هذه الزيادة مدرجة وعلى تقدير ثبوتها فيحمل على أن مشروعية الصلاة عليه وردت بعد تعليم التشهيد ويتقوى ذلك بحديث عمر فيه أن الدعاء موقوف حتى يصلي على النبي ﷺ ويقول ابن عمر لا تكون صلاة إلا بالصلاة على النبي ﷺ ويقول الشعبي كما سأذكر جميع ذلك في الباب الأخير إن شاء الله تعالى وذكر الماوردي عن محمد بن كعب القرظي وهو من التابعين كقول الشافعي رحمة الله عليه بل قال شيخنا ﵀ ما نصبه لم ارو عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم وجوب إلا ما نقل عن إبراهيم النخعي مع أنه يشعر بأن غيره كان قائلًا بالوجوب فأنه عبر بالأجزاء ما سيأتي والله أعلم، أما فقهاء الأمصار فلم يتفقوا على مخالفة الشافعي رحمه الله تعالى في ذلك بل جاء عن أحمد روايتان والظاهر أن رواية الوجوب هي الأخيرة فإن أبا زرعة الجمشقي نقل في مسائله عنه قال كنت أتهيب ذلك ثم تبينت فإذا الصلاة على النبي ﷺ واجبة انتهى.
قال صاحب المعني فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا وعن
1 / 27
إسحاق بن راهوية الجزم به في العمد فقال إذا تركها عمدًا بطلت صلاته أو سهوًا رجوت أن يجزيه وهي آخر الروايتين عنه كما أشرا إليه حرب في مسائله والخوف أيضًا عند المالكية ذكرها ابن الحاجب في سنن الصلاة ثم قال على الصحيح فقال شارحة ابن عبد السلام يريد أن في وجوبها قولين وهو ظاهر كلام ابن المواز منهم بفرضيتها يريد أنها ليست من فرائض الصلاة وقد حكى ابن القصار والقاضي عبد الوهاب أن ابن المواز يراها فريضة في الصلاة كقول الشافعي ﵁ وحكى أبو يعلي العبدي المالكي عن مذهبهم ثلاثة أقوال الوجوب والسنة والندب والزم العراقي في شرح الترمذي له من قال من الحنفية بوجوب الصلاة عليه كما ذكر كالطحاوي ونقل السروجي في شرح الهدايا تصحيحه عن اصحاب المحيط والتحفة والمفيد والغنية من كتبهم أن يقولوا بوجوبها في التشهد لتقدم ذكره في أخر التشهد قال شيخنا: ولهم أن يلتزموا ذلك لكن لا يجعلونه شرطًا في صحة الصلاة، وروى الطحاوي أن حرملة أنفرد عن الشافعي بإيجاب ذلك وأنتصروا له وناصروا علبه انتهى وقد نقل ابن عبد البرفي الاستذكار عن حرملة أنه حكى عن الشافعي أن محلها في التشهد الأخير وأنه صلى قبل ذلك لم يجزه قال ولا يكاد يوجد هذا القول عن الشافعي إلا من رواية حرملة وغير حرملة إنما يروى عنه أن الصلاة على النبي ﵌ فرض في كل الصلاة وموضعوها التشهد الأخير قبل التسليم ولم يذكروا إعادة في من وضعها قبل التشهد الأخير إلا أن أصحابه قد تقلدوا رواية حرملة ومالوا إليها وناظروا عليها قلت: واستدل ابن خزيمة ومن تبعه كالبيهقي للوجوب بحديث فضالة الآتي في الباب الأخير وطعن ابن عبد البرفي الاستدلال به للوجوب فقال لو كان كذلك لأمر المصلي بالإعادة كما أمر المسيء صلاته وكذا أشار إليه أبن حزم وأجيب بإحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه ويكفي التمسك بالأمر في دعوى الوجوب وقال جماعة منهم الجرجاني من الحنفية لو كان فرضًا للزم تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنه علمهم التشهد وقال فليتخير من الدعاء ما شاء ولم يذكر الصلاة عليه واجيب بإحتمال إلا تكون فرضت جينئذ وقال العراقي أيضًا قد ورد هذا في الصحيح بلفظ ثم ليتخير وثم للتراخي فدل على أنه كان هناك شيء بين التشهد والدعاء وأن الدعاء لا
1 / 28