المجلد الأول
مقدمة المؤلف
...
قال الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم١.
وهو حسبي وكفى رب يسر ولا تعسر.
الحمد لولي الحمد ومستحقه وصلواته على خيرته من خليقته محمد وآله.
أما بعد٢ فإني رأيت الفقه أصل العلوم وأشرفها قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢] أمر الله تعالى بالتفقه في الدين وجعله فرضا على فرق الناس قاطبة ليقوم طائفة من كل فرقة به وينتصبوا في قومهم منصب الانبياء في اممهم منذرين ومحذرين دعاة إلى الله تعالى قائمين بدينه ياتين سبيله موضحين للخلق نهجه فصار الفقهاء خلفاء الرسل انذارا وتحذيرا وارثى علومهم قياما به وحملا سالكى طريقتهم بثا ونشرا وهذه مرتبة لا توجد لفرقة من الفرق وناهيك بها من مرتبة ولأن علم الفقه علم على منهج الازدياد لأنه العلم بأحكام الحوادث ولا حصر ولا حد للحوادث ولا حصر ولا حد للعلم بأحكامها ومواجبها وعلم الأصول في الديانات وأن كان علما شريفا في نفسه وهو أصل الأصول وقاعدة كل العلوم ولكنه علم محصور مبناه لأنه معارف محصورة أمر الله ﵎ بها لا مزيد فيها ولا نقصان منها وأما علم الفقه فعلم.
_________
١ الباء فيه قيل: إنها زائدة فلا تحتاج إلى ما تتعلق به أو للاستعانة أو للمصاحبة متعلقة بمحذوف اسم فاعل خبر مبتدأ محذوف أو فعل أي: أؤلف أو أبدأ أو حال من فاعل الفعل المحذوف أي أبتدئ متبركا ومستعينا بالله أو مصدر مبتدأ خبره محذوف أي ابتدئى باسم الله ثابت والله علم ذات الواجب والمستحق لجميع المحامد وأكثر أهل العلم على أنه اسم الله الأعظم.
والرحمن الرحيم: اسمان بنيا للمبالغة من رحم بتنزيله منزلة اللازم أو بجعله لازما ونقله إلى فعل بالضم.
انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤/٢٩٢ - ٣٤٤ كشاف القناع للشيخ البهوتي ١/١٠، ١١ قيد الطبع بتحقيقنا.
٢ تسمى فصل الخطاب انظر السبع كتب مفيدة لعلوي السقاف ص ٦٢.
1 / 17
مستمر على ممر الدهور وعلى تقلب الاحوال والاطوار بالخلق لا انقضاء وانقطاع له وقد جعل الله تعالى اجتهاد الفقهاء في الحوادث في مدرج الوحى في زمان الرسل صلوات الله عليهم فقد كان الوحى هو المطلوب فى زمان الرسل ﵈ كشان أحكام الحوادث وحمل للخلق عليها فحين انقطع الوحى وانقضى زمانه وضع الله ﵎ الاجتهاد من الفقهاء فى موضع الوحى ليصدر منه بيان أحكام الله تعالى ويحمل الخلق عليها قبولا وعملا ولا مزيد على هذه المنقبة لا متجاوز عن هذه المرتبة:
شاء وزاد الله جنته سؤددا ... وذلك مجد يملأ الحجر واليدا
نعم وما يشبه الفقيه إلا بغواص في بحر در كلما غاص في بحر في بحر فطنته استخرج درا وغيره يستخرج بالخراز وطالب الزيادة في منهج الزيادة معان منصور مطالب الزيادة على مالايزيد عليه مبعد مخذول والله تعالى يفتح عين بصيرة من احب عباده بطوله وفضله ويعمى عين من يشاء بقهره وعدله وقد سبقت منى مصنفات في مسائل الخلاف التي هي بيننا وبين اصحاب الراي نبهت فيها على معاني الفقه واستخرجت لطالبيها قلائد١ وقرائد٢ طالما كانوا في طلبها فاعتاصت عليهم إلى أن يسر الله ذلك وتمهدت له قواعدها وطابت لهم مشارعها ونسقت معاني الفقه نسوقا وتعرقت عروقا اظن أن لامزيد عليها ولامحيد للمحققين عنها وقد كان جماعة من اصحابي احسن الله تعالى لهم التولي والحياطة يطلبون مجموعا في أصول الفقه يستحكم لهم بها معانيه ويقوى افرعها ويجتمع اشدها وينسق فروعها ويرسخ أصولها فإن من لم يعرف أصول معاني الفقه لم ينج من مواقع التقليد وعد من جملة العوام وما زلت طول ايامي اطالع تصانيف الاصحاب في هذا الباب وتصانيف غيرهم فرأيت أكثرهم قد قنع بظاهر من الكلام ورائق من العبارة لم يداخل حقيقة الأصول على مايوافق معاني الفقه وقد رايت بعضهم قد اوغل وحلل وداخل غير أنه حاد عن محجة الفقهاء في كثير من المسائل٣ وسلك طريق المتكلمين الذين هم أجانب عن الفقه ومعانيه بل لا.
_________
١ ما يوضع في اليد.
٢ ما يوضع في العنق.
٣ جميع مسألة وهي لغة السؤال.
وعرفا مطلوب خيري يبرهن عليه في العلم انظر السبع كتب مفيدة لعلوي السقاف ص ٦٢.
1 / 18
قبيل لهم فيه ولا وفير ولا نقير ولا قطمير ومن تشبع بما لم يعطه فقد لبس ثوبى زور وعادة السوء قطاع لطريق الحق وصم عن سبيل الرشد واصابة الصواب فاستخرت الله تعالى عند ذلك وعمدت إلى مجموع مختصر في أصول الفقه اسلك فيه طريقة الفقهاء من غير زيغ عنه ولا حيد ولاميل ولا أرضى بظاهر من الكلام ومتكلف من العبارة معول على السامعين ويسبى قلوب الأعتام الجاهلين لكن اقصد لباب اللب وصفو الفطنة وزيدة الفهم وأنص على المعتمد عليه في كل مسألة وأذكر من شبه المخالفين بما عولوا عليها وأخص ما ذكره القاضي أبو زيد الدبوسي في تقويم الأدلة بالايراد وأتكلم بما تزاح معه الشبهة وينحل معه الاشكال بعون الله تعالى وأشير عند وصولي إلى المسائل المشتهرة بين الفريقين إلى بعض المسائل التي تتفرع لتكون عونا للناظر وحين أصل إلى باب القياس وما يتشعب منه من وجوه الكلام ومأخذ الحجة وطريقة الأسئلة والأجوبة ووجوه الأعتراض والأخذ الخصوم وتوقيف المجادلين على سواء الصراط وطلب ملازمة حدود النظر وسلوك الجدد وترك الحيد ومجانبة الزيغ والأخذ والمبين المحكم من مخاييل الظنيات وما تعلق به الاصحاب بمحض الاشتباه في كثير من المسائل ووجه صحة ذلك وفساده فسأشرح عند ذلك وأبسط زيادة بسط وشرح على حسب ما يسمح به الخاطر ويجود به الوقت والله المعين على ذلك والميسر له بمنه.
1 / 19
القول في مقدمات أصول الفقه
اعلم أن أول ما نبدأ في هذا الفصل هو معرفة الفقه وأصوله ثم نبنى عليه ما يتشعب منه فنقول.
الفقه في اللغة من قولهم فقهت الشيء إذا ادركته وادراكك علم الشيء فقه١.
قال أبو الحسن بن فارس وقيل هو في اللغة المعرفة بقصد المتكلم يقول القائل فقهت كلامك أي عرفت قصدك به٢.
وأما في عرف الفقهاء فهو العلم بأحكام الشريعة.
وقيل جملة من العلوم بأحكام شرعية.
فإن قال قائل أن في الفقه ظنيات كثيرة فكيف يسمى علما قلنا ما كان فيه من الظنيات فهى مستندة إلى العلميات ولأن الظن منى يسمى علما لأنه يؤدي إليه قال الله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ﴾ أي يعلمون.
وقيل أن الفقه هو أستنباط حكم المشكل من الواضح يقال فلان يتفقه إذا أستنبط علم الأحكام وتتبعها من طريق الأستدلال قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ.
_________
١ قال الفيروزآبادي الفقه: بالكسر العلم بالشيء والفهم له والفطنة وغلب على علم من جهة لشرفه انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ٤/٢٨٩.
قال الشيخ الآمدي الأشبه أن الفهم مغاير للعلم إذ الفهم عبارة عن جودة الذهن من جهة تهيئة لاقتناص كل ما يريد عليه من المطالب وإن لم يكن المتصف به عالما كالعامي الفطن انظر أحكام الأحكام للآمدي ١/٧.
٢ وهذاقاله فخر الدين الرازي في المحصول والمنتخب انظر المحصول لفخر الدين الرازي ١/٩.
وقال الشيخ أبو إسحاق في شرح اللمع هو فهم الأشياء الدقيقة فلا يقال: فقهت أن السماء فوقنا.
وقال الآمدي هو الفهم انظر أحكام الأحكام ١/٧ قال الشيخ الأسنوي عن قول الآمدي وهو الصواب فقد قال الجوهري الفقه الفهم تقول فقهت كلامك بكسر القاف أفقهه بفتحها في المضارع أي فهمت أفهم قال الله تعالى: ﴿فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ وقال تعالى: ﴿مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ﴾ وقال تعالى: ﴿وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ انظر نهاية السول للأسنوي ١/٨.
1 / 20
طَائِفَةٌ﴾ الآية والدليل على أن التفقه أصل الاستنباط والاستدلال على الشيء بغيره حديث زياد بن لبيد قال ذكر رسول الله ﷺ شيئا وقال ذلك أوان ذهاب العلم قلت: كيف يذهب العلم وكتاب الله عندنا نقرأه ونقرأه ابنائنا فقال: "ثكلتك أمك يا زياد أن كنت لأراك من فقهاء المدينة أو من افقه رجل بالمدينة أو ليس اليهود والنصارى يقرءون التوراة والأنجيل ولا يعلمون بشىء مما فيهما" ١ فدل قوله: "أن كنت اعدك من فقهاء المدينة" على أنه لما لم يستنبط علم ما اشكل عليه من ذهاب العلم مع بقاء الكتاب بما شاهده من زوال العلم عن اليهود والنصارى مع بقاء التوراة والأنجيل عندهم حرج عن الفقه فهذا يدل على ماذكرناه من أن الفقه هو استنباط حكم المشكل من الواضح وعلى هذا قوله ﷺ: "رب حامل فقه غير فقيه" ٢ أي غير مستنبط ومعناه أنه يحمل الرواية من غير أن يكون له أستدلال ولا أستنباط فيها.
"وأما أصول الفقه" فهي من حيث اللغة ما يتفرع عليه الفقه٣ وعند الفقهاء هي طريق الفقه التي يؤدى الاستدلال بها إلى معرفة الأحكام الشرعية٤ وهي تنقسم إلى قسمين إلى دلالة وإمارة فالدلالة ما أدى النظر الصحيح فيه إلى العلم٥ والإمارة ما أدى النظر الصحيح فيه إلى غالب الظن٦ ويقال في حد إلا صل ما ابتنى عليه غيره والفرع ما ابتنى على غيره.
وقيل الأصل مايقع التوصل به إلى معرفة ما وراءه والعبارتان مدخولتان لأن من أصول الشرع ما هو عقيم لا يقبل الفرع ولا يقع به التوصل إلى ما وراءه بحال مثل.
_________
١ أخرجه الترمذي في العلم ٥/٣١ - ٣٢ الحديث ٢٦٥٣ وابن ماجه في الفتن ٢/١٣٤٤ الحديث ٤٠٤٨ والإمام أحمد في مسنده ٦/٣٠ الحديث ٢٤٠٤٥.
٢ أخرجه أبو داود في العلم ٣/٣٢٢ الحديث ٣٦٦ والترمذي في العلم ٥/٣٣، ٣٤ الحديث ٢٦٥٦ وابن مادجه في المقدمة ١/٨٥ الحديث ٢٣١ والدارمي في المقدمة ١/٨٦ الحديث ٢٢٨ والإمام أحمد في مسنده ١/٤٣٧ ٥/١٨٣.
٣ تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب.
٤ تقدم الكلام عنه أيضا في أول الكتاب.
٥ أو يتوصل به إلى معرفة المدلول انظر الكفاية في الجدل لإمام الحرمين ص ٤٦ تحقيق دكتور فوقية حسين محمود.
٦ كالغيم بالنسبة إلى المطر فإنه يلزم من العلم به الظن بوجودالمطر والفرق بين الأمارة والعلامة أن العلامة ما لا ينفك عن الشيء كوجود الألف واللام على الاسم والأمارة تنفك عن الشيء كالغيم بالنسبة للمطر التعريفات للجرجاني ص ٢٩، ٣٠.
1 / 21
ماورد به الشرع من دية الجنين والقسامة وتحمل العقل فهذه أصول ليست لها فروع فالأولى أن يقال أن الأصل كل ما يثبت دليلا في ايجاد حكم من أحكام الدين وإذا حد هذا فيتناول ما جلب فرعا أو لم بجلبه ثم اختلفوا في عدد الأصول قال عامة الفقهاء الأصول أربعة الكتاب والسنة واجماع الأمة والعبرة واختصر بعضهم فقال دلائل الشرع قسمان أصل ومعقول الأصل فالأصل الكتاب والسنة والأجماع ومعقول الأصل هو القياس وأشار الشافعي ﵀ أن جماع الأصول نص ومعنى فالكتاب والسنة والأجماع داخل تحت النص والمعنى هو القياس وقد ضم بعضهم العقل إلى هذه الأصول وجعله قسما خامسا.
وقال أبو العباس بن القاص الأصول سبعة الحس والعقل والكتاب والسنة والأجماع والعبرة واللغة والصحيح أن الأصول أربعة على ما قدمنا وأما العقل فليس بدليل يوجب شيئا وإنما يكون به درك الأمور فحسب أو هو آلة المعارف وأما الحس فلا يكون دليلا بحال والأمر فيه بين لأن الحس يقع فيه درك الأشياء الحاضرة فهي مالم يوجد كونا ولم يشاهد عينا فلا يكون للحس فيها تأثير وأما اللغة فهي مدرجة اللسان وفطنة لمعاني الكلام وأكثر ما فيها أنها عبارة عن الشيء باسمه تمييزا له عن غيره بوضعه ولاحظ لأمثال هذا في ايجاب شيء واثبات حكم وإذا عرفنا الفقه وأصوله فلا بد من معرفة العلم لأنا بينا أن الفقه هو العلم بأحكام الشريعة فنقول العلم على ضربين ضروري ومكتسب ونعنى به العلم الذي هو يحدث فأما العلم القديم الذي هو للباري عز اسمه فلا نوصفه بواحد منهما فأما علم الاضرار فضربان:
أحدهما: ما كان مبدئا في النفوس كالعلم بأن المسمى لا يخلو من وجود أو عدم وأن الموجود لا يخلو من حدوث أو قدم وأن من المستحيل اجتماع الضدين وكون الجسم في محلين وزيادة الواحد على الأثنين وعلى هذا علم الأنسان بأحوال من نفسه من صحة وسقم وقوة وضعف وشجاعة وجبن ونفور وميل وغير ذلك وهذا النوع من العلم يدرك ببديهة العقل من غير أن يقوم له سبب.
والضرب الثاني: ما كان واقعا عن درك الحواس كالاشخاص المدركة بالبعد والاصوات المدركة بالسمع والطعوم المدركة بالذوق والروائح المدركة بالشم والاجسام المدركة باللمس ويدخل في هذا الضرب العلم بالبلدان التي لم يحضرها والوقائع التي لم يشهدها وكذلك العلم بورود الرسل صلوات الله عليهم ودعائهم إلى الله ﷿.
1 / 22
وتكذيبهم وتصديقهم وأمثال هذا تكثر وضربى هذا العلم مدرك بغير نظر ولا استدلال وحده ما لا يمكن للعالم به نفيه عن نفسه بشك أو شبهة وأما العلم المكتسب فهو الواقع عن نظر واستدلال وهو على ضربين مسموع ومعقول فالمسموع ما أخذ عن توقيف صار به أصلا والمعقول ما أخذ عن اجتهاد صار به فرعا واختلفوا في حد العلم فقال بعضهم تبين المعلوم أو معرفة المعلوم أو درك المعلوم على ما هو به والأحسن هو اللفظ الأخير والذي قاله بعضهم أنه اثبات الشيء على ما هو به فاسد لأن المعدوم معلوم وهذا الحد يقتضى أن يكون شيئا وهو ليس بشيء عند أهل السنة والذي قاله بعضهم أنه اعتقاد الشيء على ما هو عليه باطل لأن الله تعالى مما لم يعلم على مانطق به الكتاب والسنة ولا نطلق عليه الاعتقاد بحال بل هو من صفات المخلوقين وإذا لم يكن الحد جامعا لم يكن صحيحا وهذا الحد حد المعتزلة وهم ضلال في كل ما ينفردون به وأما من حيث اللغة قال ابن فارس هو من قوله علمت الشيء وعلمت به وهو عرفانه على ما هو به يقال علمته علما قال وقد يكون اشتقاقه من العلم والعلامة وذلك لأن العلامة أمارة مما يميز بها الشيء عن غيره وكذلك العلم يميز به صاحبه عن غيره وعلى هذا قوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ [الزخرف: ٦١] أي نزول عيسى بن مريم به يعرف قرب الساعة وقراءة قوم: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ أي أمارة ودلالة.
"وأما الجهل" فهو اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو به ولابأس بلفظ الاعتقاد في حد الجهل بخلاف العلم على ما سبق.
"وأما الشك" فهو الوقوف بين منزلتي الجهل والعلم وقيل تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر فإذا ظهرت المزية لأحدهما على الآخر فهو ظن ويقال غلبه احد طرفي التجويز فإذا قوى سمى غالب الظن وقد ورد الظن بمعنى اليقين وقد ورد بمعنى الشك بدليل قوله تعالى: ﴿إِنْ هُمْ إلا يَظُنُّونَ﴾ [الجاثية: ٢٤] أي يشكون فاليقين منه ما كان له سبب دل عليه والشك منه ماخطر بالقلب من غير سبب يدل عليه.
فإن قال قائل إنكم قلتم أن الفقه هو العلم بأحكام الشريعة فما أحكام الشريعة قلنا هي المنقسمة إلى كون الفعل واجبا ومندوبا إليه ومباحا ومحظورا ومكروها وليست الأحكام هي الأفعال بل هي مضافة إلى الأفعال يقال أحكام الأفعال والشيء لا يضاف إلى نفسه فالواجب مايثاب على فعله ويعاقب على تركه وهو في اللغة من.
1 / 23
السقوط١ قال الله تعالى: ﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ [الحج: ٣٦] أي سقطت فكأنه الشيء الذي سقط على المخاطب به فلزمه وأثقله كما يسقط عليه الشيء فلا يمكن دفعه عن نفسه والفرض مثل الواجب يقال فرضت عليك كذا أي اوجبته قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧] أي أوجب على نفسه ومنه قيل لسهام الميراث فريضة.
وأما الندب: فهو ما فيه ثناء على فعله ولا يعاقب على تركه وأصله في اللغة هو المدعو له والمرغب فيه٢ يقال ندبته لكذا فانتدب له والنفل قريب من الندب إلا أنه دونه في المنزلة والنافلة من حيث اللغة الزيادة بعد الواجب وأصله من النفل وهو العطاء ومنه قول لبيد أن تقوى ربنا خير نفل.
والجائز: ما لا ثواب في فعله ولا عقاب في في تركه وأصله من جزت المكان إذا عبرته كأنه الشيء إذا وقع جاز ومضى ولم يحبسه مانع.
والحلال: هو الموسع في إثباته.
وأما المحظور: فهو ممنوع فعله وأصل الحظرا المنع ومنه الحظيرة التي تفعل للدواب لجمعها ومنعها من التفرق وكذلك الحرام هو الممنوع من إتيانه ومنه المحروم وهو الذي منع سعة الرزق ويقال الحرام والمحظور ما يعاقب على فعله.
والمكروه: ما تركه اولى من فعله.
والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويتحصل به المقصود.
والفاسد: مالا يتعلق به النفوذ ولا يحصل به المقصود.
والصواب: [ما] ٣ أصيب به المقصود بحكم الشرع.
والخطا: نقيض الصواب في اللغة معناه مخالفة القصد والعدول عنه إلى غيره.
والحق يستعمل على وجهين أحدهما بمعنى الصواب يقال حق عليك أن تفعل كذا أي واجب والطاعة٤ مأخوذة من الطوع والأنقياد ومعناها تلقى الأمر بالقبول والمعصية ضد الطاعة.
_________
١ انظر القاموس المحيط ١/١٣٦.
٢ قال الشيخ الفيروزآبادي ندبه إلى الأمر كنصره دعاه وحثه انظر القاموس المحيط ١/١٣١.
٣ سقط من الأصل.
٤ هذا هو المعنى الثاني للحق.
1 / 24
والحسن: كل فعل إذا فعله الفاعل لا يستحق الفاعل له ذما.
والقبح: كل فعل إذا فعله الفاعل استحق بفعله الذم.
واذا عرضنا انقسام أحكام الشرع فنقول العلم بأحكام الشريعة ضربان:
أحدهما: ما وجب فرض العلم به على الأعيان وهو ما لا يخلو مكلف من التزامه والعمل به من أفعال وتروك كالصوم والصلاة ووجوب الزكاة والحج لمن يجد المال وتحريم الزنا واباحة النكاح وتحريم الربا واباحة البيع وتحريم الخمر والقتل والسرقة وكذلك كل ما يكثر مواقعته من المحظورات ويجب على كل مكلف أن يعلم وجوبها عليه لاستدامة التزامها واختلفوا في عمله بوجوبها هل يجب أن يكون عن علمه بأصولها ودلائلها فذهب بعضهم إلى وجوب علمها بأصولها ودلائلها فيكون فرض العلم بأصولها على الأعيان كما كان فرض أحكامها على الأعيان وذهب بعضهم إلى أن فرض العلم بأصولها ساقط عنهم لأن الواجب عليهم العمل وأما العلم بالدلائل فيختص بها العلماء وهذا الوجه اوسع وأسهل وهو الأولى.
والضرب الثاني ما كان فرض العلم به على الكفاية وهو ما عدا النوعين من الأحكام التي تجوز أن يخلوالمكللف من التزامها ومعنى الفرض على الكفاية أنه يجب أن ينتدب لعلمه قوم في كل عصر فيرجع من يلزمه في حكمه إلى من يعلمه وإنما لم يجب على الأعيان لأن العلم بها لا يكون إلا مع الانقطاع إليها فإذا أوجبنا على كل ذلك اختل أمر المصالح التي هي مصالح الدنيا لأنهم إذا انقطعوا إلى العلم لم يتفرغوا للقيام بمصالح الدنيا فكان الواجب على الكفاية ليقوم به قوم والباقون يقومون بمصالح الدنيا فتنتظم على هذا الوجه مصالح الدين والدنيا جميعا ويجب أن يجتمع العلم بالأصول والأحكام في كل واحد من أهل الكفاية ولا يختص بكفاية العلم بالأحكام فريق وبكفاية العلم بالأصول فريق فإن تفرد بعلم الأحكام فريق وبعلم الأصول فريق لم تسقط بواحد منهما فرض الكفاية في الأحكام والأصول لأن الأحكام فروع الأصول والأصول موضوعة للفروع فلم يجز انفراد أحدهما عن الآخر.
وذهب من قال أن العالم يجوز له تقليد العالم إلى أنه لا يلزم الجمع بينهما ووأنه إذا انفرد بكل واحد من الأمرين جعل كاجتماعهما في الواحد وسقط بذلك فرض الكفاية واختلفوا بعد هذا في كيفية الوجوب في الواجب على الكفاية فذهبت طائفة من الفقهاء والأشعرية من المتكلمين إلى أنه واجب على كل واحد من أهل الفريضة بعينه.
1 / 25
بشرط أن لم يقم به غيره١.
وذهب طائفة من الفقهاء والمعتزلة من المتكلمين إلى أنه غير واجب على احد بعينه إلا بشرط أن لا يقوم به غيره٢ فيكون على الوجه الأول فرضا إلا أن يقوم به الغير.
_________
١ هذا هو مذهب جمهور الأصوليين ففعل البعض مسقطا للطلب الموجه إليهم كما هو مسقط للطلب الموجه إلى غيرهم فمن ظن أو علم أن غيره قد فعل الواجب سقط عنه الطلب.
واستدلوا على ذلك:
أولا: قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ فالله تعالى أمر بقتال الكافرين المعتدين ووجه الخطاب إلى جميع المكلفين القادرين على القتال فإن واو الجمع من صيغ العموم والعام يتوجه فيه الخطاب إلى كل فرد من أفراده ولا شك أن قتال الكافرين المعتدين من فروض الكفاية فإذا قال به البعض سقط عن الباقين فيكون الخطاب موجها إلى الجميع لا إلى بعض غير معين.
وثانيا: بأن ترك الواجب الكفائي من الجميع موجب لتأثيم الجميع اتفاقا وتأثيم الجميع موجب لتكليف الجميع لأنه لا يؤاخذ الشخص على شيء لم يكلف به فيكون الخطاب موجها إلى الكل انظر نهاية السول للأسنوي ١/١٩٥، ١٩٦ أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ١/١١٦.
٢ واستدلوا لذلك: أولا بأنه لو تعلق الخطاب بالكل لما سقط بفعل البعض لأن شأن الخطاب المتعلق بكل فرد أنه لا يسقط إلا بفعل من تعلق به الخطاب لكن سقوط الخطاب عن الكل بفعل البعض متفق عليه فدل ذلك على أن الخطاب متعلق بالعبض وهو ما ندعيه والجواب: بأن الخطاب لم يقصد بالفعل ذات الفاعل وإنما قصد تحقيق الفعل لحصول المصلحة المترتبة عليه من غير نظر إلى الفاعل.
واستدلوا ثانيا: بقوله تعالى: ﴿فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ووجه الاستدلال أن طلب العلم الزائد عما يحتاج إليه كل واحد في عمله الواجب عليه عينا من فروض الكفاية وتوجيه الخطاب هنا لبعض غير معين من المسلمين ولولا الداخلة على الفعل الماضي تفيد اللوم والتنديم من شأنهما أن يكونا عن ترك واجب فأفاد ذلك أن هذه الطائفة قد تركت واجبا عليها وهوطلب العلم فيكون الوجوب متعلقا بها فقط فالخطاب حينئذ وهو الكفائي يكون موجها إلى بعض غير معين وهوالمطلوب.
والجواب: بالتعارض مع الأدلة في الكتاب على توجيه الخطاب إلى الكل والمصير إلى التأويل منعا للتعارض وهوحمل الآية على سقوط الفعل الواجب على جميع المسلمين بفعل هذه الطائفة لأن فعلها لها كاف في سقوط الطلب عن الكل فصح أن يوجه إليها اللوم عند تركها وهذا لأنه أمكن الجمع بين الآيات انظر نهاية السول للأسنوي ١/١٩٧ أصول الفقه للشيخ محمد أبو النور زهير ١/١٧ - ١١٨.
1 / 26
فيسقط وعلى القول الثاني غير فرض إلا أن لا يقوم به الغير فيجب.
وذهب بعضهم إلى أنه أن غلب على ظنه أن يقوم به غيره لا يجب عليه وأن غلب على ظنه أنه لا يقوم به احد وجب عليه وهذا وجه حسن والخلاف الأول محض صورة لاظهور فائدة فلا أرى له معنى١ واذ قد ذكرنا معنى العلم فلا بد أن نذكر معنى العقل وما قيل في حقيقته.
وقد قيل أنه أصل لكل علم وكان بعض أهل العلم يسميه أم العلم وقد اكثر الناس الخلاف فيه قبل الشرع وبعده ومن كثرة اختلاف الناس فيه قال بعضهم.
سل الناس أن كانوا لديك افاضلا ... عن العقل وانظر هل جوات٢ محصل
وقد جعله المتقدمون جوهرة وقالوا: أنه جوهر لطيف يفصل به بين حقائق المعلومات قالوا: وهذا فاسد لانه لو كان جوهر لصح قيامه بذاته فجاز أن يكون عقل بلا عاقل كما جاز أن يكون جسم بغير عقل فحين لم يتصور ذلك دل أنه ليس بجوهر وأما عند كافة المسلمين فهو نوعا من العلم يدخل في جملة اقسامه واختلفوا في حقيقته على أقاويل شتى وقد روى عن الشافعي ﵀ أنه قال آلة التمييز.
وقال بعضهم العقل بصر القلب وهو بمنزلة البصر من العين ندرك به المعلومات كادراك البصر المشاهدات قاله أبو الحسن عن ابن حمزة الطبري.
وقال بعضهم هو قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات وقال بعضهم معنى العقل هو العلم لا فرق بينهما لانه لا فرق عند أهل اللغة وأرباب اللسان بين قولهم علمت وعقلت فيستعملون العلم والعقل على حد ولاحد في معنى واحد ويقولون هذا أمر.
_________
١ بل قال الشيخ أبو النور زهير: تظهر ثمرة الخلاف فيمن علم بوجود ميت مثلا وشك هل قام غيره بما يلزمه له من تغسيل وتكفين أو لم يقم بذلك فعلى رأي الجمهور يجب عليه السعي ليتبين حقيقة الأمر ولا يسقط عند الطلب بهذا الشك لأن الطلب متعلق به على سبيل التحقيق والوجوب المحقق لا يسقط بالشك أما على المذهب الثاني فإنه لا يجب عليه السعي لأن الخطاب لم يتوجه إليه والأصل عدم تعلقه به انظر أصول الفقه للشيخ أبو النور زهير ١/١١٥، ١١٦.
قلت أي لا يرفع يقين بظن ضده والأصل على الثاني عدم تعلق الخطاب به والشك لا يرفع اليقين.
٢ قال الفيروزآبادي جوت مثلثة الآخر مبنية دعاء الإبل إلى الماء وقد جاوتها وجايتها أو زجرلها والاسم الجوات انظر القاموس المحيط ١/١٤٥.
1 / 27
معلوم ومعقول ويقولون اعلم ما تقول واعقل ماتقول وفي استعمال العلماء يقع على اسمه قدر من العلم يميز من قام به بين خير الخيرين وشر الشرين ويصح منه بحصوله به الاستشهاد بالشاهد على الغائب ويخرج به عن حد المجانين والمعتوهين ويصح معه التكليف والخطاب.
ويمكن أن يقال أنه قوة ضرورية للوجود بها يصح درك الأشياء ويتوجه تكليف الشرع وهو ما يعرفه كل انسان من نفسه ولا يستدل عليه بغيره لأن الاستدلال يفتقر إلى علم ينتظر فيه وأصل يعتمد عليه ولو كان غيره دليلا عليه لكان مكتسبا لا ضروريا ثم أن العقل تختلف مراتبه.
فأولها: إدراك مايدرك بديهة وعلم ما يعلم بأول الراي وأعلاها ادراك الغائبات بالوسائط واسم العقل منتفى عن الله تعالى لأن علمه احاط بالأشياء لا عن جهة الاستدلال ولا بالترقى إلى معرفتها بالاجتهاد ولأن الأصل في اسامي الرب تعالى هو التوقيف ولا توقيف في وصف الله تعالى بالعقل فلا يوصف به واعلم أن محله القلب لأن محل سائر العلوم القلب فكذلك هذا ايضا ولأن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ [قّ: ٣٧] أي عقل دل أن محله القلب حيث عبر به عنه وقال بعض اصحاب ابي حنيفة أن محله الدماغ يقال فلان خفيف الدماغ أى ليس له عقل ولأنه إذا جن الدماغ ذهب العقل والأول اصح وقد قال جماعة أن العقل عقلان عقل غريزى وهو القوة المتهيئة لقبول العلم وهو من حيث القوة موجود في كل خليقة من الادميين وجوده في الطفل كوجود النخل في النواة والسمبل في الحبة.
والثاني: عقل مستفاد وهو الذي تتقوى به تلك القوة وقد يحصل باختيار من العبد ويحصل بغير اختيار منه قالوا: والعقل الغريزي بمنزلة البصر للجسد والمستفاد بمنزلة النور فكما أن المبصر لم يكن له نور من الجو لم يدرك بصره شيئا فكذلك العقل إذا لم يكن له نور من العلم المستفاد لم تعد بصيرة قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [النور: ٤٠] وما ذكرناه أولا من باب الفقهاء وطريقتهم هي الأولى وإذا عرفنا العلم واقسامه فنقول قد بينا أن الأصول أربعة الكتاب والسنة والاجماع والقياس وقال بعض اصحابنا ومعقول أصل واستصحاب الحال وقالوا: دخل في معقول الأصل دليل الخطاب وفحوى الخطاب ولحسن الخطاب وفى استصحاب الحال خلاف سنذكره.
1 / 28
"الكتاب" فأما الكتاب فهو أم الدلائل وقيم البيان لجميع الأحكام قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩] وقال الله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨] وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [ابراهيم: ١] .
قال الشافعي ﵀ ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا وفي كتاب الله تعالى الدليل على سبيل الهدى فيها.
فإن قال قائل أن من الأحكام مايثبت لهذا بالسنة قلنا ذلك مأخوذ من كتاب الله في الحقيقة لان كتاب الله تعالى أوجب علينا اتباع الرسول صلوات الله عليه وفرض علينا الأخذ بقوله وحذرنا مخالفته قال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧] وقال تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ [التغابن: ١٢] وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ [النور: ٦٣] .
قال الشافعي فما قيل عن رسول الله ﷺ فعن الله قيل فإن قيل هيئات القبوض في البياعات وكيفية الاحراز في السرقة وغالب العقود في المعاملات ليس لها أصل في الكتاب ولا في السنة.
قلنا قد قال الله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف:١٩٩] والعرف ما يعرفه الناس ويتعارفونه فيما بينهم معاملة فصار العرف في صفة القبوض والإحراز والنفوذ معتبرا بالكتاب فعلى هذا نقول أن الكتاب أمثل الدلائل والسنة ماخوذة منه والقياس مأخوذ من الكتاب والسنة والاجماع ماخوذ من الكتاب والسنة والقياس.
وكتاب الله تعالى هو المنقول إلينا بطريق التواتر على وجه يوجب العلم المقطوع الذي لا يخامره شك ولاشبهة وهو المثبت بين الدفتين فكل من عاين الرسول ﷺ حصل العلم بالسماع وهو أنه سمع رسول الله ﷺ أن هذا هو القران الذي انزله الله تعالى وهو كلامه ووحيه ومن لم يعاين الرسول حصل له العلم بالنقل المتواتر خلفا عن سلف وذلك العلم هو أنه ثبت عندنا أن محمدا ﷺ بما اقام به الدليل وثبت أنه كان يقول: أن الكتاب الذي جاء به هو هذا القران وانه كلام الله ﷿ ووحيه ولا نقول انا علمنا أنه كلام الله بالاعجاز لانه يجوز أن يعجز الله الخلق عن الاتيان بمثل١.
_________
١ قبيح انظر القاموس المحيط للفيروزآبادي ١/١٢٤.
1 / 29
كلام لا يكون ذلك الكلام كلامه بل بالمعجزات عرفنا نبوة الرسول صلوات الله عليه ونقول عرفنا أن القرآن كلام الله ﷿ ونقول أن القران في نفسه معجز لا يجوز أن ياتي أحد بمثله في جزالته وفصاحته ونظمه وكذلك من حيث معانيه هو معجز الخلق عن الاتيان بمثله ومع تحدي الرسول صلوات الله عليه وسلم وطلبه اياهم أن ياتوا بمثله فعجزوا عنه ولا نقول كما قال بعض المبتدعة أن نفس القران ليس بمعجز فإن فصاحة بعض الفحول من شعراء الجاهلية لا تكون دون فصاحته وإنما الاعجاز في القران هو أن الله ﷿ منع الخلق عن الإتيان بمثله مع قدرتهم عليه وهذا قول باطل وزعم كاذب سمعت والدي ﵀ يقول: أن هذا قول اخترعه الجاحظ ولم يسبقه إليه احد وقال بعده فاياه اتبع وعلى منواله نسج وهو في نفسه مستسمج مستهجر بالتامل في نظم القران وجزالته وفصاحته وعرضه على كل نظم عرف من اساليب كلام العرب وكل كلام فصيح عرف من كلامهم ثم امتيازه عن الكل بروائه وبهائه وطلاوته وحلاوته واعرافه وابتنائه واعجازه ظاهر لكل ذي لب من الناس لولا خذلان يلحق بعض القوم ونسال الله العصمة بمنه ولا يحتمل هذا الموضوع بيان وجوه الاعجاز في القران وقد كفينا مؤنة ذلك بحمد الله بمنه واعنى بذلك جماعة من علماء أهل السنة والله تعالى يشكر سعيهم ويرحمهم وإيانا بمنه.
والمصحف الامام: هو هذا المصحف الذي بين المسلمين جمع في زمان ابي بكر الصديق ﵁ باجماع الصحابة واخرج في زمن عثمان ﵁ ونسخ منه المصاحف وفرقت في البلدان وعليه الاتفاق.
وفي الباب خطب كبير واقتصرنا على هذا القدر وقد دل اتفاق المسلمين على أن ما بين الدفتين كلام الله تعالى وعلى أن التسمية من فاتحة الكتاب وكذلك هي من القران في كل موضع اثبت في المصاحف وقد اتينا على هذا الدليل في الخلافيات.
" السنة " وأما السنة: فهو الأصل الثاني وهو تلو الكتاب وهي عبارة عن كل ما شرعه الرسول ﷺ لهذه الأمة قولا وفعلا.
قال أبو سليمان الخطابي هي الطريقة المسلوكة في الأمر المحمود وأصلها من قولهم سننت الشيء بالمسن إذا امررته عليه حتى يؤثر فيه تسنينا أي طرائق فإذا اطلقت السنة اريد بها الطريقة المحمودة وإذا قيدت كانت في الخير والشر لقوله ﷺ: " من سن سنة حسنة فله اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة
1 / 30
فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ١.
ويقال السنة عبارة عن السيرة قال الشاعر:
فلا تجزعن من سنة انت سرتها ... فأول راضى بسنة من يسير بها
معناه من سيرة انت سرتها فسنة رسول الله ﷺ هي الطريقة التي سلكها رسول الله ﷺ ثم لها مراتب ونقل بعضها يوجب العمل ونقل بعضها يوجب العلم وسيرد ذلك في باب الاخبار بعون الله تعالى.
وأما الملة: فهي عبارة عن شريعة الرسول ﷺ.
وقيل هي عبارة عما يمله الملك على النبي ﷺ من علم الوحى.
"الاجماع" وأما الأصل الثالث وهو الاجماع فهو حجة خلافا لبعض الناس وسنبين ذلك والاجماع في اللغة العزم على الأمر يقال اجمعت على الشيء وازمعت عليه بمعنى واحد ومنه قوله تعالى: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] أي اعرضوه فامضوه.
وقد قيل في عبارة أن الفقه استفاضة القول وانتشاره في الجماعة الذي نسب الاجماع اليهم وفي مسائل الاجماع كلام كثير وسياتي بيانه أن شاء الله.
" القياس " والأصل الرابع هو القياس وأصله في اللغه التقدير ولذلك يقال للميل الذي يسد به غور الجرح٢ مقياس ومسيار.
قال الشماخ ودلج الليل مهاد قياس أي يصير بالطرق مقدر ليسير فيما يقضى بانتهائه إلى المقصد.
ويقال أنه حمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لنوع من الشبه وسياتي الكلام فيه على الاشباع ونذكر معنى العله والسبب والشرط والعرف والفرق بين هذه الاشياء لغة وفي عرف الفقهاء وإذا عرفت هذه الأصول فلا بد من النظر في هذه الأصول لتعرف أحكام الشريعة.
_________
١ أخرجه مسلم في العلم ٤/٢٠٥٩ الحديث ١٥/١٠١٧ والترمذي في العلم ٥/٤٣ الحديث ٢٦٧٥ والنسائي في الزكاة ٥/٥٦، ٥٧ باب التحريض على الصدقة ٦٤ وابن ماجه في المقدمة ١/٧٤ الحديث ٢٠٣ والدارمي في المقدمة ١/١٤٠، ١٤١ الحديث ٥١٢ والإمام أحمد في مسنده ٤/٣٥٧،
٢ ثبت في الأصل "يسير به غوث الجرح" ولعل الصواب ما أثبتناه.
1 / 31
" النظر " فالنظر هو الفكر في حال المنظور إليه والتوصل بأدلته إلى المطلوب١.
يقال تناظر الرجلان إذا تقابلا بنظريهما ايهما المصيب وابهما المخطىء.
وقيل هو تصفح الادلة لاستخراج الأحكام وللنظر شروط.
أحدها أن يكون الناظر كامل الالة على ما نذكره في باب المعنى.
الثاني أن يكون نظره في دليل لا في شبهة.
والثالث أن يستوفى شروط الدليل وترتيبه على حقيقته بتقديم ما يجب تقديمه وتأخير مايجب تأخيره.
يجب أن يكون المطلوب هو علم الاكتساب لا علم الضرورة وفى الاجتهاد كلام كثير في بابه.
"الجدل" والجدل قريب معناه من النظر إلا أن النظر يكون من الناظر وحده والجدل إنما يكون بمنازعة غيره وأصله من الجدل [وهو الفتل] ٢ كانه فتل صاحبه بالحجاج عن رايه ومذهبه إلى راى غيره٣.
وقال بعضهم الجدل اكثره في الباطل والنظر في الحق.
" الدليل " وأما الدليل هو المرشد إلى المطلوب وقالوا: ايضا هو الدال على الشيء والهادي يقال دل على كذا فهو دال ودليل كما يقال عالم وعليم وقادر وقدير٤.
والدلالة مصدر وقد يقال دليلي كذا أي دلالتي والمصدر يوضع موضع الأسماء٥.
_________
١ اعلم أن النظر مشترك بين معاني شتى ويقال للانتظار نظر وللرحمة والتعطف نظر وللعناية للغير فيما يحتاج إليه نظر وللمقابلة نظر ويقال للرؤية نظر وللفكر والتأمل نظر انظر الكافية في الجدل لإمام الحرمين ص ١٦،١٧.
٢ كلمة غير مقروءة الأصل ولعل الصواب ما أثبتناه.
٣ قال إمام الحرمين فقيل يقع بين الخصمين جدال لأن كل واحد منهما يفتل صاحبه عما يعتقده إلى ما هو صائر انظر الكافية في الجدل ص ٢١.
٤ قال إمام الحرمين الدليل فعيل من الدال العليم من العالم والقدير من القادر وهوالهادي أو تقول: هوالكاشف عن المدلول وهو الناصب للدلالة الفاعل لها فمن وجد منه نصب الدلالة يقال له دال.
ومن كثر منه نصب الدلالة وفعلها يقال له دليل انظر الكافية في الجدل لإمام الحرمين ص ٤٦.
٥ قال إمام الحرمين الدلالة ما يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما لم يعلم أو إلى معرفة..... المدلول انظر الكافية في الجدل ص ٤٦.
1 / 32
وقد قال اكثر المتكلمين وبعض الفقهاء لا يستعمل الدليل إلا فيما يؤدى إلى العلم فاما فيما يؤدى إلى الظن فلا يقال دليل وإنما يقال له امارة عند عامة الفقهاء أنه لا فرق بينهما لأن العرب لا تفرق في تسمية الدليل من ما يؤدى إلى العلم ويؤدى إلى الظن وأما الدال في ذكرنا إنما الدليل واحد.
وقيل هو الناصب للدليل وهو الله تعالى.
والمستدل: هو الطالب للدليل ويقع على السائل لانه يطلب الدليل من المسئول ويقع على المسئول لانه يطلب الدليل من الأصول١.
والمستدل عليه: هو الحكم الذي يطلب من التحليل والتحريم٢.
والمستدل له: يقع على الحكم لانه يطلب له الدليل ويقع على السائل لانه يطلب الدليل٣.
والاستدلال: طلب الدليل وقد يكون ذلك من السائل والمسئول جميعا٤.
فان قال قائل قد ذكرتم الحد في هذه الاشياء فما معنى الحد الحد وحده قلنا هو اللفظ الوجيز المحيط بالمعنى٥.
وقيل هو الجامع المانع٦.
وقيل معناه أنه يجمع الشيء المقصود به ويمنع دخول غيره عليه٧.
وقد قيل الحد هو النهاية التي إليها تمام المعنى وحدود الدار ماخوذة من هذا لانها نهايات الاملاك وكذلك حدود الله تعالى التي ضربها لفرائضه نهايات لها لئلا تتعدى.
_________
١ قال إمام الحرمين: المستدل هو الطالب للدلالة ويطلق على من ينصب الدلالة وعلى السائل عنها انظ الكافية في الجدل ص ٤٧.
٢ قال إمام الحرمين: ويطلق على الخصم المقهور بالدلالة انظر لكافية في الجدل ص ٤٨.
٣ قال إمام الحرمين: المستدل له هو الذي أقيمت له الدلالة وقد يكون هو الحكم المطلوب بالدلالة ويكون هو الطالب والسائل عنها انظر الكافية في الجدل ص ٤٧.
٤ قال إمام الحرمين: وقد يكون ذلك بالنظر والرؤية وقد يكون بالسؤال عنها انظر الكافية في الجدل ص ٤٧.
٥ انظر الكافية في الجدل لإمام الحرمين ص ٢.
٦ انظر الكافية في الجدل لإمام الحرمين ص ٢.
٧ واختار إمام الحرمين وقال لأن الحد يرجع إلى عين المحدود وصفته الذاتية في العقليات وفي كثير من الشرعيات انظر الكافية في الجدل لإمام الحرمين ص ٢.
1 / 33
وأصل الحد المنع ومنه تسمى النوار حدادا ومنه سمى الحديد حديدا لانه يمنع لابسه ومنه قيل للمحروم محدود لانه منع سعة الرزق وسميت العقوبات حدودا لانها تمنع وتردع وحدود الدار على هذا القول هي الموانع من وقوع الاشتراك في خاص الاملاك ولم نشبع القول في الحدود لانها تاتي في مواضعها من ابواب الكتاب أن شاء الله تعالى.
القول في اقسام الكلام ومعانى الحروف التي لابد من معرفتها في مسائل الفقه علم أن جميع ما يتلفظ به في مسائل الفقه قسمان مستعمل ومهمل. والمهمل كل كلام لا يوضع لفائدة. والمستعمل كل كلام وضع لفائدة ثم الكلام من جهة اللفظ مقسوم على ثلاثة اقسام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. ومن جهة المعنى إلى أربعة أقسام أمر ونهى وخبر واستخبار قالوا: فالاسم ما دل على معنى منفرد وذلك المعنى يكون شخصا ويكون غير شخص فالشخص نحو رجل وفرس وحجر وغير الشخص فنحو الضرب والاكل والليل والنهار ونحو باقي الاشياء وإنما قيل ما دل على معنى منفرد ليفرقوا بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان كقولك ضرب وقام ويضرب ويقوم وما اشبه ذلك يدل على زمان أما في الماضي وأما في المستقبل. واما الحرف: اداة تفيد معنى في الكلام إذا ضم إليه قالوا: واقل ما يأتلف منه الكلام اسم واسم كقولك زيد قائم وكقولك الله الهنا أو اسم وفعل كقولك قام عمرو وضرب زيد ولا ياتلف الفعل ولا الحرف مع الحرف ولا الحرف مع الفعل ولا الحرف مع الاسم وياتلف الاسم والفعل والحرف [كقولك] ١ خرج عبد الله وهل ذهب زيد ونحو ذلك. ثم الأسماء المعربة على أربعة أضرب: اسم الجنس الذي بقتضيه من جنس آخر كقولك الحيوان والانسان والدينار والدرهم والاكل والصوت وجميع ما اردت به العموم والالف واللام يدخلان في هذا النوع لعهد. _________ ١ زيادة ليست في الأصل.
القول في اقسام الكلام ومعانى الحروف التي لابد من معرفتها في مسائل الفقه علم أن جميع ما يتلفظ به في مسائل الفقه قسمان مستعمل ومهمل. والمهمل كل كلام لا يوضع لفائدة. والمستعمل كل كلام وضع لفائدة ثم الكلام من جهة اللفظ مقسوم على ثلاثة اقسام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى. ومن جهة المعنى إلى أربعة أقسام أمر ونهى وخبر واستخبار قالوا: فالاسم ما دل على معنى منفرد وذلك المعنى يكون شخصا ويكون غير شخص فالشخص نحو رجل وفرس وحجر وغير الشخص فنحو الضرب والاكل والليل والنهار ونحو باقي الاشياء وإنما قيل ما دل على معنى منفرد ليفرقوا بينه وبين الفعل إذا كان الفعل يدل على معنى وزمان كقولك ضرب وقام ويضرب ويقوم وما اشبه ذلك يدل على زمان أما في الماضي وأما في المستقبل. واما الحرف: اداة تفيد معنى في الكلام إذا ضم إليه قالوا: واقل ما يأتلف منه الكلام اسم واسم كقولك زيد قائم وكقولك الله الهنا أو اسم وفعل كقولك قام عمرو وضرب زيد ولا ياتلف الفعل ولا الحرف مع الحرف ولا الحرف مع الفعل ولا الحرف مع الاسم وياتلف الاسم والفعل والحرف [كقولك] ١ خرج عبد الله وهل ذهب زيد ونحو ذلك. ثم الأسماء المعربة على أربعة أضرب: اسم الجنس الذي بقتضيه من جنس آخر كقولك الحيوان والانسان والدينار والدرهم والاكل والصوت وجميع ما اردت به العموم والالف واللام يدخلان في هذا النوع لعهد. _________ ١ زيادة ليست في الأصل.
1 / 34
الجنس لا التعريف.
الضرب الثاني: اسم الواحد من الجنس نحو رجل وفرس وبعير وحمار ودينار ودرهم وسمى هذا النوع الأسماء الموضوعة وهي تفيد المعرفة بذات الشيء فقط.
والضرب الثالث: ما اشتق لوصف من الجنس نحو ضارب مشتق من الضرب وعالم مشتق من العلم وحسن مشتق من الحسن وهذه الأسماء تسمى الأسماء المشتقة وهي تفيد المعرفة بذات الشيء وصفته وتخبر عن حقيقته وماهيته وقال الحسن بن هانىء اجمع هذا الاسم بين الأمرين:
أن اسم جنس لو جمعها صفة ... ولا أرى ذا لغيرها اجتمعا
وهي إذا سميت فقد وصفت ... فيجمع اللفظ المعنيين معا
والضرب الرابع: مالقب به شيء بعينه ليعرف من غيره نحو زيد وعمرو وما اشبه ذلك وتسمى الأسماء الأعلام وأسماء الألقاب والأسماء المنقولة لأنها منقولة من أصولها إلى غيرها على جهة الاصطلاح وإنما تفيد التشهير وتمييز الشخص من غيره وليس بحثه إلا هذا.
ثم أن الأسماء الموضوعة تنقسم إلى خمسة أقسام:
الأسماء المبهمة كقولك شيء وموجود وحيوان وسميت مبهمة لأنها لا تفيد المعرفة بعين من الأعيان خاص بل يستوى فيها ما تحتها من أنواع الاشياء والحيوانات والموجودات.
والقسم الثاني: في الأسماء المتضادة مثل القرء والجون١ فإن الطهر والحيض على تضادهما يتناولهما اسم القرء والبياض والسواد على تضادهما يتناولهما اسم الجون.
والقسم الثالث: الأسماء المترادفة كقولك ليث واسد وحجر وفهد وخمر وعقار وسائر ما تترادف عليه الأسماء المختلفة ذات العدد مع اتفاق المعنى.
والقسم الرابع الأسماء المشتركة مثل العين هي العين التي تبصر بها ولعين الماء ولعين الميزان وللمهر الكبير ومثل اللون ومثل العرض هو اسم للواحد من العروض لما هو خلاف الطول وعرض لسعة الشيء مثل قوله تعالى: ﴿عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
_________
١ قال الفيروزآبادي الجون النبات يهرب إلى السواد من خضرته والأحمر والأبيض والأسود والنهار القاموس المحيط ٤/٢١١.
1 / 35
وَالْأَرْضُ﴾ [آل عمران: ١٣٣] .
والقسم الخامس: الأسماء المختلفة وهي ما اختلفت اسمائها ومعانيها وهي اكثر الأسماء لانها موضوعة للدلالة على المسميات ومن شانها اختلافها في صورة بالفصل بينها وبين غيرها.
كقولك حمار وفرس وجدار وبعير وغيرها من الأسماء هكذا اورده أبو سليمان الخطابي على ما نقلته وهو ثقة فيما ينقله.
معاني بعض الحروف١.
ونذكر الان معاني الحروف التي تقع إليها الحاجة للفقهاء ولا يكون بد من معرفتها وتشتد فيها المنازعة بين أهل العلم فمنها حروف من حروف العطف٢.
أولها الواو وقد ادعى جماعة من اصحابنا انها للترتيب واضافوا القول به إلى الشافعي رحمة الله عليه وقد حكى هذا المذهب عن بعض نحاة الكوفيين٣.
واما عامة أهل اللغة فعلى خلاف ذلك وإنما هي عندهم للجمع٤ واشتراك الثاني.
_________
١ قد جرت العادة بالبحث عن معانى بعض الحروف لاشتداد الحاجة إليها من جهة توقف شرط من مسائل الفقه عليها وكثيرا ما يسمى الجميع حروفا تغليبا أو تشبيها للظروف بالحروف في البناء وعدم الاستقلال والأول أوجه لما في الثاني من الجمع بينالحقيقة والمجاز أو إطلاق للحرف على مطلق الكلمة وتسميتها حروف المعانى بناء على أن وضعها لمعان تتميز بها عن حروف المباني التي بنيت الكلمة عليها وركبت منها فالهمزة المفتوحة إذا قصد بها الاستفهام أو النداء فهي من حروف المعاني وإلا فهي من حروف المباني شرح التلويح على التوضيح ١/٩٩ التوضيح على التنقيح ١/٣٤٩.
٢ وهي عشرة: منها أربعة تشترك في جميع المعطوف عليه في حكم غير أنها تختلف في أمور أخرى وهذه هي الواو والفاء وثم وحتى الإحكام في أصول الأحكام ١/٨٨.
حروف المعاني: أي الحروف التي لها معاني وإطلاق الحروف عليها بطريق التغليب لأن بعضها أسماء مثل إذا ومتى وغيرها شرح المنار ١/١٣١.
٣ هكذا حكاه إمام الحرمين في البرهان ١/١٨١ البيضاوي في نهاية السول ٢/١٨٥.
٤ قال أبو علي الفارسي أجمع نحاة البصرة والكوفة على أنها للجمع المطلق وذكر سيبويه في سبعة عشر موضعا من كتابه: أنها للجمع المطلق وقال بعضهم: إنها للترتيب انظر المحصول ١/١٦.
ونقل الإجماع أيضا السيرافي والسهلي والفارسي ونوقش بأنه خالف ثعلب وقطرب وهشام وأبو جعفر الدنيوري وأبو عمرو الزاهد ويقول الإمام الغزالي في المستصفى ١/٢٣٠. ولعل الناقل أراد إجماع الأكثر.
1 / 36