ورأيتني أمشي في طريق قد فرش حصرا من ذهب، ونثرت عليه حبات الجوهر، وبين يدي وصائف كأنهن من حور الجنة يقدمنني ويتكنفنني
36
في طريق القصر الباذخ، وأنا أتهادى بينهن تهادي العروس، وذكرت ابنتي آسية، وتوقعت أن أراها ثمة إلى جانب زوجها «أبي الحسنات» ووطئت عتبة القصر، واجتازت بي الوصائف إلى دار الحرم، وكانت قطر الندى هي العروس جالسة على سريرها في غرفة شارعة تطل من اليمين على نهر مثل النيل، ومن الشمال على نهر تحسبه دجلة ... ولم أدر أين أنا من أرض الله؟ فلو قلت: رأيت عرش مصر لما أسرفت في التأويل، ولو قلت: إنه عرش أمير المؤمنين في بغداد لكان حقيقا بأن يكون ...»
قالت: «وكان البخور يفوح من مجامر المسك عطرا مسكرا، فكأنما حملني الأريج
37
على جناحين من لهب فطار بي في السماوات، فما تنبهت إلا على صائح يصيح ...» •••
كان الأمير يستمع إلى حديث القابلة مأخوذا به، كأنما يتنقل معها حيث سارت منزلة بعد منزلة، فما بلغت من حديثها هذا الحد حتى انتبه من سكرته على صيحة أخرى غير الصيحة التي وصفت أم آسية ... ثم تتابعت الصيحات كأن الناس قد دهمهم الفزع الأكبر، فنهض من مجلسه عجلان يستطلع الخبر ...
وجاء حاجبه مهرولا يقص عليه: «السودان يا مولاي!»
قال الأمير وفي وجهه علائم الجد: «ما شأن السودان؟»
قال الغلام: «لقد اجتمعت جموعهم، فوثبوا بصاحب الشرطة على غرة
Bilinmeyen sayfa