وتحالف أصحاب السر على الكتمان ثم افترقوا.
5
كان خمارويه في ساعة صافية من أكدار الملك، قد طابت نفسه وهدأت خواطره، فليس يشغله شيء غير أمر نفسه، وما أقل ساعات الأنس والمسرة في حياة ذوي الهمة من الملوك وأصحاب السلطان ... إنهم مما يشغلهم من هم أنفسهم وهموم الناس لا يكادون يظفرون بمثل هذه الساعة إلا عابرة في العام بعد العام، كأنهم يدفعون ضريبة الجاه والسلطان من سعادتهم ومسراتهم على مقدار ما يكون سلطانهم عاليا أو نازلا ...
وكان كل شيء في تلك الساعة ساكنا، كأنما استقال الأمير من تكاليف الإمارة ساعة فأقاله الزمن، وقد جلس بين يديه بنوه وبناته، وقام الوصفاء والغلمان من حوله، ينظرون ما يأمر به وعلى مقربة منه جلست «أم آسية» قابلة أولاده
31
وحاضنتهم تقص عليه نوادر طفلته اللعوب الفاتنة «قطر الندى».
وكانت «قطر الندى» أحب أطفال الأمير إليه وأدناهم منه منزلة، وكان لها جمال وظرف وقوة أسر،
32
وعلى أنها لم تكن قد بلغت السابعة، فقد كان لها من قوة الإدراك أن تحسن الحديث، وتحسن الاستماع، وتفصل في بعض ما يعرض لها من الأمر ...
وأغفلت أم آسية فيما تقص على الأمير من خبر ابنته ما يلزمها من الاحتشام في حضرة الأمير، ورعاية الرسوم الملوكية، وقد كان لأم آسية من الحرمة عند خمارويه ما يسمح لها أن تتبسط في حضرته وتنسى الاحتشام، أليست قابلة أولاده جميعا وحاضنتهم، ولها عليهم مثل حق العمة ودلال الخالة، فإنها لتقيس مكانتها عند الأمير بمكانتها من ولده.
Bilinmeyen sayfa