قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
Yayıncı
دار الفضيلة،الرياض
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢.
Yayın Yeri
المملكة العربية السعودية
Türler
١١ قوله: "كلَّم موسى بكلامِه الَّذي هو صفةُ ذاتِه، لا خَلْقٌ مِن خَلقِه، وَتَجَلَّى للجَبَل فصار دَكًّا مِن جلالِه، وأنَّ القرآنَ كلامُ الله، ليس بمخلُوقٍ فيَبِيدُ، ولا صفةً لمخلوقٍ فَيَنْفَدُ".
اللهُ متَّصفٌ بصفة الكلام أزَلًا وأبدًا، وهو متكلِّمٌ بلا ابتداء، ويتكلَّم بلا انتهاء؛ لأنَّه ﷾ لا بداية له ولا نهاية له، فلا بداية لكلامه ولا نهاية له، وصفةُ الكلام صفةٌ ذاتيَّة فعلية، فهي ذاتيَّةٌ باعتبار أنَّه لا بداية للاتَِّصاف بها، وفعلية بكونها تتعلَّق بالمشيئة والإرادة، فكلامُه متعلِّقٌ بمشيئته، يتكلَّم إذا شاء، كيف شاء، وهو قديمُ النوع، حادثُ الآحاد، وقد كلَّم موسى في زمانه، وكلَّم نبيَّنا محمدًا ﷺ ليلة المعراج، ويُكلِّم أهلَ الجنَّة إذا دخلوا الجنَّة، وهذه من أمثلة آحاد الكلام التي حصلت وتحصل في الأزمان التي شاء الله ﷿ حصولَها فيها، والله تعالى يتكلَّم بحرف وصوت، ليس كلامُه مخلوقًا ولا معنى قائمًا بالذات، قال الله تعالى: ﴿وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا﴾، ففي هذه الآية إثبات صفة الكلام لله ﷿، وأنَّ كلامَه سَمعَه موسى منه، وقوله: ﴿تَكْلِيمًا﴾، تأكيدٌ لحصول الكلام، وأنَّه منه ﷾، وكلام الله ﷿ لا بداية له ولا نهاية له، فلا حصرَ له، بخلاف كلام المخلوق، فإنَّ له بدايةً وله نهاية، فيكون كلامُه محصورًا، قال الله ﷿: ﴿قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾، وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، ففي هاتين الآيتين إثباتُ صفة الكلام لله ﷿، وأنَّ كلامَه غيرُ محصور؛ لأنَّ البحورَ الزاخرةَ ولو ضوعِفَت أضعافًا مضاعفة، وكانت مدادًا يُكتبُ به كلام الله، وكان كلُّ ما في الأرض من
1 / 94