فحفظوا عنه ﷺ ما بلَّغهم عن الله ﷿، وما سنَّ وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدّب، ووعَوْه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمرَ الله ونهيه ومراده بمعاينة رسول الله ﷺ ومشاهدتهم منه تفسيرَ الكتاب وتأويله، وتلقّفهم منه واستنباطهم عنه، فشرَّفهم اللهُ ﷿ بما مَنَّ عليهم وأكرمهم به من وضعه إيَّاهم موضع القدوة"، إلى أن قال:
"فكانوا عدولَ الأمَّة وأئمَّةَ الهدى وحججَ الدِّين ونقلةَ الكتاب والسنة.
وندب الله ﷿ إلى التمسُّك بهديهم والجري على منهاجهم والسلوك لسبيلهم والاقتداء بهم، فقال: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى﴾ الآية.
ووجدنا النَّبِيَّ ﷺ قد حضَّ على التبليغ عنه في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطبُ أصحابَه فيها، منها أن دعا لهم فقال: "نضَّر اللهُ امرءًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يبلِّغها غيرَه"، وقال ﷺ في خطبته: "فليبلِّغ الشّاهدُ منكم الغائبَ"، وقال: "بلِّغوا عنِّي ولو آيةً، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
ثمَّ تفرَّقت الصحابةُ ﵃ في النَّواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبثَّ كلُّ واحدٍ منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله ﷺ، وحكموا بحكم الله ﷿ وأمضوا الأمور على ما سنَّ رسول الله ﷺ، وأفتوا فيما سُئلوا عنه مِمَّا حضرهم من جواب رسول الله ﷺ عن نظائرها من المسائل، وجرّدوا أنفسهم مع تقدمة حسن النيّة والقربة إلى الله تقدّس اسمُه، لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام، حتّى قبضهم اللهُ ﷿ رضوانُ الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين".