ودهشت الأم من كلام أحمد، فسارعت تقول: لا يقول هذا إلا حاقد، إنما الغنى والفقر بيد الله، والغني رجل كد واجتهد حتى أصبح غنيا.
فقال أحمد: أنا لا أرى أبي قد كد واجتهد.
وأرتج على سهير هنيهة، ثم قالت: بل إنك تعلم أن أباك قد نال دبلوم الهندسة ...
فقاطعها أحمد قائلا في سخرية خبيئة: من أوروبا.
وأحست الأم تهكم الابن، ولكنها تجاهلته، وقالت: وهل ترى أباك غنيا؟ - هو غني بلا شك، إنه يعيش عيشة الأغنياء. - أنت تعلم أنه ليس غنيا. - إذن فأنت الغنية، كم اجتهدت أنت وكم كدحت؟ - أبي كد واجتهد، حتى يوفر لي السعادة. - أبوك اجتهد، فلماذا تستفيدين أنت؟ - إنه لولاي ما اجتهد، أي غريبة في ذلك، إنها سنة الكون، الأبناء يخلقون الطموح في نفوس الآباء، إنك غدا حين تنجب أطفالا ستعلم كيف يكون الطموح، وحينئذ تسعى إلى أن تجعل أولادك أغنى الأولاد، تلك يا بني حكمة الله وسنته، وبها تدور عجلة الحياة. - نعم أعرف، فكلما أريد لنا أن نسكت فلا نفكر ذكر الله، فلماذا لا يعطل الله تفكيرنا حتى لا نفكر في عدله وحكمته وسنته وكل هذه الأشياء التي تبدو لنا، وغيوم الشك تغشاها.
وصاح حسام: أرأيت يا خالتي هذه أقوال فوزي.
فقال أحمد: وإنها حق.
وأصبح وجه الأم باسرا قلقا: ما هذا الكلام يا أحمد، ما هذا الذي تقول؟ - رأيي. - لا تظن أنك بهذا الرأي تبدأ طريقا جديدا، إنها طريق سبقك فيها الكثيرون، وعادوا عن رأيهم. - إنهم سجناء، جبناء لا يقوون على فك قيودهم، إنهم سجناء العادة والوهم والتقاليد، لو أمعنوا التفكير وفكوا قيودهم لما عادوا، إنهم القطيع.
ورأى حسام أن النقاش سيحتدم، ورأى وجه خالته يحتقن، وخشي أن تصاب بالنوبة القلبية التي تعاودها، فسارع قائلا: قم، قم يا عبقري، انزل إلى صاحبك العبقري الآخر!
وفهمت سهير ما أراد إليه ابن أختها، فسكتت مذعنة، فما كانت تطيق أن تغضب ابنها، وقال أحمد: وأنت؟ ألا تنزل معي؟ - نعم سأنزل معك، وأمري إلى الله.
Bilinmeyen sayfa