Kaside ve Resim: Şiir ve Resim Sanatı Boyunca
قصيدة وصورة: الشعر والتصوير عبر العصور
Türler
لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن العمل الفني الحقيقي أشبه بمنجم غني بكنوز الأسرار وأسرار الكنوز، وكل من يتأمل ذخائره لا بد من أن يفعل هذا من وجهة نظر معينة تتحكم فيها عوامل لا حصر لها، ويستخرج منه هذا الجوهر الثمين أو ذلك حسب قدرته وموهبته وثقافته وخبرته ونظرته للحياة والكون والفن. ولن نستطيع بطبيعة الحال أن نقف أمام جميع الصور والأشعار التي يقدمها هذا «المتحف» الصغير؛ لأن ذلك يفسد الغاية من إتاحة الفرصة لكل قارئ لكي يتذوق ويجرب بحريته الكاملة؛ ولذلك سأكتفي بمحاولة النظر إلى ثلاث لوحات اخترتها من أكثر من أربعين لوحة، مع علمي أن المحاولة لا تخرج عن إلقاء بعض الأسئلة التي تحفز القارئ على الدخول في عالم هذه القراءة الفريدة، وتشجع على القيام بالمغامرة، وتغري الشاعر والمصور بمد أيديهما إلى بعضهما ...
وربما يسأل القارئ: كيف يمكنني أن أفسر قصيدة الصورة؟ وكيف أقارن بين نص لغوي وآخر مرئي؟ والإجابة على هذين السؤالين وأمثالهما متروكة لكل قارئ على حدة، وهي تعتمد - كما سبق القول - على ذوقه وتجربته، وثقافته ووجهة نظره في النقد والحياة. وإذا صح ما يقوله بعض نقاد الشعر من أن القراءات تتعدد بتعدد القراء، وأن كل قارئ يعيد إبداع القصيدة على طريقته ولا يقتصر على استحضار تجربة الشاعر الأصلية، فلا غنى لهذا القارئ نفسه عن - 24 - بعض الموجهات النظرية التي تهديه داخل المتاهة السحرية. ولذلك سنطرح بعض الأسئلة التي يمكن أن تساعد الإجابة عليها على القراءة المنظمة، ولا نقول العلمية أو الموضوعية حتى نترك للتذوق الحر مجالا يتحرك فيه؛
13
كيف ومتى التقى الشاعر بالصورة، وفي أي موقف من مواقف حياته وعصره ومجتمعه تم هذا اللقاء؟ هل نشأت قصيدته في مناسبة معينة، كأن تكون هذه المناسبة زيارة لمتحف أو مرسم أو معرض صور، أو احتفالا بذكرى فنان، أو حتى الحصول على بطاقة بريدية طبعت عليها الصورة؟ وكيف كان تأثير هذه الصورة عليه؟ هل جذبته إليها أم نفرته منها؟ هل شعر بغرابتها وغموضها ، أم أحس أنها تحرك عاطفته وتلهمه وتقدم له الراحة والعزاء؟ وهل نجح في أن ينقل مضمونها وشكلها إلى لغة القصيدة بحيث تعكس بنية القصيدة بعض العناصر المكونة لها؟ وإذا كان قد نجح في هذا فما هي الوسائل والأدوات الفنية التي لجأ إليها؟ كيف استطاع أن يجعل الصور الساكنة تنطق وتتحدث إلينا من طوايا الماضي البعيد أو الحاضر المباشر؟ وإذا كان قد وفق في التعبير عن بعض معالم الصورة وتفصيلاتها الدقيقة، فهل أغفل تفصيلات أخرى، ولماذا فعل ذلك؟ هل تمكنت القصيدة من تقديم تفسير للصورة، وما هي الوسائل التي استعانت بها لتحقيق ذلك؟ ثم ماذا كان هدف الشاعر من كتابة قصيدته عن صورة محددة؟ هل كان الهدف هو نقد عصره ومجتمعه، مثل معظم الشعراء الشباب الذين ستجدهم يكتبون عن «كآبة» دورر أو «جوكندا» دافنشي، فيدينون عصر القلق والأورام والرعب النووي وقواعد الصواريخ؟ أم كانت غاية الشاعر هي إطلاق العنان لخواطره ومشاعره، وإلقاء الضوء على الوجود الإنساني بوجه عام، ومحاولة الاقتراب من سره ومعناه؟ أم كان الهدف في النهاية غير مرتبط بأي هدف، اللهم إلا متعة التأمل والتذوق المنزهة عن كل هدف أو غرض، وهي المتعة التي جعلها «كانت» محور التذوق الفني والاستمتاع والمسرة الجمالية؟
وربما ينتقل القارئ إلى أسئلة أخرى أكثر ارتباطا «بحرفية» القصيدة وصنعتها فيسأل: كيف عالج الشاعر قصيدته و«وظف» كلماتها وعباراتها وصورها ورموزها؟ هل سلك طريق الوصف المباشر، أم سار على درب القصة والحكاية، أم لجأ إلى الحوار بينه وبينها؟ هل اتبع الأسلوب الغنائي أم التقريري أم أسلوب التعليم وضرب المثل؟ وهل أوجز وكثف أم أسهب وأطنب؟ في أي قالب وضع قصيدته ورتب أبياتها ومقاطعها؟ وهل التزم أوزانا من بحر معين ونوع القوافي، أم فضل الشعر الحر وبالغ في بعض الأحيان وكتب على طريقة الشعر المجسم (الذي كان آخر صيحة في عالم الشعر وتنظيم سطوره حتى عهد قريب)؟! هل يغلب على النص طابع التعبير العاطفي، أم طابع الإيماء والإيحاء، أم الدعوة إلى انفعال أو فعل معين؟ وهل يتكلم الشاعر عن الصورة نفسها أم عن الفنان الذي رسمها أم عنهما معا؟ وهل وفق آخر الأمر في «توصيل» تجربته أو «رسالته» أو «كلمته» والملاءمة بين أسلوب القصيدة وبنائها وبين الحقائق التي تمخضت عنها الإجابة على الأسئلة السابقة؟ إن هذه الأسئلة تصب كما ترى في تذوق القصيدة وتعين الإجابة عليها على تحقيق غاية المتعة الجمالية التي لا يختلف حولها أحد ...
فلنحاول أن نقرأ معا بعض الصور القليلة التي تجدها في هذا الكتاب على ضوء القصائد التي قيلت عنها. ولنتذكر أن قراءتنا ليست سوى قراءة واحدة من بين قراءات أخرى ممكنة؛ أي إنها تقدم تفسيرا واحدا ولا تزعم أنه هو التفسير الوحيد. ولنبدأ ب «الجوكوندا» أو «الموناليزا» التي تعد من أشهر كنوز الفن، كما تعد ابتسامتها المميزة لغزا أبديا ربما يفوق في غموضه وحنانه وسخريته ابتسامة أبي الهول ...
ماذا تقول هذه الابتسامة التي لا تنطق؟ وبماذا تتحدث هذه النظرة الهادئة المفعمة بالتعاطف والأسى والدعابة والتعالي؟ إن الرزانة والصبر تحيطان هذه السيدة الإيطالية البيضاء المنعمة، ويداها المشبوكتان على صدرها كحمامتين تتناجيان فتزيدان من الإحساس بالرضى والاستسلام والحنان. كل شيء فيها ومن خلفها يكرس هذا الإحساس ويقلقه في آن واحد؛ المنظر الطبيعي الساكن الذي يوشك أن يحيلها هي نفسها إلى طبيعة ساكنة، البحر البعيد والصخور البلورية والسماء المتلاشية الزرقة، والماء الفضي المنحدر من الجبل، والشجر وجذوع الشجر ناصعة البياض، والظل الراسخ الداكن الذي يتحدد على «الخلفية»، ولا يفلح لمعان الماء الفضي ولا نصوع الجبين الوضاء والصدر المرمري وأنوار الفجر المتوهج من بعيد، لا تفلح كلها في زحزحة هذا الظل الجاثم ومعه الأفول والنضوج والحكمة المترفعة.
لكن روعة المنظر الطبيعي الملتف في ثوب الغروب أو في ثوب الحداد لا تستطيع أن تشغلك عن النظر إلى العينين اللتين لا تتحولان عنك، ولا يمكنك أن تحول عينيك عنهما! وهي تعجز بالتأكيد عن تشتيت انتباهك إلى الابتسامة التي لا تدري هل تفتر عن الحب أم عن القسوة؟ وهل هي ابتسامة الأنثى الخالدة التي تجذبك إليها، أم ابتسامة النمرة المتربصة التي تغوي ضحيتها وتهلل لقرب انتصارها عليها؟ ...
وتهز رأسك حيرة وعذابا، ثم ترفعه وتثبت عينيك على عينيها وشفتيها. لا شك في أنها تريد أن تقول شيئا أو أشياء، لكن هل تقوله للفنان الذي كان عاكفا على رسم صورتها، أم تقوله لكل من سيقف أمامها في مستقبل الأيام والأجيال، أم تخاطب به نفسها في عزف منفرد يصمت في نطقه وينطق في صمته؟ إن النظرة الممتلئة بالحياة - على الرغم من سكونها الظاهر - والبسمة التي تختلج على الشفتين محاولة الإفلات من اللون والظل والمكان الذي قيدت فيه منذ أكثر من خمسة قرون، لترقص وتهتز وتتحرك في الزمان، إنها جميعا لتحيرك فلا تدري هل تتوقف أمامها وتملأ عينيك من جمالها وحنانها وحبها ودفئها، أم تلوذ بالفرار قبل أن تعرى من ثياب عاداتك، وتنفذ في صندوق أسرارك، وتفضح تفاهة عالمك المزهو بغروره وسخافاته وظلماته، وتجرجر لنفسك «نسخة» منها قبل أن تخرج من الباب. وتظل الحيرة من لغز الموناليزا أو ألغازها تطاردك؛ هل كنت أمام المرأة أم العروس أم «الهولي» أم القديسة البتول؟ هل تكلمت إلي بصوت العرافة القديمة، أم رتلت صلوات المؤمنة الراضية؟ هل ضحكت أم بكت؟ وهل رحبت بزيارتي أم طردتني من بيتها؟ أتراها حملتني بهداياها - النور مع الموسيقى زادا لبقية عمري - أم أثقلت روحي برموزها وأسرارها، وأرهقت ضميري بالبحث عن سري ورمزي ولغزي؟ وليت شعري هل اقتربت منها أم ابتعدت؟ وإذا وضعت صورتها في بيتي - كما يفعل ملايين الناس - فهل ستكون نعمة أم نقمة؟ وهل أتمكن يوما من فض اللغز الأبدي؟ إن الفنان العظيم قد رسم «فلسفته» عندما رسم هذه المرأة - الهولي أو هذه الحواء - الملاك، ولكنه - شأنه شأن كل فيلسوف حق - قد دعانا للمشاركة والحوار، وصان رؤيته من التمذهب والتحجر والتعصب ... وليت صغار المتسلطين والمستبدين في الأدب والفن والعلم والحياة يعرفون أخيرا أن هذه المفاهيم نفسها تناقض التسلط والاستبداد ولا تليق إلا بالبهيم والجماد ...
وننتقل في الزمان سنوات قليلة بعد ليوناردو دافنتشي (1452-1519م) والجوكوندا التي صورها حوالي سنة 1503م، لنقف أمام لوحة هي آخر ما رسم فنان آخر من أصحاب الرؤية، وهو بيتر بروجل الأكبر (من حوالي 1525م إلى 1569م). إن العميان الستة (وقد رسمها حوالي سنة 1568م) يجتاحهم الرعب، ويتحسسون الطريق واحدا بعد الآخر متشبثين بعصا أو قضيب طويل يمسك أولهم وآخرهم بطرفيه. كل منهم يضع يده على كتف المتقدم عليه في الصف، والذي يستند عليه قد ارتج جسده واختل توازنه. ما السر وراء الزلزلة أو العاصفة أو الموت الداهم؟ إن الثاني في الصف يعرف وإن كان مثلهم لا يرى؛ فلقد وقع الرائد والقائد في حفرة، وانهار فوقع التالي وانهار عليه، أما الأربعة الباقون فقد استشعروا الخطر وفتحوا المحاجر الجوفاء على اتساعها كأنهم يريدون أن يروا الظلمة المطبقة ويتأكدوا من أنها ازدادت كثافة وإطباقا ... من هم هؤلاء الرجال الستة؟ أيسيرون على طريقهم المعتاد كل يوم؟ هل وقعوا في هذه الحفرة من قبل أم فاجأتهم على غير توقع؟ من بعيد تظهر بعض بيوت القرية والكنيسة الريفية الصغيرة والأشجار الراسخة والبحيرة. ولم يسعون أو يوشكون على السقوط في الحفرة دون أن يشعر بهم أحد؟ كيف اندفعوا في الليل الأعمى؟ من حركهم؟ هل هو مثلهم قدر أعمى؟ ولماذا يتخلى عنهم؟ ولماذا لم ينتظروا أن يشرق فجر أو تطلع شمس نهار؟ هل دار بخاطرهم أن الرؤية بالليل تكون أتم؟
Bilinmeyen sayfa