فيه مشكلات النزاع بين الأوطان، وفيه مشكلات النزاع بين المشرق والمغرب، وفيه مشكلات النزاع بين الميسورين والمحرومين، وكلها من المشكلات التي تتشعب بين الأمم وتتغلغل بين طوائف الأمة الواحدة، وتأبى للعالم في عصرنا هذا أن يتعاون ويتوحد، وقد تأبى عليه أحيانا أن يرغب في التعاون والاتحاد.
فأين هي عوامل الأمل وعوامل القنوط في مشتبك هذه الأخطار؟
لا ندري ما مصيرها؟ فهل ترانا لا ندري عند الموازنة بينها وبين عوامل التضامن العالمي أيها أقوى وأيها يمضي في اتجاه الزمن، وأيها يحسب من بقايا الأمس التي تسرع أو تبطئ إلى الزوال.
إن التضامن العالمي أقوى منها جميعا وأحدث منها في أسبابه على الأقل، وأدنى - من ثم - أن يكون له الغد المرجو، ولا يلحق ببقايا الأمس التي أخذت في الزوال.
إن مشكلة النزاع بين الأوطان لمن أخطر المشكلات على تضامن العالم فيما مضى وفي العهد الذي نحن فيه.
ولكنه خطر يتغير ويسرع في التغير، ويأتي التغير فيه من جانب الأقوياء الطامعين، ومن جانب الضعفاء المطموع فيهم، ومن جانب المحايدين الذين تقف بهم علاقات السياسة أحيانا في وسط الطريق لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فالدولة القوية التي كانت قبل مائة عام تطمع في وطن ضعيف لم يكن يمنعها مانع أن تنقض عليه، وأن تقهره وتضطره إلى الخضوع لحكمها ما دامت تريد البقاء فيه، ولم يكن من العسير عليها إذا تنافس الأقوياء من نظائرها أن تتفاهم على التقاسم وتبادل السكوت والإغضاء.
أما اليوم فالدولة القوية التي تطمع هذا الطمع تجد الموانع من داخلها، ومما حولها، ومن نظرائها، ومن الضعيف ومن يشبهه في حالته من غير الأقوياء.
يمنعها في داخلها فريق من أبنائها يزهد في العدوان على الوطن الضعيف؛ لأنه لا يستفيد منه، إن لم يزهد فيه إيمانا بالحق والإنصاف.
ويمنعها مما حولها ومن نظرائها أنهم يخسرون باحتكارها الحكم في غير وطنها ولا يتعوضون من هذه الخسارة شيئا تمنحهم اياه، وتملك أن تمنعه عنهم بمشيئتها، وكلما عظمت الدولة وعظمت ثروتها تشعبت مصالحها، واشتدت رغبتها في فتح الأبواب لها ولغيرها، لأنها تستطيع - ولو نافست ذلك الغير - أن تحقق مصالحها في البلد المفتوح بما لها من الوفر والقدرة على الصبر والاحتمال، وعلى تبادل المنافع بينها وبين مختلف الأمم والجهات، وربما كان من الأمم التي تحتاج إليها ذلك القوي الطامع في احتكار السيطرة على هذا الوطن أو ذا. •••
Bilinmeyen sayfa