وضحك ساخرا ثم مضى في حديثه: لو تعاملت معهم بما يرضي القانون، واحترام الحقوق، لاعتبروا الحكومة مهزلة، وتمادوا في شرهم إلى غير نهاية.
فقلت متحديا: ولكنكم تعاملون المتظاهرين نفس المعاملة وهم صفوة الشباب! - لا .. لا .. هذه مسألة أخرى .. لا تمل بنا إلى السياسة .. للسياسة كما تعلم قوانينها الخاصة.
ثم مواصلا بعد فترة صمت: الحياة الحقيقية في الشارع لا في دار الكتب، السجن لا يعتبر عقوبة مناسبة مع هؤلاء، شعبك غير الشعوب الأخرى.
فتساءلت: أليسوا أناسا مثل الآخرين؟! - كلا، اعلم أن السجن يوفر لهم مأوى أفضل بكثير مما يتهيأ لهم في حياتهم العادية، وطعاما لا يظفرون بمثله في غالبية أيام السنة، فالسجن لا يعتبر عقوبة رادعة لهم.
وهز رأسه في ثقة من اطمأن منطقه، ثم قال: العقوبة الوحيدة المجدية هي ما قبل العقوبة الرسمية، أعني الشتم والضرب والإهانة.
واسترسل ضاحكا: لا تنزعج، ولكن عليك أن تصدقني، منهم نفر إذا ضاق بهم الحال افتعلوا خناقة كيفما اتفق، لا لشيء إلا ليقبض عليهم فيعيشوا في ضيافة الحكومة وعلى حسابها مدة ستة أشهر.
تفكرت قليلا ثم قلت: كنت أتصور أنني ملم بتعاسة شعبنا، ولكنني لم أعرف مداها إلا الساعة.
فقال لي مصدقا على قولي: في ذلك لا خلاف بيننا على الإطلاق.
مسافر بحقيبة يد
في الصباح المبكر تبدو المدينة هادئة، شبه خالية، نقية، تجود شمسها البازغة بدفقات من الحرارة، تلطف من جو الشتاء، اجتمعت الأسرة في الفيات، الأم تقود، وهو بجوارها تفصل بينهما حقيبة سفر يدوية، وفي المقعد الخلفي جلس الغلامان في زي المدرسة الرسمي. نظر الرجل إلى الطريق بارتياح وقال: شد ما يبدد الزحام من وقار الشوارع!
Bilinmeyen sayfa