İngiltere ve Süveyş Kanalı: 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Türler
وبهذه الاتفاقية زالت المعارضة الحقيقية للاحتلال الإنجليزي لمصر، وضمنت إنجلترا نهائيا وإلى حين تفوق مركزها على ضفاف النيل والقناة، وبذلك لم تعد في حاجة إلى التحفظ الذي ألحقته باتفاقية سنة 1888.
فنصت الاتفاقية الجديدة في المادة السادسة على زوال ذلك التحفظ، وأعلنت الدولتان تمسكهما بحرية المرور في القناة وبشروط معاهدة سنة 1888.
وبهذه الاتفاقية بين إنجلترا وفرنسا زالت كذلك معارضة الروسيا للاحتلال الإنجليزي لمصر، وستنضم الروسيا إلى الوفاق الفرنسي الإنجليزي بعد ثلاث سنوات من هذه الاتفاقية، بقيت الدول الكبرى مثل ألمانيا والنمسا والمجر وإيطاليا، فإلي قيام الحرب الكبرى الأولى لم تكن لهذه الدول مصالح مباشرة ومهمة تدعوها إلى معارضة الاحتلال معارضة جدية أو مناقشة مركز إنجلترا الممتاز في القناة.
ولكن هناك مسألة تستوقف النظر بالنسبة للقناة، وهي محاولة ألمانيا إنشاء طريق آخر للمواصلات بين الشرق والغرب، وهو طريق ب. ب. ب. (برلين، بيزنطة، بغداد). أخذت ألمانيا تستغل مركزها الممتاز في الدولة العثمانية من بعد سنة 1900 لإنشاء سكة حديدية تخترق الأناضول والجزيرة والعراق إلى بغداد، ومنها تكمل السكة الحديدية إلى البصرة على مدخل الخليج الفارسي، وبذلك هيئ لألمانيا إمكان تحويل جانب كبير من تجارة الشرق عن طريق قناة السويس إلى الطريق الجديدة.
وأخذ الألمان في تنفيذ مشروعهم، ففي سنة 1903 استطاعت ألمانيا أن تأخذ امتياز سكة حديد بغداد، وكان الألمان يرون في ذلك الوقت أنه يمكن إلحاق الضرر الجسيم بإنجلترا في نقطة واحدة هي مصر، وإن فقدان إنجلترا لمصر ليس معناه انتهاء إشرافها على قناة السويس والطريق إلى الهند، ولكن معناه أيضا ضياع ممتلكاتها في أواسط وشرق أفريقيا، اعتبر الألمان قناة السويس شريانا حيويا من شرايين الإمبراطورية، فأي عطب يلحق به يصيب إنجلترا بخسارة جسيمة.
وعلى أي حال لم تلحظ الحكومة البريطانية ذلك الخطر الجديد من أول الأمر، بل وساهمت في تمويل المشروع الألماني، ولكنها حين تنبهت لخطر المشروع أسرعت بالسيطرة على الخليج الفارسي، وعقدت حلفا مع روسيا لتشل حركة الألمان والأتراك معا، ثم قامت الحرب العالمية الكبرى الأولى، فلم يكمل تنفيذ المشروع كما كان يبغي الألمان ، وظلت طريق قناة السويس بغير منافس، إذ إنه بعد انتهاء هذه الحرب سيطرت إنجلترا على العراق سيطرة كاملة من الناحية السياسية لمدة، ثم عقدت معه معاهدة تحالف تضمن عدم انضمامه إلى جانب أعدائها، ومع ذلك فلم تعمل إنجلترا على إحياء طريق الخليج الفارسي - العراق - البحر الأبيض؛ بحيث ينافس طريق قناة السويس.
وقبل قيام الحرب الكبرى الأولى، قامت حربان؛ الحرب الأولى بين روسيا واليابان، وكانت إنجلترا صديقة لليابان وحليفة لها، ويهمها بطبيعة الحال ألا تخرج الروسيا من هذه الحرب منتصرة، وكان على إنجلترا كما تنص اتفاقية سنة 1888 أن توافق على مرور الأسطول الروسي في القناة إلى الشرق الأقصى، وترددت الحكومة الإنجليزية في أول الأمر، ولكنها لم تحاول منعه من المرور، فمر ليلقى حتفه في المياه اليابانية.
وفي المرة الثانية كانت الحرب بين الدولة العثمانية وإيطاليا في سنة 1911، بسبب مسألة طرابلس التي كانت إيطاليا ترمي إلى الاستيلاء عليها، والتي كانت جزءا من ممتلكات الدولة العثمانية.
وطرابلس مجاورة لمصر من الناحية الغربية، ومصر من ناحية القانون الدولي لا زالت تحت السيادة العثمانية، ويحق لإيطاليا أن تهاجمها وتعتدي على قناة السويس ما دامت في حالة حرب مع الدولة العثمانية، كما هاجمت جزر الدوديكانيز التابعة للدولة العثمانية أيضا.
كان من الممكن حدوث هذا، لو لم تقف إنجلترا في مصر موقف الحياد التام بين المتحاربين، والواقع أن إنجلترا كانت قد وافقت منذ صيف سنة 1878 على ألا تثير معارضة إذا ذهب الإيطاليون إلى طرابلس، قبلت إنجلترا هذه الفكرة حين قررت احتلال قبرص، ولذلك طلبت إنجلترا من الحكومة المصرية ألا تساعد فريقا من المتحاربين على الفريق الآخر، بالرغم من أن الرأي العام المصري كان يود لو استطاع مساعدة الطرابلسيين في محنتهم الشديدة، وفعلا تم لإنجلترا ما أرادت، ولذا حين طلبت الحكومة العثمانية - بعد أن فرض الإيطاليون بالقوة الحصار البحري عليها - مرور الجنود العثمانية في مصر، لم توافق إنجلترا، وكذلك لما طلبت الحكومة العثمانية من حكومة مصر إرسال فرقة من جيشها لمساعدة الأتراك في طرابلس، احتج المعتمد البريطاني هربرت كتشنر على ذلك، وبين أنه إذا أرسلت مصر جزءا من جيشها إلى طرابلس، فستجد إنجلترا نفسها حينئذ مضطرة إلى زيادة عدد جنودها في مصر، الأمر الذي لا تقبله تركيا راضية، وذكر كتشنر الدولة العثمانية أنها كانت لا توافق أبدا على تعزيز إنجلترا لجيوشها في مصر.
Bilinmeyen sayfa