İngiltere ve Süveyş Kanalı: 1854-1951
إنجلترا وقناة السويس: ١٨٥٤–١٩٥١م
Türler
ولكن ما تطلبه تنفيذ المشروع من نفقات باهظة وما لاقاه من صعوبات في أول الأمر كاد يودي بكل المشروع، لولا العطف والتأييد الذي لاقاه من إمبراطور الفرنسيين ومن الحكومة الفرنسية والرأي العام الفرنسي.
إذ إنه في سنة 1860 بعد أن تابعت شركة القناة أعمال الحفر، كتبت الصحف الإنجليزية مثل «الديلي نيوز» و«التيمز» تسخر من المشروع، وتبين أن من السهل حفر حفر في الصحراء وجمع أكوام من التراب الذي تذروه الرياح، فيغطى الحفر من جديد، وأبانت عن أن المشروع فاشل لا محالة وسيكلف كثيرا من النفقات التي لا تستطيع القيام بها شركة خاصة، وردد هذا القول في البرلمان الإنجليزي، فقال بامرستون: إن المشروع مجرد جعجعة وخداع، وإنه سيكلف من الوقت والمال والعمل ما لا تستطيعه شركة القناة، وذكر في خلال كلامه أن والي مصر قد اضطر إلى الاقتراض من مصرف في مارسيليا للوفاء ببعض التزاماته إزاء شركة القناة.
وفي السنة التالية في مايو ثارت في البرلمان الإنجليزي المعارضة شديدة ضد المشروع الفرنسي، وتكرر نفس الطعن السابق، فالمشروع في نظر بعض الأعضاء غير عملي من الناحية التجارية، فهو كثير النفقات كبير الخسارة على المساهمين، وفوق كل ذلك فهو يعطي الشركة الفرنسية أراضي شاسعة في قلب مصر حول القناة، وأن الحكومة الفرنسية قد تستطيع استخدام هذه الأراضي لمصلحتها الخاصة والاستفادة من مركز المنطقة الاستراتيجي، وذكر بعض الأعضاء أن المشروع في نظر فرنسا له قيمته الاستراتيجية، وأنه لا يمكن اعتبار شركة القناة شركة خاصة، فهي شركة تتكلم باسم الشعب الفرنسي وتدعي أنها تمثل الحكومة الفرنسية وتطلب تأييدها في كل حين، وأشير إلى زيادة عدد الرعايا الفرنسيين في مصر، وطلب إلى الحكومة الإنجليزية أن تستوضح من الحكومة الفرنسية موقفها إزاء هذا المشروع.
وأجاب ممثل الحكومة البريطانية في البرلمان بأن سياسة بريطانيا لم تتغير، فهي تراقب الموقف بدقة متناهية، وهي لا تعترض على المشروع كمشروع تجاري ولكنها تنظر إليه بالنسبة لتركيا وإزاء مركز مصر السياسي، ونادى بعض الأعضاء بأنه يكفي إنجلترا المحافظة على بوسفور واحد، وأنه لا معنى لمشروع يضع إنجلترا بين يدي فرنسا؛ لأنه إذا نفذ المشروع؛ فعندئذ تستطيع فرنسا إرسال أساطيلها بسرعة، وقطع المواصلات بين إنجلترا والهند؛ ولذا فلا مناص لإنجلترا من معارضة المشروع.
ولجأت إنجلترا إلى عرقلة المشروع في دور التنفيذ من ناحية أخرى، فأثارت مسألة تسخير الفلاحين في أعمال الحفر، فهاجمت الصحف الإنجليزية تسخير الفلاحين على أساس أنه ليس إلا صورة من صور الرق، ووصفت ما يلاقيه هؤلاء العمال من عذاب وقسوة، مثلهم في ذلك مثل الرقيق في الولايات الجنوبية للولايات المتحدة.
ولقد أثير مرارا موضوع السخرة في البرلمان الإنجليزي، وطالب بعض النواب الحكومة الإنجليزية بأن تعمل ما في وسعها للتخفيف من آلام وشقاء هؤلاء البؤساء.
على أن محاولة الإنجليز عرقلة المشروع من هذه الناحية لم تنجح كثيرا، فلقد أسرع دي لسبس في تنفيذ مشروعه ليضع الحكومتين العثمانية والإنجليزية أمام أمر واقع، والتنفيذ من شأنه أن يقنع الحكومة الفرنسية بضرورة تأييد المشروع وحماية أموال المساهمين الفرنسيين، وفي 18 أكتوبر سنة 1862 وصلت مياه البحر الأبيض المتوسط إلى بحيرة التمساح، فالنجاح الذي أحرزه أعظم أبناء فرنسا من المغامرين في منطقة صحراوية، كان لها أثره المشهود على الرأي العام الأوربي والإنجليزي.
ولم يحول هذا الحكومة البريطانية عن رأيها وعن عدائها للمشروع ولتنفيذه، فعادت إلى الاحتجاج الشديد على شروط الامتياز، فهي شروط كما بينت مجحفة بحقوق السلطان وحقوق واليه على مصر، وأقنعت الباب العالي بضرورة إرجاء موافقته إلى أن تنتهي الشركة من تسخير الفلاحين المصريين.
ولقد كان الفلاحون المصريون يجمعون جمعا، ويساق بهم إلى أماكن الحفر كالأنعام أو كالرقيق الذليل، وذلك في أعداد كبيرة قد تصل إلى عشرين ألفا طوال أيام السنة تقريبا، وهناك يسامون الخسف فلا يعنى بصحتهم ولا بمعاملتهم كآدميين لهم حقوق الإنسان العادي، وكانت «المتاعب والآلام لا تقتصر على هؤلاء العمال وحدهم، بل كذلك على زوجاتهم وأطفالهم الذين كانوا يتركون بغير عائل، وكثيرا ما كانت الشركة تتوقف عن دفع أجورهم الزهيدة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.» هذا ما قاله خصوم الفرنسيين في مجلس النواب البريطاني، والواقع أن العمال كان يجمعون من كل أجزاء مصر، ويسيرون المسافات الطويلة حتى يصلوا إلى مناطق الحفر، ثم يقطعون المسافات الطويلة إلى القاهرة لصرف الصكوك المعطاة لهم، ويقاسون الأمرين في سبيل ذلك. •••
ولم يؤثر موت سعيد باشا تأثيرا كبيرا في تصميم الشركة على إنجاز المشروع، وإن كانت الشركة قد فقدت فيه عونا كبيرا، ولكن إسماعيل باشا كان لحسن حظ الشركة، مؤيدا من ناحية المبدأ للمشروع، فهو يرى أن المشروع إذا تم إنجازه فسيجعل لمصر مركزا ممتازا في العالم، وسيجعل لاسم حاكم مصر دويا لم يكن له من قبل.
Bilinmeyen sayfa