مع التنين بالصيف ... وبعدها نامت أخته فرأت في المنام أخاها حسينا وهو يقول لها: يا أختي، إلى كم تبكين علي؟
فقالت له: كيف لا أبكي وقد جرى عليك الذي جرى؟
فقال لها: يا أختي، لما قطعوا يدي كان قلبي مشغولا بالمحبة، فلم أدر إلا وهي طيبة. فلما صلبوني كنت مشاهدا ربي، فلم أدر ما فعلوا بي. فلما أحرقوني نزلت علي ملائك ربي من السماء صباح الوجوه، فاختطفوني إلى تحت العرش، وإذا بالنداء من العلي الأعلى: يا حسين، رحم الله من عرف قدره، وكتم سره، وحفظ أمره. فقلت: أردت التعجيل إلى رؤيتك. فقال: تملا بالنظر فإني لا أحتجب عنك.
المرأة المجهولة
بالقرب من ضريح الحلاج، لا من تصوفه الملهم الملهم، قبة فريدة بشكلها وهندستها، وبالنخلات القليلة التي تظللها. ما رأيت في بغداد غير قبة واحدة مثلها، هي لمقام الصوفي السهروردي خارج السور إلى الجهة الشرقية منه. إن هندسة هاتين القبتين بويهية عربية. فالشكل الهرمي فارسي، والزخرف الداخلي عربي، هو التقرنص. غير أن لهذا التقرنص وجهتين، خلاف ما نراه فوق أبواب الجوامع والخانات القديمة. فإن بين المخروطات المنعكسة نوافذ للنور مغطاة بالزجاج، فتبدو القبة للواقف تحتها كقبة سماوية مرصعة بالحجارة الكريمة. ومن تلك النوافذ الصغيرة ترسل الشمس أشعتها، فتبسط على أرض الحجرة بساطا من الظل والنور يبدو كالمشبك تحت قدميك.
وليست هذه القبة الجميلة في جبانة الكرخ لأحد من الرجال أصحاب السيادة أو الكرامة أو المال. بل هي لامرأة تدعى زبيدة. ولك أن تسأل: من هي تلك الزبيدة التي استحقت هذا الأثر الرائع؟ ولي أن أجيب: لم تكن من أهل البر والتقوى، فلو كانت كذلك لكان ضريحها اليوم مقاما لأبناء الأحلام، وبنات الأساطير والأوهام.
أما أنها كانت من ذوات الليالي، من الجميلات الفاتنات، فذلك ممكن. ومما لا ريب فيه أن رجلا واحدا صفا لها وأخلص الحب حتى النهاية. أقول ذلك لعلمي - ولا أظنك تماريني به لعلمك أو عدم علمك - أنه يستحيل في الشرق اليوم، وبأولى حجة في الماضي، أن تكرم امرأة هذا الإكرام إلا لحب شخصي. فلا المعاهد العلمية، ولا الجمعيات الأدبية النسوية، ولا الحكومات «البرلمانية» تبذل فلسا من أجل أثر تذكاري يقام لامرأة عظيمة.
وهل كان بين النساء العباسيات أعظم من الست زبيدة المشهورة بوفائها وبرها وإحسانها؟ وهل هي مدفونة تحت قبة مثل هذه الزبيدة المجهولة؟ إن الست زبيدة التي يفاخر بها التاريخ مدفونة في مقبرة الخلفاء، مثل سواها من النساء، ولا شيء يزين قبرها، أو يلطف الوحشة المخيمة عليه.
لذلك أقول إن هذه الزبيدة الأخرى مدينة لرجل من كرام الرجال بما يحضن ضريحها، ويغمرها، تحت جمال تلك القبة، بالحب الأبدي. أجل، هو ضريح للحب الخالد، تزوره في النهار أشعة الشمس، ويزوره في الليل ضياء القمر والنجوم.
من العادات الجديدة، التي أوحت بها الحرب العظمى، أن تقيم الأمم ضريحا للجندي المجهول. فهلا أنشأنا في العالم عادة جديدة أخرى. إن هذا الزمان ليمتاز عن الأزمنة الغابرة بالإباحات المشروعة وغير المشروعة، وبالخيانات الزوجية السرية والعلنية. ومع ذلك ما عدم الزمان المرأة الفاضلة.
Bilinmeyen sayfa