Kahire
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Türler
منذ 600 سنة قال المقريزي شيخ الكتاب عن القاهرة في كتابه الرائع «الخطط»:
مصر هي مسقط رأسي، ومجمع أترابي، ومجمع ناسي ... وموطن خاصتي وعامتي، وجوي الذي ربى جناحي في وكره، وعش مأربي، فلا تهوى الأنفس غير ذكره، لا زلت مذ شدوت العلم، وآتاني ربي الفطانة والفهامة، أرغب في معرفة أخبارها، وأحب الإشراف على الكثير من آثارها، وأهوى مساءلة الركبان عن سكانها وديارها، فقيدت بخطي في الأعوام الكثيرة من ذلك فوائد قلما يجمعها كتاب، أو يحويها لعزتها وغرابتها إهاب ... فأردت أن ألخص منها أنباء ما بديار مصر من الآثار الباقية عن الأمم الماضية والقرون الخالية ... وأذكر ما بمدينة القاهرة من آثار القصور الزاهرة، وما اشتملت عليه من الخطط والأصقاع، وحوته من المباني البديعة الأوضاع، مع التعريف بحال من أسس ذلك من أعيان الأماثل، والتنويه بذكر الذي شادها من سراة الأعاظم والأفاضل، وأنثر خلال ذلك نكتا لطيفة وحكما بديعة شريفة، من غير إطالة ولا إكثار، ولا إجحاف يخل بالغرض ولا اختصار؛ فلهذا سميته كتاب: «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار».
ولد الشيخ تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في القاهرة 766 هجرية/1364 ميلادية، وتوفي بها عام 845 هجرية/1442 ميلادية، عن 78 عاما ميلادية.
لم أر أحسن مما صاغه المقريزي في تقديم هذا الكتاب عن القاهرة المعاصرة. فهي أحب المدن إلي؛ مسقط رأسي، وفيها قضيت معظم مراحل حياتي، دائم التجوال في أحيائها؛ أرقب بنيانها، وأسجل في الذاكرة نموها طوال عدة عقود من الزمن، وأكتب عن ذلك مذكرات لم تر النشر، وبحوثا نشرت في دوريات وحوليات وصحف محاولا استنتاج إجابة على تساؤلات تدور في أذهان الكثير من المفكرين والباحثين: القاهرة إلى أين؟
وهذا الكتاب محاولة لم شمل ما كتبت وما لم أكتب، وما أحس به تجاه هذه المدينة العظيمة التاريخية والمعاصرة. متبعا في ذلك منهج الجغرافي والتاريخي والاجتماعي والسياسي حسب مقتضى الحال، وإن كان كل ذلك يلخصه ويهدف إليه منهج «الحياة» لمدينة بموقعها ومساحتها وناسها وتفاعلاتها الدينامية العفوية التي تأتي من استجابة الناس التلقائية لظرف حياتي فقير أو غني، نشط أو راكد، عامل أو عاطل ... كل يسعى إلى مجرد احتياج للبقاء أو إلى مزيد من رفاهية عيش. كل ذلك يعلو على مخطط ترسمه سياسة عمران بحيث تطوعه للاستجابة التي يحس بها الناس أنها الاختيار الأفضل.
متمنيا لهذه المدينة الخالدة دوام البقاء زهرة للمدائن خالية من المتاعب التي نواجهها في السياسة والعمل والتنافر المعماري ومصاعب التنقل بين جنباتها الفسيحة، ووسط حشدها السكاني الذي تجاوز أحد عشر من ملايين الأنفس.
إلى القاهرة دائمة الحياة والمجد، وإلى أرواح المقريزي ومن سلكوا دربه إلى علي مبارك أهدي هذا العمل.
محمد رياض
مدينة نصر في 18 / 9 / 2000
القاهرة: نوستالجيا مستقبلية
Bilinmeyen sayfa