Kahire
القاهرة: نسيج الناس في المكان والزمان ومشكلاتها في الحاضر والمستقبل
Türler
وأخيرا سقوط أهمية قطار الضواحي كوسيلة نقل بطيء، بالمقارنة بنمو متسارع لعصر السيارات التي مكنت الأغنياء من الانتقال إلى أماكن متباعدة. ولحسن الحظ لم يفكر أحد في إلغاء قطار الضواحي الذي ظل يعمل دون كلل في خدمة الأعداد المتزايدة من السكان في هذه الأحياء، إلى أن أوقف القطار، وحل محله خط المترو كوسيلة أسرع وبتقاطر زمني أسرع مرات عديدة من تقاطر القطارات.
وتلبية لاحتياجات النمو المساحي والسكاني كان لإنشاء الطرق الجديدة غربي قصر القبة والمطرية والسواح والمطراوي من ناحية، وتحسين شوارع جسر السويس وبورسعيد والوايلي الكبير من ناحية أخرى، أثر بالغ في النمو السكني؛ أولا: في المناطق البينية الفضاء، وخاصة بين الزيتون والحلمية ومصر الجديدة والنزهة والمطرية وأرض النعام وعين شمس وعزبة النخل، وثانيا: إمكان زحف العمران خارج هذه الضواحي - للأسف - على حساب الأرض الزراعية الشمالية بين عين شمس وعزبة النخل والمرج والحرفيين وبركة الحاج ومدينة السلام، ومن المطرية غربا في اتجاه الأميرية ومسطرد. وكلها سكن فقير زاد من فقره مساكن عشوائية كثيرة داخل هذا النطاق، مثل: عزبة «أبو حشيش، وعزبة القرود» التابعتين لقسم الزيتون.
وتمتد هذه الذراع القاهرية الشمالية الشرقية قرابة عشرة كيلومترات من غمرة إلى عين شمس، ونحو 18كم إلى مدينة السلام، وهو بذلك يفوق امتداد القاهرة الشمالي من باب الحديد إلى آخر شبرا الخيمة الذي يصل نحو عشرة كيلومترات.
ومن المحزن تحول منطقة مسلة عين شمس والأرض الأثرية حولها من آثار في مساحة كبير مكشوفة إلى مكان ضيق مسور بالأسلاك، وسط غابة من الأبنية والعمارات الفقيرة المفتقرة إلى أي حس جمالي، فلا غرو أن أي حس جمالي يتنافى مع الفقر بأنواعه، ولأن هذا الزحف السكني قد بني على أرض أثرية، هي أرض مدينة «أون» الفرعونية التي زارها حكماء الإغريق القدماء، مثل: أفلاطون وأرسطو، وقبلهم المؤرخ الكبير هيرودوت، وعرفوها باسم: «هليوبوليس» التي هي ترجمة حرفية للفرعونية بمعنى: «عين شمس» وأنها مدينة العلم، وبالتالي أقدم جامعة عرفها العالم استمرت في عطائها العلمي والكهنوتي ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، وأقرب صورة لها في أذهاننا هي جامع الأزهر الذي تحول منذ إنشائه إلى جامعة حفظت علوم الدين والمعارف ألف سنة حتى الآن. فكيف فرطنا في هذه الأرض الأثرية التي قد تزيدنا علما ب «أون» إذا ما استمرت الحفائر حولها؟! ماذا تفعل مصلحة الآثار في هذا الخضم العشوائي من المساكن الكثيفة؟!
مصر الجديدة
وتتصل هذه الذراع من الشرق بالمنطقة العمرانية التي كانت تسمى عند نشأتها عام 1905 «واحة عين شمس» أو مصر الجديدة حاليا. ولقد تضخمت مصر الجديدة في كل الاتجاهات، عدا الاتجاه الجنوبي؛ حيث المعسكرات القديمة التي تفصلها عن العباسية لمسافة تبلغ 3,5 كم.
وضاحية مصر الجديدة لم تنشأ كذراع عمرانية، وإنما نشأت كمدينة مخططة يصلها بالقاهرة خط ترام سريع - مترو - من شارع عماد الدين في قلب المدينة إلى ميدان الإسماعيلية، بالإضافة إلى وصلة قديمة لترام عادي من العباسية - الترام الأبيض - إلى ميدان الجامع. ونظرا لنشأة مصر الجديدة المستقلة، فإنها في الواقع مدينة جديدة نشأت خارج القاهرة، لكن عملية الاقتراب العمراني بينها وبين الذراع الشمالية الشرقية بواسطة خط ترام قديم - شارع القبة - قد جعلتها في صورتها العامة جزءا من إشعاع عمراني مرتبط بذراع القاهرة الشمالية الشرقية، وعملية الاقتراب العمراني بين مصر الجديدة والعباسية كانت وما زالت يقف دونها عائق بشري؛ هو: معسكرات الجيش القديمة، والمنتظر بعد إزالة هذا العائق أن يتصل العمران بينها وبين المدينة الكبرى اتصالا تاما. وقد بدأ فعلا هذا التفكك بتخصيص الجزء الجنوبي من هذه المعسكرات لبعض كليات جامعة عين شمس والمستشفى التخصصي، وإلى الشمال منها مبنى الكلية الفنية العسكرية، وأمامها مصلحة الأرصاد الجوية والمساحة العسكرية، وبذلك تحول شارع الخليفة المأمون من ميدان العباسية إلى بداية منشية البكري إلى طريق تحف به مراكز وأبنية تعليمية وعلمية وتطبيقية وبحثية باستثناء مبنى وزارة الدفاع.
وجود العائق بين عمران مصر الجديدة والعباسية، سواء كان في صورة معسكرات أو في صورة أبنية جامعية وتعليمية وحكومية، هو السبب الذي يجعلنا نشعر بأن مصر الجديدة مكانيا وسيكولوجيا هي الضاحية الوحيدة التي تكون مدينة في حد ذاتها لها كفاية ذاتية، بينما بقية الضواحي والأذرع في احتياج مستمر إلى خدمات مركز القاهرة.
مدينة نصر
تمتد مدينة نصر إلى الجنوب والجنوب الشرقي من طريقي الميرغني وصلاح سالم على التوالي لمسافات غير محدودة؛ بطبيعة خطة شوارعها الشبكية التي يمكن أن تمتد إلى أي مسافة يصل إليها العمران، ولكنها في الوقت الحاضر تمتد مسافة نحو 6كم من مدينة الألعاب الرياضية حتى نهايات مدافن المدينة في الجنوب، ونحو عشرة كيلومترات من الشرق إلى الغرب، ويمكن القول: إن الطريق الدائري الحالي يمثل الحد الشرقي الذي يمكن أن يحيط بمدينة نصر من الشرق، ويفصل بينها وبين التجمعات السكنية التي تتجمع الآن تحت مسمى القاهرة الجديدة، ويحتاج الأمر إلى تحديد أكثر دقة يفصل بينها وبين القاهرة الجديدة بعد اكتمال الأخيرة.
Bilinmeyen sayfa