إن كل هذا حسن، والأحسن منه عدل ساعة قبل قيام الساعة ... وما سبب هذا التعسف واللامبالاة إلا أولئك الخداعون الكذابون الذين يلتفون حول أولياء الأمور فيغشونهم ولا يخلصون لهم النصح. فلنعدل دستورنا، فمن يفكر بطائفته في هذا الزمان فهو قبلي جاهلي. ولكن ما الحيلة بمن لا يقرءون، ولا يسمعون ما يقال؛ لأن ليس لهم آذان، وما النفع من الأذنين إذا كان الرجل بعيدا عن مرمى الكلمة، أو هو يعرف ولا يريد أن يصلح نفسه.
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة
أو كنت تدري فالمصيبة أعظم
فحنانيكم أيها السادة، فما كنتم تشكون منه أنتم في الأمس ها نحن نشكو منه اليوم. إن شعب لبنان واع ولكنه غير مغامر في السياسة. هو يعرف الصالح، ولكنه لا يجرؤ على التصريح بما عنده. يعرف النائب الأمثل؛ لأنه عايش الانتخاب دهورا.
فالمسيحي كل شئونه انتخابية، وإذا جرى غير ذلك، وعين البطرك تعيينا، فذلك جور وشذوذ، ولا قاعدة بدون شواذ. والمسلم شعاره: والأمر شورى بينكم. أما قال بشار، الشاعر الثائر، للخليفة العباسي، يوم كانت الرءوس أرخص من اللفت والفجل:
ولا تجعل الشورى عليك غضاضة
فإن الخوافي قوة للقوادم
لقد انتخب لبناني ما أسعد بو صعب بعد عشرين سنة مرت على وفاته، ولما قالوا له: تنتخبه وهو ميت؟! فأجاب: ومن يقاوم المتصرف في مجلس الإدارة غيره؟!
ألا يدلك هذا - يا عزيزي إلياس فرح - على أن اللبناني يفكر تفكيرا صحيحا إذا ترك على دينه. هذا من حيث سلامة الانتخاب، ولكننا متى رأينا الذين كانوا سماسرة انتخاب آخر مرة يتناسون ماضيهم، ويهيبون بالمنتخب أن يتحرر من القبض، من تأثير الزعماء، ومن ومن، ويقيمون من أنفسهم مرشدين، فكيف نرجو يقظة هذا الشعب!
في الانتخاب الأخير جاء أحد السماسرة يعرض على واحد من ضيعتنا مبلغا وهو محتاج إليه للأكل والكسوة؛ لقاء تصويته وتصويت أولاده، فأجابه ذاك القروي بكل إباء: لا تغرك ثيابي، فأنا أبيع كل ما أملك إلا نفسي، فتح عينك، وقل للذي تريد أن تشترينا له: إنه كان مثلنا، وسنصير مثله إذا بقي الصيت الطيب.
Bilinmeyen sayfa