ما أجمل هذا الاختراع، وما أنفعه لنا في لبنان! فنحن قوم، ننتظر الاستقبالات، والاصطفاف لها على جوانب الطرقات، انتظار الصائم، هلال العيد. ما نسيت أهل ضيعتي، حين كانوا يحملون بواريدهم، ويهبطون إلى الساحل؛ ليلاقوا الباشا ...
قرأت أن فخامة الرئيس قد اعتزم أن يجعل سفره إلى الحفلات، التي تجعل تحت رعايته، ويشرفها بحضوره، في مثل تلك الطائرة، حتى يرتاح من أزيز الزفزافات - الموتوسيكلات - وأزيد أنا على ذلك: ومن تلك الزحمات، ومن هز اليد الذي يخلع أمتن الزنود ...
لم يقل، لطفا منه، من سماجة الذين يستقبلون وهم ليسوا في العير ولا في النفير.
وإذا كان ذلك، كذلك، فما أهون إلغاء تلك المزعجات. إنها أهون من رد خاتم ثمين، أهدي إليه، بمناسبة قران ابنه دوري؛ لأن الهدية لا ترد ... فيا صديقنا قبل الرئاسة: كش هؤلاء من دربك، فإنهم يتفرجون على موكبك الضخم، ولا تعلم ما يقولون في قلوبهم، إنهم يكسرون الجرة خلفك. أما هم الذين استقبلوا غيرك، وسيستقبلونك ما دمت واقفا، أما إذا قعدت فلا ترجو شيئا من ذلك.
قدسية القضاء
هذه الهالة الطوباوية، التي تحف برأس القاضي اليوم، لم تكن موجودة في ذلك الزمان. السلطان وحده كان مقدسا، وغير مسئول. أما اليوم، فالعصمة لم تبق للبابا وحده، فهي، لكل قاض أيضا. عليه أن يحكم، وعليك أن تسد بوزك، وكان الله في عونك.
ليس لك أن تناقش بعد لفظ الحكم النافذ، فما كتب قد كتب. فما الحيلة، إذن، حتى نقول للقاضي: لقد ضللك الشهود، وقد تهت في منطقة النفوذ؟
لا أدري لماذا أفلس الحكم عندنا! أنا مؤمن حتى اليقين، بنزاهة قضاتنا، وإذا عجزوا عن لفظ حكم عادل، راحوا يؤجلون، وينتظرون الوقت، وهو فكاك المشاكل. يوصونهم ويلحون عليهم بإصدار أحكامهم، والضمير يناديهم: لا تحكموا على المساكين؛ لئلا يحكم عليكم قاضي القضاة الجبار، حكما أبديا. لا تقبلوا الشفاعات؛ لأنكم قادمون على من لا يشفع عنده إلا العمل الصالح.
إن من طبع الحاكمين عندنا أن يمطوا ما استطاعوا المط، ولذلك وضعوا قانونا: من أين لك هذا؟ ساري المفعول، حتى آخر الدهر ... بينما بين أيدي القضاة دعاوى من هذا النوع واضحة كالصبح، ومع ذلك يضعون مثل هذا القانون ليلطوا خلفه، ويؤجلون دعاوى محاسيبهم وأنصارهم.
أما كان أحرى، بعد هذه المحاباة والمطامير، أن يقال لمستغلي نفوذهم: من أين لكم هذا الإقدام! القاضي ممثل الله على الأرض، فلا تمدوا أيديكم إلى قوسه. إنه أسمى من قوس قزح، والشعب غير غافل عما تفعلون، فاغمدوا سيف ديموكليس، سيف تحريم مناقشة الأحكام؛ لئلا تظهر المخازي وتنبعث الروائح النتنة.
Bilinmeyen sayfa