Prophethood: Selection and Example
النبوة: اصطفاء وقدوة
Yayıncı
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
Baskı Numarası
السنة الثانية - العدد الثالث
Yayın Yılı
محرم ١٣٩٠هـ/١٩٧٠م
Türler
أخفق في تحصيلها، وأخذ بنفسه وبالآخرين لما فرض نفسه وحضارته عليهم دليلًا وقيما. فأشقى نفسه وألقى على أمم الأرض الشقاء.
إنسان هذه المدنية - على عديد تجاربه في الحياة وضخامة وسائله وإمكاناته - ليس كالإنسان الذي كرمه الخالقة أول مرة وأمر الملائكة بالسجود له. إنه إنسان فقَدَ نقاء الفطرة، وانحط عن مرتبة الكمال الأمثل، إنسان رضي بالأرض قسما وباع السماء بيعة وكس، وقطع بينه وبينها الأسباب وعاش في الأرض للأرض لا لربه ولا لنفسه، ومنها اشتق معناه الوجودي معنى ماديًا بحتًا، ووزن نفسه بترابها؛ بذهبها أو حديدها أو نحاسها أو زينتها أو حبها فلم يعرف لنفسه قدرًا وقيمة إلا بمقدار ما جمع منها وما حاز. وكان الوزن عند الله الحق والعدل والخير والأمانة.
كان هذا انحرافا كبيرًا عن الصراط المستقيم الذي هدى الله إليه الإنسان؛ انحرافًا قذف به إلى الجانب المظلم الداكن من الحياة؛ إلى الخوف بعد الأمن.. إلى الظلم بعد العدل.. إلى العبودية بعد الحرية.. إلى الشقاء بعد السعادة.. إلى القلق بعد الطمأنينة.. إلى الكفر بعد الإيمان.. إلى الحرب بعد السلام.
ويقف هذا الإنسان وقد أعد كل شيء للحرب والفتك ليخادع نفسه كما خدعها مرارًا وليبحث ويتحدث في السلام.
يالها من أغنية حلوة عذبه! كذلك يتغنى السجناء بأناشيد الحرية من وراء القضبان.
قالت خديجة ﵂: "الله السلام ومنه السلام"١. وحق ما قالت، فمن أراد السلام فليلتمسه في حمى الله؛ في شريعته ومبادئه.
وأية جدوى في البحث عنه في قلوب خاوية من تعاليم الرب لم تبق فيها شهوة المادة شعاعًا من نور، ولا نبضة من رحمه؟.
إن السلام ينبثق من المحبة، والمحبة تتفجر من الإيمان. وأن الحرب تلدها البغضاء، والبغضاء سليلة الكفر والإلحاد. إذن لا أمل للإنسانية في سلام ونجاة وللكفر والإلحاد في الأرض دولة وسلطان.
إن خلاص الإنسانية الحقيقي أن تجد سبيلًا إلى محبة؛ محبة خالصة منزهة وليست هي في المادة! فإن المادة تستولي على قلب الإنسان ولا تورثه إلا أثرة وشحناء. وليست المحبة في الإلحاد، فإن الإلحاد في حقيقته حقد جاحد؛ حقد مخلوق متكبر على الخالق المنعم. وكيف يعطى قلب خلا من الإيمان جاحد بموجده،
_________
١ ابن هشام م١ ص ٢٤١. تحقيق مصطفى السقا وزملائه.
1 / 8