المبحث الثالث
الاختلاف في الاحتجاج بالعنعنة
ذهب بعض أهل الحديث إلى عدم الاحتجاج بالإسناد المعنعن مطلقًا، وخالفهم جمهور أهل العلم في ذلك فقبلوا الإسناد المعنعن، ولكن بشروط وقع خلاف بينهم فيها، فكانت أقوال العلماء المحكية في الإسناد المعنعن ترجع إلى مذاهب أربعة هي:
الأول: عدم الاحتجاج بالسند المعنعن مطلقًا، واعتباره كالمرسل والمنقطع من حيث عدم الاحتجاج، ويذهب أصحاب هذا القول على أنه لا يُعد من الحديث المتصل إلا ما نُص فيه على السماع، أو حصل العلم به من طريق آخر (١) .
ولم يصرح ابن الصلاح بنسبة هذا القول إلى قائله، واكتفى بقوله: - (عده بعض الناس) (٢) إلا أن الرامهرمزي عزى هذا القول إلى بعض المتأخرين من الفقهاء (٣) .
ويبدو أن هذا القول قديم فقد ذكره الحارث المحاسبي في كتابه "فهم السنن" ضمن أقوال ذكرها لأهل العلم فيما يثبت به الحديث، فقال: (الأول: أنه لابد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت إلى أن يتنهي إلى النبي ﷺ فإذا لم يقولوا كلهم ذلك، أو لم يقله إلا بعضهم، فلا يثبت، لأنهم عرف من عادتهم الراوية بالعنعنة فيما لم يسمعوه) (٤) .
ولعل من القائلين بهذا القول شعبة بن الحجاج، فقد نُقل عنه أنه قال: (فلان عن فلان مثله لا يُجزي) (٥)، وقال أيضًا (كل حديث ليس فيه حدثنا أو أخبرنا فهو خل وبقل) (٦)، وقال أيضًا: (كل حديث ليس فيه حدثنا وأخبرنا فهو مثل الرجل