وأكثر شعراء الأسلوب الشرقي قبولا بعد گوته، بودن ستات الذي نشر منظومات بالاسم المستعار «مرزا شفيع»، وقد لقيت هذه المجموعة الصغيرة من القبول ما اقتضى طبعها مائة وأربعين مرة في مدة قصيرة. أحسن هذا الشاعر تصوير الروح العجمية حتى بقي الناس في ألمانيا زمنا طويلا يحسبون أشعار مرزا شفيع ترجمة شعر فارسي.
وقد استفاد بودن ستات من أمير معزي وأنوري كذلك. •••
ولم أرد أن أذكر في هذا الصدد هاينا معاصر گوته المشهور؛ إذ لم يكن في الجملة ذا صلة بالتأثير الشرقي، ولم يهتم بما اقتبس شعراء ألمانيا من الشعر الشرقي إلا ديوان گوته - على أن الأثر العجمي بين في مجموعته المسماة «الأشعار الجديدة»، وقد أجاد جدا في نظم قصة محمود والفردوسي، ولكن قلب هذا الشاعر الألماني الحر لم يستطع الإفلات من شرك سحر العجم، حتى لقد تصور نفسه مرة شاعرا إيرانيا أجلي إلى ألمانيا يقول:
يا فردوسي! يا جامي يا سعدي! إن أخاكم في سجن الغم يخفق حنينا إلى أزهار شيراز.
ثم نذكر من مقلدي حافظ الأدنين منزلة، دومر، هرمن ستال لو شكى. ستايك، لتز، لنث هولد، وفون شاك. وهذا الأخير كان ذا منزلة عالية في العلم، ونظمه قصة إنصاف محمود الغزنوي وقصة هاروت وماروت مشهور، وأوضح الآثار في كلامه أثر عمر الخيام.
وبعد فلا بد من بحث طويل لكتابة تاريخ كامل لتأثير الشرق في الأدب الألماني، والمقابلة بين شعراء إيران وألمانيا؛ لتقدير أثر العجم تقديرا حقا، ولكن لم يتيسر الوقت ولا العدة لهذا البحث، ولعل هذا البحث المختصر يثير قلب أحد الشبان للتحقيق والتدقيق في هذا الشأن. •••
وأما «پيام مشرق» الذي كتب بعد «الديوان الغربي» بمائة سنة فلست في حاجة إلى الإبانة عنه، فسيرى الناظرون فيه بأنفسهم أن أكثر ما يرمي إليه هو النظر في الحقائق الأخلاقية والدينية والمذهبية التي تتصل بالتربية الباطنية في الأفراد والأمم. ولا ريب أن بين ألمانيا قبل مائة سنة وأحوال الشرق الحاضرة تشابها ما، ولكن الحقيقة أن الاضطراب الباطن في أمم العالم - الذي لا نستطيع تقدير خطره لأننا متأثرون به - هو مقدمة انقلاب حضاري وروحاني عظيم جدا.
كانت الحرب العظمى التي قامت في أوروبا قيامة كادت تمحو نظام العالم القديم من كل جوانبه، وإن الفطرة لتخلق اليوم في أعماق الحياة من رماد الحضارة والثقافة إنسانا جديدا وتخلق عالما جديدا لإقامة هذا الإنسان، عالما يرى هيكله غير البين في مؤلفات آين شتاين وبركسون.
لقد رأت أوروبا بعينيها النتائج المخوفة لمثلها الاقتصادية والأخلاقية والعلمية. وسمعت من سنيور نيتي «الذي كان رئيس وزراء إيطاليا» قصة «انحطاط الفرنج» المحزنة، ولكن وا أسفاه! لم يستطع عباد القديم الذين سمعوا حقائقه أن يقدروا الانقلاب المدهش الذي كان يثور في الضمير الإنساني.
وإذا نظرنا نظرة أدبية خالصة نرى أن اضمحلال قوى الإنسان بعد الحرب لا ييسر نشوء مثل روحية صحيحة ناضجة. بل يخشى أن تغلب على طبائع الناس هذه الإباحية المنهوكة الضعيفة الأعصاب، التي تفر من مصاعب الحياة، والتي لا تميز بين نزعات القلب وأفكار العقل. لا شك أن أمريكا عنصر صحيح في الحضارة الغربية فلعل هذا الإقليم خالص من قيود الروايات القديمة، ولعل وجدانه الاجتماعي يقبل راضيا الأفكار والنزعات الجديدة. •••
Bilinmeyen sayfa