Oedipus ve Theseus
أوديب وثيسيوس: من أبطال الأساطير اليونانية
Türler
على أن من الحق أن نعتذر عن فولتير؛ فقد كان في التاسعة عشرة من عمره حين أنشأ هذه القصة. والشيء المحقق أن الشاعرين الفرنسيين قد عنيا بالبيئة أكثر مما عنيا بالموضوع؛ فأرضيا قوما كانوا يحبون أن يلهوا، ويكرهون أن يشقوا على أنفسهم بالتأمل والتفكير فضلا عن أن يشقوا على أنفسهم بالنظر إلى المناظر التي تؤذي شعور الغانيات المترفات.
ولأدع ما حاول الشعراء والكتاب بعد فولتير من تجديد قصة أوديب؛ لأصل إلى هذه المحاولة الأخيرة التي أقدم عليها أندريه جيد وجان كوكتو بين الحربين.
وهما قد أقدما على هذه المحاولة في وقت واحد، لم يسبق أحدهما صاحبه، ولم يعلم أحدهما بمحاولة صاحبه إلا بعد أن أظهر كل منهما قصته.
والفرق عظيم جدا بين القصتين؛ فأما جان كوكتو فيسرف في التجديد والابتكار إسرافا شديدا لا يدعوه إليه تعمق الفكرة التي تدور القصة حولها، وهي فكرة الصراع بين سلطان القضاء وحرية الإنسان، وإنما يدعوه إليه الفن نفسه، الفن الخالص الذي يروع النظارة ويبهرهم ويحرص على أن يسحر أعينهم وآذانهم وعقولهم أكثر مما يحرص على أن يدعوهم إلى التأمل والتعمق والتفكير.
فجان كوكتو ليس متهالكا على الجد ولا ممعنا فيه، ولعله يبغض التقيد بأصول الفن المقررة، فأحرى أن يبغض التقيد بقصة الشاعر اليوناني القديم، وهو من أجل ذلك يبتكر بطلا جديدا هو أوديب، ويحيطه بظروف توشك ألا تستبقي من اليونانية إلا الأسماء دون الحقائق، وهو يعقد قصته تعقيدا ويخالف فيها بين المناظر والفصول، لا يتقيد بوحدة في الزمان، ولا في المكان، ولا في الحركة، وإنما يكتفي بوحدة الموضوع.
فقصته تبدأ منذ قتل لايوس، وتنتهي بعد أن يفقأ أوديب عينيه؛ وإذن فهي تستغرق نحو عشرين سنة. تبدأ القصة حين تعرف المدينة مصرع الملك من جهة، وحين يمتحنها أبو الهول بلغزه من جهة أخرى. ونحن نرى في الفصل الأول ظل الملك القتيل يظهر لبعض الجند، يريد أن يرى الملكة والكاهن ليحذرهما من خطر عظيم. ونحن نرى الملكة والكاهن يصعدان إلى حيث كان يظهر ظل الملك القتيل؛ فنرى ملكة شابة حلوة الدعابة خفيفة الروح، خائفة من ظل زوجها، خائفة من الأحداث التي يمكن أن تلم بها، محبة مع هذا كله للحياة ولذاتها، لا تكره أن تداعب الكاهن الذي يداعبها أيضا، ولا تكره أن تلاعب الجندي الشاب الذي رأى ظل الملك القتيل، وتظهر ميلا شديدا إليه.
ونحن نرى في فصل آخر ما يكون من الصراع بين أوديب الفتى المغامر وبين أبي الهول، ثم ما يكون من انتصار الفتى. ونحن نرى في فصل ثالث زفاف جوكاست إلى الملك الشاب ونشهد أول الشر؛ فالكاهن محنق على أوديب مشفق منه، وليس كريون أقل منه حنقا ولا إشفاقا.
ثم نرى نحن آخر الأمر ظهور الحقيقة ومصرع جوكاست، ونرى أوديب وقد فقأ عينيه، ونفى نفسه من الأرض، وهم أن يخرج من القصر تقوده ابنته أنتيجون، وإذا ظل أمه وزوجه جوكاست يظهر، فيراه أوديب الضرير ولا يراه المبصرون من حوله، ويتحدث فيسمعه أوديب ولا يسمعه الآخرون من حوله، وإذا جوكاست تنبئ ابنها بأن الموت قد طهرها من الزوجية الآثمة، ولم يبق لها إلا الأمومة البرة، وهي قد أقبلت لتقود ابنها إلى منفاه وتعينه على احتمال الغربة.
فالقصة كما ترى رائعة بما فيها من اختلاف المناظر وبراعة الاختراع وحسن التحدث إلى الحس والشعور. ويظهر أن هذا كله يرضي الجمهور الضخم من النظارة الباريسيين. فأما التحدث إلى العقل، وأما مواجهة المشكلات العليا، وأما الصراع بين الدين والحرية؛ فأشياء لم يكن يحفل بها جان كوكتو، ولم يكد يحفل بغيرها أندريه جيد؛ فأندريه جيد متتبع لسوفوكل في مجرى قصته، لا يخرج عن الخطة التي رسمها الشاعر القديم منذ خمسة وعشرين قرنا. ولكن أوديب الذي ينشئه أندريه جيد رجل قد تم نضجه الفلسفي بأرقى معاني هذه الكلمة في القرن العشرين؛ يظهر في أول القصة مستجمعا شخصيته كلها، مستكملا قوته كلها، متحديا للناس متحديا للآلهة، لا يؤمن إلا بنفسه، يعلن إلى النظارة أنه رجل سعيد، قد عمر أربعين سنة وملك عشرين عاما، واكتسب سعادته اكتسابا لم يرثها عن أحد؛ ويوشك هذا الاعتداد بالنفس أن يدفعه إلى الغرور، وهو من أجل ذلك يخادع نفسه ويزعم لها غير مخلص أن الآلهة قد أعانوه، لا يريد بهذا الخداع إلا أن يتجنب الغرور الذي كثيرا ما ورط الناس في الشقاء.
فالفكرة الأساسية في قصة أندريه جيد هي اعتداد الإنسان بنفسه، وثقته بحريته، واعتماده على قدرته التي تمكنه من اقتحام المصاعب وتذليل العقاب. وهذا الاعتداد بالنفس يسوء الناس جميعا؛ فالجوقة التي تمثل الشعب ضيقة بهذا الغرور مشفقة منه على مصير المدينة، ويدفعها إلى الإشفاق والخوف هذا الوباء الذي يصب على المدينة بلاء عظيما.
Bilinmeyen sayfa