ثم ركب المأمون حتى نظر إلى الفتح ودخل إلى آخر النقب، فوجد عند ذلك صنما أحمرا (١) مادّا يديه وهو قائم. ثم نظر إلى الزّلاّقة والبير، فأمرهم أن ينزلوا فيها، فنزلوا من واحدة إلى واحدة، حتى انتهوا إلى صنم آخر، وعيناه (٢) جزعتان، سواد في بياض، كأنهما حدقتا إنسان يبصر بهما، فهالهم ذلك، وفزعوا أن يمسّوه أو يحرّكوه، فلا يأمنوا أن يكون له حركة فيهلكوا، فخرجوا وعرّفوا المأمون بذلك. فأمرهم أن لا يمسّوه ولا يتجاوزوه. ثم أخذ المأمون ما وجده فيه، ووجد فيه عجائبا (٣) كثيرة. وقد شرح ذلك في «كتاب العجائب» الموضوع للمأمون. وخلاّها وانصرف، وشرع في عمارة المقياس (٤) الذي بقلعة الجزيرة الآن. ثم أمر المأمون بقياس الأهرام طولا وعرضا، وسمكا وتربيعا، من ركن إلى ركن، فوجدوا سمكها أربع ماية دراعا (٥)، وطولها مثله، وعرضها مثله. والهرم الغربيّ مثله. والصغير فهو دونهما. [سنة ٢١٩ هـ]. [العودة إلى ولاة مصر] ثم رجعنا إلى ملوك مصر. ثم ولّي مصر بعد مولى بني نصر السعودي (٦) في سنة تسع عشرة ومايتين (٧). [وفاة المأمون] وفي ثامن رجب من السنة المذكورة توفّي المأمون (٨) بالبدندون (٩)، ببلاد الروم، ودفن في طوس. وبويع محمد المعتصم في التاريخ.

(١) الصواب: «أحمر». (٢) في الأصل: «وعينا». (٣) الصواب: «عجائب». (٤) تحفة الأحباب للسخاوي ص ١٠٥ على هامش نفح الطيب للمقري - ج ٤. (٥) الصواب: «ذراع». (٦) هو كيدر - نصر بن عبد الله. (٧) ولّي في شهر صفر سنة ٢١٧ حتى توفي في ربيع الآخر سنة ٢١٩ هـ. (الولاة والقضاة ٩٣، ٩٤، الإنباء ٢٨٤). (٨) الصواب: أن المأمون توفي يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ٢١٨ هـ. انظر: تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات ٢١١ - ٢٢٠ هـ). ص ٢٢٥ - ٢٤٠ رقم ٢١٦ وفيه حشدنا مصادر كثيرة لترجمته. (٩) في الأصل: «بالبديدون».