( والعذر منك مؤمل إذ لم أكن متمهلا لكنني مستعجلا ) وأنظر إلى قوله تعالى أن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى آخر الآية فأن الله تعالى لم يجعل لهم عذرا فلما اعتذروا به قالت لهم الملائكة ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها لا يقال أن هذه الآية نزلت في الهجرة وأنها كانت فريضة ثم نسخت لانا نقو ل أن حكمها باق فيما كان وجوبه باقيا كالهجرة في أول الأمر ومن المعلوم أن معاونة الجبابرة لا تجوز وتكثير سوادهم والحرس في حصونهم والانضمام إليهم من أكبر المعاونة ولو انصف الناس من أنفسهم ما وجد الجبار واحدا فلما تركوا الإنصاف صاروا معاونين معينين له فهذا يعتل أنه من جماعته ولا بد له منه وهذا يعتل بأنه في داره ولا بد له منه وهذا يعتل بأنه يحتاج إلى معاملته وهذا يعتل بأنه يحتاج إلى ما في يده ولو تركوا هذه التعللات لكان الجبار كواحد منهم فلا ينتظم له أمر ولا يجتمع له شمل فليتقوا الله ربهم فأنهم شركاؤه فيما يأتي وما يذر ومن ها هنا وجبت البراءة من الجبار وعماله وأعوانه والله أعلم قلت أن الأصل في ذلك قوله تعالى وما كنت متخذ المضلين عضدا ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله الظلمة وأعوانهم ولو بمدة قلم وسئل شيخنا السالمي رحمه الله عمن تعلق بالجبار الجاير وأظهر الخصومة وترفع بأسبابه وفعل مثل الحاكم مثل اللزم وغيره هل تجوز خصومته ظاهرا أو باطنا وهل ترى على من يأمر فيهم بالخصومة شيئا بين لي الجواب يطلب إليهم الكفاف عن التعلق بالباطل والرجوع إلى الحق فأن تمادوا على ضلالهم اعذر إليهم وكشف لهم القناع أنه خصم لهم فأن لم يرجعوا عن ضلالهم فهناك جاز حربهم حتى يرجعوا إلى الحق الذي خرجوا منه أو يكفوا عن الأذى وأما أن يداهنهم ظاهرا ويخصمهم باطنا فلا أرى ذلك من الجائز والله أعلم انتهى ولقد وقع في أيامنا مثل هذا ولما عاقدنا بين القبايل على حرب هذا الجاير المظهر أمره أنه حارب للجبار الجاير فلامنا على ذلك قوم جهلوا المسألة وبعضهم قادتهم الأهواء المضلة من الحمية المهلكة إلى هناوي وغافري وذلك بعد ما أمر الإمام بالكف عن الحرب فنبذ كتب الإمام وراء ظهره فخذله الله وسلط عليه عدوه حتى رجع وطلب الصلح صاغرا والحمد لله اللهم اهدنا لأقوم طريق وأرزقنا العمل بالعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( ومن أتى مظهرا بغيا وليس به في باطن الأمر كن في قتله بطلا )
( إلا إذا عرفت منه الحقيقة أن لم يقصد البغي كن عن قتله وجلا )
( وادفعه أن ظن قصد البغي منه بلا قتل فأن يندفع فالأمر قد سهلا )
المعنى من ظهر منه البغي وباطنه يخالف ظاهره فإنما يحكم عليه على ما ظهر منه من بغيه والله لم يكلفنا بواطن الأمر وكذلك من كان بعكس ذلك فأنه يجرى عليه الحكم على ما ظهر منه والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن قتل الكافر بعد أن قال أشهد أن لا له إلا الله وأظنه أسامة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم اقتله بعد ما قالها فقال ما قالها إلا متعوذا من حد سيفي أو قال من حر سنلني فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هلا شققت عن قلبه ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه من رأينا منه خيرا ظننا فيه خيرا وقلنا فيه خيرا وتوليناه وعكسه بعكسه إلا أن علمت حقيقته بأنه على ضد ظاهره فأنه لا يقتله من علم منه ذلك وأما أن ظننت فيه قصد البغي بلا تحقيق فادفعه بما يندفع من غير قصد لقتله فأن مات من ذلك الدفع فالأمر سهل لأنه تعرض لقتله بنفسه وأما أن بدأ بالبغي أو كسر الأمان أو تعدي الحجر أو قتل إنسانا عمدا عدوانا فأقتله قاصدا بذلك القتل إزالة بغيه وصرف أذاه عن الناس ولقاتله الأجر العظيم أن شاء الله.
Sayfa 79