المسألة الخامسة : إذا أفاء الباغي إلى أمر الله فمن قاتله بعد فيئه فهو باغ حل قتاله وقتله وذلك لأنه تعدى حد الله الذي حده في كتابه لعباده في قوله فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله والمعتدي لحدود الله ظالم باغ ووجه الإفاءة أن يدعوا خصمه إلى حكم الله عند حكام المسلمين وذلك فيما فيه الدعاوي بين الناس لا فيما فيه نص قاطع كمكيدة عمرو ومعاوية وذلك لما رأوا لا قيل لهم بقتال علي وأصحابه فعند ذلك رفعوا المصاحف على الرماح وقالوا ندعوكم إلى حكم كتاب الله فاختلف هنالك على علي أصحابه فمن قائل كيف نقاتل قوما يدعون إلى حكم الله وقال المحقون منهم أنما قاتلناهم بحكم كتاب الله لأن الله أمر بقتال الفئة الباغية حتى تفيء وافاءتها رجوعها إلى الحق وخروجها عما كانت عليه راجعة عنه وهو الحق وأما أن أفاءت الفئة الباغية ورجعت مذعنة لأحكام الله فقد حرم قتالها ومقاتلها هو الباغي والله أعلم ومثل هذا المسألة نقمت على الشيخ صالح ابن علي رحمه الله أنه خرج يوما على المساكرة فقتل جنده من بني شهيم سبعين رجلا في وقعة واحدة قال الشيخ وبنو شهيم هم قبيلة حكمهم حكم المساكرة حربا وسلما قال وقد خرجوا لنصرتهم فطحنتهم رحى الهيجاء ثم أن رئيس بني شهيم طلب من هذا الشيخ الحكومة في هؤلاء المقتولين فزعموا أن هذا الشيخ قال لذلك الرئيس أعطيك سيفا أحمر ولا أعطيك حكما قالوا كيف يمنع حكم الله ممن طلبه منه وكيف يقال لطالب حكم الله هذا الكلام فأن قدرنا أنه محق في قتلهم فهو مبطل في منعه الحكم قال الشيخ السالمي رحمه الله أن هذا الشيخ ينكر صدور ذلك القول منه وعلى تقدير صحة صدوره منه فنقول في جوابه أن سلمتم أن بني شهيم بغاة وأنهم صنف من المساكرة وأن هذا المحتسب قد قام ساعيا في قمعهم عن بغيهم فأي حكومة لهم مع ذلك أما قال الله عز وجل فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله وأي إفاءة لهؤلاء في مطالبتهم الحكم من المحتسب وهل هي إلا حيلة نصبوها ليتوصلوا بها إلى إظهار الباطل وإطفاء الحق وما أشبهها بحيلة عمرو ومعاوية لعلي يوم صفين حين رفعوا المصاحف على رؤوس الرماح ونادوا في القوم بيننا وبينكم كتاب الله فهل سمع المسلمون دعاءهم لذلك وهل كانوا محقين حينئذ كلا بل المسلمون أمروا بالحمل عليهم وحرضوا على وقع السيوف فيهم وعاتبوا من توقف في أمرهم وفارقوا عليا حين أجابهم لمرادهم فليت شعري ما يصنع هؤلاء القادحون بأهل النهروان فإنهم هم الذين امتنعوا عن إعطاء معاوية الحكم وهم الذين عابوا على من توقف في الحكم ببغي معاوية وأصحابه وهم الذين فارقوا عليا حين أجاب معاوية للتحكيم وليس في عمان إمام قائم يرجع إليه أمر الناس سوى هذا مركز الإسلام وغوث الأنام وبوجوده يمتاز الحلال من الحرام فكيف يعاب قوله لمن أراد أن يحتال عليه أعطيك سيفا أحمر يريد بذلك الحرب أليس على أولئك البغاة أن ينقادوا لحكم الله بالرجوع والتوبة منه على يد هذا المحتسب وأن يسلموا الأمر إليه حتى ينفذ فيهم حكم الله فأن هذا هو إفادتهم التي ذكرها الله في كتابه حتى يفيئوا إلى أمر الله وليس ما حاولوا من الخديعة للمسلمين ونصبوه من المكيدة للمحققين هو الإفاءة والرجوع منه إلى الحق كلا بل هو زيادة في طغيانهم وعلو واستكبار في شأنهم فالواجب على كل مسلم علم ببغيهم وقدر على قتالهم ودفعهم عن ظلمهم أن يتقرب إلى الله بقتلهم وأن ينفذ فيهم حكم ربهم حتى يرجعوا عن بغيهم قال الشيخ السالمي فأنه قبل أن أهل النهروان أنكروا التحكيم لغير الثقاب ولم ينكروا إجابة معاوية إلى الحكم قال الشيخ قلنا أن أهل النهروان أنكروا ذلك كله بدليل أنهم أمروا عليا أن يجيب القوم حين قالوا بيننا وبينكم كتاب الله قالوا له قل لهم على ترك كتاب الله قاتلناكم ولأنهم قالوا لا حكم إلا لله ومرادهم بحكم الله هنا قتالهم الفئة الباغية ولانهم حضروا في حال القتال وقاتلوا وعلي وأصحابه ممسكون فهذا عمار بن ياسر الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهتدي بهديه قتل حال أمساك علي عن القتال وحال مخاطبتهم بالتحكيم وكان يقول هل من رائح إلى الجنة قبل تحكيم الحكمين ( فايده) قال في بيان الشرع وسئل أبو سعيد عن قوم بغوا على المسلمين فحاربوهم وقتلوهم وملكوا الباقين ثم خلا لذلك سنون كثيرة هل يجوز قتلهم على ما كانوا عليه قال معي أنه قيل إذا لم تقع مسألة منهم ولا سبب يوجب ترك حربهم بينهم وبين المسلمين فهم عندي على بغيهم ويجوز أن يقاتلوا على ما قاتلهم عليه المسلمون فمن أراد أن يحاربهم بقتلهم المسلمين جاز قتلهم بأي وجه كان بغزو أو غيره على معنى قوله قلت له فأن خلف بعدهم قوم من أعوانهم وفني الذين قتلوا المسلمين هل يكونوا هؤلاء بمنزلة الآخرين قال معي أنهم أن كانوا معينين لهم على بغيهم ومعرفتهم لبغيهم على المسلمين أنهم بمنزلتهم في بعض ما قيل في أمر الحرب قال وكذلك إذا بغى بعضهم على المسلمين بعد معرفته بحقهم جاز قتله غيلة وينظر في هذا ولا يؤخذ منه إلا ما وافق الحق والصواب قلت نظرت في هذا الأثر الذي نسب إلى أبي سعيد فرأيته حقا وصوابا وأدلته من قوله تعالى لليهود الذين هم في أيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم مغيرا لهم وموبخا لهم بقتلهم الأنبياء وسماهم قتله وهم لم يشهدوا القتل ولا قتلوا بأيديهم ولا كانوا في زمانهم وما ذلك إلا لأنهم رضوا بفعل أباهم وبقتلهم الأنبياء وكل بغي بغاه الأولون طائفة أو بلدة ورضيه من جاء بعدهم إلى أخر الزمان فهو معهم في البغي والهلاك وهذا لا يخفى على ذي بصر وبصيرة ولو كان ذلك الغير من غير تلك البلدة أو القبيلة لكن رضي بفعلهم فهو لا شك أته معهم يجوز قتله وقتاله إذا عرف الحق وبلغته الدعوة وتكرار الدعوة لمن عرفها لا بعد إلا من الهذيان والله المستعان .
( ذكر ما وافق فيه حكم البغاة المشركين )
Sayfa 58