وقال أيضًا:
واهًا لأيام الوصا ... لِ بعدنَ عن عهد قريبِ
أيام شرخُ شبابهِ ... ريّانُ معتدل القضيب
أيام كان من الغوا ... ني لي السّوادُ في القلوبِ
لو يستطعن جعلنه ... بين المخانقِ والجيوبِ
حتى نهاه عن الصِّبا ... ونهى الصِّبا وضحُ المشيب
فكفاه عيبُ الشَّيبِ أن ... ينظرنَ منه إلى العيوبِ
وقال أيضًا:
واهًا لأيامِ الشبابِ ... وما لبسن من الزَّخارف
وذهابهن بما عرفت ... من المناكر والمعارف
أيام ذكركَ في دوا ... وين الصِّبا صدرُ الصحائف
واهًا لأيامي وأيّا ... م النقيات المراشف
الغارسات البانَ قضّبا ... نًا على كثبِ الرَّوادف
والجاعلات البدرَ ما ... بين الحواجب والسَّوالف
أيّام يُظهرنَ الخلا ... ف بغير نيّات المخالف
وقف النَّعيمُ على الصِّبا ... وزللتُ عن تلكَ المواقف
وقال بعض أهل العصر، وهو أبو عبد الله الحسين بن عبد الرحيم الزلزالي:
نظرةٌ كانت لحتفي سببًا ... جلبَ الحينُ لها ما جلبا
ضحكت أسماءُ من ذي لمَّةٍ ... ضاحك الأشيب منها الأشيبا
إنما يعرف أيام الصبا ... من صبا في غير أيّامِ الصِّبا
وقال أبو حية النميري، واسمه الهيثم بن الربيع:
زمان الصِّبا ليتَ أيامنا ... رجعنَ لنا السَّالفات القصارا
زمانَ عليَّ غرابٌ غدافٌ ... فطيَّره الدَّهر عنّي فطارا
ولا يبعدُ الله ذاك الغرابَ ... وإن هو لم يبقِ إلا ادِّكارا
وهازئةٍ إذ رأت كبرةً ... تلفعَ رأسي بها فاستنارا
أجارتنا إنَّ ريبَ الزمانِ ... قبلي أعيا الرجالَ الخيارا
فإما تري لمَّتي هكذا ... فأكثرت مما ترينَ النِّفارا
فقد ارتدي وحفةً ظلةً ... وقد أشغف الفتياتِ الخفارا
قد كنتُ أسحبُ فضل الرداءِ ... وأُرخي على العقبين الإزارا
ورقراقةٍ لا تطيق القيا ... مَ إلاّ رويدًا وإلاّ انبهارا
كأنَّ على الشمسِ منها الخمار ... إذا هي لاثت عليهِ الخمارا
خلوت بها نتجارى الحديثَ ... فحينًا علانًا وحينًا جهارا
وقال ابن المعتز بالله:
سقيًا لظلِّ زماني ... وعصرهِ المحمودِ
ولَّى كليلة وصلٍ ... قُدّامَ يومِ صدودِ
وقال أبو عثمان سعيد بن الحسن الناجم:
إلى كم أروحُ إلى حسرةٍ ... وأغدو إلى سقمٍ واصب
وأرجو غدًا فإذا ما أتى ... بكيتُ على أمسهِ الذاهبِ
قطعت حبالك من واصلٍ ... وأظهرت زهدك في راغبِ
وقد صرت أرضى بلينِ اللِّحاظِ ... وأقنع بالموعد الكاذبِ
ومن أناشيد إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
ألا يا حبذا جنباتُ سلمى ... وجاد رياضها جودُ السِّحابِ
خلعت بها العذارَ ونلت منها ... منايَ بطاعة أو باغتصابِ
أسومُ بباطلِ طلبات لهوي ... ويعذرني بها عصرُ الشباب
قال يحيى بن خالد لكلثوم بن عمرو العتابي، وكان لا يبالي أي ثوبيه لبس، وقد رأى عليه بزة دنيئة: يا أبا عمرو ما لك لا تجيد الملبوس؟ فقال: إنما يرفع المرء أدبه وعقله، لا حليه وحلله، لحى الله امرءًا يرضى أن يرفعه هيئتاه: جماله وماله، لا والله حتى يشرفه أصغراه: لسانه وقلبه، ويعلو به أكبراه، همته ولبه.
وقال مالك بن طوق العتابي: يا أبا عمرو رأيتك كلمت فلانًا فأقللت كلامك، قال: نعم كانت معي حيرة الداخل وفكرة صاحب الحاجة، وذل المسيألة، وخوف الرد وشدة الطمع.
وكان العتابي جيد العقل واللسان، حسن العبارة والبيان، في النثر الرائع والشعر البارع، وقلما اجتمع هذا.
ولما دخل على الرشيد قال له: تكلم يا عتابي، فقال له: يا أمير المؤمنين، الإيناس قبل الإبساس، لا يمدح المرء بأول صوابه، ولا يذم بأول خطابه، لأنه بين كلام زوره، أو حصر اعتوره.
وهو القائل في الرشيد:
أوافي أميرَ المؤمنين بهمَّةٍ ... توقَّلُ في نيلِ المعالي فنونها
رعى أمَّةَ الإسلام فهو إمامها ... وأدى إليها الحقَّ فهو أمينها
مقيمٌ بمستنِّ العُلا حيث تلتقي ... طوارقُ أبكارٍ الخطوب وعونها
1 / 10