وعرفت خديجة عن زوجها شيئا لم تكن تتوقع أنه يتخلق به، فهو لا يلعب القمار مطلقا، قد يشرب مع الشاربين، ولكنه لا يقرب مائدة القمار. - ولكنك تضارب في البورصة. - البورصة خبرة وبعد نظر مالي، ولا يصاب فيها الإنسان إلا إذا حدثت أشياء لم تكن في الحسبان، ولكن القمار تسليم أموالي كاملة ليد غير أمينة ولا مخلصة ولا صديق لها، وهي أيدي الحظ. أنا لا أقبل هذا لكرامتي ولا لثقافتي ولا لعقلي. - فهل المقامرون جميعهم أغبياء؟ - بل إن كثيرا منهم أذكياء. - فما لهم يقامرون؟ - لقد أخطئوا الطريق إلى المتعة، فتلمسوها على مائدة القمار، أما أنا ... - لا تكمل، لقد رأيت، نعم إن أحدا لا يعرف طرق المتعة كما تعرفها أنت. - ولكن هناك شيئا لم أقله. - وهو؟ - وهو أنني مع كل هذه المتع ظللت مخلصا لك، لا أهب نفسي إلا لك. - وهذا حق أيضا.
الفصل الرابع
لماذا يتوقف العقل عند بعض الناس، ويتصرفون تصرفات حمقاء، مع أنهم من ذوي العقل الراجح الذي استطاع أن يمكن لهم وينزلهم منزلة محترمة عند الناس؟
لو أن أحدا سأل زكريا باشا حسام الدين على سبيل الاستشارة: ما رأيك في زيجة الزوج فيها فات الخمسين منذ ست سنوات، وهو يحث الخطى نحو الستين، والزوجة فيها تمشي الهوينى إلى العشرين من عمرها لم تكملها؟ لكان جوابه متسما بالعقل والرزانة وبعد النظر؛ فالمسألة لا يختلف فيها عقلان على شيء؛ أن الرجاحة أو على الأقل لا ينعمان بالغباء الشديد.
ولكن العجيب أن زكريا باشا حسام الدين هو نفسه تزوج الآنسة سهير ممدوح كريمة ممدوح عزت باشا. أما زكريا باشا فهو مستشار في محكمة الاستئناف عرف بعلمه الواسع بالقانون، بل وعرف أيضا بحبه للأدب، وكثيرا ما كانت أحكامه قطعا أدبية يتغنى بها المحامون خاصة الذين صدر الحكم في صالحهم، وهو موسع عليه في الرزق، واسع الأفق، عميق النظرة؛ ولهذا لم يكن عجيبا أن يصبح وزيرا. وقد سر بهذا؛ لأنه كان يفكر منذ زمن أن يترك القضاء الجالس إلى القضاء الواقف. ولعله في ذلك تأثر بالقصة التي تروى عن أحد مشاهير المحامين في فرنسا، وكان ابنه يعمل في القضاء، وكانت سمعة ابنه أيضا عظيمة، فقد عرف عنه أنه من أحسن القضاة. وفي يوم سأل أحد الصحفيين المحامي: لماذا تعمل أنت في القضاء الواقف، بينما يعمل ابنك في القضاء الجالس؟
فأجاب المحامي الذكي: لو استطاع ابني الوقوف ما جلس.
وأغلب الأمر أن الأب كان يريد ابنه أن يعمل معه في المكتب الكبير، ليظل محتفظا بمكانة المكتب بعد وفاته، والراجح أن الابن كان يفضل العمل في القضاء بطبيعة مواهبه أيا ما كان الأمر، فالمؤكد أن زكريا باشا تأثر بهذه القصة، وأراد أن يقف عن كرسي القضاء ليصبح محاميا واثقا من عمله القانوني، ومن لغته في وقت معا.
وهكذا جاء تعيينه في الوزارة خير طريق يخرج منه إلى مقاعد المحامين. كان زكريا باشا قد تزوج في أول حياته نعيمة هانم شهاب بنت مجدي باشا، وقد أنجب منها ابنهما عدلي.
ولكن زكريا باشا كان يحب النساء، وكان بارعا في الحصول عليهن، والطريق تجمع أصحاب القصد الواحد، فلم يكن عجيبا أن يجمع طريق النساء بين الباشا زكريا والبك راشد، فكانت صداقة قوامها الأول، وقد يكون الأهم، النساء.
ولكن «راشد» صاحب مصالح كبيرة، والباشا زكريا حين ترك الوزارة إلى المحاماة أصبح يتمتع بنفوذ كبير، وأصبحت الأبواب التي لا تفتح لغيره من المحامين تفتح له. ولراشد عين يقظى كعين الصقر تدري أين يكمن الخير لها، فقضايا راشد تنتقل إذن من تلقاء نفسها إلى مكتب الباشا، وتزداد الصداقة توثقا.
Bilinmeyen sayfa