جزى الله الأغر جزاء صدق ... إذا ما أوقدت نار الحروب
يقيني باللبان ومنكبيه ... وأحميه بمطرد الكعوب
وأدفيه إذا هبت شمال ... بليل حرجف عند الغروب
أراه أهل ذلك حين يسعى ... رعاة الحي في جمع الحلوب
فيخفق مرة ويفيد أخرى ... ويفجع ذا الضغائن بالأريب
إذا شمنا أغر دنا لقاء ... يغص الشيخ باللبن الحليب
شديد مجامع الكتفين طرف ... به أثر الأسنة كالعلوب
وأكرهه على الأبطال حتى ... يرى كالأرجواني المجوب
وقال شاعر بني عامر:
بني عامر ماذا أرى الخيل أصبحت ... بطانًا وبعض الضر للخيل أمثل
بني عامر إن الخيول وقاية ... لأنفسكم والموت وقت مؤجل
أهينوا لها ما تكرمون وباشروا ... صيانتها والصون للخيل أجمل
متى تكرموها يكرم المرء نفسه ... وكل امرئ من قومع حيث ينزل
وقال الأعرج المعنى:
أرى أم سهلٍ ما تزال تفجع ... تلوم وما أدري علام توجع
تلوم على أن أمنح الورد لفحة ... وما تستوي والورد ساعة تفزع
إذا هي قامت حاسرًا مشمعلة ... نخيب الفؤاد رأسها ما يقنع
وقمت إليه باللجام ميسرًا ... هنالك يجزيني بما كنت أصنع
نخيب الفؤاد: أي طائر اللب، وقال عمر بن مالك:
وسابح كعقاب الجو أجعله ... دون العيال له الإيثار واللطف
وقال مالك بن زغبة الباهلي:
وذات مناسب جرداء بكر ... كأن سراتها كر مشيق
تنيف بصلهب للخيل عال ... كأن عموده جذع سحوق
تراها عند قبيتنا نصيرًا ... ونبذلها إذا باقت بئوق
ذات المناسب: المنسوبة من قبل الأب والأم، وسراتها: أعلاها، والكر: الحبل، والمشيق: أثر برجلها، وتنيف: تشرف، والصلهب: طول العنق، والسحوق: الطول والقصير من الخبل المحبوس، والبئوق: الداهية، أي: تصان لكرامتها وتبذل إذا نزلت شدة وداهية. وقال أبو العلاء المعري:
كان ابن آشى وحده قينًا لها ... إذا قين كل مفاضة مأنوك
فمضى وخلفها تئل كأنما ... حبك السماء قتيرها المحبوك
تعدو بها الشقاء جنبها الصدى ... يوم الهجير يقينها المشكوك
لما التقى صرد اللجام ونابها ... ألكت فصاح لجامها المألوك
وتخالها عند الجريح إذا هوى ... أمًّا يقر بها ابنها المنهوك
وسقيتها المحض الصريح وطعمه ... حلو وكان لغيرها الصمكوك
الصمكوك: اللبن الخائر الحامض، والمحض الصريح: اللبن الخالص.
وقال قبيصة ابن النصراني الجرمي:
هاجرتي يا بنت آل سعد ... أئن حلبت لقحة للورد
جهلت من عنانه الممتد ... ونظري في عطفة الألد
إذا جياد الخيل جاءت تردى ... مملوءة من غضب وحرد
وقال آخر:
فإني له في الصيف ظل بارد ... ونصبي ناعجة ومحض منقع
حتى إذا نبح الظباء بداله ... عجل كأحمرة الصريمة أربع
النصي: اسم نبت، والناعجة: الأرض السهلة، أي: هو كريم أعد له أربعة أسقية مملوءة من الحليب كأنها الصخر الملمس من اكتنازها، وأراد بنبح الظباء: طلوع الفجر، لأن الظبي إذا أسن نبح عند طلوعه.
وكان لا يسقون الحليب ولا الحازر من اللبن إلا لجياد الخيل. قال الشاعر:
لا تسقه حزرًا ولا حليبا ... إن لم تجده سابحًا يعبوبا
ذا ميعة يلتهم الجبوبا ... يترك صوان الصوى ركوبا
بزلقات قعبت تعقيبا ... يترك في آثاره لهوبا
يبادر الآثار أن تؤوبا ... وحاجب الجونة أن يغيبا
كالذئب يتلو أقمعًا قريبا ... على هراميت ترى العجيبا
إن تدع الشيخ فلن يجيبا
اليعبوب: كثير الجري، والميعة: النشاط والحدة، والالتهام: الابتلاع، والجبوب: وجه الأرض، والصوان: صم الحجارة، والصوى: الأعلام، والركوب: المذلل، والزلقات: الحوافر، والأبوب: الرجوع، والجونة: الشمس، أي: يباد آثار المطلوبين قبل مغيب الشمس، وشبه الفرس بالذئب الطامع في صيد قريب منه، وهو نهاية الطمع.
وقال ثعلبة بن عمرو العبدي:
وأهلك مهر أبيك الدواء ... وليس له من طعام نصيب
خلا إنهم كلما أورداو ... يصبح قعبًا عليه ذنوب
1 / 6