وقد رد يوسف بسياسته هذه المغرب إلى أحضان الجامعة الإسلامية بعد أن كان الولاة قبله قد اقتطعوه من جسمها. . وتلك ولاشك خطة مستمدة من تعاليم عبد الله بن ياسين التي كان يلقيها إلى تلاميذه المخلصين ومنهم يوسف بن تاشفين الذي قام عليها أصدق قيام. ولو كان ملوك الإسلام يحملون مثل هذا الشعور الذي كان بحمله يوسف، ويسيرون بهذه السيرة التي سار عليها لما تفككت عرى المملكة الإسلامية، ولما صار المسلمون بعد ذلك خولًا للأجانب تتداولهم أيدي الاستعمار في الشرق والغرب؛ فهم لا ينقذهم من سيطرة الأغيار إلا هذه السياسة الرشيدة التي هي سياسة الجامعة الإسلامية.
يوسف والمعتمد
من الثابت تاريخيًا أن يوسف بن تاشفين لم يعد إلى الأندلس بعد معركة الزلاقة ويستخلص هذا القطر من أيدي ملوك الطوائف إلا بعد أن كتب إليه العلماء والخاصة والعامة يناشدونه الله ورابطة الإسلام أن يبادر لإنقاذهم من سيطرة ملوك السوء الذين انصرفوا بعد رجوعه للمغرب، إلى لهوهم ومجونهم وأغفلوا نصائحه في نبذ التخالف والتدابر، وأهملوا أمر الجند وضنوا عليه بالمؤونة، فأصبحت البلاد من جديد معرضة لحملات أعدائهم اليقظين المنتهزين للفرص. وحضه علماء المغرب وساسته وقواده وزعماء الرأي فيه على تلبية طلب هؤلاء، فتردد في الأمر وبقي يقدم رجلًا ويؤخر أخرى. ثم كتب إلى علماء المشرق وعلى رأسهم يومئذ حجة الإسلام الغزالي فأفتوه بوجوب المسارعة إلى ذلك، وإلا فيكون مؤاخذًا أمام الله والناس والتاريخ.
فلما رأى إجماع الأمة، علمائها وساستها ورجال الحرب فيها على رأي واحد، عزم متوكلًا على الله وسار إلى الأندلس أما أهلها فتلقوه بالفرح والسرور، وأما هؤلاء الملوك المعبر عنهم ملوك الطوائف: فمنهم من القى القياد ولم يدفعه الهوس إلى التهور في القتال غير المجدي؛ ومنهم من تعنت واستحدث من الضعف قوة لم يكن يستحدثها في محاربة من كان يؤدي إليهم الخراج من ملوك النصرانية، فكاشف جيش المرابطين بالعداء وناشبه القتال. وكان من بين هؤلاء المتوكل بن الأفطس صاحب بطانيوس الذي جنب إلى مصرعه فانتهى حديثه من يومئذ، والمعتمد بن عباد
1 / 62