مقدمة
الجزء الأول
1 - القضاء على أسرة الكميون أبيمينيديس
2 - النظام الاجتماعي في أتينا
3 - النظام السياسي
4 - عصر دراكون
5 - عصر سولون
6 - سولون (1)
7 - سولون (2)
8 - سولون (3)
9 - سولون (4)
10 - سولون (5)
11 - سولون (6)
12 - سولون (7)
13 - حال الأحزاب بعد سولون
14 - عصر بيزيستراتوس
15 - بيزيستراتوس (1)
16 - بيزيستراتوس (2)
17 - بيزيستراتوس (3)
18 - البيزيستراتيون (4)
19 - البيزيستراتيون (5)
20 - حال الأحزاب بعد طرد الطغاة
21 - عصر كليستينيس
22 - كليستينيس
23 - عصر الأريوس باجوس
24 - الأريوس باجوس
25 - عصر أفيالتيس وبيركليس وسقوط الأريوس باجوس
26 - أفيالتيس وبيركليس
27 - بيركليس
28 - أتينا بعد بيركليس
29 - عصر الأربعمائة
30 - الأربعمائة (1)
31 - الأربعمائة (2)
32 - الأربعمائة (3)
33 - العصر التاسع
34 - العصر العاشر
35 - الثلاثون (1)
36 - الثلاثون (2)
37 - الثلاثون (3)
38 - الثلاثون (4)
39 - العصر الحادي عشر
40 - إعادة الديموقراطية - أتينا بعد التأمين - أركينوس - حكمة الأتينيين
41 - ملخص
الجزء الثاني
42 - حق العضوية في المدينة
43 - المناصب
44 - مجلس الشوري (1)
45 - مجلس الشورى (2)
46 - مجلس الشورى (3)
47 - مجلس الشورى (4)
48 - مجلس الشورى (5)
49 - مجلس الشورى (6)
50 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (1)
51 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (2)
52 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (3)
53 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (4)
54 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (5)
55 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (6)
56 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (1)
57 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (2)
58 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (3)
59 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (4)
60 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع
61 - المناصب التي تنال بالانتخاب
62 - المناصب
63 - المحاكم
64 - العمود الحادي والثلاثون من البردي في اللوحة العشرين من الطبعة الفوتوغرافية
65 - العمود الثاني والثلاثون من البردي
66 - العمود الثالث والثلاثون من البردي
67 - العمود الرابع والثلاثون من البردي
68 - العمود الخامس والثلاثون من البردي
69 - العمود السادس والثلاثون والعمود السابع والثلاثون من البردي
مقدمة
الجزء الأول
1 - القضاء على أسرة الكميون أبيمينيديس
2 - النظام الاجتماعي في أتينا
3 - النظام السياسي
4 - عصر دراكون
5 - عصر سولون
6 - سولون (1)
7 - سولون (2)
8 - سولون (3)
9 - سولون (4)
10 - سولون (5)
11 - سولون (6)
12 - سولون (7)
13 - حال الأحزاب بعد سولون
14 - عصر بيزيستراتوس
15 - بيزيستراتوس (1)
16 - بيزيستراتوس (2)
17 - بيزيستراتوس (3)
18 - البيزيستراتيون (4)
19 - البيزيستراتيون (5)
20 - حال الأحزاب بعد طرد الطغاة
21 - عصر كليستينيس
22 - كليستينيس
23 - عصر الأريوس باجوس
24 - الأريوس باجوس
25 - عصر أفيالتيس وبيركليس وسقوط الأريوس باجوس
26 - أفيالتيس وبيركليس
27 - بيركليس
28 - أتينا بعد بيركليس
29 - عصر الأربعمائة
30 - الأربعمائة (1)
31 - الأربعمائة (2)
32 - الأربعمائة (3)
33 - العصر التاسع
34 - العصر العاشر
35 - الثلاثون (1)
36 - الثلاثون (2)
37 - الثلاثون (3)
38 - الثلاثون (4)
39 - العصر الحادي عشر
40 - إعادة الديموقراطية - أتينا بعد التأمين - أركينوس - حكمة الأتينيين
41 - ملخص
الجزء الثاني
42 - حق العضوية في المدينة
43 - المناصب
44 - مجلس الشوري (1)
45 - مجلس الشورى (2)
46 - مجلس الشورى (3)
47 - مجلس الشورى (4)
48 - مجلس الشورى (5)
49 - مجلس الشورى (6)
50 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (1)
51 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (2)
52 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (3)
53 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (4)
54 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (5)
55 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (6)
56 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (1)
57 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (2)
58 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (3)
59 - التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (4)
60 - المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع
61 - المناصب التي تنال بالانتخاب
62 - المناصب
63 - المحاكم
64 - العمود الحادي والثلاثون من البردي في اللوحة العشرين من الطبعة الفوتوغرافية
65 - العمود الثاني والثلاثون من البردي
66 - العمود الثالث والثلاثون من البردي
67 - العمود الرابع والثلاثون من البردي
68 - العمود الخامس والثلاثون من البردي
69 - العمود السادس والثلاثون والعمود السابع والثلاثون من البردي
نظام الأتينيين
نظام الأتينيين
تأليف
أرسطوطاليس
ترجمة
طه حسين
مقدمة
عرفت هذا الكتاب الذي أقدمه اليوم إلى قراء العربية بطريق المصادفة في باريس.
أحالنا عليه أحد أساتذتنا في السوربون، فلما رجعت إليه عرفت أنه استكشف في مصر سنة إحدى وتسعين وثمانمائة وألف، ثم نقل إلى المتحف البريطاني في لوندرا، ثم نشرت صورته الفوتوغرافية، ثم طبع في لوندرا وباريس وبرلين وغيرها من مدن أوروبا، ثم نقل إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإيطالية وغيرها من اللغات الحديثة، ثم نقد وفسر في جميع هذه اللغات، ثم درس في جامعات أوروبا، ثم انتفع به مؤرخو الأوربيين فأصلحوا ما كان في تاريخ أتينا من خطأ وأكملوا ما كان فيه من نقص، ثم مضت على ذلك ثلاثون سنة والمصريون لا يعلمون من أمره شيئا.
وإذ كنت أدرس تاريخ اليونان في الجامعة وكنت قد أخذت نفسي بأن أفسر للطلاب من حين إلى حين بعض الأصول التاريخية القديمة ليتعودوا قراءة كتب التاريخ ونقدها والاستفادة منها، فقد اخترت لهم في هذه السنة هذا الكتاب.
ولكني لا أبدأ هذا الدرس حتى يملكني الخجل أن أفسر كتابا استكشف في مصر فأقرأ ترجمته الفرنسية أو الإنجليزية؛ لأن قراءة الأصل اليوناني غير ميسورة ولا نافعة؛ إذ ليس من طلبة الجامعة من ألم بهذه اللغة .
فما لي لا أفسر لهم ترجمته العربية إذا كان الشقاء قد قضى علينا أن لا نعنى باللغات القديمة ولا نحفل بدرسها، أستطيع أن أترجم هذا الكتاب إلى العربية وأنا مدين لمصر بهذه الترجمة؛ لأني لم أتعلم لأنتفع وحدي بما تعلمت؛ ولأن من الحق على كل مصري أن يبذل ما يملك من قوة لإصلاح ما أصاب مصر من فساد، فما هي إلا أن فكرت في ذلك حتى أخذت في الترجمة، وما هي إلا أن أخذت في الترجمة حتى أتممتها وأنا أقدمها الآن إلى القراء.
مؤلف هذا الكتاب هو أرسطاطاليس، وقد كان العرب لا يعرفون من أمر هذا الرجل إلا أنه المعلم الأول زعيم فلاسفة اليونان ورئيسهم، وأن فلسفته قد نقلت إلى العربية في عصر العباسيين فأثرت في العقل العربي تأثيرا عظيما، بل خلقت هذا العقل خلقا جديدا وأنجبت من الفلاسفة أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين يزدان بهم تاريخ المسلمين.
فأما سياسة الرجل وآراؤه في المدينة وما ينالها من استحالة وانتقال وما يختلف عليها من النظم المختلفة ومن صور الحكم المتباينة بين ملكية وأرستوقراطية وديموقراطية، فقد كان العرب يجهلون ذلك جهلا تاما أو كانوا لا يلمون به إلا إلماما قليل الغناء.
وكذلك كان العرب وغيرهم من أهل أوروبا في القرون الوسطى لا يعجبون بأرسطاطاليس إلا من حيث إنه فيلسوف قد درس أقسام الفلسفة فأتقن درسها، وجدد في كل قسم منها مذهبا جديدا أصبح هو المذهب الذي يذعن له أكثر الفلاسفة على اختلاف العصور والبيئات من غير أن يحاولوا نقده أو التغيير فيه.
ثم استكشف في العصر الحديث كتاب السياسة، فعرف المحدثون من أرسطاطاليس رجلا آخر لم يكن يعرفه أهل القرون الوسطى، رجلا قد حاول درس الظواهر الاجتماعية بنفس الطريقة التي أراد أن يدرس بها الظواهر الطبيعية، والتي أراد أن يدرس بها الظواهر النفسية، والتي أراد أن يدرس بها ما بعد الطبيعة.
ثم قرأ المحدثون آثاره الأدبية وما كتب عن الشعر وفنونه وعن البلاغة وضروبها وعن الخطابة وأنواعها ، فاستكشفوا منه رجلا آخر جمع إلى إتقان البحث الفلسفي والسياسي والخلقي إتقان النقد الأدبي.
ولم يكتف أدباء القرن السابع عشر بإكبار هذا الأديب الناقد والإعجاب به، بل اتخذوا ما وضع من أصول النقد البياني ومن القواعد الفنية في الشعر وضروبه وفي الخطابة وفنونها أصولا لهم زعموا أن ليس إلى تعدي حدودها من سبيل.
ثم لم يلبث البحث أن أظهر من آثار أرسطاطاليس شيئا جديدا هي كتبه التاريخية التي ضاع أكثرها، ولم يبق لنا منها إلا الشيء القليل، فعرفنا من أرسطاطاليس الفيلسوف الخلقي السياسي الأديب، عرفنا منه مؤرخا ليس كغيره من المؤرخين.
ولو أن هنالك فرعا من فروع العلم أو ضربا من ضروب الأدب الذي عرفه القدماء غير ما قدمنا لكان من الجائز أن ننتظر أن يرشدنا البحث والتنقيب يوما من الأيام إلى مقدرة جديدة لأرسطاطاليس أو إلى ناحية جديدة من نواحيه لم نكن نعرفها من قبل.
ومن يدري؟ لعلنا نعلم في يوم من الأيام أن الرجل قد حاول التصوير أو النقش أو نحت التماثيل، فلسنا نشك في أنه قد أراد أن يعلم كل شيء، وأن يتقن كل شيء، وأن يكتب في كل شيء، وأنه قد ظفر من هذا كله بأكثر ما كان يريد، فمن الحسن أن ننتهز فرصة نشر كتاب من كتبه وإن كان ضئيلا صغير الحجم لنفصل حياته بعض التفصيل، فإن في الإلمام بها إلماما بشيء غير قليل من حياة اليونان في القرن الرابع قبل المسيح.
كان القرن الرابع قبل المسيح عصر تحول وانتقال للأمة اليونانية خاصة وللأمم التي كانت تسكن حول البحر الأبيض عامة، فبينما كانت القوة السياسية في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع منقسمة بين اليونان والفرس أخذت في أواخر هذا القرن الرابع تتجزأ وتنتقل، فدالت دولة الفرس وذهب سلطان المدن اليونانية، وأصبح الأمر كله بيد الإسكندر، ثم أخذت دولته تتجزأ من بعده، وأخذ سلطان جديد يظهر قليلا قليلا في إيطاليا وهو سلطان الرومان.
فهذا العصر إذن يمتاز بأنه عصر انحلال سياسي للأمة اليونانية، وبأنه العصر الذي كانت الأمة اليونانية قد وصلت فيه إلى أقصى ما كان يمكن أن تصل إليه من مجد سياسي أو علمي أو فلسفي أو أدبي.
فليس من شك في أن لهذا العصر، عصر الانحلال من جهة والتكون من جهة أخرى أثرا ظاهرا عظيم الخطر في حياة من شهده من الناس، لا سيما إذا كان له قلب ذكي وبصيرة نافذة وطبيعة جيدة قيمة كأرسطاطاليس.
ولد أرسطاطاليس سنة أربع وثمانين وثلاثمائة قبل المسيح بمستعمرة يونية يقال لها ستاجيرا على ساحل مقدونيا بالقرب من ترافيا.
وكان السلطان اليوناني في ذلك الوقت موضع التنازع بين مدن ثلاث وهي سبارتا وأتينا وطيبة.
كانت كل مدينة من هذه المدن تحاول أن تسود على البر والبحر، وأن تكون صاحبة الكلمة في بلاد اليونان، ولكنها كانت في الوقت نفسه قد وصلت من الضعف والانحلال إلى حيث تعجز عن أن تبلغ ما تريد بفضل قوتها الخاصة، فلم يكن موضوع التنافس بينها سيادة حربية قبل كل شيء، وإنما كانت كل واحدة منها تسعى إلى أن تسود بواسطة الحلف بينها وبين الملك الأعظم ملك الفرس.
فبعد أن كانت الأمة اليونانية قد أجمعت في أوائل القرن الخامس على نصب الحرب للملك الأعظم ووصلت بهذا الإجماع واتحاد الكلمة إلى قهر الفرس ودحرهم وإلى طردهم من أوروبا واستنقاذ اليونانيين الآسيويين من أيديهم، أصبحت في أوائل القرن الرابع تطلب حلفهم ومعونتهم وتتنافس أيها يسبق إلى الظفر بذلك الحلف وهذه المعونة.
وهذا أحسن دليل على ما كانت الأمة اليونية قد وصلت إليه من الضعف، وعلى أنها كانت قد أدت عملها السياسي وفرغت منه ولم يبق لها إلا أن تترك مكانها لمن يحسن القيام بهذا العمل ويجيد تدبير هذا السلطان.
على أن الدولة الفارسية التي كان يتنافس اليونان في إرضائها وكسب معونتها لم تكن أحسن حالا ولا أشد قوة ولا أثبت سلطانا من الأمة اليونانية نفسها، فقد كان الترف ولين العيش قد عمل في إفساد قوتها الحربية، وكان حب المال والرغبة في تحصيله واقتنائه قد عمل في إفساد قوتها الخلقية، فأصبحت في هذا العصر جماعة ليس لها من القوة والسلطان إلا الاسم والشهرة.
وكان كثير من اليونان يعلمون ذلك ولا يشكون فيه لما كان بين الأمتين في هذا الوقت من الصلات المختلفة المستمرة، وكثيرا ما كان يتحدث الأطباء والتراجمة والفلاسفة من اليونان الذي استخدموا في قصر الملك إلى قومهم بعد أن يعودوا إليهم بأن قوة الملك الأعظم إنما تتألف من الرقيق والطهاة ومن إليهم من أعوان الترف واللهو.
بينما كان هذا الضعف العام يحل قوة اليونان من جهة وقوة الفرس من جهة أخرى، كانت هناك دولة ثالثة ظلت في أول الأمر ضعيفة معتزلة كل الأعمال السياسية، ولكنها أخذت في هذا العصر تقوى وتشتد شيئا فشيئا وتبسط سلطانها قليلا قليلا على ما كان يجاورها من البلاد وهي دولة المقدونيين.
كانت هذه الدولة تجاور اليونان من بعض جهاتها والبرابرة من بعضها الآخر، وكانت تزعم أنها يونانية وينكر عليها اليونان ذلك، ولكنها في الحق كانت قد جمعت بين رقة اليونان ولطفهم وألوان حضارتهم وبين قوة البرابرة وشدة بأسهم وصبرهم على المكروه، وكان أبو أرسطاطاليس نيكوماكوس طبيبا لملكهم أمانناس الثالث.
فقد نشأ إذن هذا الغلام نشأة خاصة أثرت فيها هذه القوة الناشئة التي كان يشهدها في عاصمة المقدونيين، وأثر فيه ما كان يشهد من ضعف اليونان وفساد أمرهم، وأثر فيه من وجه خاص ما كان يزاول أبوه من صناعة الطب التي كانت في ذلك الوقت أقرب الفنون إلى الفلسفة وأشدها بها اتصالا.
لسنا نعرف كيف نشأ أرسطاطاليس، ولا كيف تعلم في أثناء طفولته، ولكنا لا نشك في أن هذه المؤثرات المختلفة قد كونت عقله تكوينا خاصا فمنحته من مزايا اليونان قوة الفهم وشدة الذكاء وحب الاستطلاع والقدرة على رد الأشياء إلى أصولها، ومنحته من خصال البرابرة الذين كانوا يجاورون مقدونيا في ذلك الوقت، بل من خصال المقدونيين أنفسهم؛ الميل إلى التحقيق؛ أي إلى حب الواقع المحس الذي ليس فيه شك، وبعبارة واضحة جعلته وضعيا.
وسنرى أثر هذا كله في حياته الفلسفية، فإن الرجل كان قليل الحظ جدا من الخيال، وكان هذا هو الذي باعد ما بينه وبين أستاذه أفلاطون.
انتقل أرسطاطاليس من مقدونيا إلى أتينا حين بلغ السابعة عشرة ليتم درسه، وكانت أتينا في ذلك الوقت على ضعفها السياسي وانقباض سلطانها في البر والبحر مدرسة اليونانيين عامة، يحجون إليها من جميع الأقطار اليونانية في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ولم تكن قد أتقنت فنا واحدا من الفنون أو علما واحدا من العلوم، وإنما كانت قد جمعت إليها كل ما كان يسيغه العقل والذوق في ذلك الوقت من علم وفلسفة ومن أدب وفن، وحسبك أنها كانت مدينة الممثلين والمؤرخين والمغنين والخطباء والشعراء والفلاسفة وغيرهم من أساتذة الفنون الأخرى كالنقش والتصوير، وحسبك أنها كانت مدينة سقراط، وأن هذه الفلسفة السقراطية كانت قد انبعثت منها في أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع، فانتشرت في جميع أقطار اليونان واصطبغت في كل قطر منها صبغة خاصة، وبقي أصل هذه الفلسفة في أتينا ينمو نموا معقولا منظما بواسطة أفلاطون.
فلم يكن من الغريب أن يسعى كل شاب يستطيع السعي إلى أتينا ليشهد فيها دروس الفلاسفة وليسمع فيها لأساتذة البيان وليحضر فيها تلك الجلسات السياسية التي لم تكن توجد في غيرها من المدن، والتي كان يسمع فيها أشد اليونان فصاحة ولسنا وأقدرهم على تدبير الكلام وتسخيره لما يريد، نريد بها جلسات جماعة الشعب الأتيني.
أضف إلى ذلك هؤلاء الفقهاء الذين كانوا يفسرون القوانين الأتينية المختلفة ويدرسون ما لليونان على اختلاف أجناسهم من رأي في القوانين، ويلقون أمام المحاكم الأتينية من خطب الدفاع ما لا نزال نعجب به إلى الآن، وعلى الجملة فقد كان اليوناني يقصد أتينا كما يقصد الشرقي الآن باريس، إلا أن لباريس خصوما تعدلها وقد تفوقها في بعض ضروب العلم، أما أتينا فلم يكن لها عدل ولا نظير.
كان أرسطاطاليس في ذلك الوقت قد فقد أباه وأصبح ذا ثروة تمكنه من الرحلة والإنفاق بسعة على ما كان يريد تحصيله من العلم، فأقام في أتينا عشرين سنة متصلة منذ سبع وستين إلى سبع وأربعين وثلاثمائة، وكان أشد الناس شهرة علمية في أتينا في هذا العصر رجلان؛ أديب وفيلسوف، فأما الأديب فهو إيسوكراتيس الذي أخذ يدرس ما كان لليونان من فن أدبي، ويستخلص من هذا الدرس أصول البيان اليوناني وقواعد البلاغة، والذي كان قد اشتهر إلى هذا بمهارته الخاصة وإجادته تحبير الخطب وتدبيج فصول الكلام.
فصحبه أرسطاطاليس وسمع له، ولا شك في أن إيسوكراتيس قد أثر في تلميذه تأثيرا خاصا، فسنرى عناية أرسطاطاليس بوضع أصول الشعر والخطابة وتنظيم قواعد البيان.
أما الفيلسوف فهو أفلاطون، وكان غائبا عن أتينا حين وصل إليها أرسطاطاليس، ولكنه لم يلبث أن عاد إليها سنة خمس وستين وثلاثمائة وأخذ يدرس في الأكاديميا، فلزمه أرسطاطاليس وأحسن الاستماع له، ويظهر أنه قد شغف أفلاطون وبهره، فكان أفلاطون يسميه أناجيستيس؛ أي القراء، وكان يسميه أنوس؛ أي العقل.
ومهما يكن من شيء، فقد لزم أرسطاطاليس درس أفلاطون إلى أن مات سنة سبع وأربعين وثلاثمائة، فلم يستطع أرسطاطاليس أن يقيم فيها بعد أستاذه، فسافر إلى أماكن مختلفة منها أتارنيا وهي مدينة في آسيا الصغرى.
كان لهذه المدينة طاغية يقال له هرمياس، وكان هذا الطاغية صديقا لأرسطاطاليس، يظهر أنهما تعارفا وتحابا في درس أفلاطون، فمكث أرسطاطاليس عند صديقه حينا ثم كأن صديقه حاول الخروج على الملك الأعظم أو أبى أن يؤدي إليه الإتاوة فقتله.
وكان لهذا الطاغية أخت أو ابنة أخت يقال لها بتياس، فتزوجها أرسطاطاليس وارتحل بها من أتارنيا إلى جزيرة متيلين، وقد جزع أرسطاطاليس لفقد صديقه جزعا شديدا فبكاه في شعر تظهر فيه الحسرة وشدة الأسى، ويقال إنه أقام له تمثالا في دلف.
في أثناء هذا الوقت الطويل كان ضعف الأمة اليونانية قد أصبح شيئا محققا، وكانت قوة مقدونيا قد اشتدت وعظمت حتى استطاع فيليبوس ملكها أن يقهر الأتينيين وأهل طيبة مرات متعددة، وأن يكره الأمة اليونانية على أن تقبله عضوا من أعضاء الأنفكتيون، وهي جماعة دينية سياسية كانت تقوم على حراسة دلف ومعبد أبولون فيها، بل استطاع فيليبوس أن يكره اليونان على أن يتخذوه قائدا عاما لجيشهم في حرب كان يريد أن يعلنها على الملك الأعظم ملك الفرس، فأصبح منذ ذلك الوقت يونانيا، بل أصبح زعيم اليونان.
في سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة كتب فيليبوس إلى أرسطاطاليس يدعوه إليه ليكون مؤدبا لابنه الإسكندر، فسافر أرسطاطاليس إلى مقدونيا وأقام فيها سبع سنين، وليس من شك في أن ما يرويه التاريخ والأساطير من كلف الإسكندر بشعر هوميروس وأبطاله، لا سيما أخيل، إنما هو أثر من آثار أستاذه، ولا شك أيضا في أن أرسطاطاليس قد كون عقل الإسكندر تكوينا فلسفيا قويا، فإن القصص تروي لنا ميلا شديدا من الإسكندر إلى ضروب كثيرة من الفلسفة، ويقال إن أرسطاطاليس قد علم الإسكندر مذهبه الخاص في الفلسفة، وإن الإسكندر كان يحرص على أن يكون أول من يقرأ كتب أستاذه، وقد كان يحفظ الرواة كتبا مختلفة تبودلت بين الإسكندر أثناء غيبته في آسيا وبين أرسطاطاليس، ولكن المحدثين يشكون في صحة ما بقي منها.
هناك أمر لا شك فيه هو أن أرسطاطاليس عاد إلى أتينا سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة حين بدأت غارة اليونان بزعامة الإسكندر على الفرس، وأن الصلة قد استمرت قوية متينة بين التلميذ وأستاذه، فكان الإسكندر يمنح الفيلسوف من المال ما يمكنه من البحث العلمي، وكان يبعث إليه بأنواع مختلفة من الحيوان والنبات؛ وغير ذلك من غرائب الطرف التي كانت تهم باحثا يريد أن يستقصي في بحثه كل شيء كأرسطاطاليس.
على أن هذه الصلة لم تلبث أن انقطعت وفتر ما كان بين الأستاذ وتلميذه سنة خمس وعشرين وثلاثمائة.
كان لأرسطاطاليس ابن أخ أو ابن أخت يقال له كليستنيس، وكان كليستنيس هذا فيلسوفا مؤرخا، بل كان أديبا ذا حظ من الخيال، فصحب الإسكندر في رحلته وكأنه كان الصلة الحية بين الأستاذ والتلميذ، ولكن الإسكندر لم يكد يقهر الفرس ويملك بابل وغيرها من المدن الشرقية المقدسة حتى طغى وتجبر وأسخط من كان حوله من اليونان والمقدونيين لشيئين؛ الأول: أنه نسي أو تناسى ما كان له من مركز الفاتح القاهر وخيل إليه أنه يستطيع أن يجمع بين اليونان والفرس ويكون منهم أمة واحدة أو على أقل تقدير طبقة واحدة حاكمة ليست بالفارسية الخالصة ولا اليونانية الخالصة.
وقد بدأ في ذلك فاقترن إلى روكسان بنت دارا الملك المقهور، وألح على قواده وأفراد جنده أن يفعلوا فعله فيقال إنه شهر في ليلة عرسه عشرة آلاف عرس بين اليونان والفارسيات، ثم لم يكتف بذلك، بل أحسن معاملة الزعماء من الفرس ورد إليهم أموالهم وقربهم منه حتى أشفق اليونان والمقدونيون أن يغلبهم هؤلاء الزعماء على أمرهم. الثاني: أن الإسكندر أراد أن يكون ملكا شرقيا، وسلك إلى ذلك سبل ملوك الشرق من المصريين والفرس، فأراد أن يعبد ويتخذ إلها، ولم يكتف بأن يأخذ الشرقيين وحدهم بهذه العبادة، بل أراد أن يفرضها على اليونان والمقدونيين الذين كانوا قد تعودوا الحرية والأنفة، والذين كانوا يزدرون «ذلة الشرقيين» وتقديسهم لرجال مثلهم.
فلما طلب الإسكندر ذلك إلى اليونان ظنوا أنه يمزح فاستضحكوا، فلما آنسوا منه أنه جاد سخروا منه وهزءوا به، ثم أطاع بعضهم كارها وعصى بعضهم مذكرا هذا الإله الجديد بمولده ونشأته وفضل اليونان والمقدونيين عليه، ومن ذلك الوقت ساءت الصلة بين الإسكندر وأعوانه، فأتمر به بعضهم، وكان من المؤتمرين كليستنيس هذا فقتل، وكان قتله قاطعا للصلة بين الملك والفيلسوف.
نستطيع أن نعد هذا العصر الأخير الذي مكثه أرسطاطاليس في أتينا من سنة خمس وثلاثين إلى سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة عصر الإنتاج العلمي، فإن أرسطاطاليس لم يكد يستقر في أتينا حتى بدأ دروسه العلمية والفلسفية والأدبية، واتخذ لهذه الدروس بناء خارج المدينة كان ملعبا رياضيا للأتينيين يسمى لوكايوم «ليسيه»، واتخذ من هذا الملعب موضعا خاصا كان يسمى بيريبانوي؛ أي موضع المشي؛ لأن الأتينيين كانوا يمشون فيه ذاهبين جائين بعد أن يكونوا قد نظروا إلى الطلاب وهم يلعبون.
وكان أرسطاطاليس يمشي في هذا المكان مع تلاميذه متحدثا إليهم بما يريد أن يدرسه معهم، وقد قسم يومه قسمين؛ فأما الصباح فكان يلقي فيه دروسا عامة قليلة التحقيق كثيرة الوضوح يراد بها نشر العلم والفلسفة بين الجمهور الذي لا يريد أن يتخصص ولا أن يتخذهما حرفة، وأما المساء فقد خصصه للدرس الفلسفي العويص وقصره على تلاميذه الذين كانوا يتخصصون للدرس والتحصيل.
وقد انقسمت آثار أرسطاطاليس نفس هذا الانقسام، فقسم منها ألف للعامة وقسم منها ألف للخاصة كما سترى ذلك بعد حين.
مكث أرسطاطاليس في أتينا يدرس ويعلم ثلاث عشرة سنة، ولكن موت الإسكندر غير كل شيء في بلاد اليونان تغييرا مؤقتا، فثار اليونان بالمقدونيين وأرادوا أن يستردوا حريتهم، وكان الأتينيون أول الثائرين، وقد أصابت هذه الثورة كل من كان يتصل بالمقدونيين ومنهم أرسطاطاليس، فحاول بعض الأتينيين أن يتهمه بالفجور والإلحاد، وأشفق أرسطاطاليس أن يصيبه ما أصاب سقراط ففر من أتينا إلى كلسيس، وفيها مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة.
وقد روى القدماء ووافقهم على ذلك بعض المحدثين أن أرسطاطاليس إنما هاجر من أتينا مشفقا عليها أن تجني عليه أو على الفلسفة في شخصه ما جنته على الفلسفة في شخص سقراط، ويخيل إلي أن هذه أسطورة أريد بها تمجيد الرجل وهو عن هذا التمجيد غني، وما أظن أنه قد هاجر إلا احتفاظا بحياته وحرصا عليها.
في نفس هذه السنة التي مات فيها أرسطاطاليس مات نابغة آخر من نوابغ هذا العصر هو ديموستنيس الخطيب الأتيني المعروف، كلا الرجلين يمثل عصره أحسن تمثيل، وكلا الرجلين يناقض صاحبه أشد المناقضة، فأما أرسطاطاليس فقد كان يمثل من هذا العصر ميل العقل اليوناني إلى التأليف والترتيب وجمع كل ما أثمرته القريحة اليونانية من أدب وعلم وفلسفة في صورة واحدة متماسكة قادرة على أن تؤثر فيما يأتي بعد هذا العصر من العصور، وكان يمثل مع هذا الأمة الجديدة الناهضة التي كان قد قدر لها القضاء أن تهدم سلطان اليونان في بلاد اليونان وسلطان الفرس في بلاد الفرس، وأن تقيم على أنقاضهما سلطانا جديدا يجمع بين الشرق والغرب ويقارب ما بينهما من البعد الفكري، ويأخذهما جميعا بأن يتصورا الأشياء بطريقة واحدة، وأن يفكرا فيها بطريقة واحدة، وعلى الجملة كان أرسطاطاليس يمثل هذه الأمة التي جعلت العقل اليوناني عقلا عاما ورسمت للإنسانية سبيلها التي ستسلكها إلى الرقي.
وأما ديموستنيس فكان يمثل من هذا العصر ما بقي فيه من قديم يريد أن يدافع عن وجوده ويحتفظ بشخصيته، كان يمثل الحرية مدافعة عن نفسها مجاهدة لعدوها، فكان موته موتا للحرية اليونانية، وكان موت أرسطاطاليس بعد أن أتم عمله حياة خالدة للعقل اليوناني.
لا يعرف التاريخ الأدبي اليوناني مؤلفا من هذا العصر بلغت آثاره من الكثرة والاختلاف ما بلغته منهما آثار أرسطاطاليس، كما أن التاريخ لا يعرف قبله مؤلفا كثر الدرس عليه وانتحال الكتب التي تنسب إليه بمقدار ما كثر ذلك على هذا الفيلسوف.
فقد كان القدماء يروون له مئات من الكتب تختلف طولا وقصرا في موضوعات شديدة الاختلاف والافتراق، وقد كانوا يشعرون بأن كثيرا من هذه الكتب إنما كان مزورا منتحلا، وهم مع ذلك كانوا لا يشكون في أن أرسطاطاليس قد ترك أكثر من أربعمائة كتاب، وقد ضاع معظم هذه الكتب ولم يبق لنا منها إلا نيف وأربعون كتابا كاملا، وإلا متفرقات كثيرة من كتب مختلفة وأسماء كتب لم يبق منها شيء، بحيث نستطيع أن نجزم بأن أرسطاطاليس قد ترك ما يزيد على خمسين ومائة كتاب.
على أن احتياطنا في حصر كتب أرسطاطاليس ليس معناه أن الرجل لم يترك من الكتب إلا ما نعلم، وإنما معناه أن بحثنا التاريخي العلمي لم يصل بنا إلا إلى هذا العدد.
فإذا لاحظنا أن جزءا عظيما من كتب أرسطاطاليس قد ظل بعد موته مهملا في نفق من الأنفاق أكثر من قرنين، وأنه لم ينشر ولم يستنسخ إلا في أيام سيلا الذي نقله من أتينا إلى روما، وأنه حين أريد نشره واستنساخه كان الفساد قد أصابه وعمل فيه، عرفنا أن القدماء كانوا غير مسرفين فيما يعدون من كتب أرسطاطاليس، وعرفنا أنا لا نخطئ إذا اصطنعنا الشك والتردد قبل أن نجزم بصحة كتاب ينسب إليه.
ومهما يكن من عدد الكتب التي ألفها والتي تنسب إليه، فإن ما بقي لنا منها على قلته وعلى فساد نصوصه في أكثر الأحيان كاف كل الكفاية لإقناعنا بهذا الجهد العظيم الذي بذله أرسطاطاليس في حياته العلمية، والذي لا نكاد نتصوره إلا مع شيء من المشقة والعناء.
وما ترى في رجل لم يترك أثرا من آثار العقل اليوناني أو الشعور اليوناني ولا ظاهرة من ظواهر الاجتماع اليوناني إلا درسه وكتب فيه، ثم لم يكتف بذلك، بل أضاف إلى ما كان قد حصله اليونان من علم وإلى ما كانوا قد أقاموا من بناء فلسفي، ثم لم يكتف بهذا كله، بل حاول أن يصوغ كل هذا المقدار الذي جمعه والذي ابتدعه صيغة واحدة ويصبه في قالب واحد ليكون كلا متماسكا متماثل الأجزاء.
كل هذا لم يمنعه من أن يحيا لنفسه؛ أي من أن يعيش عيشة رجل يحب الحياة ويريد أن يستمتع بلذاتها المادية والمعنوية، فقد روى التاريخ لنا أن أرسطاطاليس لم يكن خشنا ولا متزهدا، وأنه كان يحب لذات الحياة وما فيها من ترف، وكان يعنى بزيه وتنسيق لبسته، وروى لنا أيضا أنه كان مع هذا أبا برا وزوجا كريما يريد أن يوفر لذة الحياة على أسرته.
ثم روى لنا مع هذا كله أنه كان أديبا متظرفا يقول الشعر ويدبج الخطب ويجيد الرسائل، وأنه قد ضرب في كل ذلك بسهم، فهذا يدلك على مقدار القوة العملية التي كان يمتاز بها هذا الرجل والتي أنفقها منذ شب إلى أن مات.
على أن شيئا من التحقيق لا بد منه، فليس يكفي أن نثبت للرجل كل ما قدمنا من غير أن نعرف كيف تأتى له القيام به والوصول إليه.
فإن من ألم بظروف الحياة في ذلك العصر عرف أنه لم يكن من الميسور أن يقوم رجل واحد بمثل ما قام به أرسطاطاليس من جمع وتحصيل، ومن كتابة وترتيب، ومن درس وتعليم، على شقة المواصلات وصعوبة النشر وعسر التحصيل.
نعم إن الإسكندر قد سهل على أرسطاطاليس عمله تسهيلا غير قليل بما منحه من مال، وبما أرسل إليه من حيوان ونبات، ولكن كل هذا لا يكفي لتمكينه من القيام بما قام به، فلو أننا أردنا أن نقسم على أيام أرسطاطاليس ما ألف من كتب قد بلغت عشرات الآلاف من الصحف ومئات الآلاف من السطور فيما يقول القدماء لاستغرقت كتابتها أكثر وقته، فما بالك بإعدادها والتفكير فيها وما بالك بدرسه وما بالك بحياته المنزلية.
فلا شك إذن في أن الرجل قد كان له أعوان من أصحابه وتلاميذه أضافوا وقتهم إلى وقته وجهدهم إلى جهده وانمحت شخصياتهم بجانب شخصيته.
وإذا أردت أن أتصور اللوكايوم أو مدرسة أرسطاطاليس، فإنما يخيل إلي أنها إنما كانت جامعة علمية أدبية يختلف إليها عدد ضخم من التلاميذ الأتينيين وغير الأتينيين، وكل هؤلاء التلاميذ كان يجمع ويحصل ويكتب ويؤلف بإرشاد أرسطاطاليس وتحت ملاحظته.
هذا شيء تدلنا عليه كل الحياة العلمية لهذا العصر، فإن هذا العصر إنما كان يمتاز بالميل إلى جمع الآثار المختلفة في العلوم والفنون المختلفة وتكوين شيء يقرب مما نسميه الآن دائرة المعارف، وبهذه الطريقة اجتمع لأرسطاطاليس شيء غير قليل من الكتب، وسميت باسمه وظهرت في كثير منها شخصيته؛ لأنه قام على تأليفها وترتيبها.
ومهما يكن من شيء فإن الآثار المنسوبة إلى أرسطاطاليس تنقسم أولا إلى ثلاثة أقسام: (1)
آثار أدبية شخصية ليس من شك في أن أرسطاطاليس هو منشئها، وهي أشعار وخطب ورسائل في موضوعات مختلفة، وقد ضاع أكثرها ولم يبق منها إلا متفرقات قليلة الغناء. (2)
آثار علمية فلسفية وأدبية نشرت في حياة أرسطاطاليس، ويخيل إلينا - وهو رأي كثير من المحدثين - أنها إنما جمعت وألفت تحت إشرافه وملاحظته، وقد كان يقصد منها نشر العلم وإذاعته من جهة، والإعداد لعمل علمي محقق من جهة أخرى، وقد ضاعت كل هذه الآثار ولم يبق منها إلا النذر اليسير. (3)
آثار مختلفة في العلم والفلسفة والأدب كان الغرض منها وضع مجموعة علمية منقحة، قد وصل فيها التحقيق إلى أقصى ما كان يمكن أن يصل إليه من التمحيص، وقد بقي لنا كثير من هذه الآثار، ولعل كل ما في أيدينا من كتب أرسطاطاليس إنما هو من هذا القسم.
غير أن هذه المجموعة لم تكن قد وصلت إلى شكلها الأخير، وإنما كان أرسطاطاليس يعد لها المعدات فيقيد خواطره وآراءه في كل فصل من فصول العلم الذي كان يريد تنقيحه وتلخيصه، ثم مات قبل أن يلقي عليها نظرته الأخيرة.
وهذا مع عبث النساخ وسوء فهمهم هو مصدر ما نجد فيها من الغموض والاضطراب في كثير من الأحيان.
إذن فقد انقسمت كتب أرسطاطاليس إلى قسم عام، وهو ما كان يسمى إكسوتيريكوس؛ أي القسم الذي إنما كان يراد به الجمهور المستنير، وإلى قسم خاص إيسوتيريكوس؛ أي القسم الذي كان يؤلف لأعضاء المدرسة والعاملين فيها من طلاب الفلسفة الذين وقفوا حياتهم عليها.
وهذا القسم الثاني قد انقسم إلى قسمين بمقتضى انقسام فلسفة أرسطاطاليس نفسها: قسم نظري وقسم عملي.
ذلك أن أرسطاطاليس كان يرى أن موضوع الفلسفة يجب أن يشمل كل شيء؛ لأن الغرض منها إنما هو العلم الصحيح بالكائن من حيث هو كائن، ولم يكن يرى رأي أفلاطون من حصر الفلسفة في العلم بالكائن من حيث هو سبيل إلى الخير، إنما كان رأيه أشمل من ذلك وأعم، فكل شيء موجود سواء كان محسا أو غير محس، وسواء أكان من العالم الطبعي أو الاجتماعي أو الخلقي، نقول: كل شيء موجود كان عند أرسطاطاليس صالحا ليكون موضوعا للبحث؛ لأن أرسطاطاليس كان يرى في هذا العالم كلا متماثل الأجزاء متناسبها، ليس من سبيل إلى أن يعرف بعضه إلا إذا عرف بعضه الآخر.
فكان يريد أن تكون فلسفته صورة صادقة لهذا العالم الذي تدرسه وتبحث عنه، وهذه فكرة ليس من شك في أن أرسطاطاليس مبتكرها، وفي أنها قد كانت ولا تزال مطمع كثير من الفلاسفة الذين يفرضون أن لهذا العالم على اختلاف ما فيه من صور وحدة يجب على الفلسفة أن تحققها وتمثلها تمثيلا صحيحا.
وليس ما بذله أوجوست كونت من الجهد العظيم في أوائل القرن التاسع عشر إلا محاولة لتحقيق هذه الوحدة في فلسفته الوضعية.
عجز أفلاطون عن إثبات هذه الوحدة؛ لأنه لم يكد يفترض فرضه الأساسي من أن لكل موجود خارجي مثالا معنويا هو صورته الحقيقية حتى استرسل مع خياله القوي الخصب فترك هذه الأشياء الخارجية المحسة وتبع مثله المعنوية، فأخذ يقيم منها قصورا في الهواء، وقضى بذلك على قسم عظيم من فلسفته بالعقم وعدم الإنتاج.
أما أرسطاطاليس فلم يستطع أن يفرق بين الشيء ومثاله، ولم يقل بأن للمثل وجودا مستقلا منفصلا عن وجود صورها الخارجية، ولم يستطع أن يؤثر هذه المثل ويتخذها وحدها موضوعا لبحثه، وإنما اتخذ الأشياء من حيث هي أشياء موضوعا لهذا البحث، فأثبت بمقدار ما كانت تسمح له ظروف العلم والفلسفة في ذلك الوقت أن هذه الأشياء مع أن لكل منها وجودا مستقلا قائما بنفسه فإن بينها اتصالا ليس فيه من شك، وأن كلا منها إنما هو منتج أو نتيجة لغيره، فلا بد حينئذ من البحث عن هذه الصلة التي تجمع بين هذه الأشياء المختلفة وتكون منها كلا متحدا قوي الوحدة.
لهذا تناول كل شيء بالبحث والتحليل، وخيل إليه أنه قد استطاع أن يرد العالم إلى أصول معينة، وأن يثبت له وللفلسفة وحدة ليس فيها من شك حين وصل به التحليل إلى أن كل موجود فهو منحل بعد إزالة أعراضه إلى ثلاثة أشياء: المادة والصورة والمحرك، وأن هذه المادة إنما تكتسب صورها المختلفة بواسطة هذا المحرك لغاية من الغايات وغرض من الأغراض حكيم في نفسه؛ سواء أحسن رأينا فيه أم ساء.
على أننا نخشى إن أردنا أن نفصل هذه الفلسفة تفصيلا كافيا أن نقع في الإسراف، ونخشى إن أردنا أن نوجزها أن نقع في الغموض، فخير لنا أن نكتفي منها بما أثبتناه من أن أرسطاطاليس هو أول من حاول محاولة مثمرة أن يثبت وحدة العالم ووحدة الفلسفة، وأن هذا هو أنفع ما وصل إليه من البحث فيما بعد الطبيعة.
فالبحث عن الكائن من حيث هو كائن هو موضوع الفلسفة النظرية لأرسطاطاليس، وفيه تناول البحث عن العالم الطبعي والرياضي وعن ما بعد الطبيعة، ولكن أرسطاطاليس كان كما قدمنا رجلا محققا، مهما تعمق في البحث العلمي فهو لا ينسى الواقع ولا الحياة العملية.
وقد قلنا: إنه كان يتخذ كل شيء موضوعا لبحثه، ولا شك في أن الحياة العملية شيء من الأشياء، فلم يكن بد من البحث عنه، ومن إثبات ما بينه وبين القسم النظري من صلة حتى تتكون هذه الوحدة التي كان يريد تحقيقها نظرا وعملا.
فالبحث عن هذه الحياة العملية للإنسان هو موضوع القسم الثاني من قسمي فلسفته.
وقد تناول أرسطاطاليس في هذا القسم الإنسان فبحث عنه من عدة وجوه.
نظر إليه من حيث هو شخص منفرد، ونظر إليه من حيث هو حيوان اجتماعي، ونظر إليه من حيث هو مفكر، ونظر إليه من حيث هو مدبر للأشياء.
وفي الحق أن قاعدة الفلسفة العملية عن أرسطاطاليس هي أن الإنسان حيوان اجتماعي، وما نظن أنه قد حاول أن يفرض للشخص من حيث هو شخص منفرد وجودا حقيقيا، وإنما رأى أن الجماعة إنما تتألف من أفراد منفصلين بالفعل، وأن لهؤلاء الأفراد حقوقا وعليهم واجبات، فلم يستطع أن يهمل هذا الانفراد، بل لاحظه في علم الأخلاق.
فأرسطاطاليس إذن لا يعترف بوجود الشخص المطلق، وإنما يرى الفرد الإنساني دائما مقيدا بقيود اجتماعية مختلفة، ومن هنا لم يكن من الخطأ ولا من الإسراف أن نقول: إن الفلسفة العملية لأرسطاطاليس إنما هي فلسفة اجتماعية قبل كل شيء.
هي فلسفة اجتماعية؛ لأن أرسطاطاليس يبحث فيها مرة عن الجماعة ومرة عن الفرد الذي هو جزء من الجماعة، فأما الفرد الذي لا يتصل بمجموع ما فلم يبحث عنه أرسطاطاليس، وما نحسب أنه قد فكر فيه.
بذل أرسطاطاليس أكثر ما بذل من الجهد في تشييد فلسفته النظرية، ولكن أكثر هذه الفلسفة قد مات الآن، ولم يبق منه إلا نظريات معدودة فيما بعد الطبيعة.
ذلك لأن الطرق العلمية التي سلكها أرسطاطاليس كانت من السذاجة والنقص بحيث لم يكن ينتظر أن تنتهي به إلى نتائج باقية، فكل ما قاله أرسطاطاليس في الطبيعة وخواص الأجسام ليس له الآن قيمة علمية تذكر، أما أصوله فيما بعد الطبيعة فما يزال يعتز بها نفر غير قليل من أصحاب هذا القسم من أقسام الفلسفة.
إنما القسم الخالد الذي لم يكد يفقد شيئا من قيمته ونفعه العلميين فهو القسم العملي.
يمكننا أن نقسم هذه الفلسفة العملية أربعة أقسام:
الأول:
البحث عن الإنسان من حيث إنه جماعة سياسية؛ وهو الفلسفة السياسية.
الثاني:
البحث عن الإنسان من حيث إنه فرد من جماعة له حقوق وعليه واجبات؛ وهذا هو علم الأخلاق.
الثالث:
هو البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر؛ وهذا هو علم المنطق.
الرابع:
البحث عن الإنسان من حيث إنه مفكر يريد أن يعبر عما يجول في خاطره من صورة وحكم؛ وهذا هو علم البيان.
فأما القسم السياسي من فلسفة أرسطاطاليس فيمثله كتاب السياسة، ولسنا في حاجة إلى أن نصف ما بذل أرسطاطاليس من الجهد في استخلاص ما يشتمل عليه هذا الكتاب من الثمرات، فكل الناس يعرف أنه امتحن لذلك نظما سياسية وجدت بالفعل تزيد على خمسين وثلاثمائة نظام، وأنه قد امتحن لذلك أيضا مذاهب الفلاسفة الذين سبقوه، لا سيما مذهب أفلاطون.
ثم عرض لنا في هذا الكتاب مناقشته للمذاهب المختلفة القائمة في السياسة ونقده للنظم السياسية المختلفة القائمة في عصره، ورأيه بعد ذلك في أحسن صور الحكومة وأنفعها.
على أن نظرية من نظريات أرسطاطاليس تستحق أن يعنى بها عناية خاصة؛ لأن البحث عنها بل اتخاذها مذهبا قد استؤنف في العصر الحديث، هذه النظرية هي قول أرسطاطاليس: إن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية؛ أي إنها هي الذرة التي لا تقبل القسمة، والتي تكون مع ذرات أخرى تشبهها الجسم الاجتماعي، فالأسرة تنمو نموها الطبعي فتكون القرية، وهذه القرية بانضمامها إلى قرى أخرى تكون المدينة أو الدولة أو الجماعة السياسية.
بسط أرسطاطاليس ذلك في الفصل الأول من الكتاب الأول من سياسته، وقد استأنف أوجوست كونت هذا البحث الاجتماعي فلم يزد فيه على أرسطاطاليس شيئا، بل اتخذ رأيه هذا أصلا لأحد قسمي فلسفته الاجتماعية، وهو القسم الذي يسمى ستاتيك؛ أي قسم الثبات.
فنحن نعلم أن شيئين يكونان الجماعة في رأي أوجوست كونت: شيء ثابت لا يتغير وهو أصل الجماعة وأصل نظامها، وشيء يتغير ويستحيل وهو موضوع القسم الثاني من قسمي فلسفة أوجوست كونت، وهو الذي يسمى الديناميك؛ أي المتحرك.
ففي الجماعة إذن عند أوجوست كونت سكون وحركة أو ثبات واستحالة، فبفضل هذا السكون أو الثبات تحفظ الجماعة وحدتها على اختلاف الأزمنة، وبفضل هذه الحركة أو هذه الاستحالة تتفق الجماعة مع ما يختلف عليها من ظروف الحياة وأطوارها المتباينة.
وقد رأينا أن الأسرة التي اتخذها أرسطاطاليس وحدة اجتماعية قد اتخذها أوجوست كونت وحدة اجتماعية أيضا وأقام عليها القسم الأول من قسمي فلسفته، وقد اعترف أوجوست كونت بفضل أرسطاطاليس وعده في كتابه الفلسفة الوضعية أول من أسس علم الاجتماع.
ولكن شيئا آخر لم يعترف به أوجوست كونت - وما نشك في أنه لم يتعمد ذلك ولم يقصد إليه - وهو أن أرسطاطاليس هو الذي استكشف الأصل الثاني للفلسفة الاجتماعية وهو الحركة، بل ربما كان أفلاطون قد سبق إلى تصوره ووصفه بعض الشيء في الجمهورية، ولكن أرسطاطاليس قد وصفه في السياسة وصفا علميا واضحا لا يجعل للشك فيه سبيلا.
لم يكتف أرسطاطاليس بأن بين لنا كيف تتكون الجماعة السياسية، بل أثبت لنا أن هذه الجماعة إذا تكونت فهي متحركة؛ أي خاضعة للاستحالة والانتقال من طور إلى طور، فهي ملكية في أول الأمر ثم أرستوقراطية ثم خاضعة لحكم الطغاة ثم ديموقراطية.
ولا ينبغي أن نفرض أن أرسطاطاليس لم يصف لنا إلا استحالة الحكومات، فإن الحكومة عند أرسطاطاليس صورة من صور الجماعة لا تنتقل ولا تستحيل إلا بانتقال الجماعة واستحالتها.
فأرسطاطاليس إذن هو الذي استكشف هذين الأصلين: أصل الثبات وأصل الحركة اللذين تقوم عليهما فلسفة «كونت» الاجتماعية.
نعم إن أرسطاطاليس لم يصفهما وصفا علميا مفصلا، ولم يعطهما شكل القانون العام كما فعل أوجوست كونت، ولكنه استكشفهما ووصفهما وصفا واضحا لا شك في أنه أعان «كونت» على وضع نظرياته المفصلة.
فإليه إذن يرجع الفضل في وضع علم الاجتماع.
نلح في ذلك ونتشدد في إثباته؛ لأن هذا الأصل الثاني الذي لم يعترف به لأرسطاطاليس هو أنفع الأصلين وأبقاهما، فلم تظهر الآن نظرية اجتماعية تحاول إنكار استحالة الجماعة وانتقالها من طور إلى طور، بل ما زال هذا الأصل نقطة التقاء علماء الاجتماع على اختلاف آرائهم ومذاهبهم.
فأما الأصل الأول، فليس له من البداهة نصيب مقبول؛ ذلك أن للأسرة نظاما فيه شيء غير قليل من الترتيب والتنسيق، فالقول بأن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية لا يخلو من الإسراف والضعف؛ لأن التحليل الصحيح يجب أن يستمر حتى يصل - إن كان هذا ممكنا - إلى أبسط الوحدات وأشدها سذاجة، وبعيد ما بين الأسرة وبين ذلك، بل نحن لا نشك في أن الأسرة كما يصفها أرسطاطاليس ليست أول طور اجتماعي من أطوار الإنسان، وإنما وصل إليها هذا الاجتماع بعد أنواع من الاستحالة والانتقال غير قليلة.
لم يثبت أرسطاطاليس وجود هذه الحالة الاجتماعية فحسب، بل فصلها وحاول تفسيرها وأصاب في شيء كثير من ذلك، فما زالت الفصول التي كتبها عن الثورات وسقوط النظم السياسية والاجتماعية لتقوم مقامها نظم أخرى قيمة جليلة الخطر.
هناك شيء قد أخذ به أرسطاطاليس، وهو في رأينا وفي رأي كثير من المحدثين من أحسن الأدلة على ما كان يمتاز به هذا العقل من قوة علمية، ومن ميل إلى الواقع الموجود؛ ذلك هو رأيه في الرق.
كان أرسطاطاليس يرى أن الرق مشروع وأنه نافع للعبد والسيد معا، فخيل إلى كثير من الناس أن أرسطاطاليس كان من الدعاة إلى الرق والحاثين عليه، وكفى ذلك للقضاء على الفيلسوف بأنه خصم الحرية وعدوها، ولكن الرجل كما قلنا لم يكن يقيم نظرياته العلمية في الهواء ولا يستمدها من الخيال، وإنما كان يقيمها في الخارج ويستمدها من الحقائق الواقعة، وقد كان الرق في عصره أصلا من أصول الاجتماع، فلم يكن بد من الاعتراف به، ولم يكن بد من تعليله؛ لأن شيئا في هذا العالم لا يقع من غير أن تكون له علة، وقد اعترف به أرسطاطاليس وبأنه مشروع، ورأى أن علة هذا الشرع هو أن طائفة من الناس قد منحت من الكفاية المادية والمعنوية ما يجعلها أهلا لأن تأمر، وطائفة أخرى قد حرمت هذه الكفاية فهي مضطرة إلى أن تطيع، وبأن حسن الوفاق بين هاتين الطائفتين وقيام كل واحدة منهما بما عليها من واجب شيء لا بد منه لحياة الاجتماع.
فأي خطأ علمي في هذه النظرية؟ وأين السبيل إلى أخذ أرسطاطاليس بأنه أقل من الفلاسفة المحدثين نصرا للحرية وميلا إليها؟ ولو أننا أردنا أن نستقصي الأمر لوجدنا أن نظرية أرسطاطاليس ما زالت قائمة واقعة برغم ما كان من رقي المدنية ومن الاعتراف بكرامة الإنسان.
فكل ما وصلنا إليه بعد عشرين قرنا إنما هو إزالة الرق الشخصي - إن كنا قد وصلنا إلى ذلك - فأما الرق الاجتماعي فما زال قائما موجودا، والاستعمار أوضح مثال له وأقوى دليل عليه، ولسنا نريد أن نعرض لاستعباد الطبقات بعضها بعضا، وإن كان هذا الاستعباد صورة من صور الرق.
الرق موجود وأكثر الفلاسفة عنه راضون، نعم إن هناك طائفة تنكره وتنصب الحرب له، ولكن من قرأ أرسطاطاليس عرف أنه من أعداء الرق، ومن الذين أعدوا لإزالته والقضاء عليه، فهو يرى أن للرقيق شخصية خلقية تعدل شخصية سيده، وأن قتل الرقيق جناية تعدل قتل الحر، وأن الإساءة إليه جريمة تعدل الإساءة إلى الحر، فلم يبق إلا أن يستحيل الرقيق ويرتقي حتى يحصل من الكفاية على ما حصل عليه سيده ليكون حرا مثله.
على أن أرسطاطاليس كما قدمنا لم يدع إلى الرق، وإنما اعترف به وبأنه مشروع، ولو فعل غير ذلك لهدم قواعده العلمية.
شيء آخر يميز أرسطاطاليس من أفلاطون هو رأيه في السياسة، فإن حكومة أفلاطون كما تمثلها الجمهورية إنما هي حكومة حربية قبل كل شيء، يرأسها الفلاسفة وتقوم على هدم الملك، بل على هدم الزواج وجعل الأشياء حقا مشتركا للناس جميعا، وجعل النساء شركة بين الرجال والرجال شركة بين النساء،
1
وعلى الجملة هدم الملك ومحو صلات القرابة ومحو شخصية الفرد.
ولئن كان أفلاطون قد استأنس في إقامة نظريته بشيء من النظم اليونانية الموجودة،
2
فهو قد أسرف في اتباع الخيال والانقياد له حتى أصبح كأنه قد خلق جمهوريته من لا شيء، وأصبحت جمهوريته غير قابلة للوجود إلا في عالم الخيال.
أما أرسطاطاليس فقد أراد أن يدرس الحكومة من حيث هي ظاهرة اجتماعية، وأن يدرس الظواهر الاجتماعية كما درس الظواهر الطبعية؛ أي إنه أراد أن لا يعتمد في هذا الدرس إلا على الملاحظة، فأثبت الملك، ورأى أن شيوع الأشياء غير معقول التحقيق، إلا إذا استحالت النفس الإنسانية فأصبحت فضيلة خالصة، وأثبت الزواج؛ لأن عليه تقوم الأسرة وعلى الأسرة تقوم المدينة، وأنفق كل ما كان يملك من قوة في الجدال والمناقشة ليهدم مذهب أفلاطون، وليبين عيوب الحكومات التي اشتمل نظامها على شيء قليل أو كثير من الاشتراك.
ثم استعرض صور الحكومات الموجودة فوازن بينها واختار منها صورة مختلطة، ليست بالملكية التي يستبد فيها الفرد، ولا بالديمقراطية التي تستبد فيها الجماعة، ولا بالأقلية التي يستبد فيها نفر من الأشراف، وإنما هي حكومة وسط تمثل جميع طبقات الشعب تمثيلا صحيحا معقولا.
وقد فصل ذلك أرسطاطاليس تفصيلا كافيا، ووضع له النظم والقواعد، فمن شاء فليرجع إليها في كتاب السياسة، كل هذه أشياء لا تزال قيمة يحتفظ بها الفلاسفة ويدرسونها، وهناك أشياء كثيرة لا تظهر فائدتها للفلاسفة، ولكنها أساسية لا يستطيع التاريخ أن يستغني عنها، بل لولاها لضاع قسم عظيم من أقسامه وهو التاريخ النظامي لمدن اليونان.
فأنت ترى أن هذا الكتاب لا يزال جديدا قيما، مع أنه قد بلغ من السن ثلاثة وعشرين قرنا، ولئن لم يكن لنا أن نقول مثل ذلك في الأخلاق؛ لأن علم الأخلاق قد سلك طريقا تكاد تغاير كل المغايرة طريق أرسطاطاليس، فليس من شك في أن قسم المنطق والبيان لا يزالان يحفظان أكثر قيمتهما، فقليل جدا ما أضاف العرب والأوروبيون المحدثون إلى منطق أرسطاطاليس، فأما بيانه وآراؤه في الشعر والخطابة وفي الجدل والحوار، فما زالت إلى الآن قاعدة لدرس البيان الأوروبي.
فكل هذا يدلنا على أن أرسطاطاليس لم يكن يشخص عصره الذي عاش فيه فحسب، وإنما كان يشخص الرقي الإنساني من وجه عام.
فآثاره العلمية تمتاز بخصلتين، الأولى أنه مثل لنا تمثيلا صحيحا خلاصة الحياة العقلية القديمة، والثانية أنه وضع للحياة العقلية الجديدة أصولها وقواعدها، ورسم للإنسانية ما يجب أن تسلك إلى الرقي من سبيل.
نظام الأتينيين كتاب تاريخي كان واحدا من خمسين ومائة كتاب مثله تختلف طولا وقصرا، قد حاول فيها أرسطاطاليس وتلاميذه جمع ما كان معروفا من النظم اليونانية، وقد ضاعت هذه الكتب ولم يبق منها إلا هذا الكتاب الذي استكشف بطريقة المصادفة، فقد وجد في بعض القبور على ورق من البردي، يشتمل قسم منه على هذا الكتاب والقسم الآخر يشتمل على شيء من الحساب، ويظهر أن هذا البردي كان قد اتخذ لفافة لجسم من أجسام الموتى، وقد كتب هذا الكتاب بثلاثة خطوط مختلفة، ولكن الزمان قد عبث به فضاع من أوله شيء وفسد آخره.
فأما أوله الضائع فقد كان يصف أول عهد أتينا بالحياة السياسية، وليس بذي خطر عظيم؛ لأن هذا العصر الأول إنما هو عصر قصص وأساطير حظ التاريخ منها قليل، وأما آخره المشوه فخسارته عظمى يأسف لها الذين يشتغلون بالقانون خاصة؛ لأنه كان يصف المحاكم وما كان يجري فيها من النظم القضائية، سواء في ذلك نظم المرافعة وتأليف الجلسات وطريقة القضاة في التصويت وجمع الأصوات وإصدار الحكم ثم تعيين العقوبة أو مقدار الغرامة.
أما الذين يشتغلون بالتاريخ السياسي والنظامي فقد ظفروا بشيء لا يكاد يقوم؛ لأن الكتاب يذكر التاريخ السياسي والنظامي لأتينا منذ أواخر القرن السابع إلى أواخر القرن الرابع قبل المسيح، يبدأ من عصر دراكون سنة أربع وعشرين وستمائة وينتهي إلى نحو سنة خمس وعشرين وثلاثمائة قبل المسيح.
والكتاب ينقسم إلى جزأين: الجزء الأول تاريخي قص فيه أرسطاطاليس ما أصاب النظام الأتيني من استحالة وانتقال إلى أواخر القرن الخامس. والثاني نظامي بسط فيه المؤلف النظام السياسي والإداري والقضائي لأتينا في القرن الرابع، وقد بسط هذا النظام بسطا موجزا، ولكنه شديد الوضوح، فكان هذا الكتاب من أحسن المثل لهذا العقل الذي رتب فأحسن ترتيبه، والذي جمع لنفسه بين المزيتين اللتين لا يستغني عنهما عالم وهما دقة اللفظ ووضوح دلالته على المعنى.
على أن هذا الكتاب مع أنه علمي لا يخلو من جمال فني، ومصدر هذا الجمال هو نفس هذا الإيجاز، فكثيرا ما ترى أرسطاطاليس قد خط بقلمه جملة صغيرة فأوضح بها ناحية من نواحي الحياة الأتينية، كأنه قد أرسل عليها من النور نهارا مضيئا.
وكثيرا ما تجد لفظا أو وصفا قد وضع في الجملة كأن الكاتب قد ألقاه من غير عناية، ولكنه يمثل أحسن تمثيل أخلاق بطل من أبطال الأتينيين أو زعيم من زعمائهم، هذا إلى صدق الحكم وصحة الاستنتاج وإجادة فهم الحوادث التاريخية.
على أن المحدثين قد أنكروا عليه فهمه لبعض الحوادث، وسنشير إلى ذلك في موضعه، أما مراجع الكتاب فتنحصر في ثلاثة أشياء: (1)
الآثار الأدبية التي تركها المتقدمون، ومن ذلك روايته لأشعار سولون ولبعض الأغاني التي كان يتغنى بها على موائد الطعام والشراب، والتي كانت تشير إلى بعض الحوادث السياسية. (2)
كتب التاريخ فقد صرح مرة بالنقل عن هيرودوت، وليس من شك في أنه قرأ توكوديدوس «توسيديد» واستعان به كما تدل على ذلك مقابلة ما كتبه الرجلان عن بعض حوادث القرن الخامس. (3)
المصادر الرسمية والنقوش، فكثيرا ما يذكر لنا نصوص القوانين المختلفة ونصوص النقوش التي كانت لا تزال موجودة في عصره في مواضع مختلفة من أتينا.
والكتاب كما هو أحسن صورة موجودة تمثل الحياة السياسية اليونانية، وهو مع هذا صورة حية لنشأة الديموقراطية واستحالتها ورقيها قليلا قليلا حتى تصل إلى أقصى ما يقدر لها من النمو وسعة السلطان.
في هذا الكتاب بحكم الضرورة ألفاظ يونانية كثيرة ليس من سبيل إلى ترجمتها؛ لأنها تدل على معان لم يعرفها المحدثون من الإفرنج والعرب؛ لذلك احتفظ بها المترجمون الأوروبيون واحتفظت بها أنا أيضا في الترجمة العربية مفسرا كل لفظ منها تفسيرا موجزا، ولم أشأ أن أغير صورتها اليونانية بما يسمونه التعريب إلا في لفظين اثنين سيراهما القارئ في أثناء الكتاب، ولست أريد أن أختم هذه المقدمة الطويلة من غير أن أقدم أجمل الشكر وأطيب الثناء إلى صديق صباي وشبابي «محمود حسن زناتي»، فأنا مدين له بظهور كتبي؛ لأنه هو الذي أخذ نفسه بتصحيحها ومراجعتها قبل الطبع وفي أثنائه، وليس ذلك بالشيء القليل، لا سيما إذا لوحظ أني عن كل هذا عاجز كل العجز وقاصر كل القصور.
طه حسين
14 يناير سنة 1921
الجزء الأول
الفصل الأول
القضاء على أسرة الكميون أبيمينيديس
بعد أن تكلم مورون تقدم القضاة المختارون من الأسر الشريفة فأقسموا أمام المعبد وقضوا على منتهكي حرمة الآلهة فاستخرجت من القبور وطرحت بالعراء عظام المجرمين، وقضي على آل الكميون
1
بالنفي الأبدي، وهنا أقبل أبيمينيديس
2
الإقريطشي فطهر المدينة.
الفصل الثاني
النظام الاجتماعي في أتينا
عبرت أتينا بعد ذلك عصرا ملؤه الاضطراب، ومصدر ذلك أنها كانت منقسمة متفرقة الكلمة لما كان بين الأرستوقراطية والشعب من الخلاف.
فقد كان نظام الحكم في ذلك الوقت نظام الأقلية المطلقة، وكان مكان الفقراء من الأغنياء مكان الخادم الذليل، كانوا كذلك هم وأولادهم ونساؤهم كانوا يسمون (موالي) «بيلاتاي» ومسدسين «إكتيموروي» فقد كانوا يزرعون أرض الأغنياء على أن لا يحفظوا لأنفسهم من ثمراتها إلا السدس.
كانت الأرض كلها بيد طائفة قليلة من الناس، وكان الزراع إذا قصروا عن دفع ما يجب عليهم معرضين هم وأطفالهم لأن يباعوا، فقد كان المدين خاضعا للقهر البدني، وبقي الأمر على ذلك إلى عصر سولون أول رئيس للحزب الديموقراطي.
كان الشعب يألم قبل كل شيء لهذا النظام، ويحنق أن لا يكون له نصيبه من الأرض، ولكن أسبابا كثيرة أخرى كانت تبعث سخطه، فالحق أنه لم يكن يملك شيئا ما.
الفصل الثالث
النظام السياسي
إليك النظام السياسي الذي كانت تخضع له أتينا قبل دراكون.
1
كان الرؤساء ينتخبون من الأسر الشريفة، وكانت الأعمال تضاف إليهم أول الأمر طول حياتهم، ثم أصبحت تضاف إليهم لعشر سنين.
وكانت أجل هذه المناصب خطرا وأقدمها عهدا مناصب الملك والبوليماركوس
2
والأركون،
3
وأقدم هذه المناصب الثلاثة منصب الملك الذي كان يوجد منذ عهد أتينا بالحياة السياسية، ثم أضيف إليه منصب البوليماركوس؛ لأن بعض الملوك أظهر ضعفا في الحرب، وكذلك اضطر الأتينيون إلى دعاء «يون»، وآخر هذه المناصب منصب الأركون، فقد أحدث في حكم ميدون
4
كما يراه أكثر المؤرخين أو في حكم أكستوس كما يراه بعض المؤرخين، وهؤلاء يستدلون على رأيهم بأن الذين يشغلون هذا المنصب يقسمون عند ابتداء ولايتهم ليقومن بأعمالهم كما كان يقوم بها سلفهم في عهد أكستوس،
5
وإذن فقد نزل آل كودروس عن بعض امتيازاتهم في عصر أكستوس لمن يشغلون منصب الأركون، وسواء أصح أحد هذين التاريخين أم الآخر فالأمد بين العصرين قصير، ولنا الدليل على أن هذا المنصب قد استحدث في آخر الأمر، فإن الأركون ليس له أن يعنى من الدين بشيء قرره الأجداد بخلاف الملك.
والبوليماركوس إنما يعنى بأنواع من العبادات حديثة العهد؛ ولهذا لم يصبح هذا المنصب ذا خطر إلا في عصر متأخر بعد أن أضيفت إلى اختصاصاته اختصاصات أخرى.
أما منصب الثسموثيتاي
6
فلم يستحدث إلا بعد ذلك بزمن طويل، حين كانت المناصب السابقة لا تتجاوز آجالها سنة واحدة.
7
كلف هؤلاء الرؤساء أن يكتبوا قرارات لها قوة القانون، وأن يحفظوها لتكون مصدر القضاء على الذين ينتهكون حرمتها.
مثل هذا العمل يبين لنا السبب في أن الثسموثيتاي كانوا لا ينتخبون إلا لسنة واحدة.
هذا هو النظام الذي تتابعت بمقتضاه هذه المناصب.
لم يكن التسعة الذين يشغلون منصب الأركون يجتمعون في مجلس واحد أول الأمر.
كان الملك يقيم في البيت الذي يسمى اليوم بوكوليون بالقرب من البروتانيون، وآية ذلك أن العادة لا تزال جارية بأن يحتفل في هذا المكان بالاجتماع بين زوجة الملك
8
وبين ديونوزوس، وكان الأركون يجلس في البروتانيون
9
والبوليماركوس في الأبيلوكيون، وكان هذا البيت يسمى قديما بوليماركيون، ولكن أبيلوكوس أعاد بناءه وأصلح فيه حين كان يشغل منصب البوليماركوس فسمي باسمه، وكان الثسموثيتاي يجلسون في الثسموثيتيون، وهنا تقرر في عصر سولون أن يجتمع جميع الذين يشغلون منصب الأركون.
وكان أصحاب منصب الأركون يملكون حق القضاء المطلق في كل ما يعرض عليهم من الخصومات، ولم يكونوا كما هم الآن مكلفين التحقيق ليس غير.
هذه حالهم.
أما الأريوس باجوس،
10
فكان من حقه أن يسهر
11
على حفظ القوانين، وكان له في الدولة السطوة المطلقة والسلطة العليا، وكان يملك الحق في أن يقضي قضاء لا مرد له بالعقوبة أو بالغرامة على من عرض للنظام، وكان أعضاء هذه الجماعة هم الذين أتموا عمل الأركون، وهؤلاء إنما كانوا ينتخبون من بين الأرستوقراطية الغنية، ومن هنا كانت العضوية في هذه الجماعة غير محدودة الأمد إلا بالموت وهي لا تزال كذلك.
الفصل الرابع
عصر دراكون
نظام دراكون
هذا مع الإيجاز النظام الأول، ولكنه لم يمض زمن طويل حتى وضع دراكون قوانينه حين كان
1
أرستوكموس في منصب الأركون، وهذا موجزها:
لم يكن يستمتع بالحقوق السياسية إلا القادرون على أن يشتروا أسلحتهم، وهؤلاء كانوا ينتخبون التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون والحفظة الذين يقومون على حفظ خزائن الدولة، وكان يشترط لانتخابهم أن تكون لهم ثروة تعدل عشرة أمناء
2
خالية من كل دين، وكانوا ينتخبون من دونهم من الرؤساء على أن يكونوا قادرين على أن يشتروا أسلحتهم، أما الاستراتيجوي
3
والهيباركوي
4
فكان يجب أن يملك كل واحد منهم ثروة لا تنقص عن مائة منا خالية أيضا من الدين، وأن يعلن أن له ولدا مشروعا قد نشأ من زواج مشروع لا تقل سنه عن عشر سنين.
كل هؤلاء الرؤساء كانوا خاضعين قبل أن يؤدوا حسابهم لمراقبة البروتانوي ولمراقبة الاستراتيجوي والهيباركوي الذين قاموا بأعمالهم في السنة الماضية، وكان الذين يراقبون الحساب من نفس الطبقة التي كان ينتخب منها الاستراتيجوي والهيباركوي.
أما مجلس الشورى فكان يتألف من واحد وأربعمائة عضو ينتخبون بالاقتراع بين الذين يتمتعون بالحقوق السياسية، وكان لا بد قبل أن يتقدم واحد للانتخاب في مجلس الشورى أو في غيره من الأعمال أن يكون قد جاوز سن الثلاثين، ولم يكن سبيل إلى أن ينتخب أحد لهذه الأعمال مرتين إلا بعد أن يتقدم جميع من هم أهل للانتخاب، وأن تظهر نتيجة الاقتراع، ففي هذه الحال يستأنف الاقتراع بين جميع الأسماء.
فإن تخلف عضو من أعضاء مجلس الشورى عن جلسات هذا المجلس أو عن جلسات جماعة الشعب قضي عليه بغرامة قدرها ثلاثة دراهم
5
إن كان من الذين يملكون خمسمائة مديمنوس،
6
ودرهمان إن كان من طبقة الفرسان، ودرهم إن كان من طبقة
7
الزوجيتاي.
وكان مجلس الأريوس باجوس حارس القوانين يسهر على أن يقوم كل عامل بعمله غير مخالف للقوانين ولا مناقض لها، وكان لكل عضو من أعضاء الدولة أصابه جور من بعض عمالها أن يتهمه أمام مجلس الأريوس باجوس على أن يبين القانون الذي خالفه هذا العامل والمظلمة التي أصابته، ولكن الفقراء كما قدمنا كانوا خاضعين للقهر البدني إذا عجزوا عن أداء الدين، وكانت الأرض في يد طبقة قليلة من الناس.
الفصل الخامس
عصر سولون
بدء الديموقراطية واختيار سولون موفقا بين الأحزاب المختلفة
هذا النظام واستبداد طبقة الشرفاء بالكثرة المطلقة من الشعب حملت هذا الشعب على أن يثور بالأغنياء.
اشتد الجهاد وطال عهده، وكان الحزبان قد وقف كل واحد منهما بإزاء خصمه، ثم اتفقا على أن ينتخبا سولون ليوفق بينهما وأقاماه أركونا، وقد وكلا إليه العناية بإصلاح النظام؛ لأنهما كانا يذكران قصيدة له هذا أولها.
إني لأعرف كل الشر، وإني لآلم لذلك ألما قد وصل إلى أعماق قلبي حين أرى ما حل بهذه الأرض التي هي أول أرض يونية.
ثم ينال مرة من أولئك ومرة من هؤلاء يصوب كلا منهم مرة ويخطئه مرة أخرى، ويدعوهم جميعا إلى أن يضعوا حدا لما شجر بينهم من الخلاف.
كان سولون بمولده وصيته يعد من أوائل أعضاء الدولة، وبثروته ومكانه الاجتماعي كان من الطبقة الوسطى، ذلك الشيء معروف، على أن سولون نفسه يعلنه في هذه الأبيات التي يدعو فيها الأغنياء إلى التلطف.
تعلموا أن تهدئوا في قلوبكم سورة هذا الغضب، أنتم الذين أخذوا يعافون ثروتهم الطائلة، تعلموا أن تأخذوا أنفسكم بالقصد فلن نتخلى لكم عن شيء، ولن يستقيم لكم كل شيء. كذلك كان يلقي دائما على الأغنياء تبعة الخلاف والانقسام، كذلك يقول في أول قصيدته إنه يخشى «البخل والكبرياء» اللذين ينشأ عنهما البغض.
الفصل السادس
سولون (1)
الإصلاح الاجتماعي - إسقاط الدين. ***
لم يكد يملك سولون سلطان الأركون حتى حرر الشعب، فحظر أن يتخذ في الحال أو المستقبل شخص المدين رهينة بدينه.
شرع قوانين وأسقط جميع الديون
1
العامة والخاصة،
2
وهذا هو الإصلاح الذي يسمى «ساي سكتيا» (وضع الثقل)، كأنه قد وضع عن أعناقهم حملا ثقيلا.
حاول بعضهم أن ينكر على سولون هذا الأمر، وذلك أنه حين كان يفكر في إسقاط الديون أفضى برأيه إلى بعض أصحابه من الأرستوقراطية،
3
وهؤلاء كما يقول الديمقراطيون حاولوا إحباط مسعاه، ويقول الذين يريدون أن يسيئوا صوته إنه استفاد من سعي هذه الطبقة من الأرستوقراطية.
اتفق هؤلاء الناس على أن يقترضوا مالا وأن يشتروا كثيرا من الأرض، فلما أسقط سولون الديون بعد قليل أصبحت لهؤلاء الناس ثروة ضخمة، ويقال إن هذا منشأ كثير من الغنى الذي يزعم أهله أنهم به قديمو عهد.
ولكن رواية الديموقراطيين أقرب إلى الحق، والرواية الأخرى لا تكاد تقبل، فكيف لرجل بلغ من القصد وحب المنفعة العامة ما بلغه سولون كان قادرا على أن يحول القوانين لمنفعته الخاصة، وأن يثبت سلطانه على المدينة فلم يفعل شيئا من ذلك، بل جعل نفسه موضع بغض الفريقين؛ لأنه وضع الشرف وسلامة الدولة فوق سلامته الخاصة، نقول: كيف لرجل هذه حاله أن يفعل ما يتهمه به خصومه من الأرستوقراطية؟ أكان يمكن أن يدنس نفسه بعمل حقير دنيء كهذا؟ وليس الذي منعه من هذا قلة سلطانه، وهو الذي طب لأدواء المدينة، على أنه قد ذكر ذلك أكثر من مرة في شعره، والمؤرخون لا يختلفون فيه.
إذن فليس من شك في أن مثل هذه التهم ليست إلا كذبا صريحا.
الفصل السابع
سولون (2)
الإصلاح السياسي - قوانين سولون - الطبقات الأربع التي كانت تدفع الضرائب. ***
وضع نظاما وشرع قوانين جديدة، فقد نسخت قوانين دراكون حاشا ما يتعلق منها بالقتل، ونقشت هذه القوانين الجديدة على ألواح مثلثة عرضت في الرواق الملكي ، وأقسموا جميعا ليحتفظن بها، وأقسم التسعة الموكلون بمنصب الأركون بإزاء الحجر،
1
وأخذوا أنفسهم بأن يقدموا تمثالا من الذهب إن خالفوا أحد هذه القوانين، ومن هذا الوقت وجد هذا العهد في اليمين التي يحلفها الأركون، وقد حدد سولون نفسه مائة سنة لا تنسخ فيها هذه القوانين.
وإليك النظام الذي وضعه: احتفظ بما كان من تقسيم أعضاء الدولة إلى طبقات أربع، الطبقة الأولى تتألف ممن يملك خمسمائة مديمنوس، والطبقة الثانية من الفرسان، والثالثة من الزوجيتاي، والرابعة من الثيتيس،
2
وحفظ للطبقات الثلاث الأولى جميع المناصب، وهي مناصب الأركون وحفظة الخزانة والبوليتاي
3
والأحد عشر
4
والكولا كريتاي.
5
ومع هذا، فقد كانت هذه المناصب حقا لهذه الطبقات الثلاث مع ملاحظة نصيبها من الثروة، أما الثيتيس فلم يكن لهم من الحقوق السياسية إلا الاشتراك في جلسات جماعة الشعب.
وهذا هو نظام الثروة:
كان صاحب الخمسمائة
6
مديمنوس من استطاع أن يحصل من أرضه على خمسمائة مديمنوس سائلا أو جامدا من غير اشتراط مقدار خاص لهذا أو ذاك، وكان الفارس من استطاع أن يحصل منها على ثلاثمائة مديمنوس أو بعبارة أخرى من استطاع أن يغذو فرسا ويقوم بحاجاته المختلفة.
وهذا التفسير مصدره اسم هذه الطبقة نفسها الذي يدل على ركوب الفرس، يؤيده ما كان يقدم الأولون إلى الآلهة من هدايا، فقد نرى على الأكروبوليس تمثالا لديفيلوس ومعه هذا النقش: أنتيميون بن ديفيلوس وقف هذا التمثال للآلهة؛ لأنه انتقل من طبقة الثيتيس إلى طبقة الفرسان، وإلى جانب هذا التمثال يقوم كالدليل تمثال فرس إشارة إلى طبقة الفرسان، وهذا لا يمنع أن تكون ميزة الفرسان كميزة الطبقة الأولى مقدار ما تنتج لهم أرضهم، أما الزوجيتاي فهم من تنتج لهم الأرض مائتي مديمنوس سائلا أو جامدا دون أن يحدد مقدار واحد منهما.
وبقية أعضاء الدولة كانوا يؤلفون طبقة الثيتيس، ولم يكن لهم سبيل إلى منصب ما، ومن هنا جرت العادة إذا تقدم من يرشح نفسه للانتخاب فسئل عن ثروته أن لا يجيب أحد بأنها ثروة الثيتيس.
الفصل الثامن
سولون (3)
الإصلاح السياسي - المناصب - الاقتراع في الانتخاب لمنصب الأركون - الملك، والنوكراروس - ومجلس الشورى - ومجلس الأريوس باجوس. ***
أحدث سولون الاقتراع لاختيار عمال الحكومة، ولكن بعد أن وفق بينه وبين انتخاب سابق تقوم به كل قبيلة، فكانت كل قبيلة تختار من بينها عشرة لانتخاب من يشغل منصب الأركون، ثم يكون الاقتراع بين هؤلاء المنتخبين، ومن هنا نشأت العادة التي لا تزال جارية إلى الآن والتي تقضي بأن يختار بواسطة الاقتراع عشرة من كل قبيلة يقترع بينهم لتعيين العامل، ومما يدل على أن سولون قد أحدث الاقتراع في المناصب مع ملاحظة الثروة القانون الذي لا يزال قائما إلى الآن، والذي يقضي بأن يقترع لحفظة الخزانة بين الذين تنتج لهم الأرض خمسمائة مديمنوس.
هذا ما قرره سولون لانتخاب التسعة الذين يقومون بعمل الأركون، وقد كانت العادة قديما أن يدعوهم مجلس الأريوس باجوس أمامه للامتحان، وأن لا يخلي بينهم وبين مناصبهم إلا إذا ظهرت له كفايتهم.
وقد أقر سولون ما كانت عليه الحال من قبل، فظلت المدينة منقسمة إلى قبائل أربع لكل قبيلة ملك، وظلت كل قبيلة منقسمة إلى ثلاث تريتويس
1
وإلى اثنتي عشرة نوكراريا،
2
لكل منها رئيس هو النوكراروس الذي ظل مكلفا جباية الضرائب والقيام بالنفقات، ومن هنا ما زلنا نقرأ في قوانين لسولون نسخت الآن أن النوكراروس هو الذي يجبي دخل الدولة وهو الذي ينفق خرجها.
أنشأ سولون مجلس شورى يتألف من أربعمائة عضو، مائة من كل قبيلة، أما مجلس الأريوس باجوس فقد حفظ له سولون حماية القوانين وكلفه مراقبة النظام كما كان ذلك من قبل، ومن حيث إنه كان يملك من السلطة السياسية أعلاها وأوسعها فقد كان يراقب أعضاء المدينة ويوقع بمن خالف القانون؛ إذ هو مالك أن يقضي بالعقوبة أو الغرامة من غير أن يكون لقضائه مرد، وكان يؤدي إلى خزانة الحكومة ما يجتمع له من الغرامات التي قضى بها من غير أن يكون ملزما بيان السبب الذي حمله على القضاء، وقد أضاف سولون إلى كل هذه الحقوق حقا جديدا هو القضاء فيما يقوم به خصوم الديموقراطية من مؤامرة لإسقاطها، هذه هي القواعد التي وضعها لمجلس الشورى ولشيوخ الأريوس باجوس.
ولما رأى أن طائفة من أعضاء المدينة يستسلمون للمصادفة أثناء الثورة والاضطراب، وضع لهم هذا القانون الغريب الذي يقضي أن من لم يأخذ سلاحه، ولم ينضم إلى أحد الحزبين وقت الثورة كان معرضا لأن يقضى عليه بالآتميا،
3
وأن يحرم العضوية في المدينة، هذا ما يتعلق بالمناصب العامة.
الفصل التاسع
سولون (4)
الأصول الديموقراطية التي يشتمل عليها نظامه
ثلاثة أصول في كل ما وضع سولون من نظام كانت فيما يظهر أميل إلى تأييد الديموقراطية، أولها وأحقها بالعناية إلغاء ما كانت قد جرت به العادة من تمكين الدائن إخضاع المدين لأنواع القهر البدني، والثاني تخويل أعضاء المدينة عامة حق اتهام من اقترف الظلم على أي شخص كان، والثالث حق الاسئناف أمام مجالس الحكم، هذا في ما يقولون مصدر ما حصل عليه الشعب فيما بعد من قوة عظيمة، فإن جعل الشعب صاحب السلطان على الانتخاب يعدل جعل النظام السياسي خاضعا لأمره، ولنضف إلى هذا أن هذه القوانين كانت مكتوبة بعبارة غامضة معضلة كقانون الميراث والأبيكليروس،
1
فلم يكن بد من أن تنشأ الخصومات، ولم يكن سبيل إلى الفصل في هذه الخصومات الخاصة أو العامة إلا بين يدي مجالس القضاء.
وقد ظن بعض الناس أن سولون تعمد إغماض هذه القوانين حتى يمنح الشعب حق القضاء فيما ينشأ من خصومة، ولكن هذا غير راجح، والحق أن ما كان للقوانين في ذلك الوقت من صفة عامة حال بينه وبين الكمال، ومن هنا كان من الحق علينا إذا أردنا أن نحكم على ما كان له من غرض أن لا نبني حكمنا على ما هو كائن اليوم، بل ما كان في عصره.
الفصل العاشر
سولون (5)
الإصلاح الاقتصادي - المكاييل - النقود والموازين. ***
إذن فهذا ما اتخذ سولون في قوانينه من أصول سهلت رقي الديموقراطية.
كان إسقاط الدين قد سبق إعلان القوانين، ثم تبعه زيادة المكاييل والنقود والموازين.
كانت المكاييل المستعملة في أتينا إلى هذا العصر هي مكاييل فيدون
1
طاغية أرجوس، فزاد سولون في مقاديرها.
وكان المنا يعدل إلى هذا العصر ما يقرب من سبعين درهما فبلغ به سولون مائة، وكانت الوحدة عشرة دراهم.
وقد جعل سولون نسبة بين الموازين وبين النقود، فأصبح التلنتون
2
يعدل ثلاثة وستين منا، وكان المنا ينقسم إلى ستاتير
3
وإلى فلوس متعددة.
الفصل الحادي عشر
سولون (6)
السخط العام بعد إصلاحه
لم تكد تستقيم الحال على ما قدمنا من نظام حتى أخذ الأتينيون يسعون إلى سولون، ويثقلون عليه باللوم مرة وبالمسألة مرة أخرى عما اشتملت عليه قوانينه من قواعد، وإذ كان لا يريد أن يمس هذه القوانين ولا أن يبعث البغض والعداء بإقامته في أتينا، فقد سافر إلى مصر للدرس والتجارة، وكان يعلن أن غيبته ستطول عشرة أعوام، فقد كان يرى أنه ليس من العدل أن يبقى في المدينة ليفسر القوانين ويؤولها، إنما كان يجب على كل عضو من أعضاء المدينة أن ينفذ نصوص القوانين كما هي.
وفي الوقت نفسه رأى سولون أن عددا غير قليل من الأرستوقراطية قد أصبح له عدوا لمكان إسقاط الدين، وأن خطة الحزبين قد تغيرت بالقياس إليه؛ لأن قوانينه لم تحقق لكل فريق ما كان ينتظر، فقد كان الشعب يعتقد أن سولون سيقسم الأرض بين الناس قسمة عادلة، وكانت الأرستوقراطية تعتقد أنه سيرد المدينة إلى ما كان لها من نظام قديم، أو أن الفرق بين نظامه وبين النظم الأولى سيكون ضئيلا.
ولكنه أبى أن يسمع لأحد الفريقين، ومع أنه كان يستطيع أن يعتمد على أحد الحزبين فيستأثر بالسلطان على المدينة، فقد آثر استنقاذ وطنه وشرع أعدل القوانين وإن عرضه ذلك للبغض والمقت.
الفصل الثاني عشر
سولون (7)
شهادة سولون لنفسه في إصلاحه
كذلك كان كل ما قدمنا، يتفق على ذلك المؤرخون ويذكره سولون نفسه في هذه الأبيات: «لقد منحت الشعب من السلطان ما يكفي من غير أن أحرمه شيئا من حقوقه أو أن أضيف إليه ما ليس له، أما الذين كانوا يملكون القوة وكانت ثروتهم تعرضهم للحسد، فقد حظرت عليهم أيضا كل إسراف، لقد وقفت أمام الحزبين محتميا بدرقتي اتقي بها من كل جانب، ولم أسمح لأحدهما أن يتفوق ظلما.»
ثم هو يبين كيف يجب أن يساس الشعب بهذه القوانين فيقول: «إنما تحسبن طاعة الشعب لرؤسائه إذا لم يشتد لينهم أو عنفهم، فهو كالفرس ينبغي أن لا يغالي فارسه في إرسال اللجام أو قبضه، فإن إفراط الثروة يستتبع العنف حين تقع في أيدي رجال ليسوا لها أهلا، ويقول أيضا في مكان آخر مشيرا إلى الذين كانوا يريدون قسمة الأرض، كان هؤلاء يقبلون قد ملأهم حب النهب، يعتقد كل منهم أنه سيجد ثروة ضخمة، ومع أني كنت أتلطف في الحديث فقد كانوا يعتقدون أن قسوتي لن تلبث أن تظهر، لقد خابت آمالهم، والآن وقد ملأهم الحقد علي أراهم ينظرون إلي شزرا كما ينظرون إلى عدو، ما بالهم يفعلون ذلك، لقد وعدت وأعانتني الآلهة على الوفاء، فأما ما دون ذلك فما فعلت شيئا إلا وله علة، فما كنت أرضى أن أتخذ قهر الطغاة سبيلا إلى تحقيق ما أريد، ولا أن أرى الأخيار والأشرار يتساوون في ملك هذه الأرض الخصبة أرض الوطن.
ثم يقول مشيرا إلى شقاء الفقراء الذين كانوا بالأمس أرقاء وهم اليوم أحرار لما أسقط عنهم من دين: «وقد وضعت حدا لآلام الشعب ولم، إني لأستشهد أمام الزمان هذه الأم العظيمة الخيرة أم آلهة أولمبوس، هذه الأرض السوداء التي انتزعت قديما ما كان يقوم عليها من حد، لقد كانت أمة بالأمس وهي اليوم حرة.
كثير عدد هؤلاء الذين رددتهم إلى أتينا هذا الوطن الذي أقامته الآلهة، لقد بيع كثير منهم، عدلا مرة وجورا أخرى، هؤلاء قضت عليهم الضرورة بالنفي، فهم لا يتكلمون لغة أتيكا مشردين في كل وجه، وآخرون هنا أذلاء قد أذعنوا للسطوة القاهرة، فهم يضطربون فزعا أمام سادتهم، لقد رددتهم جميعا أحرارا، هذا ما فعلت بقوة القانون، لقد وفقت بين القوة والعدل فوفيت بكل وعودي، لقد شرعت القوانين للأخيار والأشرار، وضمنت لكل منهم نصيبا من العدل، ولو أن غيري تولى هذا الأمر وكان له من سوء النية ومن الطمع ما ليس لي لما استطاع أن يحكم الشعب، فلو قد أردت أن أسمع لأحد الحزبين فأنفذ ما يريد، ثم أسمع للآخر فأحقق رجاءه لفقدت هذه المدينة كثيرا من أبنائها، لهذا اضطرتني مقاومة الحزبين إلى أن أجدني بمكان الذئب قد حصرته الكلاب من كل وجه.»
ثم يقول معاتبا حين وصل إليه اللوم من كل جانب: «لأقولن للشعب، فليس له بد من هذه الصراحة المؤلمة، إنه قد يملك الآن من الثروة ما لم يكن يحلم به، فأما العظماء الذين هم أشد قوة وبأسا فخليق بهم أن يحمدوا بلائي، وأن يتخذوني لهم صديقا، فلو أن غيري منح ما منحته من شرف لما استطاع أن يحكم الشعب ويهدئه دون أن يمخض اللبن
1
ليستخلص منه الزبد، ولكني وقفت بين الفريقين كأني بين جيشين يقتتلان حدا لا سبيل إلى تجاوزه.»
الفصل الثالث عشر
حال الأحزاب بعد سولون
إذن فقد بدأ سولون سياحته للأسباب التي قدمناها، سافر وترك المدينة مضطربة، ومع ذلك فقد حوفظ على النظام أربع سنين، ولكن الأتينيين في السنة الخامسة بعد أن قام سولون بمنصب الأركون لم ينتخبوا أحدا للقيام بهذا المنصب لشدة ما كانوا فيه من اضطراب، ثم عاد هذا الاضطراب بعد أربع سنين، وترك الأتينيون مدينتهم من غير أن يولوا عليها الأركون، ثم مضت أربع سنين أخرى وانتخب داماسياس أركونا، فقام بعمله سنتين وشهرين وأبعد منه قهرا، فقر رأي الأتينيين حينئذ لهذا الاضطراب أن ينتخبوا عشرة لمناصب الأركون: خمسة منهم يمثلون الأوباتريداي
1
وثلاثة يمثلون الزراع واثنان بين العمال، هذه الجماعة من الأركون قامت على سلطان المدينة في السنة التي وليت عمل داماسياس، وهذا يدل على أن الأركون كان يملك أوسع أنواع السلطان وأشدها قوة، فإن الأحزاب إنما كانت تجاهد أشد الجهاد للاستئثار بهذا المنصب.
ومهما يكن من شيء فما زال الأتينيون يألمون لهذه الاضطرابات الداخلية، وكان بعضهم يعلل سخطه قبل كل شيء بإسقاط الديون الذي انتهى بهم إلى الفقر، وآخرون كانوا يعلنون سخطهم لما أصاب النظام من تغير شديد بعد هذه الثورة ذات الخطر، وقوم آخرون كان يبعثهم على السخط ما يملأ قلوبهم من غيرة وحسد. كان في أتينا حينئذ أحزاب ثلاثة: حزب الباراليين
2
الذي كان يديره ميجا كليس بن الكميون، والذي كان يظهر الميل إلى أن يكون السلطان في يد الطبقة الوسطى، وحزب البيديين
3
الذي كان يميل إلى حكومة الأقلية من الأرستوقراطية، والذي كان رئيسه ليكيرجوس، وحزب الدياكريين
4
وعلى رأسه بيزيستراتوس الذي كان يظهر أنه أشد الناس ميلا إلى نصر الديموقراطية.
وكان هذا الحزب الثالث قد عظم وكثر عدده، فقد دعا إليه الفقر من أصابه إسقاط الديون، ودعا إليه الخوف من كان يخشى أن يحرمه مولده حق الانتساب إلى المدينة، وآية ذلك أن الأتينيين بعد أن أسقطوا سلطان الطغاة أصلحوا السجل المدني ومحوا منه أسماء كثير من الناس كانوا يستمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية ظلما، وكان كل حزب من هذه الأحزاب يتسمى باسم المكان الذي يزرعه.
الفصل الرابع عشر
عصر بيزيستراتوس
طغيانه ونفيه
كان بيزيستراتوس قد اشتهر بأنه شديد النصر للديموقراطية، وأنه قد أحسن البلاء في حرب ميجار، فأقبل ذات يوم وقد جرح نفسه بيده وأقنع الشعب بأن خصومه السياسيين هم الذين أساءوا إليه، وأن ليس بد من أن يمنحه الشعب حرسا يحميه، وكان الذي طلب ذلك إلى الشعب أرستيون، فأعطاه الشعب حرسا سموا حملة الدبابيس، واستعان بهم بيزيستراتوس على قهر الشعب، فاستولى على الأكربوليس
1
لاثنتين وثلاثين سنة مضت على تشريع سولون وحين كان كومياس أركونا.
ويروى أن بيزيستراتوس حين طلب الحرس إلى الشعب أبى عليه ذلك سولون قائلا: لأكونن أنفذ بصيرة من بعض الناس وأشد شجاعة من بعضهم الآخر، أنفذ بصيرة من كل أولئك الذين لا يفهمون أن بيزيستراتوس إنما يحاول السلطان، وأشد شجاعة من هؤلاء الذين يعلمون ذلك ثم يسكتون، فلما رأى أن كلامه لا يغني شيئا علق سلاحه على بابه وقال إنه قد خدم وطنه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وإنه الآن قد أصبح شيخا فعلى غيره أن يقوم للوطن بمثل ما قام به، ولكن تحريض سولون لم يجد شيئا، على أن بيزيستراتوس بعد أن تم له الأمر كان في تدبيره للمدينة أقرب إلى عضو من أعضاء الدولة يجل القوانين منه إلى طاغية، ولم يكن سلطانه قد ثبتت أصوله حين اتفق أصحاب ميجاكليس وليكيرجوس على طرده، كان ذلك لخمس سنين مضت على قيامه بالأمر حين كان إيجيسياس أركونا، ولم يمض على ذلك أحد عشر عاما حتى أحس ميجاكليس أن حزبه خارج عليه، فأخذ يكاتب بيزيستراتوس سرا، فشرط عليه أن يتزوج ابنته، ورده إلى أتينا بحيلة تخلق بالعصور القديمة وتبين ما كان عليه الناس من السذاجة المطلقة.
أذاع في المدينة أن الإلهة أتينا رادة بيزيستراتوس إلى وطنه، وكان قد استكشف امرأة جميلة طويلة القامة نشأت في الديموس الذي يسمى بايانيا كما يروي هيرودوتوس أو بائعة تيجان من أصل تراقي في قسم كوليتوس كما يقول غيره، وكان اسمها «فويا» فألبسها لباس أتينا وأدخلها المدينة إلى جانب بيزيستراتوس، وقد دخل بيزيستراتوس المدينة تحمله عجلة وإلى جانبه هذه المرأة والشعب يستقبله جاثيا خاضعا قد ملأه الإعجاب والتقوى.
الفصل الخامس عشر
بيزيستراتوس (1)
نفيه الثاني وعودته
كذلك تمت عودته الأولى، ثم لم تمض ست سنين حتى اضطر إلى أن يترك المدينة مرة أخرى، فقد أصبح من المستحيل أن يثبت في مكانه؛ لأنه لم يرد أن يدنو من بنت ميجاكليس، فخاف أن يتفق الحزبان المتعارضان وولى هاربا، فاستقر أول الأمر على خليج ترميا
1
في مكان يسمى رايكلوس، ثم انتقل إلى الأرض التي تمتد حول جبل بانجايوس،
2
ومن هنا جمع كثيرا من المال وحشد كثيرا من المستأجرة وسافر إلى أريتريا.
3
وبعد أن مضى على هربه عشر سنين حاول لأول مرة أن يستعمل القهر ليسترد سلطانه على أتينا، وكان أشد الناس إعانة له على ذلك أهل طيبة ولوجداميس طاغية ناكسوس
4
وفرسان أريتريا الذين كان بيدهم الأمر فيها، فانتصر بالقرب من معبد بالليني
5
واستولى على الأمر، واستطاع أن يثبت سلطانه بعد أن جرد الشعب من سلاحه، ثم سافر إلى ناكسوس وأثبت فيها سلطان لوجداميس.
وإليك الطريق التي سلكها لتجريد الشعب من سلاحه: بعد أن استعرض الجيش في أسوار أناكيون
6
أظهر أنه يريد أن يخطب الناس وأخذ يتكلم بصوت منخفض، فلما أعلن الناس أنهم لا يسمعون شيئا دعاهم إلى أن يصعدوا إلى مدخل الأكروبوليس ليكون الاستماع عليهم ميسورا، وبينما كان يخطب الناس أخذت طائفة كان قد أعدها لهذا الغرض تنزع الأسلحة، فلما أتمت ذلك حفظتها في بناء كان يقوم بالقرب من تيزيون،
7
ثم عادت إلى بيزيستراتوس وهو يتم خطبته وأنبأته بما فعلت.
فقص بيزيستراتوس على الشعب ما دبر وما أنفذ أعوانه، وأعلن أن ليس في ذلك ما يدعو إلى الدهش أو إلى الحزن، وأن الناس متى عادوا إلى بيوتهم فخليق بهم أن لا يعنوا إلا بأمورهم الخاصة، وأنه وحده قائم بكل ما تحتاج إليه الأمور من تدبير.
الفصل السادس عشر
بيزيستراتوس (2)
وصف حكومته
كذلك قام سلطان بيزيستراتوس، وكذلك اختلفت عليه الصروف، وقد حكم بيزيستراتوس المدينة كما قدمنا، وهو إلى إجلال القوانين أقرب منه إلى انتهاك حرمتها، وقد كان سهل الجانب حلو الخلق حليما رفيقا، وكان يقرض الفقراء ما يمكنهم من أن يستثمروا أرضهم، وإنما كان يفعل ذلك لشيئين؛ الأول أنه كان يريد أن يتفرق هؤلاء الناس في الأرض ليزرعوها، وأن لا يعيشوا في المدينة، فإذا فرغوا لاستثمار الأرض فنمت ثروتهم لم يكن لهم من الرغبة ولا من الوقت ما يمكنهم من الالتفات إلى الأمور العامة، الثاني أنه كلما زرعت الأرض واستثمرت نمت ثروته وكثر دخله؛ لأنه كان يجبي الضريبة على ما تثمر الأرض، ولهذا كله أقر قضاة في الضواحي، وكان يخرج بنفسه من حين إلى حين ليلاحظ كل شيء وليفصل بين المتخاصمين، حتى لا يحتاج الزراع إلى أن يتركوا مزارعهم ويحضروا إلى المدينة.
وقد خرج مرة فجرت له هذه الحادثة المعروفة وهي أنه رأى رجلا يزرع في الأرض التي تحيط بالهوميتوس
1
حقلا يعرف منذ ذلك الوقت بالحقل الصريح، ورأى أنه لا يقلب إلا الحصى فأمر عبده أن يسأل الرجل ماذا تثمر له هذه الأرض، فأجاب الرجل لا تثمر لي إلا العناء، ومع هذا فإن بيزيستراتوس يجبي عليها الضريبة، فأعجب بيزيستراتوس بهذه الصراحة وبمحاولة الرجل استثمار أرضه على جدبها وأعفاه من كل ضريبة.
ولم يتخذ في حكومته شيئا مسيئا أو محنقا، إنما عمل في سبيل السلم واستطاع أن يحفظ الأمن والهدوء في داخل المدينة، ومن هنا نشأ هذا المثل الذي ردده الناس كثيرا من بعده «أن الحياة في سلطان بيزيستراتوس لهي الحياة في عصر كرونوس»،
2
وإنما استحال سلطانه إلى ظلم وقسوة في زمن متأخر بعد أن أسرف أبناؤه واسترسلوا في الطغيان، وإنما كان يحمد الناس له سيرته التي كانت تظهر رفقه وحبه للشعب على أنه أطاع القوانين في كل تدبيره للمدينة من غير أن ينتحل لنفسه سلطة غير مشروعة، ولقد دعي يوما أمام مجلس الأريوس باجوس متهما بالقتل، فحضر مجلس الحكم كرجل يريد أن يدافع عن نفسه، وفزع المتهم فلم يحضر. ومن هنا طال سلطانه واستطاع أن يسترد الملك مع يسر وسهولة كلما أبعد عنه، فقد كان له حب كثير من الأشراف وحسن استعداد الشعب؛ لأنه كان مستوي الميل إلى الحزبين، فاكتسب بعض الناس بالصداقة وبعضهم بمآثر خاصة، وكانت قوانين الأتينيين التي شرعت لاتقاء طغيان الطغاة هينة قليلة القسوة، لا سيما القانون الذي شرع لمن يميل إلى الطغيان أو يعد له، وهذا نصه:
إن القوانين الآتينية التي شرعها آباؤنا تقضي بأن من مال إلى الطغيان أو أعد له فهو معاقب هو وذريته بالآتميا.
الفصل السابع عشر
بيزيستراتوس (3)
موته وسلطان أبنائه
وصل بيزيستراتوس إلى الشيخوخة وهو قائم بتدبير المدينة، ومات حين كان فيلونيوس أركونا، وكان قد مضى على اغتصابه للملك ثلاث وثلاثون سنة، قضى منها تسع عشرة سنة مالكا للأمر وقضى ما بقي في النفي، ومن هنا كان من الخطأ الذي لا شك فيه القول بأن سولون قد أحب بيزيستراتوس، وأن بيزيستراتوس كان زعيم الأتينيين في الحرب التي نصبوها لميجار لأخذ جزيرة سلامين، فإن سن الرجلين تجعل هذا الفرض مستحيلا، ويكفي أن نقارن بين عصري حياتهما وتاريخي موتهما.
قام أبناؤه بالأمر من بعده ومضوا فيه على سنة أبيهم، وكان قد ولد له من زوجة أتينية مشروعة ولدان: هيبياس وهيباركوس، ومن زوجة أرجية ولدان آخران هما يوفون وهيجيزيستراتوس، وكان هذا الأخير يلقب تيتالوس، فقد كان بيزيستراتوس تزوج امرأة من أرجوس وهي ابنة أحد أعضاء هذه المدينة واسمه جورجيلوس واسمها تيموناسا، كانت قبل ذلك زوجة لأركينوس من مدينة أمبراكيا ومن أسرة كوبسيليديس، وكان هذا الزواج الثاني لبيزيستراتوس مصدر حلف بينه وبين أرجوس، وكان هيجيزيستراتوس قد قاد ألفا من أبنائها إلى الموقعة التي كانت بالقرب من معبد بالليني، ويزعم بعض الرواة أن هذا الزواج قد عقد أيام النفي، ويزعم آخرون أنه قد عقد بينما كان الأمر بيده.
الفصل الثامن عشر
البيزيستراتيون (4)
مؤامرة أرموديوس وأريستوجيتون
آل الأمر بحق المولد والبكورة إلى هيباركوس
1
وهيبياس، كان هيبياس أكبرهما شديد الجد ميالا إلى العناية بالأمور العامة فأخذ بيده أعنة الحكم، وكان هيباركوس يميل إلى أخلاق الشبان محبا صديقا لآلهة الشعر، فهو الذي دعا إلى أتينا أناكريون
2
وسيمونيديس
3
وغيرهما من الشعراء، أما تيتالوس فقد كان أشد شبابا وكانت له سيرة ملؤها الجرأة والعنف، وهو مصدر ما ألم بهذه الأسرة من شقاء.
أحب أرموديوس ولم يلق جزاء حبه، لم يستطع أن يملك نفسه ويكبح جماح طبيعته العنيفة، بل أظهر غيظه لا سيما في هذه الفرصة، كان من حق أخت أرموديوس أن تكون من حاملات الأسفاط في حفل أتينا، فأبى عليها مهينا أخاها أرموديوس وواصفا له بالخنوثة، فحنق لذلك أرموديوس واتفق مع أريستوجيتون ونفر كثير من أعضاء المدينة وائتمروا بمحاولة ما هو معروف، فلما كان يوم العيد أخذوا يرقبون هيبياس وهو يستعد على الأكروبوليس لاستقبال الحفل الذي كان ينظمه في المدينة هيباركوس، فرأيا أحد شركائهما يتحدث إلى هيبياس تحدث الصديق، فظنا أنهما قد خدعا وأرادا أن يضربا ضربة على الأقل قبل أن يؤخذا، فانحدرا إلى المدينة منفردين متعجلين وصادفا هيباركوس بالقرب من ليوكوريون
4
حيث كان ينظم الحفل فقتلاه، وكذلك فشلت مؤامراتهما؛ لأنهما تسرعا ، فأما أرموديوس فلم يلبث أن قتله الحرس وأخذ أريستوجيتون فلقي قبل موته عذابا طويلا أليما.
وقد اتهم في أثناء تعذيبه أشخاصا كثيرين عرفوا بشرف المولد، وبما كان بينهم وبين الطغاة من صداقة، وعجز هؤلاء في أول الأمر عن استكشاف أثر ما من آثار المؤامرة، وليس من الحق ما زعموا أن هيبياس قد نزع من المحتفلين أسلحتهم واستطاع بذلك أن يفجأ من كانوا قد اتخذوا الخناجر، فلم يكن الأتينيون يحتفلون في ذلك الوقت مسلحين، إنما استحدثت الديموقراطية هذه العادة في زمن متأخر.
ويقول أنصار الديموقراطية: إن أرموديوس
5
إذا كان قد اتهم أمام الطغاة أصدقاءهم فإنما تعمد ذلك ليحمل هؤلاء الطغاة على اقتراف الإثم، ولينقص من قوتهم بحملهم على قتل أصدقائهم الأبرياء، ويقول آخرون: إنه لم يخترع شيئا، وإنما كان يتهم شركاءه في الجريمة حقا، فلما رأى أن كل ما كان يبذل من الجهد لم يكن ليذيقه الموت أعلن أنه ذاكر أسماء طائفة كثيرة من الشركاء، وأقنع هيبياس بوجوب مصافحته تأكيدا لصدق ما يقول، فلما صارت يد هيبياس في يده أخذ يهينه وينعي عليه؛ لأنه يصافح قاتل أخيه، فاغتاظ لذلك هيبياس ولم يملك نفسه غضبا واستل سيفه فقتله.
الفصل التاسع عشر
البيزيستراتيون (5)
طغيان هيبياس وسقوطه
ومنذ ذلك الوقت اشتد طغيانه وقسوته شيئا فشيئا، فقتل عددا غير قليل من أعضاء المدينة ونفى آخرين انتقاما لأخيه، وحذره الناس جميعا، مضت على ذلك ثلاث سنين رأى فيها هيبياس أنه غير آمن في المدينة، فأخذ يحصن مونيكيا
1
مقدرا اتخاذها له منزلا، وكان العمل في ذلك قد بدأ حين طرده كليومينيس
2
ملك سبارتا.
كان الوحي قد أعلن في كل وقت أن أهل سبارتا هم وحدهم مديلو دولة الطغاة، وإليك كيف وصلت إلى ذلك في أتينا: كان المنفيون وعلى رأسهم آل الكميون عاجزين عن أن يعودوا إلى المدينة لضعف قوتهم، وكانوا كلما حاولوا ذلك فشلوا فيه؛ فقد حصنوا مثلا ليبسيدريون
3
دون جبل البارنيس،
4
وأقبلت طائفة من الأتينيين فانضمت إليهم، ولكن الطغاة حاصروهم فيه وأخرجوهم منه، ولذكرى هذا الفشل تغنى الناس على موائدهم بعد ذلك بزمن طويل هذه الأغنية: لتلعن الآلهة ليبسيدريون خائن الأصدقاء، أي رجال أهلكت، شجعان في الحرب، كرام المولد، قد أظهروا يومئذ أنهم أبناء كرام لآباء كرام.
فلما أيسوا من الفوز في كل ما حاولوا أمضوا عقدا على أن يعيدوا بناء المعبد في دلف، وقد أتاح لهم ذلك
5
مضافا
6
إلى ما كان لهم من ثروة ضخمة أن يؤكدوا الحلف بينهم وبين سبارتا، وفي الحق أن كاهنة المعبد أخذت كلما دخل رجل من أهل سبارتا أمرته بتخليص أتينا، وما زالت بأهل سبارتا حتى حملتهم على إعانة المنفيين برغم ما كان بينهم وبين البيزيستراتيين من صلات الضيافة، على أن ما كان من المحالفة
7
بين البيزيستراتيين وبين أرجوس لم يكن قليل الأثر في حمل سبارتا على إعانة المنفيين، فأرسلت بطريق البحر جيشا يقوده أنكيمولوس، ولكن التسالي كمياس أقبل في ألف فارس لإعانة البيزيستراتيين فانهزم أنكيمولوس وقتل.
اغتاظ أهل سبارتا لهذا الفشل فأرسلوا من طريق البر جيشا أقوى من الجيش الأول يقوده الملك كليومينيس، فحاول الفرسان التساليون عبثا أن يمنعوا هذا الجيش من دخول أتيكا، فما زال بهم كليومينيس حتى فرقهم واضطر هيبياس إلى السور الذي يسمى بيلارجيكون
8
فحصره فيه بمعونة الأتينيين.
لم يكن كليومينيس قد برح أتيكا حتى أسر أبناء البيزيستراتيين الذين كانوا يحاولون الهرب، فلم يلبث الطغاة أن فاوضوا في الصلح على أن تسلم حياة أبنائهم، فأجلوا خمسة أيام لنقل ما كان لهم ثم أسلموا الأكروبوليس إلى الأتينيين حين كان أرباجيديس أركونا، وقد مضى على موت أبيهم سبع عشرة سنة كاملة، فإذا أضفنا إليها مدة سلطان بيزيستراتوس كان حكم الطغاة قد أخضع أتينا تسعا وأربعين سنة.
الفصل العشرون
حال الأحزاب بعد طرد الطغاة
لم تكد تسقط دولة الطغاة حتى ظهرت الخصومة والمنافسة بين إيزاجوراس بن تيزاندروس صديق الطغاة وبين كليستينيس
1
من آل الكميون، رأى كليستينيس أنه أضعف من أن يقاوم اتفاق خصومه السياسيين، فجلب إلى نفسه الشعب بما حاول من جعل الحكومة في يد الكثرة المطلقة، واشتد أثره ففاز على منافسيه، حينئذ دعا إيزاجوراس مرة ثانية كليومينيس لما كان بينهما من صلة الضيافة وأقنعه بوجوب طرد الآثمين، فما زالوا يعتقدون أن آل الكميون لا يزالون مدنسين بإثم آبائهم، فهرب كليستينيس مع طائفة قليلة ونفى كليومينيس سبع مائة أسرة أتينية، وحاول بعد ذلك أن يحل مجلس الشورى، وأن يجعل الحكم إلى إيزاجوراس وثلاث مائة
2
من أصحابه.
ولكن مجلس الشورى قاوم، وجمع الشعب قوته، ولجأ كليومينيس وإيزاجوراس وأنصارهما إلى الأكروبوليس، فأحاط به الشعب وحاصره يومين كاملين، ثم أباح الخروج لكليومينيس وأنصاره بمقتضى هدنة ودعا كليستينيس والمنفيين.
فلما استرد الشعب سلطانه وكل الأمر إلى كليستينيس كفؤا لزعامة الحزب الديموقراطي، وفي الحق أن طرد الطغاة إنما كان صنيعة لآل الكميون؛ لأنهم كانوا دائما يحرضون على الثورة، وكان كيدون قد حاول قبلهم طرد الطغاة، ومن هنا كانوا يتغنون تشريفا له على الشراب: يا غلام املأ القدح تشريفا لكيدون، واحذر أن تنساه إن ملأت قدحا تشريفا للشجعان.
الفصل الحادي والعشرون
عصر كليستينيس
رقي نظم سولون الديمقراطية، القبيلة والديموس
لهذه الأسباب نال كليستينيس ثقة الشعب، ولما ترأس كليستينيس الحزب الديموقراطي أنفذ ما كان يريد من إصلاح حين كان إيزاجوراس أركونا لثلاث سنين مضين من سقوط الطغاة.
فبدأ بأن قسم الأتينيين إلى عشر قبائل، ولم يكونوا يقسمون إلى ذلك الوقت إلا إلى أربع، ولكن كليستينيس أراد أن يشتد اختلاط الناس واتصال بعضهم ببعض، وأن يكون الحكم بيد الكثرة المطلقة منهم، ومن هنا نشأت هذه الجملة التي كانت توجه فيما بعد إلى من كان يحاول إصلاح «ثبت» الأسر (لا تمس القبائل)، زاد كليستينيس عدد مجلس الشورى فجعله خمسمائة، يمثل كل قبيلة فيه خمسون، وكانت كل قبيلة في أول الأمر تقدم إلى مجلس الشورى مائة عضو، وإنما عدل عن تقسيم الشعب إلى اثنتي عشرة قبيلة مخافة أن يسقط فيما جرى عليه النظام القديم من تقسيمه إلى اثنتي عشرة تريتويس، فقد كانت كل قبيلة من القبائل الأربع تنقسم إلى ثلاث تريتويس، وكان هذا النظام غير كاف لاختلاط الشعب.
وقد قسم الأرض إلى ثلاثين ديموس، عشرة حول المدينة، وعشرة في باراليا،
1
وعشرة في ميزوجيا،
2
وهذه الأقسام التي سماها تريتويس وزعت بواسطة الاقتراع على القبائل العشر، لكل قبيلة منها ثلاث، فأصبحت كل قبيلة منتشرة في جميع أتيكا، وألف أهل كل قسم من هذه الأقسام طائفة محصورة تسمى ديموتاي، ولأجل أن لا تنم أسماء الأجناس القديمة على الأعضاء الجدد في المدينة قرر كليستينيس أن لا تستخدم إلا الأسماء المتخذة من الديموس، من ذلك الوقت ليس غير استعملت الأسماء المشتقة من الديموس، وقد أضاف كليستينيس إلى الديماركوس
3
ما كان يقوم به النوكراروس قديما من العمل، فإن الديموس كان قد قام مقام النوكراريا، فأما أسماء الديموس فقد استعارها من أسماء الأماكن أو من أسماء الأشخاص الذين أنشئوا القرى؛ لأن كثيرا من هذه الديموس لم يكن له اسم معروف.
فأما الأسر التي كانت تؤلف الفراتريا،
4
والتي كانت تمتاز بنظام ديني خاص، فقد تركها على حالها احتفاظا بالسنة القديمة، وقد تسمت القبائل العشر بأسماء عشرة من الأبطال عينتهم كاهنة أبولون بين مائة اسم كانت قد أعدت من قبل.
الفصل الثاني والعشرون
كليستينيس
الصفة الديموقراطية لنظامه، الأوستراكيسموس
أصبح النظام الأتيني بعد هذا الإصلاح أشد قربا إلى الديموقراطية منه في عصر سولون؛ ذلك أن الطغاة لما أهملوا
1
قوانين سولون كانوا كأنهم قد نسخوها، وكان كليستينيس كأنه قد وضع نظما جديدة مال فيها إلى إرضاء الشعب، ومن بين هذه النظم الأوستراكيسموس.
2
ولم تمض على هذه القوانين أربع سنين حتى أخذ مجلس الشورى بأن يقسم أعضاؤه اليمين التي لا يزالون يقسمونها إلى الآن وذلك حين كان أرموكريون أركونا، ثم تقرر بعد ذلك أن ينتخب لمنصب الاستراتيجوس عشرة
3
واحد عن كل قبيلة، وكان للبوليماركوس قيادة الجيش كله.
ومضت على ذلك إحدى عشرة سنة، ثم كانت واقعة ماراثون
4
التي انتصر فيها الأتينيون حين كان فاينيبوس أركونا، ومع أن هذا الانتصار كان قد شجع الشعب وجرأه فقد بقي قانون الأوستراكسموس سنتين من غير أن يحاول تنفيذه لأول مرة، وإنما شرع هذا القانون لاتقاء رؤساء الأحزاب إذا عظمت قوتهم، فقد كان الأتينيون يذكرون أن بيزيستراتوس كان رئيس الحزب الديموقراطي حين اغتصب السلطان، وكان أول من أصابه هذا القانون أحد أقارب الطاغية وهو هيباركوس بن كارموس الكولوتي، كان كليستينيس قد أراده حين شرع هذا القانون وكان يريد نفيه.
وذلك أن الأتينيين لما فطروا عليه من اللين وحسن الشيمة كانوا قد تركوا أصحاب الطغاة في المدينة من غير أن يعرضوا لهم بسوء، ولا سيما الذين لم يعينوا الطغاة إبان الاضطراب، وكان زعيم هذا النفر هيباركوس.
وفي السنة التالية حين كان تيليسينوس أركونا انتخب لمنصب الأركون تسعة بواسطة الاقتراع، وقد انتخبوا من طبقة الذين يملكون خمسمائة مديمنوس والذين كان الشعب قد عينهم من قبل، وهذه أول مرة منذ عصر الطغاة اصطنع فيها الاقتراع، وكانت قد جرت العادة أن ينتخب الأركون بواسطة التصويت، وفي هذه السنة نفسها قضي بالأوستراكيسموس على ميجاكليس بن إيبوكراتيس الألوبيكي ومكثوا ثلاث سنين أيضا لا ينفذون هذا القانون إلا على أصحاب الطغاة، ثم بدءوا في السنة الرابعة ينفذونه على كل عضو عظمت قوته من أعضاء الأحزاب الأخرى، وكان أول من أصابه القانون من غير حزب الطغاة كسانتيبوس
5
بن أريفرون.
مضت على ذلك سنتان واستكشفت مناجم مارونيا حين كان نيكوميديس أركونا، وأخرجت هذه المناجم في زمن قليل مائة تالانتون، فعرض بعضهم أن تقسم هذه الفضة على الشعب، ولكن تيميستكليس أبى ذلك، ومع أنه لم يبين الوجه الذي كان يريد أن ينفق فيه هذا المال، فقد عرض أن يقرض للمائة الذين هم أكثر أهل المدينة ثروة لكل واحد منهم تالانتون، فإن أقر الشعب إنفاق هذا المال فيما أنفق فيه أضيفت هذه النفقات إلى حساب الدولة، وإلا اضطر المقترضون إلى أداء دينهم، وعلى هذا الشرط أذن له أن يتصرف في المال، فأمر كل واحد من هؤلاء المائة أن يصطنع سفينة ذات ثلاثة صفوف من المقاذيف، وإنما حارب الأتينيون أعداءهم من البرابرة في سلامين بهذا الأسطول، وفي نحو هذا الوقت قضي بالأوستراكيسموس على أرستيديس بن لوسيماكوس.
ولثلاث سنين مضين من هذا كانت غارة كسرسيس
6
حين كان هوبسيكيديس أركونا، فقرر الأتينيون إرجاع كل من قضي عليهم بالأوستراكيسموس وقرروا أن ليس لمن قضي عليهم بالأوستراكيسموس أن يتجاوزوا بمنازلهم ما بين رأس جيرايستوس وإسكولايون، فإن فعلوا عرضوا أنفسهم لفقد حقوقهم السياسية جميعا.
الفصل الثالث والعشرون
عصر الأريوس باجوس
رقي الديموقراطية الأتينية وحكمتها، أرستيديس وتيميستوكليس
كذلك استمرت أتينا تعظم وترقى شيئا فشيئا مع الديموقراطية، فبعد أن كانت الحروب الميدية استأثر شيوخ الأريوس باجوس بالحكم ودبروا أمر المدينة من غير أن ينالوا هذا السلطان بقرار من الشعب، وإنما كان مصدر ذلك حسن ما أبلوا في معركة سلامين، حين يئس الاستراتيجوي من الجمهورية وأعلنوا أن على كل فرد أن يبحث عن نجاته وسلامته، فقد جمع هؤلاء الشيوخ المال وأعطوا كل مقاتل ثمانية دراهم وأركبوهم السفن، ومن هنا أذعن الشعب لسلطانهم واستحقت حكومة أتينا حسن الثناء، فإن الأتينيين في هذا الوقت أحسنوا تجربة الحرب واكتسبت مدينتهم مجدا عظيما بين مدن اليونان، واضطرت سبارتا إلى أن تنزل لها عن سيادة البحر، وكانت رئاسة الحزب الديموقراطي في ذلك الوقت لأرستيديس بن لوسيماكوس وتيميستوكليس بن نيوكليس، وكانت لأحدهما زعامة الحرب وللآخر شهرة بالمهارة السياسية وعدالة ميزته من معاصريه، ومن هنا كان أحدهما قائد أتينا والآخر مشيرها السياسي.
تعاونا على إقامة أسوار المدينة، وإن اختلفا في الرأي، وكان أرستيديس قد تربص الفرصة التي ساءت فيها سمعة أهل سبارتا لقبح سيرة بوسانياس،
1
فقطع ما كان بين سبارتا وبين اليونيين من صلة وحلف، وهو أيضا الذي أخذ المدن المحالفة بدفع ضريبة إلى أتينا حين كان تيموستينيس أركونا، وأخذ اليونيين بأن يقسموا على أن يكون عدو أتينا عدوا لهم وصديقها صديقا لهم، وتوثقا بذلك ألقوا في البحر كتلا من الحديد أحميت في النار حتى احمرت.
الفصل الرابع والعشرون
الأريوس باجوس
أرستيديس يجذب الأتينيين إلى المدينة، قسوة السيادة الأتينية
ثم اجترأت أتينا وكثر ما كان ينصب فيها من الثروة، فنصح أرستيديس للأتينيين أن يستأثروا بالسيادة، وأن يتركوا الريف ويقيموا في المدينة، وأعلن إليهم أنهم واجدون فيها ما يحتاجون إليه من رزق؛ لأن بعضهم سيشتغل بالحرب وبعضهم سيعنى بحراسة المدينة، وبعضهم سيتولى تدبير الأمور العامة، وكذلك يقبضون على السيادة بيد من حديد، فسمعوا له.
وما كادوا يستأثرون بالسلطان حتى أخذت أتينا تقود حلفاءها قيادة ملؤها العنف، إلا جزر (كيوس ولسبوس وساموس)؛ لأنها كانت تعتبر هذه الجزر الثلاث كأنها حامية لملكها؛ ولهذا تركت لها ما كان لها من نظام، وما كان لحكوماتها على رعيتها من سلطة، وفي الوقت نفسه ضمنت المدينة للكثرة من الشعب رزقها كما كانت تقضي بذلك سياسة أرستيديس، فكانت المدينة تغذو أكثر من عشرين ألف رجل تنفق عليهم مما يجبى لها على حلفائها من المعونة غير العادية، ومن الحقوق المأخوذة على التجارة ومن الضرائب، فقد كان هناك ستة آلاف قاض وست عشرة مائة من الرماة واثنتا عشرة مائة من الفرسان، وكان مجلس الشورى يعد خمسمائة عضو، وكان حرس دور الصناعة يعدلون هذا العدد، وكان حرس المدينة خمسين، وكان الذين يعملون في مناصب الدولة يقربون من سبعمائة في داخل البلاد ومثلهم في خارجها، فلما أخذت أتينا في الحرب كان لها خمسمائة وألفا جندي من المشاة ذوي الأسلحة الثقيلة، وعشرون سفينة لحماية الساحل، وسفن أخرى لجباية الضرائب عليها الفارجل يختارون بالاقتراع، أضف إلى ذلك أعضاء البروتانيون
1
واليتامى وحرس السجون؛ كان كل هؤلاء الناس يحصلون على أرزاقهم من دخل الحكومة.
الفصل الخامس والعشرون
عصر أفيالتيس وبيركليس وسقوط الأريوس باجوس
كذلك ضمنت المدينة للشعب رزقه، وقد حفظ الأريوس باجوس تدبير أمور الدولة سبعة عشر عاما بعد انقضاء الحروب الميدية
1
ولو أن سلطانه أخذ ينقص شيئا فشيئا، ولكن أفيالتيس بن سوفونيديس الذي كان قد اشتهر بالعدل والحزم والبعد عن الفساد، والذي كان يرأس الحزب الديموقراطي رأى ازدياد عدد الشعب وشدة قوته فهاجم شيوخ الأريوس باجوس.
بدأ فتخلص من عدد كثير من أعضاء هذا المجلس بأن اتهمهم بسوء الإدارة ثم سلبه حين كان «كونون» أركونا كل ما كان قد أضاف لنفسه من الاختصاصات الجديدة التي لم تكن له من قبل، والتي كانت تمكنه من حماية النظام وقسمها بين مجلس الشورى وجماعة الشعب ومجالس القضاء، وقد أعانه على هذا تيميستكليس الذي كان أحد أعضاء الأريوس باجوس، ولكنه كان يتخوف؛ لأنه اتهم بالميل إلى الفرس.
لما عزم تيميستكليس على إسقاط هذا المجلس أقنع أفيالتيس بأن هذا المجلس يريد القبض عليه، وأقنع المجلس نفسه بأنه سيدله على بعض أعضاء المدينة الذين يأتمرون بالنظام ويريدون تغييره، ثم قاد مندوبي هذا المجلس إلى حيث كان أفيالتيس ليدلهم على مكان الاجتماع وأخذ يتحدث إليهم محتدا، فلما رأى ذلك أفيالتيس ملكه الرعب فجلس على المائدة المقدسة وكل ثيابه كيتون
2
ساذج، ودهش الناس جميعا لهذه الحادثة، ثم اجتمع تيميستكليس وأفيالتيس فاتهما مجلس الأريوس باجوس أمام مجلس الشورى وأمام جماعة الشعب، وما زالا به حتى سلباه ما كان بيده من سلطان، ثم استخفى بعد ذلك أفيالتيس بزمن قليل، قتله أرستيديكوس التنجري، وكذلك سلب شيوخ الأريوس باجوس حق حماية النظام.
الفصل السادس والعشرون
أفيالتيس وبيركليس
إضعاف الحزب المعتدل - تمكن الزوجتاي من الوصول إلى منصب الأركون، قضاة الديموس - الحقوق السياسية. ***
نتج من ذلك شيء من الضعف في تنفيذ النظم مصدره تنافس المتسلطين على الشعب من الخطباء، وقضت المصادفة أن لا يكون للمعتدلين في هذا الوقت رئيس حقا، فقد كان كيمون بن ملتياديس شابا ولم يشتغل بالسياسة إلا في عصر متأخر، وأكثر من هذا أن الحرب كانت تحرم الشعب أنفع أبنائه، وإذ كان هؤلاء وحدهم هم الذين يشتركون في الحرب حينئذ يوم تجيء نوبتهم بمقتضى الديوان، وإذ لم يكن للاستراتيجوي الذين يقودونهم علم بالحرب ولا مجد إلا ما ورثوا عن آبائهم، فقد كانت كل غارة تكلف المدينة ألفين أو ثلاثة آلاف من أبنائها، حتى ذهبت خلاصة المعتدلين من الحزب الديموقراطي والحزب الأرستوقراطي في الحرب.
فأما فيما دون ذلك، فمع أن النظام لم يمس بسوء من الجهة العملية فقد كان إجلال الناس له أقل مما كان عليه من قبل، لم يكن أحد قد تعرض لانتخاب الأركون، ولكن لم تمض خمس سنين على موت أفيالتيس حتى تقرر أن الزوجتاي يمكن أن يرشحوا بالانتخاب من بينهم من يشتركون في الاقتراع لمنصب الأركون، وأول من شغل منهم هذا المنصب منيسيثيديس، وإنما كان الأركون ينتخب قبل ذلك بين الذين يملكون خمسمائة مديمنوس أو بين الفرسان،
1
وكان الزوجتاي لا ينتخبون إلا لما دون ذلك من المناصب إلا إذا كان الديموس قد انتخبهم مرة مخالفا للقانون.
مضت على ذلك أربع سنين، وأعاد الأتينيون تعيين القضاة الثلاثين الذين كانوا يسمون قضاة الديموس حين كان لوسيكراتس أركونا.
ثم لسنتين من هذا حين كان أنتيدوتوس أركونا، رأى الأتينيون أن عدد أعضاء المدينة يزداد في كل يوم فأقروا ما عرضه بيركليس من أن لا يستمتع بالحقوق السياسية إلا من ولد لأب وأم أتينيين.
الفصل السابع والعشرون
بيركليس
حرب بيلوبونيسوس والسيادة البحرية، أجر القضاة
ثم تولى بيركليس رئاسة الحزب الديموقراطي، وكان قد اشتهر؛ لأنه اتهم وهو شاب «كيمون»، بينما كان هذا يؤدي حسابه بعد أن خرج من منصب الاستراتيجوس، فأصبح النظام في عصره أقرب إلى الديموقراطية، فقد سلب شيوخ الأريوس باجوس بعض ما كان قد بقي لهم من الحقوق وحول الأتينيين إلى السيادة البحرية فاشتدت جرأة الشعب، وأضاف لنفسه معظم أعمال الحكومة شيئا فشيئا.
لثمان وأربعين سنة مضت من وقعة سلامين حين كان بوثودوروس أركونا شبت حرب بيلوبونيسوس التي اضطر الشعب في أثنائها إلى أن يظل في المدينة، وتعود ما كان يعطى له من الأجر في كل غزوة، فقرر من غير تردد ولا تفكير أن يستأثر وحده بتدبير الأعمال.
وكان بيركليس أيضا أول من أعطى للقضاة أجرا، وتلك خصلة ديمقراطية اتخذها معارضة لكرم كيمون، فقد كان كيمون ذا ثروة ضخمة تعدل ثروة الطغاة، فكان لا يكتفي بأن يقوم بما تكلفه الدولة على حسابه مع كرم وسخاء، بل كان يغذو عددا غير قليل من مواطنيه، فلم يكن على كل «لكيادي» إلا أن يذهب إلى داره في كل يوم ليضمن رزقه، وأكثر من هذا أنه لم يتخذ سياجا ما حول ما كان يملك من أرض، فكان لمن شاء أن يطأ هذه الأرض ويأخذ منها ما احتاج إليه من ثمرات، ولم تكن ثروة بيركليس من الضخامة بحيث تمكنه من أن يجاري غنيا كهذا الرجل، فتبع نصائح دامونيديس الأويي - وهو الذي ألهمه أكثر ما قام به من الإصلاح فيما يظهر وقضى عليه أخيرا بالأوستراكيسموس - كان دامونيديس يقول: إذا كان بيركليس ليس ذا ثروة ضخمة فمن حقه أن ينفق مال الشعب على الشعب، وكذلك أقر بيركليس أجر القضاة، وقد أنكروا عليه هذه القاعدة كأنها خطرة، وفي الحق أن دهماء الناس وسفهاءهم كانوا فيما بعد أشد حرصا على أن يتقدموا إلى الصندوق من أولي الرأي والاعتدال، ومن هنا جاء الفساد الذي كان أنيتوس أول قدوة فيه بعد أن كان استراتيجوس لبيلوس، فقد اتهم بأنه أضاع هذه المدينة فأفسد القضاة وحملهم على أن يبرءوه.
الفصل الثامن والعشرون
أتينا بعد بيركليس
انحطاط الديموقراطية الأتينية، ذكر رؤساء الأحزاب في أتينا والحكم عليهم
ظل النظام السياسي صالحا في أتينا ما بقي بيركليس رئيسا للحزب الديموقراطي، فما هي إلا أن مات حتى اشتد الفساد، فقد اختار الشعب له رئيسا لأول مرة رجلا لم يكن موضع ثقة المعتدلين، وكانت العادة قد جرت أن يكون رؤساء الحزب الديموقراطي من المعتدلين، فأول رئيس للشعب كان سولون، ثم جاء بعده بيزيستراتوس، فلما سقط حكم الطغاة رأس الشعب كليستينيس من آل الكميون، ولم يضع الحزب الآخر بإزائه خصما بعد أن سقط إيزاجوراس، ثم كانت رئاسة الشعب لكسانتبوس ورئاسة الأرستوقراطية لملتيادس، ثم جاء بعدهما تيميستكليس للديموقراطية وأرستيديس للأرستوقراطية ثم أفيالتيس زعيم الشعب وكيمون زعيم الأغنياء، وخلفهما في الحزب الديموقراطي ملتياديس وفي الحزب الأرستوقراطي توكوتيدوس حليف كيمون.
فلما مات بيركليس كانت رئاسة الأرستوقراطية إلى نكياس الذي مات في صقلية، ورئاسة الديموقراطية إلى كليون بن كليانيتوس الذي يظهر حقا أنه أضاع الشعب بحدته، وهو أول من أخذ يصيح على المنبر ويهين خصومه، ولم يحتفظ بوقار الخطباء كغيره، بل أخذ يشمر كيتونه أثناء كلامه.
جاء بعدهما في الحزب الأرستوقراطي ثيرامينيس بن هاجنون ، وفي الحزب الديموقراطي كليوفون العواد، وهو أول من ضمن للشعب الديوبوليا،
1
وكان توزيع الفلسين على الشعب قد جرى عصرا ثم ألغاه كاليكراتيس البياني الذي وعد في أول الأمر أن يزيد فيه فلسا، ثم قضى على كليوفون وكاليكراتيس بالموت؛ وذلك أن الشعب إذا وقع في الخطأ أخذ بذلك الذين ساقوه إليه، ثم تتابع على رئاسة الديموقراطية بعد كليوفون الديماجوجوي
2
الذين كانوا أشد الناس جرأة، والذين كانوا لا يسعون إلا إلى كسب الجمهور من غير أن يفكروا إلا في المنفعة الحاضرة.
وأرى أن أشد الرؤساء حزما في أتينا بعد القدماء إنما هم «نكياس وتوكوتيدوس وثيرامينيس»، فأما نكياس وتوكوتيدوس فيكاد يجمع الناس على أنهما لم يكونا رئيسين شريفين فحسب، بل كانا حازمين مستمسكين بما ترك الأولون لهما من سنة وعلى أنهما قد استحقا ثناء المدينة.
وأما ثيرامينيس، فيختلف الناس فيه؛ لأنه عاش في عصور ملؤها الاضطراب، ومع ذلك فيظهر بعد الامتحان الدقيق أن ثيرامينيس لم يهدم كل النظم كما يصمه بذلك خصومه ظلما، بل أيدها كلها حين لم يكن يأتي ما يخالف القانون، مظهرا بذلك أنه يستطيع كما يجب على كل وطني مخلص أن يخدمها جميعا، فإذا اقترفت مخالفة القانون فلم تكن تلقى منه الطاعة والرضى، بل المعصية والعداء.
الفصل التاسع والعشرون
عصر الأربعمائة
سقوط الديموقراطية - جماعة السلامة العامة - الخمسة آلاف. ***
احتفظ الأتينيون بالنظام الديموقراطي ما كانت الحرب سجالا، فلما كان الفشل في صقلية ورجحت كفة أهل سبارتا بمحالفتهم الملك الأعظم اضطر الأتينيون إلى هدم الديموقراطية وإقامة حكومة الأربعمائة، عرض ذلك بوثودوروس بن أبيزولوس وخطب الناس قبل صدور القرار ميلودوس، ولكن الذي حمل الشعب على تغيير النظام هو اعتقاده أن الملك الأعظم سينحاز إلى أتينا إن أقيمت فيها حكومة الأقلية، وهذا هو قرار بوثودوروس:
ينتخب الشعب عشرين مندوبا غير العشرة الذين هم الآن في العمل، يختارهم بين أعضاء المدينة الذين تجاوزوا سن الأربعين، ويأخذهم بأن يقسموا ليتفقن على السعي إلى سلامة المدينة وليكتبن النظام السياسي الذي يرونه أقوم وأدنى إلى المنفعة، ولكل عضو من أعضاء المدينة أن يقدم اقتراحاته مكتوبة حتى يستطيع المندوبون أن يضعوا أصلح نظام ممكن.
وأضاف كليتوفون وأقره الشعب أن سيكون الأمر كما عرض بوثودوروس، ولكن على المندوبين أن يبحثوا عما شرع كليستينيس لأجدادنا من القوانين حين وضع نظام الديموقراطية، وأن يدرسوها حتى إذا تناقشوا فيما يضعون من نظام ألهمتهم هذه القوانين وأعانتهم على أن يقرروا ما هو خير في كل شيء؛ وذلك لأنه كان يفكر أن نظام كليستينيس لم يكن ديموقراطيا خالصا، وإنما كان أقرب إلى نظام سولون.
فقرر المندوبون أول الأمر أن على أعضاء البروتانيون أن يعرضوا كل اقتراح أريدت به سلامة الشعب، وأن يأخذوا الرأي فيه، ثم ألغوا كل اتهام بمخالفة القانون أو بالخيانة العظمى وكل دعوة أمام القضاة ليستطيع كل الأتينيين المخلصين أن يشتركوا في المناقشة، فأي الناس قضى على خطيب بالغرامة أو دعاه أمام القضاة أو حمله على أن يمثل بين أيديهم فهو متهم اتهاما موجزا فمقبوض عليه فمسوق إلى الاستراتيجوس الذي يدفعه إلى الأحد عشر ليقتلوه.
فلما اتخذوا كل هذه الأنواع من الحيطة أقروا ما يأتي من النظام: حظروا أن ينفق شيء من دخل الدولة في غير الحرب، وحظروا أن يتقاضى عمال الدولة أجرا على أعمالهم ما دامت الحرب إلا التسعة الذين يشغلون منصب الأركون، وإلا الذين يتتابعون على رئاسة البروتانيون، وهؤلاء يتقاضى كل واحد منهم ثلاثة فلوس عن كل يوم، فأما الحقوق السياسية فيستمتع بها أقدر الأتينيين على أن يخدم الدولة بشخصه أو بماله، ولا يجوز أن ينقص عددهم عن خمسة آلاف ما دامت الحرب على الأقل.
لهؤلاء الخمسة آلاف بين كثير من الحقوق أن يعقدوا المعاهدات مع من شاءوا، تنتخب كل قبيلة عشرة رجال قد جاوزوا الأربعين ليعدوا «ثبت» الخمسة آلاف بعد أن يقسموا اليمين على لحم ضحية كاملة.
الفصل الثلاثون
الأربعمائة (1)
المائة المندوبون - نظامهم - عمل مجلس الشورى. ***
هذا ما أقره المندوبون، فلما أقره الشعب انتخب الخمسة آلاف من بينهم مائة مندوب ليضعوا نظاما أساسيا، وهذا ما عرض هؤلاء المندوبون: «يتألف مجلس الشورى من أعضاء في المدينة قد تجاوزوا سن الثلاثين وليس لهم أجر ما، ويكون من أعضائه الاستراتيجوي والتسعة الذين يشغلون منصب الأركون والهيرومنيمون
1
والتاكسياركوي
2
والهيباركوي والفولاركوي
3
والقواد الموكلون بحفظ القلاع، وحفاظ الخزانة المقدسة خزانة أتينا وغيرها من الآلهة وعددهم عشرة والهللينوتامياي
4
وحفظة خزائن الدولة وعددهم عشرون، والعشرة المضحون والأبيميلتاي
5
وعددهم عشرة.
كل هؤلاء العمال ينتخبون بين أعضاء يكونون قد عينهم الانتخاب للدرجة الأولى، وهؤلاء ينتخبون بين أعضاء مجلس الشورى القائم بالعمل، وهذا الانتخاب الأول يجب أن يعين عددا من الأعضاء أكثر من عدد المناصب التي يراد شغلها.
فأما غيرهم من العمال فينتخبون بواسطة الاقتراع ويؤخذون من غير مجلس الشورى.
ولا يقبل في جلسات مجلس الشورى من شغل بتدبير أموال الدولة من الهللينوتامياي.
وفي المستقبل ينقسم مجلس الشورى إلى أربع لجان تتألف من الأعضاء الذين بلغوا السن المذكورة آنفا، ويختار بالاقتراع من بينها اللجنة التي تقوم بالعمل، ولكن الأعضاء الآخرين يجب أن يوزعوا على هذه اللجان ويكلف المائة هذا التوزيع، يوزعون أعضاء المدينة وهم من بينهم على هذه اللجان مع ما يمكن من المساواة، وعليهم أيضا أن يستشيروا الاقتراع في النظام الذي تتابع بمقتضاه هذه اللجان.
وعلى مجلس الشورى إبان السنة التي يقوم بالعمل فيها أن يتخذ في كل شيء أصلح ما يمكنه من القرارات، وعليه خاصة أن يعنى بأن يبقى دخل الدولة سالما لا ينفق منه شيء إلا فيما تقضي به الضرورة، فإذا احتاجت لجنة من اللجان أن تستشير عددا كثيرا من الناس فلكل عضو منها أن يدعو عضوا آخر على أن لا يكون هذا العضو الآخر أقل منه سنا، يجتمع المجلس مرة في كل خمسة أيام إلا أن تدعو الحاجة إلى أن يجتمع أكثر من ذلك، ينتخب المجلس بواسطة الاقتراع التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون، وينتخب من بين أعضائه بواسطة الاقتراع خمسة يوكلون بإعلان نتيجة التصويت الذي يجري بواسطة رفع اليد، وينتخب بواسطة الاقتراع كل يوم بين هؤلاء الخمسة عضوا يوكل بأخذ الأصوات فيما يعرض من المسائل، ويستشير هؤلاء الخمسة الاقتراع أيضا في النظام الذي يجب أن يتبعه من أراد أن يوجه إلى المجلس شيئا.
وهذا برنامج العمل: ينظر المجلس قبل كل شيء في المسائل الدينية، ثم فيما يأتي به الرسل، ثم يستقبل السفراء، ثم ينظر في غير ذلك من المسائل.
فأما الأعمال الحربية فللاستراتيجوي وحدهم أن يكتبوها في برنامج الجلسة كلما دعت إلى ذلك الحاجة دون أن يضطروا إلى استشارة الاقتراع، وكل عضو لم يحضر إلى قصر المجلس يوم الجلسة فعليه أن يدفع درهما عن كل يوم تخلف فيه إلا أن يكون المجلس قد أذن له بالغيبة.»
الفصل الحادي والثلاثون
الأربعمائة (2)
نظام مؤقت
هذا هو النظام الذي وضعه المائة للمستقبل، وإليك النظام الذي كان يجب أن ينفذ حالا:
يتألف مجلس الشورى من أربعمائة عضو حسبما قرر آباؤنا من القواعد. تنتخب كل قبيلة أربعين عضوا بعد أن يختارهم مرة أولى من لا تنقص سنهم عن ثلاثين سنة من أعضاء القبيلة.
وهؤلاء الأربعمائة ينتخبون من يجب أن يشغلوا مناصب الدولة، ويضعون صورة اليمين التي يقسمها هؤلاء العمال، يعنون بحماية القوانين وبأداء الحساب ويقضون في كل شيء بما يرونه نافعا، فأما فيما يتعلق بالقوانين السياسية فعلى هؤلاء الأربعمائة أن ينفذوا ما سيقرر منها دون أن يكون لهم تغييرها أو شرع غيرها، ولهذه المرة ينتخب الاستراتيجوي بين الخمسة آلاف جميعا، ولكن بعد أن ينتخب المجلس، وبعد أن يستعرض الجيش فهو الذي ينتخب الاستراتيجوي العشرة والكاتب الذي يعينهم، وهؤلاء العشرة المنتخبون تكون لهم حقوقهم كاملة إبان السنة الحاضرة، ولهم أن يشتركوا في مناقشات مجلس الشورى إذا رأوا ذلك لازما، وبهذه الطريقة نفسها يكون انتخاب الهيباركوي والفولاركوي العشرة، أما في المستقبل فيحفظ انتخاب هؤلاء الضباط لمجلس الشورى كما تقرر ذلك آنفا.
وليس لأحد أن يشغل منصبا ما أكثر من مرة، سواء في ذلك من هم قائمون بالأعمال الآن ومن لم يقوموا بها بعد إلا عضوية مجلس الشورى وإلا منصب الاستراتيجوس.
فإذا عني المائة بتقسيم الأربعمائة، فعليهم أن يلاحظوا في هذا التقسيم أن يكون كل عضو إلى جانب زملائه.
الفصل الثاني والثلاثون
الأربعمائة (3)
حكومة الأربعمائة - المفاوضة مع سبارتا. ***
هذا هو النظام الذي كتبه المائة المندوبون عن الخمسة آلاف، أقره الشعب برئاسة أرستوماكوس، وانحل مجلس الشورى القديم الذي انتخب عن سنة كالياس قبل أن يتم عمله في اليوم الرابع عشر من شهر تارجيليون، وفي اليوم الثاني والعشرين من هذا الشهر أخذ المجلس الجديد في عمله، وكان بمقتضى النظام القديم لا ينبغي أن يأخذ فيه قبل اليوم الرابع عشر من شهر سكيروفوريون.
وكذلك تقرر نظام الأقلية حين كان كالياس أركونا لمائة سنة مضت على طرد الطغاة وبتأثير أنتيفون وثيرامينيس، وكانا رجلين شريفي المولد قد اشتهرا بالذكاء والتفوق.
فلما تقرر هذا النظام لم ينتخب الخمسة آلاف إلا صورة، والواقع أن الأربعمائة أقاموا في قصر مجلس الشورى ومعهم العشرة الذين يشغلون منصب الاستراتيجوس وأخذوا يحكمون المدينة بما كان في أيديهم من سلطان مطلق، فأرسلوا السفراء إلى سبارتا يعرضون إنهاء الحرب، وأن يحتفظ كلا الطرفين بما في يده، ولكن سبارتا أبت أن تسمع لهم قبل أن ينزل الأتينيون عن سيادة البحر فانقطعت المفاوضة.
الفصل الثالث والثلاثون
العصر التاسع
إعادة الديموقراطية - إسقاط حكومة الأقلية - الديموقراطية المعتدلة - الخمسة آلاف. ***
بقيت حكومة الأربعمائة ما يقرب من أربعة أشهر، وفي أثنائها شغل منيسيلوكوس أحد أعضاء مجلس الشورى منصب الأركون شهرين من سنة تيوبومبوس وشغله هذا عشرة أشهر، ولكن بعد أن انهزم الأتينيون في موقعة أرتريا البحرية، وبعد أن ثارت جزيرة أوبايا كلها إلا أوريوس، ألم الأتينيون لهذا أشد مما ألموا لما سبقه؛ لأنهم كانوا يجلبون أرزاقهم من أوبايا لا من أتيكا، بعد هذا كله أسقط الأتينيون الأربعمائة وجعلوا السلطان إلى الخمسة آلاف، وكان هؤلاء الخمسة آلاف هم الذين يستطيعون أن يشتروا أسلحتهم، وفي الوقت نفسه قرروا إلغاء الأجر الذي كان يتقاضاه عمال الحكومة جميعا.
وكان أشد الناس عملا في هذا أرستوكراتس وثيرامينيس اللذان كانا غير راضيين عن أعمال الأربعمائة، فإن هؤلاء كانوا لا يصدرون في كل شيء إلا عن سلطانهم الخاص دون أن يستشيروا الخمسة آلاف في شيء ما، خليق بالمدح نظام أتينا في عصر الخمسة آلاف، فقد كانت في حرب وكانت الحقوق السياسية مقصورة على القادرين أن يشتروا أسلحتهم.
الفصل الرابع والثلاثون
العصر العاشر
عصر الطغاة الثلاثين والعشرة - عود إلى عبث الخطباء - الأحزاب في أتينا - الثلاثون. ***
لم يلبث الشعب أن سلب الخمسة آلاف ما كان في يدهم من السلطان؛ وذلك أن الشعب قد خدعه مشيروه فقضى بتصويت واحد على القواد العشرة الذين انتصروا في معركة أرجنيوس
1
لست سنين مضت على حكومة الأربعمائة حين كان كالياس الإنجيلي أركونا، وقد كان من بين هؤلاء القواد من لم يشترك في الموقعة، وكان منه من نجا على بقايا سفن الأعداء.
فلما أرادت سبارتا بعد هذه الهزيمة أن تخلي ديسيليا
2
وعرضت الصلح على أن يحتفظ كل فريق بما في يده حرص بعض أعضاء المدينة حرصا شديدا على عقد هذا الصلح، ولكن الكثرة المطلقة لم ترد أن تسمع لشيء، تركت هذه الكثرة نفسها عرضة لخداع كليوفون الذي كان المؤثر الحقيقي في رفض الصلح.
ظهر في جماعة الشعب سكران مدرعا وأعلن أنه لن يقبل الصلح أو تترك سبارتا كل ما في يدها من المدن، أساء الشعب فلم يعرف أن يستفيد من هذه الفرصة على أنه لم يلبث أن أدرك خطأه.
فلما كانت السنة التالية حين كان الكسياس أركونا انهزم الأتينيون هزيمة منكرة في إيجوس بوتاموس،
3
وأصبح لوساندروس بعد هذه الهزيمة سيد أتينا، فأقر فيها حكومة الثلاثين بهذه الطريقة، كان الصلح قد انعقد على أن يحتفظ الأتينيون بما ترك آباؤهم من النظم السياسية.
وكان أنصار الديموقراطية يحاولون أن ينجوا حكومة الشعب، وكان الذين ألفوا جماعة من الأرستوقراطية قد اتفقوا مع المنفيين الذين ردهم الصلح إلى وطنهم على أن يعيدوا حكم الأقلية، وكان الآخرون الذين لم ينتظموا في أحد الحزبين، والذين كانوا يعتقدون أنهم ليسوا أقل كفاية من غيرهم يحرصون الحرص كله على نظام آبائهم السياسي، وكان من بين هؤلاء «أركيتوس وأنيتوس وكليستوفون وفورميسوس» وآخرون كثيرون، وكان زعيمهم ثيرامينيس، ولكن لوساندروس أعان أنصار الأقلية وأكره الشعب على أن يقر هذا النظام، وكان واضع القرار دراكوتييديس الأفيدني.
الفصل الخامس والثلاثون
الثلاثون (1)
اعتدالهم في أول الأمر ثم قسوتهم
إليك كيف أقيمت حكومة الثلاثين حين كان بوثودوروس أركونا، لم يكادوا يستأثرون بالسلطان في المدينة حتى أعرضوا عما قرر الشعب بشأن النظام السياسي، وألفوا مجلس الشورى من خمسمائة عضو وانتخبوا غيرهم من عمال الحكومة، ولم يكن أهلا للانتخاب إلا الخمسة آلاف الذين عينوا من قبل، ثم انتخبوا عشرة يشغلون منصب الأركون في بيرا، وأحد عشر سجانا وثلاثمائة من الحرس الذين اتخذوا السياط، وبهذه القوة استطاعوا أن يخضعوا المدينة.
ومع ذلك فقد أظهروا في أول الأمر ميلا إلى العدل بين أعضاء المدينة، وليظهروا أنهم إنما يحتفظون بسنة آبائهم في السياسة خلصوا الأريوس باجوس من قوانين أفيالتيس وأركستراتوس وألغوا من قوانين سولون ما لم يكن يتفق الناس على تفسيره، وسلبوا القضاة حق القضاء الذي ليس له مرد، وعلى الجملة كان يخيل أنهم إنما كانوا يريدون تقويم النظام وتبرئته من كل ظلمة وغموض.
وكذلك نفذ القانون الذي كان يبيح لكل أتيني أن يوصي بما له لمن يشاء من غير تقييد، وألغيت كل القيود التي كانت مصدر كثير من المصاعب، وهي حظر هذا الإيصاء على من لم يملك عقله أو من أضعفته الشيخوخة أو من تصرف خاضعا لتأثير السم أو المرض أو من أثرت في تصرفه المرأة، ألغيت هذه القيود حتى لا يكون هناك سبيل إلى مساعي السوكوفانتس،
1
واتخذوا هذه السنة نفسها في إصلاح القوانين الأخرى.
هذه سيرتهم أول الأمر، وقد قضوا على السوكوفانتس وعلى أولئك الخطباء المفسدين الدساسين الذين كانوا يتملقون الشعب فيجورون به عن قصد السبيل، وكانت المدينة تستبشر بهذا كله، وكان الناس يعتقدون أن الثلاثين لم يكونوا يسيرون هذه السيرة إلا رغبة في الخير وحسن التدبير، ولكنهم لم يكادوا يشعرون بأن سلطانهم قد أصبح ثابتا مؤيدا في المدينة حتى أظهروا سوء نيتهم، فلم يرعوا لمواطن حرمة وقتلوا من أعضاء المدينة كل من كانت تظهره ثروة أو مولد أو شهرة ليتقوا شرهم من جهة، وليستأثروا بثروتهم من جهة أخرى، وقد أحصي من قتلوا في آن قصير فكانوا لا يقلون عن خمسمائة وألف.
الفصل السادس والثلاثون
الثلاثون (2)
فشل ثيرامينيس فيما حاول بإزاء الثلاثين
أخذت المدينة تضعف شيئا فشيئا، فحاول ثيرامينيس - وكان شديد السخط على سوء فعل الثلاثين - أن يحمل هؤلاء الناس على أن يدعوا ما كانوا فيه من قسوة وعنف، وأن يمكنوا أخيار المدينة من العمل في مناصبها، فرفض الثلاثون أولا، ولكنهم رأوا أن نصيحة ثيرامينيس قد انتشرت بين الناس، وأن الشعب حسن الظن به، فأشفقوا أن يصبح ثيرامينيس زعيما للديموقراطيين وأن يلغي سلطانهم المطلق، فأخذوا يكتبون «ثبتا» بأسماء ثلاثة آلاف من أعضاء المدينة ليمنحوهم الحقوق السياسية.
فلم يرض ثيرامينيس عن هذا العمل بل ذمه وعابه؛ وذلك أن الثلاثين إذا كانوا يريدون أن يعطوا المعتدلين شيئا من السلطان فما بالهم لا يدعون إليه إلا ثلاثة آلاف كأن أهل الخير في المدينة لا يتجاوزون هذا العدد، ثم هم يتخذون شيئين متناقضين تناقضا تاما؛ يقيمون حكومة ملاكها العنف والشدة ويعرضون هذه الحكومة للخطر؛ لأنها أضعف من أن تتقي شر الخاضعين لها، لم يحفل الثلاثون بهذا الرأي، ولكنهم ماطلوا في إقامة «الثبت» الذي كانوا قد بدءوا فيه، واحتفظوا بأسماء الذين كانوا يريدون أن يمنحوهم الحقوق السياسية، وأخذوا كلما عزموا على إعلان هذا «الثبت» محوا ما كان فيه من الأسماء وأثبتوا مكانها أسماء جديدة.
وأرسلوا السفراء إلى سبارتا يتهمون ثيرامينيس ويطلبون المعونة، سمع أهل سبارتا لهم وأرسلوا الأرموستيس
1
على رأس سبعمائة من الجند، فما كادوا يصلون حتى احتلوا الأكروبوليس.
الفصل السابع والثلاثون
الثلاثون (3)
أخذ ترازيبيلوس لفولا - موت ثيرامينيس. ***
كان الشتاء قد بدأ حين احتل ترازبيلوس فولا
1
يعينه المهاجرون، وقد فشل الثلاثون حين أرادوا قهرهم فأزمعوا تجريد المدينة من السلاح وإهلاك ثيرامينيس.
وإليك كيف دبروا ذلك: عرضوا على مجلس الشورى قانونين أرادوه على إقرارهما، الأول يمكن الثلاثين من قتل من شاءوا بين الذين لم تكتب أسماؤهم في «ثبت» الثلاثة آلاف، والثاني يحرم الحقوق السياسية في النظام الجديد كل من قد اشترك في تدمير أسوار أتيونيا
2
أو قام بمعارضة ما للأربعمائة الذين هم أول من أسس حكومة الأقلية، وكان ثيرامينيس قد اقترف الإثمين جميعا، فلما أقر القانون أصبح وليس له في المدينة حق، وأصبح معرضا لسخط الثلاثين الذين كانوا قادرين على قتله متى شاءوا.
فلما قتل ثيرامينيس نزعوا أسلحة الأتينيين حاشا الثلاثة آلاف واستسلموا إلى القسوة بعد ذلك في جميع ما دبروا.
الفصل الثامن والثلاثون
الثلاثون (4)
إسقاط حكومة الثلاثين - العشرة - المفاوضة مع سبارتا. ***
وفي أثناء ذلك استولى الأتينيون الذين كانوا قد احتلوا فولا على مونيكيا، وهزموا جيش النجدة الذي كان قد استعان به الثلاثون، فلما نجا أتينيو المدينة من الخطر وعادوا إلى مدينتهم أصبحوا فاجتمعوا في الآجورا
1
وأسقطوا حكومة الثلاثين، وانتخبوا جماعة تتألف من عشرة من أعضاء المدينة لهم السلطان المطلق لإنهاء الحرب، ولكن العشرة لم يكادوا ينتخبون حتى أعرضوا عما كانوا قد انتخبوا له، بل أرسلوا السفراء إلى سبارتا يطلبون النجدة ويقترضون المال، وإذ كانت سيرتهم قد أسخطت من يقومون على تدبير الأمور العامة من أعضاء المدينة، فقد أشفق العشرة أن يسقطوا، ولأجل أن يملئوا المدينة رعبا - وذلك شيء قد كان - قبضوا على ديمارتيوس وكان من أعلام المدينة فقتلوه، واستقر أمرهم حينئذ ثابتا يعينهم كاليبيوس ومن كان معهم من جيش سبارتا وبعض طبقة الفرسان، وكان أعضاء هذه الطبقة أشد الناس معارضة في عودة أهل فولا.
ولكن هؤلاء ملكوا بيرا ومونيكيا ورأوا عامة الحزب الديموقراطي قد انضمت إليهم فانتصروا في الحرب، وإذن أسقط العشرة الذين كانوا قد انتخبوا وانتخب عشرة آخرون ممن كان يظن فيهم أنهم أصلح الناس، وفي أثناء حكم هؤلاء العشرة وبفضل ما بذلوا من عناية وجهد استطاعت الأحزاب أن تتفق وأعيد النظام الديموقراطي، وكان أشهر زعمائهم رينون البياني وفايلوس الأركردونتي، وهما اللذان فاوضا أهل بيرا قبل وصول بوسانياس واتفقا معه بعد وصوله على تعجيل رجعة المهاجرين.
وقد أتم ملك سبارتا يعينه عشرة من المصلحين (أقبلوا من سبارتا؛ لأنه دعاهم) ما كان قد بدئ من المفاوضة في سبيل الصلح واجتماع الكلمة، وقد نال رينون وأصحابه الثناء العام فيما بعد مكافأة على ما أدوا للدولة من خدمة؛ وذلك أنهم بدءوا عملهم تحت سلطان الأرستوقراطية وأدوا حسابهم تحت سلطان الديموقراطية دون أن يستطيع أحد أن يأخذهم بشيء، سواء في ذلك من كان قد أقام في أتينا ومن كان قد عاد إليها من المهاجرين؛ ولهذا أسرع أهل أتينا إلى انتخاب رينون لمنصب الاستراتيجوس.
الفصل التاسع والثلاثون
العصر الحادي عشر
إعادة النظام الديموقراطي - الوفاق بين أنصار الثلاثين وبين الديموقراطيين. ***
تم الوفاق حين كان إكليديس أركونا، وإليك شروطه: من كان من أعضاء المدينة قد أقام في أتينا فله إن أراد أن يتركها أن يسكن إليزيس
1
محتفظين بكل حقوقهم السياسية مالكين ملكا تاما لكل ما كان لهم قادرين على أن يستثمروا ثروتهم.
يبقى معبد إليزيس حظا مشتركا لأعضاء المدينة جميعا، واحتفاظا بالسنة الموروثة يقوم الكريكيون والإيمولبيون
2
على إدارته.
وليس لأهل إليزيس أن يأتوا أتينا، ولا أهل أتينا أن يأتوا إليزيس إلا في عصر الاحتفال بالأسرار.
يدفع أهل إليزيس كأهل أتينا ضريبة عن ثروتهم إلى خزانة الحلفاء.
من ترك المدينة ليسكن إليزيس فله أن يشتري فيها دارا يتفق على ثمنها مع المالك، فإن لم يستطيعا أن يتفقا حكما في ذلك ثلاثة من أهل الخبرة، وليس للمالك أن يطلب أكثر مما يعينه هؤلاء، ليس لأحد من أهل إليزيس أن يستأجر بيتا من مالكه الجديد إلا إذا قبله الخبراء.
يجب على من يريد أن يترك المدينة أن يقيد اسمه في أثناء عشرة أيام منذ اليوم الذي أقسم فيه اليمين، وأن يسافر في أثناء عشرين يوما منذ هذه اليمين إن كان من الذين أقاموا في المدينة، فإن كان من الذين عادوا إلى المدينة فله نفس الأجل منذ اليوم الذي عاد فيه.
ليس للأتيني الذي يقيم في إليزيس أن يشغل منصبا في المدينة إلا إذا قيد نفسه من جديد مثبتا أنه من سكان المدينة.
تقام دعوى القتل كما كانت في قوانين آبائنا على من قتل أو جرح بيده.
فأما بالقياس إلى الماضي، فيجب أن ينسى جميع ما كان بين الأتينيين من العداء إلا بالقياس إلى الثلاثين
3
والعشرة
4
والأحد عشر
5
وعمال بيرا، على أن هؤلاء الناس لن يكونوا موضعا لهذا الاستثناء إذا أدوا حسابهم.
يؤدي عمال بيرا حسابهم أمام أهل بيرا، ويؤدي عمال أتينا حسابهم أمام أهل أتينا، ويعين القضاة مقدار ما يؤخذون به من غرامة، فإذا أصلحوا أمرهم على هذه الصورة فلهم إن شاءوا أن يقيموا في إليزيس.
فأما المال الذي اقترضه كلا الحزبين في سبيل الحرب، فعلى كل حزب أن يؤدي ما اقترض.
الفصل الأربعون
إعادة الديموقراطية - أتينا بعد التأمين - أركينوس - حكمة الأتينيين
لم يكد يتم هذا الاتفاق حتى استأثر الخوف بمن قاتل إلى جانب الثلاثين، وأخذ يعزم كثير منهم على أن يترك المدينة، ولكنهم أخذوا يؤجلون هجرتهم كما يقع ذلك دائما، فلما رأى أركينوس كثرة عددهم، وكان يريد أن يحول بينهم وبين الهجرة ألغى آخر أيام الأجل الذي كان قد ضرب لتقييد الأسماء، فاضطر كثير منهم إلى أن يبقوا كارهين حتى جاء اليوم الذي استطاعوا فيه أن يستردوا الأمن والشجاعة.
سار أركينوس في ذلك اليوم سيرة رجل قادر على تدبير الأعمال العامة ماهر في ذلك، كما سار هذه السيرة أيضا حين طعن بمخالفة القانون في القرار الذي كان ترازيبيلوس يريد أن يحمل الشعب على إصداره، والذي كان يمنح الحقوق السياسية جميع من أقبل معه من بيرا، مع أن كثيرا من هؤلاء الناس كانوا أرقاء من غير شك، وكما سار هذه السيرة مرة أخرى حين أخذ بعض أعضاء المدينة الذين عادوا إليها يظهر بغضه وعداءه لمن أقام فيها، فقبض عليه وقاده أمام مجلس الشورى، حيث طلب أركينوس أن يقتل من غير مقاضاة، يريد بذلك أن يظهر وجوب تخليص الديموقراطية والاحتفاظ باليمين، فإن تبرئة هذا الرجل تشجيع للآخرين وقتله إرهاب لهم بإعطاء المثل، وكذلك كان الأمر فإن موت هذا الرجل حال بين غيره من الناس وبين إيقاظ الفتنة، وأكثر من هذا أن الأتينيين بعد أن خرجوا من هذه المصائب لم يضيعوا ما ألقت عليهم من موعظة، بل أحسنوا الاستفادة منها، سواء في ذلك الأشخاص والدولة، فلم يكتفوا بإلغاء كل اتهام يتعلق بالماضي، بل اشتركوا وتعاونوا على أن يردوا إلى سبارتا ما كان قد اقترض الثلاثون من المال لينفقوه على الحرب، وإن كان الاتفاق قضى بأن يؤدي كلا الفريقين فريق أتينا وفريق بيرا ما اقترض؛ وإنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن هذه هي أوضح طريق إلى تحقيق الوفاق، وقد رأينا في غير أتينا من المدن التي انتصر فيها الحزب الديموقراطي أن هذا الحزب لم يعن خصومه بما له، بل قسم بين أعضائه أرض الأرستوقراطية.
ثم صالح الأتينيون أهل إليزيس لسنتين مضتا من خروج هؤلاء من المدينة، وتم هذا الصلح حين كان إكسينانيتيوس أركونا.
الفصل الحادي والأربعون
ملخص
تعديد ما كان من تغيير للنظام السياسي الديموقراطية الحالية
كان السلطان بيد الحزب الديموقراطي حين وقعت هذه الحوادث، وذلك أنه إنما أقر هذا النظام الحاضر حين كان بوثودوروس أركونا، وإذا كان غير مدين بعودته إلا لنفسه فقد ظهر من العدل أن يستأثر بالسلطة.
وكان هذا التغيير الحادي عشر من التغييرات التي نالت نظام أتينا إذا أحصيناها جميعا.
وأول هذه التغييرات ما كان من استقرار «إيون» وأصحابه في أتيكا، ومن هذا العصر انقسم السكان إلى أربع قبائل وعين لكل قبيلة ملك.
ثم كانت حكومة «تيزيوس» وهي تخالف بعض الشيء نظام الملكية، وكانت أول حكومة أحدثت في النظام الأتيني تغييرا حقيقيا؛ لأنها أوجدت حكما منظما.
ثم كان نظام دراكون وهو أول نظام شرعت فيه القوانين.
ثم جاء النظام الثالث بعد خلاف طويل، وهو نظام سولون الذي بدأ حياة الديموقراطية.
ثم كان طغيان بيزيستراتوس وهو الطور الرابع.
وكان الطور الخامس نظام كليستينيس الذي أحدث بعد طرد الطغاة، وهو أقرب من نظام سولون إلى الديموقراطية.
الطور السادس نظام أتينا بعد الحرب الميدية، وهو يتميز بظهور أمر مجلس الأريوس باجوس.
والطور السابع ما أحدث أرستيديس وأقر إفيالتوس من نظام يتميز بهدم سلطان الأريوس باجوس، وفي هذا العصر اقترفت الدولة أكبر أغلاطها يدفعها على ذلك الديماجوجوي وحرصها على سيادة البحر.
ثم يأتي الطور الثامن وهو حكومة الأربعمائة، ويليه الطور التاسع وهو إعادة الديموقراطية.
والطور العاشر طغيان الثلاثين والعشرة.
ثم يأتي الطور الحادي عشر بعد عودة أهل فولا وبيرا، وهو النظام القائم الآن، والذي لم ينقطع الشعب تحت تأثيره عن زيادة ما له من سلطان، فقد جعل الشعب نفسه صاحب الأمر في كل شيء، يحكم في كل شيء بقراراته ومجالسه القضائية التي له فيها السلطان المطلق، فإلى الشعب أضيفت الاختصاصات القضائية التي كانت في أول الأمر لمجلس الشورى، وذلك عدل؛ فإن من اليسير إفساد عدد محصور من الناس بالمال والرشوة، وذلك شيء يتعذر اتخاذه بالقياس إلى شعب بأسره.
وكانوا قد عدلوا في أول الأمر عن منح الناس أجرا على حضورهم جماعة الشعب، ولكن الشعب تخلف عن الجلسات وأصبح البروتانوي يصوتون وحدهم غالبا، فلأجل حمل الناس على الحضور وإعطاء قرارت المجلس قوة القانون اقترح أجيريوس أن يعطى لمن حضر فلس عن كل جلسة، ثم جعل هيراكليديس الكلازوميني الذي سمي الملك الأعظم هذا الأجر فلسين، فاستأنف أجيريوس النظر في الأمر وجعل هذا الأجر ثلاثة فلوس.
الجزء الثاني
عرض ما كان في أتينا من النظم
الفصل الثاني والأربعون
حق العضوية في المدينة
(1) تقييد الأسماء في السجل المدني (2) الإفيبيا. ***
هذه حال الحكومة الحاضرة في أتينا:
يؤلف أعضاء المدينة من ولد من أب وأم أتينيين.
فإذا بلغوا الثامنة عشرة قيدت أسماؤهم في سجل الديموس وأصبحوا من أعضائه، فإذا تقدموا لهذا وجب على أعضاء الديموس أن يعلنوا بواسطة التصويت وبعد حلف اليمين، أولا أنهم قد بلغوا السن القانونية، فإذا أعلنوا أنهم لم يبلغوها عاد هؤلاء الغلمان فمكثوا بين الأطفال، ثانيا أنهم من طبقة الأحرار، وأنهم أبناء زواج مشروع.
فمن قضى عليه أعضاء الديموس بأنه ليس من طبقة الأحرار فله أن يستأنف أمام المحكمة، وفي هذه الحال ينتخب أعضاء الديموس خمسة من بينهم ليكونوا مدعين، فإذا أيدت المحكمة قضاء الديموس فللمدينة أن تبيع المستأنف وإلا فعلى الديموس أن يقبله بين أعضائه، ثم يخضع المقيدون لامتحان مجلس الشورى، فإذا قضى هذا المجلس أنهم لم يبلغوا الثامنة عشرة قضى على أعضاء الديموس الذين قبلوهم بالغرامة.
بعد أن يتم امتحان الأفيبوي
1
يجتمع آباؤهم قبائل، وبعد أن يقسموا اليمين ينتخبون ثلاثة من بينهم قد تجاوزوا سن الأربعين وظهر أنهم أقدر الناس على حسن إدارة الأفيبوي.
ثم تنتخب جماعة الشعب بواسطة رفع اليد بين كل فريق من هؤلاء الثلاثة السفرونستيس
2
لكل قبيلة، ثم تنتخب بين الأتينيين عامة الكوسمتيس
3
الذي يعنى بأمر الأفيبوي جميعا. يستقبل هؤلاء الرؤساء جماعات الأفيبوي ويزورون معهم معابد المدينة ثم يذهبون إلى بيراثم، يعسكر بعضهم في مونيكيا وبعضهم في أكتا، ينتخب الشعب اثنين لمنصب البايدوتربيس
4
وأساتذة يعلمونهم استعمال الأسلحة الثقيلة والقوس والسهم والرمي بالمنجنيق، ويتقاضى كل سفرونيستس درهما لغذائه في كل يوم، وكل أفيبوس أربعة فلوس، يتسلم سفرونيستيس كل قبيلة أجر تلاميذه، ويعنى بطعامهم ومائدتهم المشتركة (فإن الأفيبوي يجتمعون إلى الطعام قبيلة قبيلة)، وعليه أيضا أن يأخذ من جميع الأجر ما يحتاج إليه في تدبير شئونهم.
هذه أعمال الأفيبوي في السنة الأولى، أما في السنة الثانية فبعد أن يستعرضوا ويقوموا بأعمال الحرب أمام الشعب المجتمع في ملعب التمثيل، يعطى لكل واحد منهم رمح ودرقة، ثم يقومون بأعمال العسس وحراسة الحصون.
وفي أثناء هاتين السنتين يحيون حياة الجند لا يلبسون إلا الكلاموس
5
ولا يكلفون عملا ما، ولأجل أن لا يتغيبوا لسبب ما فليس من سبيل إلى أن يظهروا أمام القضاة لا مدعين ولا مدعى عليهم إلا للاستيلاء على ميراث أو أبيكلوروس أو عمل ديني من أعمال الأسرة، فإذا انقضت هاتان السنتان فهم كغيرهم من أعضاء المدينة.
هذه خلاصة ما يتعلق بتقييد أسماء أعضاء المدينة وبالإفيبيا.
الفصل الثالث والأربعون
المناصب
(1) الأعمال التي تنال بالاقتراع أو بالانتخاب (2) مجلس الشورى والبروتانوي (3) برنامج أعمال مجلس الشورى وجماعة الشعب. ***
أولا:
كل عمال الإدارة العادية يختارون بواسطة الاقتراع إلا حافظ خزانة الحرب ورؤساء الثيوريكون
1
ومن يكلف العناية بالينابيع العامة، فإنهم ينتخبون بواسطة رفع اليد ويبقون في أعمالهم منذ عيد الباناتينايا
2
إلى العيد الذي يليه، وكذلك ينتخب جميع الذين يشغلون مناصب الحرب.
ثانيا:
يختار مجلس الشورى بواسطة الاقتراع، وهو يتألف من خمسمائة عضو، يمثل كل قبيلة خمسون، تتولى كل قبيلة البروتانيا
3
إذا جاءت نوبتها بمقتضى الاقتراع.
تقوم كل واحدة من الأربع الأولى بهذا العمل ستة وثلاثين يوما، وكل واحدة من الستة الأخرى خمسة وثلاثين يوما؛ لأن سنة الأتينيين هي السنة القمرية، يتناول البروتانوي طعامهم على حساب الدولة في الثولوس،
4
وعليهم دعوة مجلس الشورى وجماعة الشعب إلى الاجتماع، يدعى مجلس الشورى في كل يوم إلا أيام الأعياد، وتدعى جماعة الشعب أربع مرات في كل بروتانيا.
ثالثا:
وعليهم أن يعدوا برنامج الجلسة في إعلان ينشرونه ويبينون فيه المسائل التي يجب درسها، ويعدون أيضا برنامج الجلسات لجماعة الشعب، وأول هذه الجلسات هي الجلسة النظامية فيها يقر العمال على أعمالهم إذا وافقت الجماعة على إدارتهم، وفيها يعنى بتموين المدينة والدفاع عنها، لكل عضو من أعضاء المدينة أن يتهم فيها من شاء بالخيانة العظمى، وفيها يقرأ «ثبت» الأموال التي صادرتها الدولة وعرائض الذين يطلبون الاستيلاء على الميراث أو على الأبيكلوروس حتى لا يجهل أحد ما يمكن أن يقع من انقراض الأسر، وفي هذه الجلسة من البروتانيا السادسة يضيفون إلى كل هذه المسائل أخذ الأصوات في إمكان تنفيذ الأوستراكيسموس ويأخذون الأصوات فيما يقدم من طلب القضاء على السوكوفانتس من الأتينيين والمتيكوي،
5
ولكن لا يمكن أن يقضى على أكثر من ثلاثة بين أولئك وهؤلاء وعلى الذين لا يفون بما كانوا قد تعهدوا به أمام الشعب.
والجلسة الثانية مخصصة للمظالم، يكفي أن يظهر كل إنسان أمام الشعب مظهر المستجير ليتحدث إليه عن كل ما يريد من الأعمال العامة أو الخاصة.
والجلستان الأخريان مخصصتان لما بقي من الأعمال، وتريد القوانين أن يبحث في كل جلسة عن ثلاثة أعمال تمس الدين، وثلاثة تمس الدولة، وثلاثة تمس الرسل أو السفراء.
وربما بدأت الجماعة في المناقشة دون أن يكون التصويت الذي يبيح الأخذ فيها.
وإنما يمثل الرسل والسفراء أمام البروتانوي أولا، وإليهم يسلمون ما يحملون من كتب.
الفصل الرابع والأربعون
مجلس الشوري (1)
(1) أبيستاتيس البروتانوي (2) البرويدروي وأبيستاتيس البرويدروي (3) انتخاب العمال الحربيين بواسطة جماعة الشعب. ***
أولا:
يعين الاقتراع واحدا يقوم بمنصب الأبيستاتيس
1
بين البروتانوي يشغل منصبه يوما وليلة دون أن يستطيع أن يمد هذا الأجل أو أن يشغل منصبه مرتين، يحتفظ بمفاتيح المعابد التي تحتوي على خزائن الدولة ومحفوظاتها كما يحتفظ بخاتم الدولة، وعليه أن يبقى في الثولوس مع ثلث البروتانوي الذين اختارهم خاضعين لرئاسته.
ثانيا:
كلما دعا البروتانوي مجلس الشورى أو جماعة الشعب اختار الأبيستاتيس تسعة لمنصب البرويدروس
2
واحدا عن كل قبيلة إلا القبيلة التي تشغل البروتانيا، ومن بين هؤلاء التسعة يختار رئيسا وإليهم يسلم برنامج الجلسة، فإذا تسلموا هذا البرنامج وجب عليهم أن يعنوا بتنفيذ كل شيء حسب القانون، وأن يعلموا المجلس بما كتب في البرنامج، وأن يظهروا نتيجة التصويت بواسطة رفع اليد، وعلى الجملة عليهم إدارة الجلسة ولهم رفعها، وليس لأحد أن يكون أبيستاتيس إلا مرة في السنة، وله أن يكون برويدروس مرة في كل بروتانيا.
ثالثا:
ينتخب الاستراتيجوي والهيباركوي وغيرهم من الذين يشغلون المناصب الحربية بواسطة جماعة الشعب حسب الصورة التي أقرها الشعب، وفي أول بروتانيا يظهر فيها عطف الآلهة بعد البروتانيا السادسة، ولهذا أيضا يجب أن يصوت مجلس الشورى أولا.
الفصل الخامس والأربعون
مجلس الشورى (2)
أعماله القضائية
(1) إضعاف ما كان لمجلس الشورى من حقوق قضائية (2) حقوق المجلس القضائية بالقياس إلى العمال (3) امتحان المجلس لأعضاء الشورى وللأركون (4) تشاور المجلس أولا. ***
أولا:
كان لمجلس الشورى قديما أن يقضي بالغرامة والحبس والموت، ولكنه أسلم يوما ما إلى الجلاد رجلا يسمى لسيسيماكوس، وأن هذا الرجل ليستعد للموت إذ أقبل رجل آخر يسمى إيميليديس الألوبيكي فانتزعه من أيدي قاتليه زاعما أن ليس لأحد أن يقتل عضوا من أعضاء المدينة دون أن تقضي بذلك محكمة، فعرض الأمر على القضاة وبرئ لسيسيماكوس، فلقب منذ ذلك اليوم «بالمفلت من الدبوس».
فسلب الشعب مجلس الشورى حق القضاء بالموت والحبس والغرامة وأصدر هذا القانون: يعرض الثسموثيتاي على المحكمة ما يقضي به مجلس الشورى من موت أو غرامة أو حبس، ورأي القضاة وحدهم لا مرد له.
ثانيا:
يقضي مجلس الشورى على أكثر العمال، لا سيما الذين يدبرون الأموال، ولكن قضاؤه هنا أيضا ليس قاطعا، بل يمكن استئنافه أمام المحكمة، لكل فرد من أفراد المدينة أن يتهم من شاء من عمال الحكومة أمام المجلس بالخيانة العظمى وبأنه قد انتهك حرمة القانون، ولكن للمتهم أن يستأنف قضاء المجلس أمام المحكمة.
ثالثا:
يمتحن المجلس أيضا الأعضاء الذين سيتألف منهم مجلس الشورى في السنة المقبلة والتسعة الذين سيشغلون منصب الأركون، وقد كان قديما يملك إلغاء الانتخاب، ولكن من ألغي انتخابه اليوم يستطيع أن يستأنف أمام المحكمة.
وفي كل هذه الأحوال ليس المجلس بصاحب الأمر المطلق.
رابعا:
يعد المجلس برنامج الجلسات لجماعة الشعب، وليس للشعب أن يصوت في شيء إلا إذا درسه المجلس أولا وقيده البروتانوي في برنامج الجلسة، وبمقتضى هذه القاعدة فكل تصويت في مسألة لم يقرها المجلس يجعل عارض هذه المسألة عرضة لأن يتهم بانتهاك حرمة القانون.
الفصل السادس والأربعون
مجلس الشورى (3)
أعماله الإدارية
(1) تفقده حال البحرية (2) تفقده حال العمارات العامة. ***
أولا:
على المجلس أن يتعهد السفن القائمة، وأن يتعهد أدواتها وأحواض إصلاحها، وعليه أن يراقب بناء السفن الجديدة، سواء كانت ذات صفوف ثلاثة أو أربعة من المقاذيف حسب ما قرره الشعب، وكذلك يراقب إعداد ما تحتاج إليه هذه السفن من الأدوات والمرافئ، يختار الشعب بواسطة رفع اليد مهندسين يكلفون بناء السفن، فإذا لم يستطع المجلس أن يسلم المجلس الذي يخلفه هذه السفن كاملة فليس له الحق في المكافأة العادية؛ فإن هذه المكافأة لا تنال إلا في السنة التي تلي العمل، وينتخب المجلس بين الأتينيين كافة عشرة يقومون على بناء السفن ذات الصفوف الثلاثة من المقاذيف.
ثانيا:
يتعهد أيضا كل العمارات العامة، ويتهم أمام الشعب كل متعهد قصر في عمله، فبعد أن يقضي المجلس عليه بما يرى يقدم إلى المحكمة.
الفصل السابع والأربعون
مجلس الشورى (4)
أعماله الإدارية
(1) العلاقة بينه وبين العمال (2) حفظة خزانة أتينا (3) البوليتاي وعرض المنافع العامة للمزايدة أو المناقصة (4) تأجير الأرض الموقوفة على الآلهة (5) دفع المال. ***
أولا:
يعين مجلس الشورى أيضا العمال في أكثر أعمالهم.
ثانيا:
وأول هؤلاء العمال الذين يعينهم المجلس العشرة الحفاظ لخزائن أتينا، يعين الاقتراع منهم واحدا عن كل قبيلة من طبقة الذين يملكون خمسمائة مديمنوس، بذلك يقضي قانون سولون الذي لا يزال معمولا به، ولكن من وقعت عليه القرعة شغل منصبه ولو كان شديد الفقر، وإنما يتسلم هؤلاء الحفظة أمام مجلس الشورى تمثال أتينا وتماثيل النصر، وغير ذلك من الحلي ومما اشتملت عليه الخزائن من مال.
ثالثا:
ثم يأتي بعد ذلك البوليتاي وهم عشرة يعينهم الاقتراع واحدا عن كل قبيلة، يقومون بما تحتاج إليه الدولة من عرض المنافع للمزايدة أو المناقصة ويؤجرون المناجم، يعينهم على ذلك حفاظ الخزائن الحربية والموكلون بإدارة «الثيوريكون»، كل ذلك في جلسة مجلس الشورى، ولا يقبلون مزايدا ولا مناقصا ولا مؤجرا إلا إذا أعلن المجلس رضاه بواسطة رفع اليد.
فأما المناجم، سواء منها المستغل الذي يؤجر لثلاث سنين وما تنزل عنه الدولة أبدا في سبيل مبلغ يدفع من حين إلى حين، فيكون عرضها للمزايدة بين يدي مجلس الشورى، ولكن الذين يشغلون منصب الأركون هم الذين يقبلون الأعطية أو يرفضونها، وكذلك الشأن في بيع ثروة الذين قضى عليهم مجلس الأريوس باجوس أو قضى عليهم الشعب بالآتميا.
فأما الضرائب المبيعة لسنة فإن البوليتاي يكتبون ثمنها الذي اتفق عليه في ألواح بيض ويدفعون هذه الألواح إلى مجلس الشورى، ويكتبون على عشرة ألواح منفصلة أسماء الذين يجب عليهم أن يؤدوا الأموال في كل بروتانيا، وعلى ألواح منفصلة أيضا أسماء الذين يجب أن يؤدوا الأموال في آخر السنة (لكل قسط لوحة)، ثم على ألواح منفصلة أيضا أسماء الذين يؤدون الأموال في البروتانيا التاسعة.
ويكتبون أيضا مقادير الأرض والدور المبيعة بمقتضى «ثبت» اتخذ أمام المحكمة، فإن هذه المزايدات من خصائصهم، فأما الدور فيجب أن تدفع أثمانها في خمس سنين، وأما الأرض فتدفع أثمانها في عشر، وتؤدى الأقساط في البروتانيا التاسعة.
رابعا:
فأما الأرض الموقوفة على الآلهة، فإن الأركون الملك هو الذي يقدم إلى المجلس تقريرا عما عرض لها من أجر في المزايدة ويكتب أسماء المستأجرين على ألواح بيض، تؤجر هذه الأرض لعشر سنين وتدفع الأقساط في البروتانيا التاسعة، ومن هنا كان أكثر ما تجبيه الدولة من المال إنما يجبى في هذه البروتانيا.
خامسا:
تحمل إلى المجلس الألواح التي كتبت فيها الأقساط الواجبة الأداء ويحفظها الكاتب، فإذا حل أجل الأداء لبعض هذه الأقساط نزع الكاتب الألواح التي يجب أن تؤدى عن العمود الذي كانت قد علقت إليه ودفعها إلى الأبودكتاي،
1
فإذا أدى ما كان قد كتب عليها من الأقساط، محيت هذه الأقساط، وقد رتبت الألواح الأخرى منفصلة حتى لا تمحى قبل ميعادها.
الفصل الثامن والأربعون
مجلس الشورى (5)
أعماله الإدارية
(1) الأبودكتاي (2) اللوجيستاي (3) الأوثينيس. ***
أولا:
الأبودكتاي عشرة ينتخبون بالاقتراع واحد عن كل قبيلة، تدفع إليهم الألواح في جلسة مجلس الشورى بقصره فيمحون ما كتب عليها بعد أن تؤدى الأقساط ويردونها إلى الكاتب، فإذا قصر مقصر عن دفع القسط عني الأبودكتاي بتقييد اسمه على لوحة، وعلى المدين أن يؤدي ما عليه مضاعفا وإلا تعرض للحبس، وعلى المجلس أن يتقاضى هذا الدين والقانون يمنحه الحق في أن يغل المدين الذي يقصر عن الأداء.
وفي اليوم نفسه الذي يتسلم الأبودكتاي فيه الأموال يجب عليهم أن يقسموها بين العمال، فإذا كان الغد قدموا إلى المجلس ألواحا كتبت فيها مقادير ما دفعوا إلى العمال، وقرءوا هذه الألواح وطلبوا إلى المجلس في جلسته أن يدلهم على كل ما اقترفه عامل من عمال الدولة أو فرد من الأفراد من مخالفة للنظام في تقسيم الأموال، فإذا ذكرت بعض هذه الأغلاط أخذ الأبودكتاي فيها الآراء.
ثانيا:
ينتخب المجلس من بين أعضائه بواسطة الاقتراع عشرة هم اللوجيستاي،
1
يكلفون أن يتلقوا في كل بروتانيا حساب العمال، وكذلك يختار بالاقتراع عشرة أوثينيس
2
واحدا عن كل قبيلة وباردرين
3
يعينان كل واحد منهم، يجب على الأوثينيس في عصر أداء الحساب أن يجلس كل واحد منهم أمام تمثال البطل الذي تسمى باسمه القبيلة، وأن يسمع لكل عضو من أعضاء المدنية يريد أن يرفع الدعوى المدنية أو الجنائية على كل عامل من عمال الحكومة، بشرط أن لا يتأخر ذلك عن ثلاثة أيام منذ أدى هذا العامل حسابه أمام المحكمة، يكتب المدعي في لوحة بيضاء اسمه واسم المدعى عليه وما يتهمه به وتقدير هذه التهم ماليا، ويدفع هذه اللوحة إلى الأوثينيس الذي يطلع عليها، فإن رأى وجوب القضاء على المدعى عليه أحال الأمر على قضاة الديموس الذين يكلفون عرض ما يتعلق بهذه القبيلة على المحكمة، فإن كان موضوع الخصومة أمرا عاما وجب على الأوثينيس أن يقيدها في مكتب الثسموثيتاي، فإذا تسلم اللوحة هؤلاء عرضوا الحساب على المحكمة لتعيد النظر فيه وحكمها لا مرد له.
الفصل التاسع والأربعون
مجلس الشورى (6)
أعماله الإدارية
(1) مراقبته خيل الفرسان (2) مراقبته فرسان الطلائع (3) مراقبته للرجالة ذات السلاح الخفيف (4) تجنيد الفرسان (5) ملاحظة رسوم المهندسين ونماذج الببلوس (6) مراقبة تماثيل النصر وما يصرف من الجوائز في عيد باناتينايا (7) الإشراف على أصحاب العاهات. ***
أولا:
يتعهد المجلس أيضا خيل الفرسان، وكل فارس تقاضى أجره ثم لم يعن بفرسه قضى عليه بغرامة تعدل ما يحتاج إليه الفرس من نفقة، وكل فرس لم يكن قادرا على إحسان الجراء أو ساء تعليمه فأصبح لا يصلح للبقاء في صفه فهو موسوم بالنار على فكه ومرفوض عند التعهد.
ثانيا:
يتعهد المجلس أيضا الفرسان المستكشفين ويرى أيصلحون للخدمة، فإذا قرر برفع اليد فصل واحد منهم أنزل هذا عن فرسه.
ثالثا:
يتعهد المجلس أيضا فرق المشاة ذات السلاح الخفيف الذين يقاتلون بين الفرسان، فإذا قرر فصل واحد من هذه الفرق فأجره مقطوع.
رابعا:
يقوم بتجنيد الفرسان عشرة من الضباط يختارهم الشعب بواسطة رفع اليد، وهؤلاء الضباط يقدمون «ثبت» المجندين إلى الهيباركوي والفولاركوي.
وهؤلاء يقدمون هذا الثبت إلى مجلس الشورى ويفضون ثبتا آخر قد ختم عليه وقيدت فيه أسماء الفرسان الذين أدوا الخدمة، فإذا كان أحد الفرسان قد أدى الخدمة وأقسم أن صحته تأبى عليه استئناف ذلك محي اسمه، ثم يدعى الذين جندوا، فأيهم أقسم أنه لا يستطيع الخدمة لضعف صحته أو لقلة ماله أعفي منها، ومن لم يعتذر مقسما هذه اليمين قرر المجلس في أمره بواسطة رفع اليد، فإن قرر التصويت أنه صالح للخدمة كتب اسمه في اللوحة، وإلا رد إلى ما كان فيه.
خامسا:
كان للمجلس قديما أن يختار بين ما يقدم المهندسون من رسوم البناء وبين نماذج الببلوس،
1
ولكن قضاة ينتخبون بالاقتراع قد استأثروا الآن بهذا الحق، فقد يظهر أن المجلس كان يتخذ المحاباة قاعدة للاختيار.
سادسا:
يراقب المجلس أيضا مع حفاظ الخزانة الحربية صنع تماثيل النصر
2
وما يعطى من المكافآت في أعياد الباناتينايا.
سابعا:
يمتحن المجلس أيضا أصحاب العاهات، فإن هناك قانونا يقضي بأن كل من يملك أقل من ثلاثة أمناء وكانت به عاهة بدنية تحول بينه وبين العمل وجب على المجلس أن يمتحنه، وأن يعطيه في كل يوم لطعامه على حساب الخزانة فلسين، بل إن هناك خازنا موكلا بهؤلاء الضعفاء ينتخب بواسطة الاقتراع.
وعلى الجملة يعين المجلس العمال جميعا في أكثر أعمالهم.
هذه هي أعمال المجلس الإدارية.
الفصل الخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (1)
(1) العشرة المندوبون للعناية بالمعابد (2) العشرة الأستونوموي. ***
أولا:
يعين الاقتراع المندوبين العشرة الذين يعنون بالمعابد، وهم يقومون بالإصلاحات التي ليس منها بد، ينفقون في ذلك ثلاثين منا يتقاضونها من الأبودكتاي.
ثانيا:
ينتخب بالاقتراع الأستونوموي
1
العشرة، خمسة منهم يعملون في بيرا وخمسة يعملون في المدينة، ويعنون بأن لا يزيد أجر النساء اللاتي يلعبن بالمزمار والقيثارة على درهمين، فإذا اختلف رجال في امرأة من هؤلاء النساء كلهم يريدها لنفسه اقترع بينهم الأستونوموي، فأيهم أصابته القرعة دفعوها إليه، ويعنون أيضا بأن لا يطرح الكناسون القاذورات إلا على بعد عشرة ستاديا
2
من أسوار المدينة، ويمنعون أن تقوم الأبنية على الطرق العامة أو أن تسد الشوارع أو أن توضع في أعلى البيوت مجار تصب مياهها في الشوارع أو أن تتخذ النوافذ
3
بحيث تطل على الشوارع، ويعنون أيضا برفع من يدركه الموت في الطريق العام، ولهم على ذلك أعوان تأجرهم الدولة.
الفصل الحادي والخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (2)
(1) العشرة الآجورانوموي (2) العشرة المترونوموي (3) الخمسة والثلاثون الذين يراقبون الحبوب (4) العشرة الذين يراقبون الثغور التجارية. ***
أولا:
ينتخب العشرة الآجورانوموي
1
بواسطة الاقتراع أيضا، منهم خمسة لبيرا وخمسة للمدينة يكلفهم القانون أن يعنوا بأن تكون الأشياء المبيعة كلها نقية، وأن تباع بلا غش.
ثانيا:
وكذلك يعين الاقتراع عشرة مترونوموي، خمسة للمدينة وخمسة لبيرا يكلفون العناية بأن تكون الموازين والمكاييل التي يستعملها التجار عادلة.
ثالثا:
كان يوجد قديما عشرة يراقبون تجارة الحبوب خمسة لبيرا وخمسة للمدينة، أما الآن فهم عشرون للمدينة وخمسة عشر لبيرا، عليهم أولا العناية بأن يباع ما في السوق من الحبوب بالثمن المعروف، ثم بأن يبيع أصحاب الأرحية دقيق الشعير بثمن يناسب ثمن الحبوب، ثم بأن يباع الخبز بثمن يلائم ثمن القمح وبمقتضى الموازين التي عينها المفتشون؛ وذلك أن القانون يكلفهم تعيين مقادير الخبز.
رابعا:
كذلك يعين الاقتراع العشرة الذين يراقبون الثغور التجارية، وعليهم مراقبة الثغور المختلفة التي تشتغل بالتجارة، وأن يأخذوا التجار بأن ينقلوا إلى أتينا ثلثي ما ينزلون في الثغور من الحبوب.
الفصل الثاني والخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (3)
(1) الأحد عشر: القضاء على من أخذ مقترفا للجريمة (2) الدعاوي التي يقيمها الأحد عشر (3) الخمسة المدعون والدعاوي التي يجب أن يقيمها المدعون (4) الدعاوي التي يجب الفصل فيها في مدة شهر والتي يقيمها الأبودكتاي. ***
أولا:
كذلك يعين الاقتراع الأحد عشر الذين يديرون السجن، وهؤلاء الأحد عشر يقتلون السارق إذا أخذ وهو يقترف الجريمة واعترف بجريمته، سواء أكان سارق شيء أو إنسان، فإذا أنكر المتهم قدمه الأحد عشر إلى المحكمة، فإن برئ ردوه إلى حريته وإلا قتلوه في الحال.
ثانيا:
يقيم الأحد عشر أمام المحكمة الدعاوي على كل من اغتصب أرضا أو دورا تملكها الدولة، وكل عين قضت المحكمة بأنها ملك الدولة فعلى الأحد عشر أن يسلموها إلى البوليتاي، وكذلك يقيم الأحد عشر الدعوى على من اتهمه بعض الأفراد سرا باقتراف جريمة ما، فإن هذه الدعاوي تقع في اختصاصاتهم، ومع ذلك فقد يقيم الثسموثيتاي هذه الدعاوي.
ثالثا:
كذلك يعين الاقتراع خمسة مدعين واحدا عن كل قبيلتين، وعليهم أن يقيموا أمام المحاكم الدعاوي التي يجب الفصل فيها في مدة شهر، وهذه الدعاوي هي:
دعاوي المهر ودعاوي المطالبة بأداء الدين، والدعاوي التي يطلب فيها دفع فائدة لقرض قد اتفق عليه بشرط أن لا تتجاوز الفائدة «درهما في الشهر عن كل منا»،
1
والدعاوي التي يطالب فيها برد رأس مال اقترض ليتجر به في الآجورا، ودعاوي القذف ودعاوي الخصومة بين الإيرانيستاي
2
وبين الشركاء، والدعاوي التي تنشأ من بيع الرقيق والحلوب والتي تنشأ من التييراركيا
3
أو عمل المصارف، كل هذه الدعاوي يقيمها المدعون ويجب أن يفصل فيها في مدة شهر.
رابعا:
وكذلك يفصل في مدة شهر في الدعاوي التي يقيمها الأبودكتاي لمصلحة من اشتروا الضرائب أو عليهم أيضا، فإذا كان المبلغ المطلوب أكثر من عشرة دراهم أقام الأبودكتاي الدعوى أمام المحكمة وإلا قضوا فيه بأنفسهم قضاء غير مستأنف.
الفصل الثالث والخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (4)
(1) الأربعون: اختصاصاتهم، العلاقة بينهم وبين المحكمين العامين (2) المحكمون العامون: تعيين المحكمين إيبونوموي الطبقات، الدعاوي التي تقام على المحكمين (3) إيبونوموي الطبقات والخدمة العسكرية. ***
أولا:
يعين الاقتراع أيضا أربعين، أربعة عن كل قبيلة، وعملهم القضاء في سائر الدعاوي بمقتضى نظام يعينه الاقتراع، وقد كانوا في أول الأمر ثلاثين وكانوا يقضون متنقلين في الديموس، ولكن بعد حكومة الثلاثين زيد عددهم حتى بلغ الأربعين، يقضون قضاء غير مستأنف فيما لا يتجاوز عشرة دراهم، فإذا قدر المدعي موضوع خصومته بأكثر من ذلك أحيل على المحكمين العامين، فإذا لم يفلح المحكم في الإصلاح بين المتخاصمين أصدر حكما، فإن قبله الخصمان وأخذا أنفسهما بتنفيذه انتهت القضية، وإن استأنف أحد الخصمين أمام المحكمة اتخذ المحكم إناءين إناء للمدعي وإناء للمدعى عليه، ووضع في كل منهما ما كان من شهادة وإعذار وما احتج به الخصم من نصوص القانون، ثم يختم الإناءين ويلصق بهما حكمه وقد كتب على لوحة ، ثم يدفع كل هذا إلى أفراد الأربعين الذين عليهم أن يقيموا دعاوي قبيلة المدعى عليه، وهؤلاء يأخذون الأمر على عاتقهم ويقيمون الدعوى أمام محكمة يؤلفها واحد ومائة عضو أو واحد وأربعمائة عضو بمقتضى مقدار موضوع الخصومة إن زاد أو نقص عن ألف درهم، ومحظور أن يلجأ أمام المحكمة إلى قانون أو شهادة أو إعذار غير ما ذكر أمام المحكم واشتمل عليه الإناءان.
ثانيا:
يصلح حكما عاما كل عضو من أعضاء المدينة قد بلغت سنة ستين إلى واحد وستين سنة، ولأجل أن تعرف أسنانهم يستعان، «بثبت» الأركون والإيبونوموي،
1
وهناك نوعان من الإيبونوموي؛ الأول: الأبطال العشرة الإيبونوموي للقبائل. الثاني: الاثنان والأربعون إيبونوموي للطبقات العسكرية؛
2
وذلك أنه حين كانت تكتب أسماء الأفيبوي على ألواح بيض كان يكتب إلى جانبها اسم الأركون الذي كان يشغل منصبه في هذه السنة واسم البطل الذي اتخذه المحكمون إيبونوموس لهم في السنة الماضية، هذا الثبت منقوش الآن على عمود من البرونز، وهذا العمود يقام في كل سنة أمام قصر مجلس الشورى بالقرب من تماثيل الأبطال العشرة الإيبونوموي، فيأخذ الأربعون أسماء الذين قيدوا تحت آخر الإيبونوموي ويقسمون بينهم عمل التحكيم، ولأجل أن يقسموا بينهم الأعمال فهم يستشيرون الاقتراع ليعينوا لكل واحد منهم عمله، وعلى كل واحد منهم أن يحكم في الخصومات التي يضيفها إليه الاقتراع؛ وذلك أن القانون ينص على أن كل عضو من أعضاء المدينة قد بلغ السن المطلوبة ولم يقم بعمل المحكم قضي عليه بالآتميا، إلا أن يكون قد كلف في هذه السنة عملا آخر من أعمال الدولة أو كان غائبا عن أتيكا، وهذان هما العذران الوحيدان.
على أن من الممكن أن يتهم بطريق التبليغ السري أمام جماعة المحكمين المحكم الذي يؤخذ ببعض الذنوب، فإن حكم عليه فالقانون يصيبه بالآتميا، ولكن هذا المحكم يستطيع أن يستأنف.
ثالثا:
وكذلك يستعان بثبت الإيبونوموي في الخدمة العسكرية، فإذا أريد إرسال فرقة من الذين تمكنهم سنهم من الخدمة في غزوة من الغزوات، صدر أمر التجنيد في إعلان يوجه إلى كل الرجال منذ فلان الأركون وفلان الإيبونوموي إلى فلان الأركون وفلان الإيبونوموي.
الفصل الرابع والخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (5)
(1) الخمسة الذين يعنون بإصلاح الطرق (2) العشرة اللوجيستاي والعشرة السينوجوروي، أداء الحساب (3) الكتاب، كاتب المحفوظات من البروتانيا (4) كاتب القوانين (5) الكاتب القارئ ينتخب (6) المضحون، العشرة المندوبون للتضحية (7) العشرة المضحون للسنة (8) أركون سلامين وديماركوي بيرا. ***
أولا:
كذلك يعين الاقتراع العمال الآتين:
الخمسة الذين يكلفون إصلاح الطرق العامة
1
بواسطة عمال تأجرهم الدولة ويعملون تحت إشرافهم.
ثانيا:
اللوجيستاي العشرة والسينوجوروي
2
العشرة الذين يتلقون حساب العمال جميعا، لهم وحدهم الحق في امتحان عمل الحساب وعرضه على المحكمة إن دعت إلى ذلك الحاجة، وإذا ثبت أن أحد العمال قد حول أموال الدولة حكم عليه القضاة حكمهم على السارق وألزم دفع عشرة أضعاف المبلغ الذي أثبتت المحكمة أنه حوله، وإذا أثبت اللوجيستاي شيئا يدل على أن الحاسب قد ارتشى حكم عليه القضاة حكمهم على المرتشي وألزم أن يدفع عشرة أضعاف الرشوة التي قبلها، فإذا اتهم الحاسب بالعبث قدرت المحكمة عبثه، ولم تلزمه إلا بدفع المقدار نفسه، ولكن هذا المقدار يضاعف إذا لم يدفع قبل البروتانيا التاسعة، فأما العشرة أضعاف فلا تضاعف أبدا.
ثالثا:
وكذلك ينتخب بالاقتراع الكاتب الذي يسمى كاتب البروتانيا، وعليه إدارة المحفوظات وحفظ القرارات وينسخ غير ذلك من العقود ويحضر جلسات مجلس الشورى، وقد كان هذا المنصب قديما انتخابيا، وكان الشعب يختار له أشهر الناس؛ وذلك أن اسم الكاتب يوجد على الأعمدة في رأس المحالفات والقرارات التي تمنح حق البروكسنيا
3
أو تخول الحقوق السياسية، أما الآن فيختار بالاقتراع.
رابعا:
كذلك يعين الاقتراع كاتب القوانين الذي يحضر جلسات مجلس الشورى ويستنسخ القوانين جميعا.
خامسا:
وهناك كاتب ثالث ينتخبه الشعب، وهو مكلف قراءة الأوراق في مجلس الشورى وجماعة الشعب ليس له عمل إلا هذه القراءة.
سادسا:
يختار الشعب بواسطة الاقتراع المضحين العشرة الذين يسمونهم «مندوبي التضحية»، عليهم تقديم ما يأمر به الوحي من ضحية، وإذا قضت الضرورة في عمل من الأعمال باستشارة العلامات السماوية فعلوا ذلك مشتركين مع الكهنة.
سابعا :
وكذلك يختار الشعب بالاقتراع عشرة مضحين يسمون «مضحي السنة»، عليهم أن يقدموا بعض الضحايا، وهم يرأسون الأعياد التي تقام كل أربع سنين إلا أعياد الباناتينايا، وهذه الأعياد خمسة؛ أولا: عيد ديلوس،
4
وهناك عيد يقام في ديلوس كل ست سنين. ثانيا: عيد برورون.
5
ثالثا: عيد هيراكليس
6
ثم الإليزينيات.
7
خامسا: الباناتينايا، ولا سبيل إلى أن تقع ثلاثة من هذه الأعياد في سنة واحدة، على أنها قد نظمت بقانون صدر حين كان كيفيزوفون أركونا.
ثامنا:
وكذلك ينتخب بالاقتراع أركون سلامين وديماركوس بيرا، وكلاهما يكلف إقامة عيد ديونوزوس وانتخاب الكوريجوس.
8
وفي سلامين «ثبت» رسمي لأسماء الأركون.
الفصل الخامس والخمسون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع (6)
التسعة الذين يشغلون منصب الأركون
(1) طريقة اختيارهم (2) امتحانهم (3) حلفهم لليمين. ***
هؤلاء العمال الذين يختارون بالاقتراع وهذه هي اختصاصاتهم:
أولا:
فأما الذين يسمونهم أركونا، فقد قلنا كيف كانوا يختارون في أول الأمر، وكلهم اليوم وهم الثسموثيتاي وكاتبهم والأركون والملك والبوليماركوس ينتخبون بواسطة الاقتراع، واحد عن كل قبيلة، وبمقتضى نظام مقرر بين القبائل.
ثانيا:
هؤلاء التسعة الذين يشغلون منصب الأركون يمتحنهم مجلس الخمسمائة أولا، أما الكاتب فلا تمتحنه إلا المحكمة كغيره من عمال الحكومة؛ وذلك أن القاعدة أن كل عامل سواء انتخب أو عين بواسطة الاقتراع فليس له أن يتولى عمله إلا بعد أن يمتحن، فأما التسعة الذين يشغلون منصب الأركون فيؤدون امتحانهم أمام المجلس أولا ثم أمام المحكمة، وقد كان الأركون الذي يرفضه مجلس الشورى لا يستطيع أن يشغل منصبه، أما الآن فهو يستطيع أن يستأنف أمام المحكمة التي تقضي في الامتحان قضاء لا مرد له.
وهذه هي المسائل التي تلقى في الامتحان: من أبوك؟ ومن أي ديموس هو؟ ومن جدك لأبيك؟ ومن أمك؟ ومن جدك لأمك؟ ومن أي ديموس هو؟ ثم يسأل بعد ذلك أيعبد أبولون باترووس؟
1
وذوس أركيوس؟
2
وأين أدوات هذه العبادة؟ أله في البلاد مقابر دفنت فيها أسرته؟ وأين هي؟ أيؤدي حق أبويه؟ أيؤدي ضرائبه؟ أأدى خدمته العسكرية؟ فإذا ألقى الرئيس هذه المسائل واحدة بعد واحدة استمر قائلا : هات شهودك، فإذا سمع هؤلاء الشهود سأل الرئيس أيوجد معارض؟ فإذا تقدم معارض أمر الرئيس بسماع الاتهام والدفاع، ثم أمر أن يعلن المجلس آراءه بواسطة رفع اليد، فأما تصويت القضاة في المحكمة فيكون بالطريقة السرية، فإذا لم يتقدم معارض أخذت الآراء حالا، وقد كانت العادة قديما أن يكتفى بأن يعطي قاض واحد رأيه، أما الآن فيجب أن يعطي القضاة جميعا آراءهم في كفاية الأركون، حتى إذا كان بعض المرشحين غير الأكفاء قد استطاع أن يتخلص من متهميه لم يمنع ذلك القضاة من إبعاده عن العمل.
ثالثا:
فإذا أدى التسعة امتحانهم ذهبوا إلى حيث الحجر المقدس الذي توضع عليه أحشاء الضحايا، والذي يقسم عليه المحكمون قبل أن يحكموا والشهود قبل أن يشهدوا.
فيصعد التسعة على الحجر ويقسمون ليؤدن أعمالهم عادلين مطيعين للقوانين، وليمتنعن عن قبول الهدايا لأداء أعمالهم، وليقدمن إن قبلوها تمثالا من الذهب، فإذا أقسموا هذه اليمين صعدوا إلى الأكروبوليس حيث يؤدونها مرة ثانية ثم يبدءون أعمالهم.
الفصل السادس والخمسون
التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (1)
(1) أعوان الأركون والملك والبوليماركوس (2) الأركون، أعماله الإدارية، تعيينه للسكوريجوي، تنظيمه للحفلات والأعياد الدينية (3) اختصاصاته القضائية، الدعاوي التي يقيمها الأركون، حمايته للضعفاء. ***
أولا:
للأركون والملك والبوليماركوس أن يختار كل واحد لنفسه عونين يؤديان امتحانهما أمام المحكمة قبل أن يبدآ عملهما، وحسابهما بعد أن يخرجا منه.
ثانيا:
لا يكاد الأركون يبدأ عمله حتى يعلن بواسطة الصائح العام ما يأتي: «من كان يملك شيئا قبل أن يبدأ الأركون الجديد عمله فهو مالك له إلى أن يتم الأركون هذا العمل»، ثم يعين الكوريجوي لمسابقة التراجيديا وهم ثلاثة يختارهم من بين أكثر الأتينيين ثروة، وكان يختار قديما الكوريجوي للمسابقة في الكوميديا وعددهم خمسة، وهم الآن يعينون بواسطة القبائل نفسها، يستقبل الأركون أيضا الكوريجوي الذين تعينهم القبائل، وهم الكوريجوي لجوقات الرجال والأطفال ولجوقات الكوميديا التي تعمل في أعياد ديونيزوس ولجوقات الرجال والأطفال في الثرجيليا،
1
وهم عشرة للديونيزيا،
2
واحد عن كل قبيلة وخمسة للثرجيليا، واحد عن كل قبيلتين بمقتضى نظام مقرر بين القبائل.
يأخذ الأركون حينئذ في نقل
3
الثروة ويقدم إلى المحكمة الأسباب التي يقدمها من يريد التخلي عن الليثرجيا،
4
إما لأنه قد احتمل ثقلها، وإما لأنه ليس مكلفا أداءها؛ إذ هو قد أدى عملا آخر يعفيه منها ولما ينقض أجل الإعفاء بعد، وإما لأنه لما يبلغ بعد أربعين سنة؛ وذلك أن كل كوريجوس لجوقة الأطفال يجب أن يكون قد أتم الأربعين.
وكذلك يختار الأركون الكوريجوس لديلوس
5
والأركيثيوروي
6
الذين يقودون إلى الجزيرة الشبان في السفينة ذات الثلاثين قذافا.
فأما الحفلات التي يديرها فهي: التي تقام تشريفا لإسكايبيوس
7
يوم يلزم الشبان الذين يطلعون على الأسرار منازلهم، والتي تقام في الديونيزيا العظمى، يشترك في إدارتها مع المندوبين العشرة الذي كان ينتخبهم الشعب قديما وكانوا يتكلفون نفقات الحفلة، وهم الآن يختارون بواسطة الاقتراع ويتقاضون مائة منا ثمنا للثياب وما إليها، وكذلك يدير حفلة الثرجيليا والحفلة التي كانت تقام لتشريف ذوس سوتير.
8
وكذلك ينظم المسابقة في الديونيزيا والثرجيليا هذه هي الأعياد التي له إدارتها.
ثالثا:
أما الدعاوي العامة والخاصة التي تنال من الأركون
9
بمقتضى نظام يعينه الاقتراع، والتي يقيمها الأركون أمام المحكمة بعد تحقيقها فهي الآتية:
دعوى إساءة معاملة الأبوين «كل امرئ يستطيع أن يقيم هذه الدعوى من غير أن يتعرض لغرامة ما.»
ودعوى إساءة معاملة اليتامى «ترفع على الأوصياء.»
ودعوى إساءة معاملة الأبيكليروس «وهي ترفع على الوصي والزوج.»
ودعوى إساءة الإدارة لأموال اليتيم «وهي ترفع أيضا على الأوصياء.»
ودعوى السفه «ترفع على كل من اتهم بتبديد ثروته للسفه.»
ودعوى القسمة «ترفع على من يأبى قسمة ملك مشترك.»
ودعوى تعيين وصي.
ودعوى المطالبة بالوصاية حين يتقدم لها كثيرون لقاصر واحد.
ودعوى المطالبة بالميراث أو الأبيكليروس.
يعنى الأركون بحماية اليتامى والأبيكليروس والنساء اللاتي يعلن أن قد مات عنهن أزواجهن وهن حاملات، فأي الناس أضر بهؤلاء فللأركون أن يقضي عليه بالغرامة أو أن يقدمه إلى المحكمة، وعلى الأركون أيضا أن يؤجر أملاك اليتامى والأبيكليروس وأن يرتهن أملاك المستأجر، فإذا أبى الوصي أن يمنح القاصر ما هو محتاج إليه فللأركون أن يلزمه دفع ما يعدل ذلك من المال.
هذه أعمال الأركون.
الفصل السابع والخمسون
التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (2)
(1) الملك: أعماله الإدارية، الاحتفال بالأسرار، تنظيم الأعياد (2) حقوقه القضائية: دعوى الإثم والخصومة بين الأسر الممتازة وبين الكهنة (3) دعوى القتل، اختصاص الأريوس باجوس والمحاكم العادية. ***
أولا:
يرأس الملك الاحتفال بالأسرار،
1
يشاركه في ذلك أربعة ينتخبهم الشعب بواسطة رفع اليد، منهم اثنان ينتخبان من بين الأتينيين جميعا، وواحد من أسرة أيمولبيس وآخر من أسرة كيروكيس، ثم يرأس ديونيزيا ليانيون،
2
يشتمل العيد على طواف ومسابقة، فأما الطواف فينظمه الملك مشتركا في ذلك مع المندوبين، وأما المسابقة فينظمها وحده، وعلى الجملة يعنى بكل الضحايا التي قررها الأجداد.
ثانيا:
الدعاوي العامة التي يقيمها الملك هي دعاوي الإثم
3
ودعاوي المطالبة بالكهانة، وكذلك يفصل فيما يقع بين الأسر الممتازة
4
وبين الكهنة من الخلاف.
ثالثا:
يقيم الملك كل دعاوي القتل، وهو الذي ينطق بالحكم الذي يحرم المتهم حقوقه في أن يكون عضوا من أعضاء المدينة.
ويميز بين تهمة القتل وتهمة الجرح.
فأما تهمة القتل الذي سبق الإصرار عليه فترفع مكتوبة إلى الأريوس باجوس، وكذلك تهمة استعمال السم إذا أدى ذلك إلى الموت، وتهمة الإحراق، هذه هي الجرائم التي يقضي فيها شيوخ الأريوس باجوس.
فأما دعاوي القتل خطأ أو الشروع في القتل أو قتل العبد أو قتل الأجنبي، فيفصل فيها أمام البلاديون.
5
فإذا اعترف القاتل بالقتل بجريمته فيفصل في قضيته أمام الدلفنيون،
6
إذا كان مع ذلك يزعم أن هذا القتل مشروع؛ كأن يكون قد قتل الزاني بزوجته وهو يقترف الإثم، أو قتل خطأ في الحرب أحد مواطنيه، أو قتل خصما في اللعب وهو يخاصمه.
ثم إذا كان رجل قد نفي؛ لأنه اتهم بقتل يمكن أن تؤدى عنه الدية ثم اتهم بقتل أو جرح جديدين فإنه يحاكم في فرياتوس،
7
يدافع المتهم عن نفسه من أعلى سفينة قد رست بالقرب من الساحل.
وكل هذه الجرائم تقضي فيها محكمة عادية ينتخب أعضاؤها بالاقتراع إلا ما سبق أنه من اختصاص الأريوس باجوس، يقيم الملك الدعوى في هذه القضايا ويجلس القضاة في الليل لا يظلهم سقف، وينزع الملك تاجه حين يقضي، وليس لمن اتهم بالقتل أن يطأ مكانا مقدسا إلى يوم القضاء، بل ليس له أن يأتي الآجورا، فإذا كان يوم القضاء ذهب إلى المعبد ليقدم دفاعه، فإذا اقترف القتل ولم يعلم الجاني أقيمت الدعوى على القاتل كائنا من كان.
يقضي الملك وملوك القبائل أمام البروتانيون في تهم القتل التي يؤخذ بها الحيوان أو الأشياء الجامدة.
الفصل الثامن والخمسون
التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (3)
(1) البوليماركوس، أعماله الإدارية (2) اختصاصاته القضائية، العلاقة بينه وبين المتيكوي والإيسوتيليس والبروكسينوي. ***
أولا:
يكلف البوليماركوس أن يضحي لأرتيميس أجروتيرا
1
وأنواليوس،
2
وينظم الألعاب التي تقام تشريفا لمن قتل في الحرب، ويقوم بضحايا الاستغفار التي تقدم تشريفا لأرموديوس وأريستوجيتون.
ثانيا:
يختص البوليماركوس بكل الدعاوي المدنية التي ترفع في أي مكان على الإيسوتيليس
3
والبروكسينوي، وعليه أن يقسم هذه الدعاوي عشرة أقسام يضيفها بالاقتراع إلى القبائل العشر، فيحولها قضاة كل قبيلة إلى المحكمين، وهو بنفسه يقيم الدعوى أمام المحكمة إذا كانت موجهة إلى المعتق المنكر جميل سيده أو إلى المتيكوس الذي لا مولى له أو كان موضوعها الميراث أو الأبيكليروس.
وعلى الجملة يملك البوليماركوس من الحقوق على المتيكوي ما يملكه الأركون على أعضاء المدينة.
الفصل التاسع والخمسون
التسعة الذين يشغلون مناصب الأركون (4)
(1) الثسموثيتاي، تأليف المحاكم (2) اختصاصات الثسموثيتاي، العلاقة بينهم وبين جماعة الشعب (3) اختصاصاتهم القضائية، الدعاوي الجنائية (4) امتحان العمال، ما تنطق به جماعة الديموس ومجلس الشورى من رفض أو عقوبة (5) الدعاوي الأخرى التي يقيمها الثسموثيتاي (6) الاقتراع لتعيين المحاكم والقضاة. ***
أولا:
على الثسموثيتاي قبل كل شيء أن يعينوا ويعلنوا أيام جلسات المحاكم، ثم أن يعينوا لكل عامل من عمال الحكومة المحكمة التي يرأسها، وعلى هؤلاء الرؤساء أن يقبلوا من اختير لهم من القضاة.
ثانيا:
يرفع الثسموثيتاي إلى جماعة الشعب كل اتهام بالخيانة العظمى، ويديرون التصويت إذا قضي على المتهم، ويقدمون إلى الشعب ما رفع إليه من طلب الأحكام الفرعية، ويرفعون إليه كل اتهام بمخالفة القانون وكل ما يتهم به عارضو قوانين غير مناسبة والتهم التي توجه إلى البروويدروي والأبيستاتيس أثناء قيامهم بأعمالهم، ثم يرفعون إلى الشعب حساب الاستراتيجوي.
ثالثا:
ويقيم الثسموثيتاي بين الدعاوي التي لا بد فيها من تقديم الضمانة الدعاوي الآتية وهي:
دعوى الاغتصاب للقب العضوية في المدينة.
ودعوى الإفساد التي تقام على من اتهم بهذا الاغتصاب فاشترى قضاته.
دعوى السوكوفانتيا.
ودعوى الرشوة.
ودعوى التزوير في تقييد الأسماء.
ودعوى الكذب في الأعذار.
1
ودعوى سوء القصد.
ودعوى التزوير في محو الأسماء.
ودعوى الزنا.
رابعا:
يشرف الثسموثيتاي على امتحان عمال الحكومة جميعا، ويقدمون إلى المحاكم ما تنطق به جماعة الديموس من رفض وما يصدره مجلس الشورى من عقوبة.
خامسا:
ويرفعون الدعاوي المدنية في أعمال التجارة والمناجم وعلى العبد الذي يقذف الحر.
يقرون ما كان بين الدولة وغيرها من الدول من الاتفاق، ويرفعون أمام المحاكم الدعاوي التي تنشأ عن تنفيذ هذه الاتفاقات.
وكذلك يرفعون دعاوي التزوير في الشهادة إذا أديت أمام الأريوس باجوس.
سادسا:
والثسموثيتاي هم الذين يعينون لعمال الحكومة بواسطة الاقتراع المحاكم التي يرأسونها، سواء أكانت مدنية أم جنائية، ولكن جميع التسعة الذين يشغلون منصب الأركون هم الذين يشرفون على الاقتراع في تعيين القضاة، يعينهم على ذلك كاتب الثسموثيتاي، يشرف كل واحد منهم على الاقتراع في قبيلته.
هذا ما يمس التسعة الذين يشغلون منصب الأركون.
الفصل الستون
المناصب التي ينتخب أصحابها بالاقتراع
(1) الأثلوثيتيس، أعمالهم الإدارية (2) زيت الزيتون المقدس (3) الجوائز التي تعطى في مسابقة الباناتينايا. ***
أولا:
وكذلك يختار بواسطة الاقتراع الأتلوثيتيس
1
وعددهم عشرة، واحد عن كل قبيلة، فبعد أن يؤدوا امتحانهم يبقون في العمل أربع سنين، عليهم أن ينظموا الطواف في عيد الباناتينايا والمسابقة الموسيقية والمسابقة في الألعاب الرياضية وسباق الخيل، ويعنون مع مجلس الشورى بصناعة الببلوس والجرات،
2
ويدفعون الزيت إلى المنتصرين في الألعاب الرياضية.
ثانيا:
هذا الزيت يستخرج من أثمار أشجار الزيتون المقدسة، وعلى الأركون أن يعنى بجني هذا الزيت، وعلى ملاك الأرض التي توجد فيها هذه الأشجار أن يدفعوا إليه «كوتولا»
3
ونصف كوتول عن كل شجرة، وقد كانت الدولة قديما تؤجر هذه الأشجار، وأي الناس قطع أو اقتلع شجرة منها حوكم أمام الأريوس باجوس، فإذا قضي عليه فالعقوبة هي الموت، ولكن منذ جرت العادة بأن يقدم الملاك هذا الزيت كانت ضريبة، فقد أهمل استعمال هذه المقاضاة وإن ظل القانون قائما، فأما الزيت الذي يستخرج من ثمر الأغصان الناشئة فملك للدولة، وأما ما يستخرج من ثمر الشجرة نفسها فليس لها فيه شيء.
فإذا جمع الأركون زيت السنة دفعه إلى صاحب الخزانة على الأكروبوليس، وليس له أن يكون عضوا في الأريوس باجوس قبل أن يؤدي هذا الزيت كله، يحفظ صاحب الخزانة هذا الزيت في الأكروبوليس حتى يأتي عيد الباناتينايا فيدفعه إلى الأثلوثيتيس، وهؤلاء يقسمونه بين الفائزين في الألعاب الرياضية.
ثالثا:
وهذه هي الجوائز التي تمنح في هذا العيد:
تمنح أشياء من الذهب والفضة للفائزين في المسابقة الموسيقية، ودرقة لمن فاز في التمرينات الحربية، ويمنح الزيت لمن فاز في الألعاب الرياضية أو في سباق الخيل.
الفصل الحادي والستون
المناصب التي تنال بالانتخاب
المناصب الحربية
(1) الاستراتيجوي العشرة (2) تقسيم العمل بين الاستراتيجوي (3) مراقبة الشعب للاستراتيجوي (4) سلطة الاستراتيجوي (5) التاكسياركوي (6) الهيباركوي (7) الفولاركوي (8) هيباركوس لمنوس (9) وكلاء البارالوس والأميونياس. ***
تنال كل المناصب الحربية بالانتخاب.
أولا:
وأول هذه المناصب مناصب الاستراتيجوي، وهي عشرة كان ينتخب لها واحد من كل قبيلة، أما الآن فينتخبون جميعا من بين الشعب كله من غير نظر إلى القبائل.
ثانيا:
يقسم الشعب بواسطة رفع اليد على جماعة الاستراتيجوي أعمالهم، فيعين أحدهم لقيادة الأوبليتيس
1
حين يخرجون من الأرض لغزوة من الغزوات، والآخر للمحافظة على البلاد لا يشترك في الحرب إلا إذا حملت إليه، واثنان لبيرا أحدهما لمونيكيا والآخر لأكتي، وعليهما أن يحتفظا بالكيلي
2
وبيرا.
وآخر يعين للسموريا،
3
يكتب أسماء الترييراركوي في المناوبة، ويعمل في نقل الثروة إن دعت إلى ذلك حاجة، ويقدم إلى المحكمة ما يكون من نزاع بين المرشحين.
والاستراتيجوي الآخرون يرسلون إلى الخارج بمقتضى الحاجة.
ثالثا:
يجيب الشعب بواسطة رفع اليد في كل بروتانيا على هذه المسألة: أيؤدي الاستراتيجوي أعمالهم كما ينبغي ، فإن عزل الشعب واحدا منهم حوكم هذا المعزول أمام المحكمة، فإن قضي عليه عينت المحكمة العقوبة أو الغرامة، فإن برئ عاد إلى عمله.
رابعا:
وللاستراتيجوي حين يقودون الجيوش أن يحكموا بالحبس أو النفي أو الغرامة على من خالف النظام العسكري، وقل ما يحكمون بالغرامة.
خامسا:
وكذلك ينتخب بواسطة رفع اليد التاكسياركوي العشرة، واحد عن كل قبيلة، وهم يقودون أهل قبائلهم ويعينون الضباط.
سادسا:
وبهذه الطريقة نفسها ينتخب الهيباركوي، وهما اثنان يؤخذان بين الأتينيين عامة، لهما قيادة الفرسان، يقود كل واحد منهما خمس قبائل، وللهيباركوي على الفرسان من الحقوق ما للاستراتيجوي على الهوبليتيس، وهما خاضعان مثلهم للتصويت بواسطة رفع اليد.
سابعا:
وكذلك ينتخب الفولاركوي واحد عن كل قبيلة، يقودون فرسان قبائلهم كما يقود التاكسياركوي مشاتها.
ثامنا:
وكذلك ينتخب الهيباركوس الموكل بجزيرة لمنوس، يقود الفرسان الذين يعسكرون في لمنوس.
تاسعا:
وكذلك ينتخب الموكلون بالسفينة البارالية والسفينة الأمونية.
4
الفصل الثاني والستون
المناصب
(1) صورة الاقتراع (2) أجر العمال (3) المناصب التي يمكن أن تشغل غير مرة. ***
أولا:
كانت العادة قديما اتخاذ طريقتين مختلفتين للاقتراع بالقياس إلى المناصب التي كانت تنال بالقرعة، فكان بعضها ومنها مناصب الأركون يقترع لها في القبيلة كلها، وبعضها يقترع لها في كل ديموس على حدة، وكان يقع الاقتراع في التيزيون، ولكن ظهر أن الديموس كان يبيع مناصبه فأصبح يقترع لهذه المناصب أيضا في القبيلة كلها، لا يستثنى من ذلك إلا أعضاء مجلس الشورى، وإلا الجرس الذين حفظ الديموس حق الاقتراع لهم.
ثانيا:
أما أجور العمال فهي الآتية:
يتقاضى كل عضو من أعضاء المدينة عن كل جلسة يحضرها من جلسات الشعب «ثلاثة فلوس» ... ودرهما
1
عن جلسة عادية من جلسات جماعة الشعب، وتسعة فلوس عن كل جلسة غير عادية.
ويقبض كل قاض ثلاثة فلوس عن كل جلسة من جلسات المحكمة.
وكل عضو من أعضاء مجلس الشورى يتقاضى خمسة فلوس عن كل جلسة، أما البروتانوي فيزادون على ذلك فلسا ثمنا لطعامهم.
أما التسعة الذين يشغلون منصب الأركون فيتقاضى كل واحد منهم أربعة فلوس ثمنا لطعامه ، وعليهم أن ينفقوا على من يعينهم من السعاة وأصحاب المزامير.
2
ويتقاضى أركون سلامين درهما في كل يوم.
أما الأثلوثيتيس فيتناولون طعامهم في البروتانيون أثناء شهر إيكاتومبيون، وهو الشهر الذي يقام فيه عيد الباناتينايا، يبدأ في اليوم الرابع منه.
أما الأمفيكتيون
3
الذين يرسلون إلى ديلوس فيتقاضون درهما عن كل يوم، ويقبضون هذا الأجر في ديلوس.
وكل العمال الذين يرسلون إلى ساموس وسكيروس ولمنوس أو أمبروس يتقاضون نفقاتهم من الفضة.
ثالثا:
المناصب الحربية هي وحدها التي يمكن أن تشغل غير مرة، فأما غيرها فلا يشغل إلا مرة واحدة حاشا مجلس الشورى، فللعضو أن يدخله مرتين.
الفصل الثالث والستون
المحاكم
(1) تعيين القضاة، الأدوات اللازمة لتوزيع القضاة على المحاكم (2) الشروط التي لا بد منها للقاضي (3) الطرق المستعملة لتعرف شخصية القضاة، نفع ألواح القضاة. ***
أولا:
يعين القضاة بواسطة الاقتراع، يقترع كل أركون في قبيلته، ويقترع كاتب الثسموثيتاي في القبيلة العاشرة.
وللمحاكم عشرة مداخل، واحد لكل قبيلة، وهناك عشرون مكانا للاقتراع، اثنان لكل قبيلة، ومائة علبة للاقتراع أيضا، عشر لكل قبيلة، وعشر علب أخرى توضع فيها لوحات الذين وقعت عليهم القرعة ليكونوا قضاة.
وعلى كل مدخل يوجد هودريان
1
وعصي بعدد القضاة الذين يحتاج إليهم، وفي أحد الهودريين يوجد من ثمر البلوط عدد ما يوجد من العصي، وعلى هذا الثمر قد كتبت أرقام تبدأ من رقم أحد عشر، وقد كتب من هذه الأرقام بمقدار ما سيؤلف من محاكم.
ثانيا:
كل عضو من أعضاء المدينة قد بلغ الأربعين يمكن أن يكون قاضيا بشرط أن لا يكون مدينا لخزانة الدولة، وأن لا يكون قد قضي عليه بالآتميا، فأي الناس جلس للقضاء من غير أن يكون له في ذلك حق فلمن شاء أن يتهمه بذلك أمام المحكمة، فإن قضي عليه فعلى القضاة أن يعينوا العقوبة أو الغرامة اللتين قد تركتا لتقديرهم، فإن قضي عليه بالغرامة وكان مدينا للخزانة حبس حتى يؤدي أولا دينه إلى الخزانة، ثم ما قضي به عليه من الغرامة.
ثالثا:
يحمل كل قاض لوحة من البقس قد كتب عليها اسمه واسم الديموس الذي ينتسب إليه، ثم أحد الأرقام من واحد إلى عشرة؛ وذلك أن القضاة يؤلفون في كل قبيلة عشرة أقسام، ويكاد عدد قضاة الأقسام أن يكون واحدا.
فإذا عين أحد الثسموثيتاي بواسطة الاقتراع الأرقام التي تجب أن توضع على المحاكم ذهب الساعي فوضع على كل محكمة رقمها.
وبهذا الفصل ينتهي القسم الصالح من الكتاب، وهو يقع في العمود الثلاثين من البردي وفي اللوحة الثامنة عشرة من الطبعة الفوتوغرافية،
2
ثم يليه جزء شديد الفساد قد كتبه ناسخ آخر وكثير من المواضع في هذا الجزء مستحيلة الفهم، وهذا الجزء يقع في سبعة أعمدة من البردي، وهي العمود الحادي والثلاثون إلى السابع والثلاثين ويقع في اللوحة التاسعة عشرة والعشرين والحادية والعشرين من الطبعة الفوتوغرافية.
وكل هذا الجزء يتعلق بنظام المحاكم، ونحن محاولون ترجمة ما بقي منه ترجمة حرفية من غير أن نقسمه إلى فصول؛ لأن الناشر الإنجليزي والمترجمين الفرنسيين لم يحاولوا ذلك لتعذره.
الفصل الرابع والستون
العمود الحادي والثلاثون من البردي في اللوحة العشرين من الطبعة
الفوتوغرافية
نظام المحاكم
(1) تأليف ثبت القضاة، الملاءمة بين الاقتراع في اللوحات والاقتراع في المكعبات (2) تقسيم القضاة بين المحاكم التي تجلس للقضاء. ***
أولا:
تقسم العلب على القبائل وقد كتبت عليها الأرقام من واحد إلى عشرة، فإذا وضعت لوحات القضاة في علب كتب عليها رقم معين وأقبل الساعي فهز هذه العلب وأخذ أحد الثسموثيتاي يأخذ من كل علبة لوحة، فأول قاض وقعت عليه القرعة يسمى المعلن، وهو يعلن اللوحات كلما استخرجت من العلب على مسطرة تحمل أرقام هذه العلب، يختار المعلن بالاقتراع حتى لا يقوم بعمله دائما شخص معين، وحتى لا يقع الغش في اختيار القضاة.
فإذا وضع أركون كل قبيلة المكعبات «في العلب» دعا القضاة إلى مكان الاقتراع، وهذه المكعبات هي حجارة سود وبيض يوضع من المكعبات البيض عدد يعدل عدد ما يحتاج إليه من القضاة مكعب عن كل خمس لوحات ومثل ذلك من المكعبات السود.
ثانيا:
فإذا استخرج الأركون هذه المكعبات بواسطة الاقتراع دعا الساعي القضاة الذين عينوا يعينه على ذلك المعلن، فإذا دعي القاضي وثبتت شخصيته أخذ من الهودريون ثمرة من ثمر البلوط وأظهرها إلى الأركون الذي يشرف على العمل، فإذا رأى الأركون هذه الثمرة ألقى بلوحة القاضي في علبة أخرى عليها رقم هذه الثمرة حتى يذهب القاضي إلى المحكمة التي وقعت له بالاقتراع لا إلى المحكمة التي يريد أن يذهب إليها، وحتى لا يمكن أن تؤلف محكمة من قضاة قد أريدوا لها من قبل، وقد كان وضع إلى جانب الأركون عدد من العلب يعدل عدد المحاكم التي يراد تأليفها، وعلى كل علبة منها رقم محكمة من المحاكم.
الفصل الخامس والستون
العمود الثاني والثلاثون من البردي
اللوحة العشرون والتاسعة عشرة من الطبعة الفوتوغرافية: نظام
المحاكم
(1) كيف يعرف القاضي محكمته؟ العصي (2) أمارات الحضور. ***
أولا:
يدفع الساعي إلى القاضي عصا قد لونت بلون المحكمة التي يجب أن يذهب إليها، والتي عليها رقم ثمرة البلوط التي يحملها حتى لا يستطيع أن يدخل محكمة أخرى، فإن فعل دل عليه لون عصاه؛ وذلك أن أعالي أبواب المحاكم قد لونت ألوانا مختلفة، فإذا أخذ القاضي عصاه ذهب إلى المحكمة التي قد لونت بلونها، والتي عليها رقم ثمرة البلوط التي كان أخذها.
ثانيا:
فإذا دخل القاضي دفع إليه عامل قد اختير بالاقتراع قطعة من المعدن قد ضربتها الدولة (وليس من سبيل إلى ترجمة ما بقي من العمود ترجمة صحيحة).
الفصل السادس والستون
العمود الثالث والثلاثون من البردي
اللوحة التاسعة عشرة (لم يبق منه إلا أوائل السطور)
الفصل السابع والستون
العمود الرابع والثلاثون من البردي
اللوحة التاسعة عشرة (لم يبق منه إلا جمل متفرقة يظهر من مقارنتها أنها كانت تتعلق بالمرافعة)
الفصل الثامن والستون
العمود الخامس والثلاثون من البردي
اللوحة التاسعة عشرة والعشرون من الطبعة الفوتوغرافية
أمكن استخلاص شيء منه؛ لأن بعض نصوصه قد وردت في كتب القدماء.
وصف الإجراءات القضائية: أمارات التصويت
تتخذ أمارات التصويت من البرونز وقد قام في وسطها عرق قد ثقب في بعضها وبقي كما هو في بعضها الآخر، فإذا تمت المرافعة أقبل الموزع فأعطى كل قاض أمارتين إحداهما قد ثقب عرقها والأخرى لم يثقب، يدفع إليه ذلك بطريقة ظاهرة يشهدها الخصمان حتى لا يقال إن قاضيا قد دفع إليه أمارتان مثقوبتان أو كاملتان.
الفصل التاسع والستون
العمود السادس والثلاثون والعمود السابع والثلاثون من البردي
اللوحة الحادية والعشرون من الطبعة الفوتوغرافية: وصف الإجراءات
القضائية
(1) الجرات التي تجمع فيها الأصوات (2) التصويت (3) إحصاء الأصوات وإعلان نتيجة التصويت (4) التصويت في تقدير العقوبة (5) دفع الأجر للقضاة. ***
أولا:
في المحكمة جرتان، إحداهما من البرونز والأخرى من الخشب، وقد فصلت كل واحدة من صاحبتها حتى لا يخطئ أحد حين يريد أن يضع أمارة تصويته، في هاتين الجرتين تجمع أصوات القضاة، ففي الجرة البرونزية تلقى الأمارات التي يراد بها الحكم وفي الجرة الخشبية توضع الأمارات التي يراد إلغاؤها.
وقد سدت الجرة البرونزية بغطاء فيه ثقب لا تمر منه إلا أمارة واحدة في وقت واحد.
ثانيا:
فإذا آن أوان التصويت أعلن الصائح ذلك إلى الخصمين وطلب إليهما أيريد أحدهما الطعن في شهادة الشهود، فإن الطعن في الشهود يجب أن يكون قبل تصويت القضاة، ثم يعلن الصائح أن الأمارة المثقوبة لمن تكلم أولا والكاملة لمن تكلم ثانيا. (ثم يأتي بعد ذلك ستة عشر سطرا شديدة الفساد، لا شك في أن موضوعها كان في بحث الأمارات واستخلاص نتيجة التصويت.)
ثالثا:
يفصل بين الأمارات المثقوبة وغير المثقوبة فيلقى بعضها (وهي الأمارات التي يصوت بها للمتهم أو المدعي) في الجرة البرونزية.
ويلقى بعضها الآخر (وهي التي يصوت بها لغير ما يطلبه هذا في الجرة الخشبية، ثم يدفع السعاة المكلفون حمل الأصوات الجرة البرونزية ...)
ثم يعلن الصائح عدد الأمارات، فالأمارات المثقوبة للمدعي والأمارات غير المثقوبة للمدعى عليه، فأي الخصمين كان أكثر من صاحبه عدد أمارة فقد ربح القضية، فإن تساوى نصيبهما من الأمارات برئ المدعى عليه.
رابعا:
فإن دعت الحاجة أعيد التصويت (لتقدير العقوبة أو الغرامة).
ويصوت القضاة بالطريقة نفسها دافعين أمارات الحضور آخذين عصيهم، ولكل من الخصمين نصف كونجيوس
1
من الماء ليبسط رأيه في التقدير.
خامسا:
فإذا أتم القضاة عملهم بمقتضى القانون قبضوا أجورهم في القسم الذي عينه الاقتراع للقضاء فيه.
Bilinmeyen sayfa