فالأحاديث نص في الغسل، وفي غالبها تثليثه، وحيث يذكر المسح لم يذكر التثليث، فهو يفرد، وبتلك الأحاديث يقيد حديث أبي هريرة وغيره: أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين، وتوضأ ثلاثا ثلاثا (1)، أي إلا المسح فأفرده، وورد المسح ثلاثا قليلا، وعن عمر: أنه مسح برأسه مرتين، ومضى من حديث علي مسح الرأس ثلاثا، ولم يذكر في بعض الأحاديث مسح الأذنين استغناء بذكر مسح الرأس، فإنه يشمل مسحهما على أنهما من الرأس، فإذا مسحت قدام رأسك مثلا، ومسحت أذنيك.
صدق عليك أنك مسحت رأسك في موضعين منه، بناء على القول بأنهما منه.
__________
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الطهارة، باب ما جاء في الوضوء مرتين مرتين، ص26، ح (43)، وأخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب الوضوء مرتين، ص38، ح (136)، وأخرجه ابن ماجه، كتاب الطهارة، باب الوضوء ثلاثا ثلاثا، ص59، ح (415).
وفي تلك الأحاديث دلالة على الترتيب والموالاة، إذ لم يفعل سواهما، فليكونا هما المفعولان، ففعله صلى الله عليه وسلم بيان لهما، وتفسير للآية بهما، ولما لم يبين الله تعالى ما يبدأ به بدأ بما بدأ الله به ، وربما دل عليه حديث: " أبدأ بما بدأ الله به " (1) لعموم لفظه، ولو ورد في السعي، لا كما قال أبو حنيفة بعدم وجوب الترتيب (2).
ومما هو نص في غسل الأرجل قول عطاء: والله ما علمت أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين، وقول عائشة: لأن تقطعا أحب إلي من أن أمسح عليهما.
ويدل للغسل أيضا أنه لا يجعل للممسوح حد، ولو كانتا تمسحان ما حدتا بالكعبين، ولا ضير في نصب الأرجل بالعطف على الوجوه المغسولة، لأنه ولو لزم عليه الفصل بجملة غير اعتراضية، لكن في الفصل حكمة ترتيب أعضاء الوضوء في الذكر، لأن الواو ولو لم تفده لكن السنة بينت أنه المراد، مع أنه قد يقال: الجملة الفاصلة معترضة لأجل هذه المحكمة، وجملة الاعتراض كثيرا ما تكون بالواو، ودعوى أن نصب أرجل للعطف على محل رؤوس لا على زيادة الباء للتأكيد، خلاف الأصل من جهة كون الأصل العطف على اللفظ، ومن جهة الأصل عدم الزيادة.
ودعوى كون نصبه على محل رؤوس لا على زيادة الباء خلاف الأصل، لأن الصحيح أن لا يعطف على محل لا يظهر في الفصيح، والفصل لتلك الحكمة لا يضعف، بل قد قيل أيضا:
Sayfa 89