أول مبدأ تحفظه المرأة الجاهلة عند زواجها هو عدم الثقة بزوجها، مهما أكد لها براءته من تهمة الخيانة، ومهما كان الباعث له على تغيبه عن منزله، فتراها إذا ذهب زوجها لديوانه ودعاه صاحب له إلى الغداء معه فلم يؤب لمنزله إلا بعد، تراها تتكدر وتثور زوابع غضبها وتتهمه إما بزواج جديد أو بمصاحبة غير شرعية. تراها إذا دعي للسهر مع إخوانه فتأخر قليلا بالليل تسأله: أين كنت؟ ولا تصدقه إذا قال الحقيقة، تراها إذا كان ممن ينتدب في تحقيق قضية أو البحث عن جناية وتغيب يومين أو ثلاثة تتهمه حقيقة، فيلتفت الزوج إلى ما تقول امرأته ولا يلبث أن يتزوج أو يخال؛ لأنها علمته أن هذا الأمر مستطاع له، وسهلته على أذنيه وروحه بكثرة ذكره له، وشدة الضغط تحدث الانفجار.
إذا ركز هذا الأساس في رأس الزوجة نغصت عيشها وعيش قرينها؛ لأن السعادة والشقاء وهميان، فإذا تخيلت أني سعيدة انبسط أمامي الكون، ووجدت مخرجا من المضايق التي تعترضني، ووجدت من ثقتي بنفسي واعتدادي بسعادتي سعادة حقيقية، وصرفت الأمور على قاعدة أن أكون دائما جذلة، وإذا انقلب الأمر رأيت كل حادث هين جالبا للشقاء، وهذا مشاهد في النساء لا سيما الجاهلات؛ لأن اعتقادهن في أي شيء لا يتزعزع حتى ولو سطع أمامهن برهان يكذب ما يعتقدن؛ ولأن أعصابهن أسرع تأثرا وأنفسهن أكثر انفعالا منها عند الرجال.
وقد يتفق أن يرى الإنسان سيدة دائمة الحزن مقطبة الجبين بلا مسوغ، وأخرى دائما جذلة وكل ما حولها مثبط للهمة مزعج، فأي الأسباب عكس كل قضية إلى ضدها؟ إنه هو الاعتقاد والنفس.
وإذا فقدت المرأة الثقة في قرينها فقد يفقدها هو أيضا منها، فيا لهول تلك العيشة المنكرة! مرتبطان اسما منفصلان معنى، والنساء الملتفات حول الزوجة يزدنها كرها له بأن يزعمن أنهن رأين خليلته أو زوجته الأخرى، وينهبن الزوجة الساذجة ويطمعنها في أن ما يأخذنه منها هو لنكاية عدوتها، وسلاحهن الوحيد هو السحر؛ فيا ضعف السلاح والمقاتل! لماذا تعتقد المرأة دائما أن الرجل ليس مخلصا لها الود كما هي مخلصة له؟ إنها ولا شك مخطئة في ذلك التقدير إلا إذا رأت بعينها ما يثبته، ومما يجسم لها خيالها لسانها الذي لا يفتأ يقلب للزوج مواضيع لم تكن لتخطر له، فهي تعيدها صباح مساء، وتقوم معها وتنام، تحلم بها وتأكل ، وهي من جوارشها (أي: مشهياتها للطعام)؛ فيتضايق الزوج لأن الموضوع في ذاته ثقيل، ثم هو مكرر ومعاد مرارا، والشيء حتى الجميل إذا كرر مرارا ضاعت طلاوته وذهب رونقه، فما بالك بهذه التهمة الشنيعة وفقدان الثقة؟! إذا تضايق الزوج من هذا الحديث وبلغت روحه التراقي، ولم يفلح في إثبات براءته وإخلاصه لزوجته، لم يجد أمامه إلا أحد طريقين؛ إما أن يكثر من مجالستها ويستغني عن رأسه وأذنيه، وإما أن يهيم حيث لا مضايق وحيث يبجل مع إخوانه ويتبادل معهم أطايب الحديث، ولكن يستعد لسماع قوارص الكلام كلها ليلا عند أوبته لمنزله، فبحق الألفة والسعادة هل يعد ذلك عيشا؟!
هل علمت سبب تلك الوساوس؟ نعم هي الغيرة العمياء.
الغيرة القليلة ممدوحة؛ لأنها تدل على حب الشخص للآخر وعلى اهتمامه به، فإذا رأت سيدة بعلها غير مستقيم السيرة وتأكدت ذلك من طريق الصدق لا من شياطينها وأعوانها ولم تغر عليه، فإنها لا إحساس لها والحجر أقرب للتأثر عنها، وأما إذا استعملت الغيرة في غير موضعها فإنها تشقي نفسها وتشقي زوجها وتشقي أهله وأهلها.
هل يجسر بعل يوما أن يكلم عجوزا أو يضاحك طفلة أمام زوجته الجاهلة؟ وهل إذا قصدته أرملة في إنجاز عمل لها، لم تجد أكفأ منه في القيام به، هل تغفر له زوجته هذا الخطأ العظيم في مكالمة الأجنبية عنه؟
يجب أن لا يجعل محل للريب إذا رؤيت الريبة رأي العين؛ قد تحمل الرجل سلامة نيته على أن يبوح لامرأته ببعض ما رآه في صباه، أو أن يصف لها ملاهي باريس وغيرها من البلاد، التي ربما كان ساح بها قبل زواجه، فيلاحظ وهو يقص الحديث أنها تتغير أو تسأله عدم تكملته، ولكن هل تغارين أيضا من الماضي أيتها السيدة وقد ابتدأ وانتهى قبل تعرفك بهذا الزوج الشقي؟
والسيدات يملن دائما لفتح مثل هذا الحديث، وليس عندهن أرقى منه طبعا، فتجتهد كل واحدة في إظهار المساوئ التي تسمع بها أو تخترعها عن زوج صديقتها، وتظن ذلك خدمة لها؛ لأنها توقفها على مبلغ إخلاص زوجها لها، فإذا فرض وكانت هذه المساوئ حقيقية، فإن تلك الصديقة الجاهلة تضر صديقتها من حيث تريد لها النفع، وتسبب شقاء أسرة بأكملها، وإذا كانت اختراعا وافتراء على رجل بريء فما كان أجدر هذه الصديقة بضبط لسانها، وهو لا يكلفها أكثر من إطباق فكيها.
وقد شوهد كثيرا أن اختلافات وخصومات جناها أرباب الأسر المتفقة المتحابة من أمثال هؤلاء الواشيات، فإذا علم الزوج أن امرأة صاحبه أو أمه أو قريبته، هي التي غيرت عليه زوجته، واكفهر من غيم حديثها جو سعادته ووفاقها، لا يسعه - وهو مصيب - إلا أن يأمر ذلك الصاحب بحجز تلك المنتمية إليه عن الإيقاع به، وعن الدخول إلى منزله فتؤلم هذه الإهانة صاحبه وتوجعه، وربما بتت بينهما حبل الوداد.
Bilinmeyen sayfa