8
الخرافية التي حكى عنها كريستوف كولنبس، أو بجليد الشمالي الذي يتفتت ويتكسر ويتجمع عند حواجز الأنهار حتى تذيبه شمس الربيع، وفي بعض الأحيان تكفي هنا هبة ريح لفك كل شيء، وما أكثر ما هلكت قطاع على مثل هذه القطع، حتى إن بقر الماء يهلك أحيانا جوعا فوق هذه الجزر النباتية الخادعة.
ذلك هو عمل الريح الثورية التي لا تكل، والتي توقد بلا انقطاع نار الحرب بين الأرض والماء، والريح هي من القوة ما تقذف معه من مجرى النهر الأصلي، وذلك في ليلة واحدة، كتل أحد الأحواض العشبية، فإذا حلت الليلة التالية هبت الريح الأخرى، التي هي أخت عدو لتلك الريح، من الجهة المعاكسة ومزقت كل شيء إربا إربا واسترد النيل حريته، وإذا ضغط النيل عائم الجزر وأراد استقرارها دفعتها الريح إلى الخلف، وتزيد سرعة النيل في الجبال عشرة أمثالها في بعض الأحيان، ومن ثم تنشأ فيضانات النيل وروافده، وأمس كان بحر هنا، واليوم تبصر مرجا هنا، ومن المحتمل أن تجد في الغد بحرا من جديد هنا.
ولا تموت كتل النبات تلك، وهذا الحاجز هو مصدر حياة جديدة للنهر، وعندما يكثر البردي في مكان ما من الأعلى ومن الأسفل، وعندما تقف الحمأة
9
والصوالة،
10
المنحلتان المتجمعتان بين الجذور، كل جريان فتقضي عاصفة على هذا الحاجز فجأة، تجر الأنقاض بعنف إلى الحاجز التالي وتقويه، ومما لا يحصى عدد الأسماك والتماسيح وأبقار الماء التي أخذت وخنقت في هذه الأشراك الواسعة، ولدى النبات كما لدى الإنسان تحدث بلية بفعل الفوضى فتفسد الطبقات العميقة على حين تظهر الطبقات العليا وتسير كما تريد، وقد تبلغ هذه الكتل العشبية من الارتفاع خمسة أمتار في بعض المرات، ولهذا الصراع المضني ضد هذه الألوف من صغار الأعداء نتائج خصيبة مع ذلك، فالنهر يثير الأرض فتسقط أجزاؤها اليابسة دوما وتستر مجددا، وما يتم لمجرى النهر من تبديل هنا، في النيل النهري، وهو الذي لا يتفق للأنهار الأخرى إلا في قرون، فيقع بسرعة ومن غير انقطاع.
غابة استوائية.
وكسرت قوى الإنسان تجاه العناصر مدة ألفي سنة، ويبدو الأعداء - الريح والماء والتراب - متفقين سرا على إقصاء الإنسان، ووقفت تلك الحواجز النباتية جميع الغزوات التي جردت منذ عهد نيرون، وحول النيل الذي لا يقهر مجراه في تالي القرون طليقا كما نظم حوضه على مراده.
Bilinmeyen sayfa