نقلت للكاتب الألماني الكبير إميل لودفيغ غير كتاب في تراجم الرجال، وللنابغة الغربي هذا كتاب «النيل» وكتاب «البحر المتوسط» ترجم فيهما للنهر وللبحر كما ترجم للعظماء، فأكسبهما من الحياة ما يخيل إلى القارئ معه أن الجماد من بني الإنسان، و«النيل» هو الذي أعرضه الآن على القراء.
بدا النيل للودفيغ إنسانا فقص نبأ مغامراته ومخاطراته، وأبصر النيل في شبابه مرددا لمؤثرات البيئة التي أوجدته، فلما صار كهلا أخذ يكافح تطاول العالم الخارجي بسجيته، ولما دخل دور المشيب ظهر أثر الإنسان فيه.
وقضى لودفيغ ست سنين في جمع مواد هذا السفر الجليل، الذي هو بدع في بابه ووضعه، ولا يعد هذا السفر - إذن - من الكتب التي ينشرها كتاب ينفقون أسابيع في مصر فتشتمل على خطأ غير قليل.
وينطوي الكتاب على أدب وتاريخ وجغرافية، مع غموض والتباس في الفكر والتعبير، شأن لودفيغ في جميع كتبه، فبذلنا جهدا كبيرا في تذليل ذلك لشوكة اللغة العربية مع حرفية النقل، وجعل أسلوب الترجمة مساويا للأسلوب الأصلي جهد المستطيع.
والكتاب - مع ذلك - ليس للتسلية، ولا للترويح والتخلية، فلم يكتب باللغة الدارجة ولا على نمط الروايات السيارة، وهو يتطلب - لفهمه والإحاطة بمعانيه ومناحيه - صبرا ودقة وإنعام نظر.
ومن يطلع على كتب لودفيغ ومن إليه من أساطين الأدب في الغرب يرعه ما بين الأدبين - العربي والغربي - من بون واسع في الوقت الحاضر، مع ما كان من غنى لغة الأدب العربي في الزمن الغابر، ولا بد - لذلك - من تطعيم لغتنا الراهنة مقدارا فمقدارا بما تحتويه معاجمنا من كلمات غير نابية، فلعلها تصير مألوفة، وهذا ما سرت عليه بعض السير في كثير من الأسفار التي ترجمتها، ولكن مع تفسير هذه الكلمات في هامش الصفحات تسهيلا للمطالعة.
وفي الكتاب كلمات قليلة عربناها لما رأينا من عدم وجود ما يقابلها في كتب لغتنا، كما أننا اجتنبنا تكرار النسبة في الكلمات المعربة خلافا لما اعتمده كتابنا فنبهنا إلى ذلك كله في مواضعه.
نقلت كتاب «النيل» إلى العربية معتمدا على ترجمته إلى الفرنسية والإنكليزية، راجيا أن أكون قد قدمت إلى إخواني أبناء النيل هذه الهدية الصغيرة لأعرب لهم عن مودتي بها، ووادي النيل هو البلد الكريم الذي أحببته كثيرا.
نابلس
عادل زعيتر
Bilinmeyen sayfa