Firavunlar ve Araplar Döneminde Nil
النيل في عهد الفراعنة والعرب
Türler
وأخطأ القدماء أيضا في نسبتهم زيادة الفيضان إلى هبوب الرياح في وقت طويل، تكون الأمطار فيه مجبورة على أن تجود بقطراتها على هذا النهر، وتدفعه بلا انقطاع إلى المنافذ الكبيرة التي تسيل على شواطئ البحر الأحمر، ولوجود حواجز أمامه تعوق سرعة انحداره، ويتدفق في الجداول والجهات التي تستفيد مزارعها وحقولها لوصول فيوضاته إليها.
ومن الخطأ أيضا التصديق بأقوال من زعموا أن فيض النيل ناتج عن قنوات مارة تحت الأرض ، أو ثقوب مفتحة الأفواه في حفر واسعة تنحدر إليها المياه في مسافات عميقة آتية من الجهات الباردة في الدب الأكبر، وسط قطب الدنيا، وإن حرارة الشمس لما تضعف عند بلدة مروى تجلب مياهها وتجذب النهرين الكانج والألب بمسالك خفية يقذف عندها النيل تدفقاته إلى هذه الأنهار في منبع واحد، ولكنها لا تستطيع السريان في هوته فيدمج الأرض حين يغمرها، وينتزع من بعض طبقاتها الأملاح الكامنة في طول مجراه.
وظن البعض أن الشمس والهواء يجتذبان الماء من المحيط، ولما تصل الشمس إلى المنطقة الحارة أمام برج السرطان ينشق المحيط، ويأخذ مياها أكثر من الجو، وهذه الزيادة تنقلها الأعاصير إلى النيل.
وأرجوك أيها القيصر أن تسمح لي بأن أشرح لك تحليلات هذه المسألة العويصة فأقول:
إن مياه النيل منذ بدء الخليقة تتسرب من عروق في الأرض، أوجدها الله لتكون مجراه الطبيعي، تسيره القدرة الإلهية بأنظمة وقوانين فوق مقدورات أمثالنا وأمثالكم، أتريد يا روماني معرفة منابع النيل، وقد اهتم قبلك بالبحث في موضوعها الملوك المصريون الجبابرة والعجم والمقدونيون منذ أجيال، ولم يتغلبوا على قوة الطبيعة في شيء؟ وأراد إسكندر ذو القرنين أكبر ملوك الأرض في عهده، والمعبود الأعلى في مدينة ممفيس معرفة منابع النيل، فأرسل بعثة في أواخر إثيوبيا، وهناك عاقتها حرارة الجو الملتهب، وذهب سيزوستريس إلى الغرب وإلى أقاصي الدنيا تجر الملوك عربته، وكان في استطاعته أن يشرب من منابع أنهاركم «كالرون والبو»، فإن ذلك أسهل عليه من أن يشرب من منابع النيل، ووصل كمبير الأحمق إلى الشرق بين الذين يعمرون طويلا، ولما غابت عنه المئونة ذبح رجاله والتهمهم بدون أن يعرف منابع النيل، ولم يستطع أحد في القصص والروايات الوصول إلى مقر منبعه، ولم تدخر الأمم وسعا في السعي إلى اكتشاف منابع النيل، وإني أدرك حكمة الآلهة الذين أرادوا صيانة مجراك أيها النيل، من أن يستطيع أحد الوصول إلى منتهاك البعيد المدى، فإنك تقوم وسط قطب العالم ناصبا شواطئك أمام برج السرطان المضطرب، فتسري إلى الجهات، وتراك فيها الشعوب القاصية والدانية ، وتبحث القاصية عن منبعك ثم تعود مقهورة إلى حقول إثيوبيا المرتوية من مياهك الغربية ويجهل العالم منبعك.
وقد أعطيت وحدك أيها النيل حق الامتياز لتسير من قطب لآخر، يبحث الناس في بداية مجراك ونهايتك، تتسع مياهك ثم تضيق لتحيط مروى، وسكانها قوم سود الوجوه يفتخرون بغاباتهم المملوءة بخشب الأبنوس الكثيرة الأوراق، ولا يوجد هناك ظل يخفف حدة الحر ما دام برج الأسد يرسل حرارته على خط مستو على وجه الأرض، فتمر في منطقة الشمس بدون أن تضيع شيئا من مائك، تدعو قريبا تحت طبقتك مياهك المقسمة إلى حدود قبائل العرب وأراضي ببلاق «فيلا» التي هي منتهى حدود مملكتك المصرية، وعند ميلك تخطط الصحراء بممر التجارة بين البحر الأحمر وجبال ليبيا.
أرتنا لجج النيل عندما تحتد، فيلاقي مجراها في مسيره عراقيل وشلالات سريعة تعترضها بعض الصخور في الصحراء، ولكن لم يوقف مياهك شيء، فحينئذ تلقي الزبد حتى الكواكب، وكل شيء يخشى اضطراب أمواجك، ويتذمر الجبل تحت بياضها احتراما؛ لأنك النهر الذي لا يقهر، وبعد ذلك تظهر الأرض المقدسة والصحراء المعروفة بشرايين النيل؛ لأنها تبشر بالفيضان في أوائله عقب أن أغلقت الطبيعة أبواب المجاري بمياهك المتشردة عن دخول بلاد ليبيا بحاجر الجبال في هذا الوادي العميق، الذي فيه يجد مجراك نظامه المألوف، ويتقدم بهدو وسكينة، ويبتدئ من مدينة ممفيس التي تسلم إليك حقولها وتفتح أبواب السهول والوديان، ولا يوجد على شواطئك حواجز تعتبر حدا لفيضانك.
بحث العالم القديم والحديث في منابع النيل
فوق المزايا العلمية والصناعية التي امتازت بها مصر في قرونها الأولى، قرون العظمة والإسعاد، والتفوق الباهر على سائر الأمم، خص الله هذا الإقليم بالنيل المبارك، وهو أكبر المنن الإلهية التي جعلت كافة مواهب البشر أمامها لا تكاد أن تكون شيئا مذكورا، فالنيل هو ينبوع الحياة ومهد الارتقاء ووسيلة الحياة الخالدة، ورغد العيش المزيد، فكلما أمعن الباحثون فكرتهم فيما تقله أرض مصر من العجائب الصناعية، والهياكل والآثار والمباني التي قاومت العصور ظاهرة فوق بعض المواطن، وتحت بطون الأرض في غيرها، يرتد إليهم طرف مجهوداتهم الفكرية حائرا ذاهلا، كلما رأى النيل يتماوج بأعاجيب المناظر ويتدفق في مجاريه بأوفر الخيرات على بلاد أسعدتها الطبيعة بأن يفيض عليها من كنوزه وخيراته ما جعلها تمتاز بسعة الخصب وقوة النماء، وأن أهاليها كلما جدوا في الأعمال الزراعية جادت عليهم بأضعاف ما كانوا يتمنون في مبادئ أعمالهم، فينشطون على الدوام إلى التوسع في استخدامها بقدر ما تشجعهم عليه سعة الآمال، فلا تضن الأرض بما استودعت من المزايا، ولا تكل السواعد ولا الهمم عن اجتناء أطيب الثمرات، وإحراز الأرباح الوافرة، وهكذا كان المصري وبلاده في دور نشأته الأولى وسعادتها الماضية كل على صاحبه يجود بأقصى المنح، فتجدد للأراضي زيناتها النباتية، وتتنوع لأقوام الشعب موارد ثروتهم المالية.
كانت مصر بهذا الاعتبار مصدرا للمعجزات العقلية؛ لأن خصائصها الشهيرة ومميزاتها المدهشة لم تجتمع في غيرها من الأقاليم، وكفى أن منابع النيل وأدوار فيضه وتطورات انتقاصه، واستمرار مجاريه على حالة لا تعوقها الرواسب ولا كميات الرمال التي تذروها الرياح في المناطق، قد جعلت ألباب الباحثين حيارى، وطالما عاق الأقدمين الوصول إلى حل مسائله العويصة، ولكنهم وقفوا أمام أقاويل وآراء كل فريق يدلي فيها بحجته التي يؤيد بها رأيه على رأي مناظريه، وامتدت بالقوم العصور الغابرة بدون أن يصلوا في هذه النقط إلى تمحيص نهائي يرفع النقاب ويزيل الشكوك.
Bilinmeyen sayfa