قيل ولو قيل يوصف بها الحادث لأن الإرادة حادثة والجوهر حادث والحادث بالحادث أولى والمناسبات بين الحوادث تتحقق ولا مناسبة بين القديم والحادث بوجه ما ثم أخذتم قولكم لا في محل بالاشتراك فإن معنى قولنا القديم لا في محل أي لا في مكان ومعنى قولنا الإرادة لا في محل أي لا في متمكن وفرق بين المكان والمحل فلم توجد المناسبة شاملة للطرفين بمعنى متفق عليه مشترك فيه فلا مناسبة أصلا هذا كمن يقول الجوهر لا في محل والإرادة لا في محل فوصف الجوهر بها أولى ونقول قد قام الدليل على أن كل حادث اختص بالوجود دون العدم وبوقت وقدر دون وقت وقدر كان المحدث مرادا والإرادة شاركت جميع الحوادث في هذه القضية فإنها اختصت بوقت ومقدار من العدد دون وقت ومقدار فيستدعي إرادة أخرى والكلام فيها كالكلام في هذه فيجب أن يتسلسل والقول بالتسلسل باطل.
قالت المعتزلة نعم إثبات إرادات لا في محل على خلاف وضع الأعراض والمعاني لكن الضرورة ألجأت إلى التزام ذلك.
قيل أنه لا وجه لإنكار الإرادة كما قال الكعبي لأنه يوجب أن تكون الأفعال غير اختيارية شبيهة بالأفعال الطبيعية عند أهل الطبائع ولا وجه لإثبات كونه مريدا لذاته لأن الصفات الذاتية وجب تعميمها فهي عامة التعلق وحينئذ وجب تعلق كونه مريدا بالفواحش والقبائح وذلك باطل كما سيأتي ولا وجه لإثبات إرادة قديمة لأنه يؤدي إلى إثبات إلاهين قديمين كما سبق أن الاشتراك في القدم يوجب الاشتراك في الإلهية ولا وجه لإثبات كونها حادثة قائمة بذات الباري ولا لإثبات كونها قائمة بذات أخرى لما سبق من المعنى فتعين أنها لا في محل فالضرورة العقلية ألجأت إلى تعيين هذا القسم من الأقسام ونحن لم نبعد النجعة في ذلك مع إثبات الفلاسفة عقولا مفارقة للأجسام قائمة بذواتها وهي مبادئ الموجودات ومع إثبات جهم وهشام علوما حادثة لا في محل ومع إثبات الأشعرية تكليما لا في محل لأن ذلك الكلام الذي في ذات الباري تعالى لم ينتقل إلى سمع موسى عليه السلام والذي سمعه موسى لم يكن في محل فهم وإن لم يصرحوا بتكليم لا في محل كما صرحنا بتعظيم لا في محل غير أنهم أثبتوا كلاما مسموعا والصفة الأزلية لم تنتقل وسمع موسى قد امتلى بالتكليم حتى يقال أنه سمع كجر السلسلة.
وأما قولكم إن حدثت إرادة فبإرادة أخرى تحدث وبتسلسل فغير مقبول لأن الإرادة لا تراد أليست إرادتنا لو كانت مرادة بإرادة أخرى أدت إلى التسلسل فلم تستدع الإرادة جنسها.
قالت الأشعرية الضرورة التي ادعيتم ليست الضرورة العقلية التي يضطر العقل إلى التزامها من إبطال قسم وتعيين قسم فإنكم قدرتم من محال حتى ارتكبتم محالا والأقسام كلها بزعمكم محالات فلم التزمتم هذا المحال دون مذهب الكعبي في رده الإرادة إلى العالمية والقادرية كما رددتم كونه سميعا بصيرا إلى كونه عليما خبيرا على قول وهلا التزمتم مذهب النجار في رد الإرادة إلى صفة النفي كمن قال منكم إنه سميع بصير بمعنى أنه حي لا آفة به وهلا قلتم هو مريد لنفسه كما قال النجار على رأي ولا تلتزموا عموم التعلق إلا فيما يصح أن يكون قادرا على ما يصح أن يكون مقدورا له وهلا التزمتم مذهب الكرامية في إثبات إرادات في ذاته لأن المحذور من ذلك الالتزام هو التغيير بالحوادث والتغيير حاصل في الأحكام حسب حصوله في المعاني إذا لم يكن مريدا فصار مريدا عندكم فإذا لم يدل تغيير الأحكام على الحدوث لم يدل تغيير المعاني أيضا على الحدوث أو هل قلتم هو مريد بإرادات في محل كما قلتم هو متكلم بكلام يخلقه في محل وما الفرق بين البابين فإن الإرادة إن أوجبت حكما لمن قامت به فليوجب الكلام كذلك وإن كان المتكلم من فعل الكلام على أصلكم فاصطلحوا على أن المريد من فعل الإرادة ثم يرجع الحكم إلى الفاعل كما يرجع في كونه عدلا يخلق العدل فكيف التزمتم أبعد الأقسام قبولا عن كونه معقولا.
ثم قولكم الإرادة لا تراد تحكم باطل فإن الإرادة من الحوادث وكل حادث اختص بمثل دون مثل فهو مراد وإن استغنى حادث عن الإرادة استغنى كل حادث ولا يؤدي إلى التسلسل في الإرادة فإن الإرادة الأخيرة تستند إلى خلق الباري فهي ضرورية الوجود مرادة بإرادة الباري تعالى وإرادته قديمة لا تراد أي لا تتخصص بوقت دون وقت.
Sayfa 83