وللمتكلمين في جواب شبهة هشام وجهم طرق وللفلاسفة طرق أيضا قال الشيخ أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه على طريقته لا يتجدد لله تعالى حكم ولا يتعاقب عليه حال ولا تتجدد له صفة بل هو تعالى متصف بعلم واحد قديم متعلق بما لم يزل ولا يزال وهو محيط بجميع المعلومات على تفاصيلها من غير تجدد وجه العلم أو تجدد تعلق أو تجدد حال له لقدمه والقدم لا يتغير ولا يتجدد له حال وإضافة العلم الأزلي إلى الكائنات فيما لا يزال كإضافة الوجود الأزلي إلى الكائنات الحاصلة في الأوقات المختلفة وكما لا تغير ذاته بتغير الأزمنة لا يتغير علمه بتجدد المعلومات فإن العلم من حقيقته أن يتبع المعلوم على ما هو به من غير أن يكتسب منه صفة ولا يكسبه صفة والمعلومات وإن اختلفت وتعددت فقد تشاركت في كونها معلومة ولم يكن اختلافها لتعلق العلم بها بل اختلافها لأنفسها وكونها معلومة ليس إلا تعلق العلم بها وذلك لا يختلف وكذلك تعلقات جميع الصفات الأزلية فلا نقول يتجدد عليها حال بتجدد حال المتعلق فلا نقول الله تعالى يعلم العدم والوجود معا في وقت واحد فإن ذلك محال بل يعلم العدم في وقت العدم ويعلم الوجود في وقت الوجود والعلم بأن سيكون هو بعينه علم بالكون في وقت الكون إلا أن من ضرورة العلم بالوجود في وقت الوجود العلم بالعدم قبل الوجود ويعبر عنه بأنه علم بأن سيكون.
والذي يوضح الحق في ذلك هو أنا لو علمنا قدوم زيد غدا بخبر صادق أو غيره وقدرنا بقاء هذا العلم على مذهب من يعتقد جواز البقاء عليه ثم قدم زيد ولم يحدث له علم بقدومه لم يفتقر إلى علم آخر بقدومه إذا سبق له العلم بقدومه في الوقت المعين وقد حصل ما علم وعلم ما حصل إذ لو قدرنا أنه لم يتجدد له علم ولم تتجدد له غفلة وجهل استحال أن يقال لم يعلم قدومه بل يجب أن يقال تنجز ما كان متوقعا وتحقق ما كان مقدرا وحصل ما كان معلوما.
وقولهم إن الإنسان يجد تفرقة بين حالتيه قبل قدومه وحال قدومه فتلك التفرقة ترجع إلى تجدد العلم فليس ذلك على الإطلاق بل يرجع في حق المخلوقين إلى إحساس وإدراك لم يكن فكان وفي حق الخالق لا تفرقة بين المقدر والمحقق والمنجز والمتوقع بل المعلومات بالنسبة إلى علمه تعالى على وتيرة واحدة وقال هذا العلم المتجدد يحصل عندكم قبل الوجود المتجدد بلحظة فإذا تقدمه بلحظة كان أيضا علما بما سيكون لا علما بالكائن فهو والعلم الأزلي بما سيكون سواء وإذا جاز تقدمه جاز قدمه.
ثم ألزم عليهم إلزام لا محيص لهم عنه وهو أن هذه العلوم المتجددة هل هي معلومة قبل كونها موجودة أم ليس يتعلق العلم بها فإن كانت معلومة أفبعلم الأزلي وعالميته أم بعلوم أخر سبقتها قبل وجودها فإن كان الأول فجوابنا عن الكائنات في كونها معلومة بعلم الأزل جوابكم عن العلوم المتجددة وإن كان الثاني فكانت محتاجة إلى علوم أخر والكلام في تلك العلوم كالكلام في هذه ويؤدي إلى التسلسل وقد ألزم أصحاب الإرادات الحادثة لا في محل هذا الإلزام واعتذروا بأن قالوا الإرادة لا تراد وهذا العذر لا يصح على قاعدة هشام وجهم فإن الإرادة وإن كانت لا تراد فهي بخلاف العلم لأن العلم يعلم فيلزم القول بالتسلسل وهذا الإلزام قد أفحم الكرامية في مسئلة محل الحوادث.
وقالت المعتزلة على طريقتهم الباري تعالى عالم لذاته أزلا بما سيكون ونسبة ذاته أو وجه عالميته إلى المعلوم الذي سيكون كنسبته إلى المعلوم الكائن الموجود والعالم منا بما سيكون عالم على تقدير الوجود وبما هو كائن عالم على تحقيق الوجود فالمعلومات بعلم واحد جائز تقديرا أو تحقيقا وعندهم يجوز تقدير بقاء العلم ويجوز تعلق العلم الواحد بمعلومين ولا استحالة فيه شاهدا وغائبا ثم إن بعضهم يقول يرجع الاختلاف في الحالتين إلى التعلق لا إلى المتعلق بخلاف ما قال الأشعري أن الاختلاف يرجع إلى المتعلق لا المتعلق والتعلق وقال بعضهم يرجع الاختلاف في الحالتين إلى حالتين.
وقد مال أبو الحسين البصري إلى مذهب هشام بعض الميل حتى قضى بتجدد أحوال الباري تعالى عند تجدد الكائنات مع أنه من نفاة الأحوال غير أنه جعل وجوه التعلقات أحوالا إضافية للذات العالمية وهو في جميع مقالاته ينهج مناهج الفلاسفة ويرد على شيوخه من المعتزلة بتصفح أدلتهم ردا شنيعا.
Sayfa 74