هذه الحقيقة الأولى، التي حرصنا على إيضاحها في مستهل حديثنا عن حياة نيتشه، ترسم لنا المنهج الذي ينبغي أن نتبعه في دراسة هذه الحياة؛ فالوقائع الخارجية في حياة نيتشه قليلة. وليست لها أهمية خاصة. وأهم وقائع تلك الحياة ترتد في نهاية الأمر إلى مشاكل فكرية. وعلى ذلك فسوف نمر سريعا بتلك الحوادث الخارجية، حتى نفسح المجال لبحث المشاكل الحقيقية التي تحكمت في حياته، وطبعت فلسفته كلها بطابعها الخاص.
الفصل الثاني
وقائع حياته
في أواسط القرن التاسع عشر، وعلى التحديد في 15 أكتوبر من عام 1844، ولد نيتشه في ريكن
Rœcken
وهي بلدة صغيرة قرب ليبتسج. وأهم ما ينبغي أن نذكره عن أسرته أن أجداده لأبيه؛ أعني عائلة نيتشه، كان معظمهم من رجال الدين، وكذلك تنحدر أمه من أسرة إيلر
Œhler
وهي بدورها أسرة شغل كثير من أفرادها مناصب دينية. وهكذا كان الدين يلعب دورا أساسيا في طفولة ذلك الذي أسمى نفسه «عدو المسيح»، والذي كرس جهد حياته ليوجه إلى الروح الدينية أعنف نقد تعرضت له خلال ألفي عام.
ويبدو أن وفاة أبيه وهو في سن الخامسة جعلته يرسم له صورة أسطورية، ويمتدح فيها صفات لا شك أنه لم يلمسها فيه عن كثب؛ إذ لا يعقل أن يكون قد حلل شخصية أبيه وهو دون الخامسة! وعلى أية حال، فقد عاش نيتشه بعد وفاة أبيه في بيئة نسائية خالصة، ولا بد أن هذه البيئة لم تكن تروق له ، إذا حكمنا على الأمر في ضوء حملة نيتشه العنيفة على المرأة فيما بعد.
وفي عام 1858 التحق نيتشه بمدرسة بفورتا
Bilinmeyen sayfa