Gerçeğin Çağrısı: Heidegger'e Dair Üç Metinle Birlikte
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
Türler
فلنحاول في هذا الفصل الختامي أن نتلفت للوراء لننظر إلى الفلسفة من حيث هي ميتافيزيقا آن أوان تخطيها و«العودة إلى أساسها»،
173
ونتطلع إلى الأمام لنستشرف فكر الوجود الذي لم يعد ميتافيزيقا، وسوف يساعدنا هيدجر نفسه على القيام بهذه المحاولة التي نراجع بها جهده الضخم الذي يشبه جبلا شامخا لم يستطع الباحثون - على وفرتهم - الصعود إلى قمته واكتشاف كل شعابه، فقد ألقى في سنة 1964م محاضرة تحمل هذا العنوان المثير: «نهاية الفلسفة ومهمة الفكر»، وقد نقلها إلى الفرنسية جان بوفريه (الذي سأله عن مفهوم النزعة الإنسانية ورد عليه برسالته التي تحدثنا عنها) وفرانسوا فيدييه، وظهرت الترجمة الفرنسية سنة 1966م في باريس في مجلد بعنوان «كيركجور حيا» يضم دراسات مختلفة عن المفكر الدنمركي الكبير، وأخيرا نشرت المحاضرة في كتاب عن قضية (موضوع) الفكر ظهر في سنة 1969م بمدينة توبنجن.
ما الذي يأخذه هيدجر على الميتافيزيقا بحيث ينبغي تجاوزها والرجوع إلى أساسها الذي نسيته ولم تفكر فيه؟ هذا سؤال شغل هيدجر مدى حياته، وأجاب عنه في العديد من كتبه ومحاضراته ودراساته، وكان من الطبيعي أن يطور تفكيره في هذا الموضوع، شأنه في هذا شأن كل كائن حي، ولعل هذه المحاضرة الأخيرة أن تبين لنا وجهة نظره التي استقر عليها. «إن الميتافيزيقا تفكر في الموجود بما هو موجود على طريقة التصور المؤسس»،
174
إنها تبحث عن أساس الموجود، وتسمي هذا الأساس باسم الوجود، وهي تتصوره تصورا لا غبار عليه حين ترى أنه هو الذي يوجد الموجود أو يحضره ويعمل على إظهار كينونته.
غير أنها تصور هذا التأسيس كما تتصور السبب والمسبب أو العلة والمعلول، لقد وصفته عبر تاريخها الطويل بأوصاف مختلفة أخطأت معناه الحقيقي في كل مرة: فتارة يكون هذا الأساس هو الله بوصفه السبب الأسمى والأخير (سواء عند أرسطو أو في العصر الوسيط) أو يكون هو السبب الترنسندنتالي أو الشارطي (كما نجده عند كانط شرطا لإمكان التجربة أو بالأحرى لإمكان قيام موضوعات التجربة) وتارة أخرى يكون هو الحركة الجدلية التي «يفض» بها الروح المطلق نفسه (كما نرى عند هيجل) أو يكون تفسيرا لعملية الإنتاج (كما نرى عند ماركس) أو إرادة للقوة وهي في صميمها إرادة المزيد من الحياة التي تضع نفسها أو تبدعها حين تبدع القيم (كما نجد عند نيتشه الذي يرى هيدجر أنه يمثل نهاية الميتافيزيقا الغربية بعد أن سارت في طريق «الذاتية» إلى آخر مداه).
وإذا فالخاصية التي تميز التفكير الميتافيزيقي الذي يبحث عن سبب الموجود هي أنه يبدأ من هذا الموجود (أو الكائن) فيتصوره من جهة وجوده (أو كينونته) ويعبر عنه تعبيره عن شيء ما قد عرف أساسه بالفعل.
ولكن هذا التصور الميتافيزيقي قد بلغ نهايته: فما هو المعنى المقصود من نهاية الميتافيزيقا أو الفلسفة؟ ليس معناه بالطبع أنها توقفت أو انطفأت، ولا يمكن أن نفهم منه أننا نلغيها ببساطة أو نستخف بشأنها، فالمقصود بنهاية الفلسفة أنها وصلت إلى الموضع الذي فيه يتجمع تاريخها كله في أقصى إمكانياته، بهذا تكون قد تمت، والتمام غير الكمال أو الاكتمال؛ لأن المراد به أنها بلغت النهاية، سواء عند نيتشه أو عند هيدجر نفسه، والواقع أنه ليست هناك فلسفة أكمل من غيرها، فليست فلسفة كانط بأكمل من فلسفة أفلاطون، ولا هذه أكمل من فلسفة بارمنيدز، والأولى من هذا أن نقول إن كل فلسفة - مثلها في هذا مثل كل أدب أو فن عظيم - تعبر عن شيء يحمل ضرورته في ذاته، ونحن نقع في خطأ المفاضلة بين الفلسفات لو نظرنا إليها بمنظار العلم الوضعي المنظور، عندئذ يمكن أن نتصور أن المتأخر أكمل من المتقدم، أو أن الحاضر يلغي الماضي، وهذه النظرة «العلمية» لا يمكن بحال من الأحوال أن تطبق على تاريخ الميتافيزيقا، فالفلسفات التي جاءت بعد أفلاطون لم تسقط فلسفته ولم تعزلها في متحف العاديات القديمة، ولعلنا لا نبالغ لو قلنا إن الفلسفة الأفلاطونية ماثلة في تاريخ الميتافيزقا كله، وإن صورتها الأخيرة عند نيتشه ليست في الحقيقة سوى أفلاطونية مقلوبة، ولعل الفيلسوف الإنجليزي وايتهيد ألا يكون قد أسرف في المبالغة حين قال إن الفلسفة بأسرها ليست سوى هوامش وتعليقات على أفلاطون.
هل معنى هذا أن الفلسفة لم تتطور؟ تطورت بالطبع، ولكنه كان تطورا غير التطور العلمي الذي ينسخ آخره أوله ويغني حاضره عن ماضيه كما سبق القول (اللهم إلا عند المهتمين بتاريخ العلم)، ولقد تطورت الفلسفة، أو بالأحرى تفتحت وفضت نفسها - إن صح تعبير هيجل - في العلوم المختلفة التي استقلت عنها، ثم لم تكتف بهذا بل بدأت في السنوات الأخيرة تختبرها بمناهجها ومقاييسها وتحاول على يد المتطرفين من الوضعيين (المناطقة) أن تشبكها أو تعلقها في ذيلها، ولا ينكر أحد أن كثيرا من المسائل التي كانت تتناولها الفلسفة قد انتقلت اليوم إلى ميدان العلوم المتخصصة، وأصبح من المستحيل على الفيلسوف أن يدلي فيها برأي قبل أن يعرف وجهة نظر العلماء، وربما وقع في ظننا أن العلم قد أزاح الفلسفة عن مكانها وحكم عليها بالبطالة الأبدية، ولكن الواقع أن هذا علامة تدل على تمام الميتافيزيقا ووصولها إلى نهاية إمكانياتها، ذلك أن النظر السطحي وحده هو الذي يفصل العلم الحديث عن الميتافيزيقا الحديثة التي نشأ على أرضها، واكتسب طابعه «التقني» الذي يتحكم اليوم فيه من الطابع التقني الذي غلب على الميتافيزقا منذ عهد بيكون وديكارت على أقل تقدير، وما تفتح الفلسفة في العلوم المستقلة التي يزداد التعاون والتداخل بينها إلا دليل مشروع على نهاية الفلسفة؛ فالفلسفة تنتهي في عصرنا الحاضر، ولقد وجدت مكانها في النزعة العلمية المسيطرة على البشرية العاملة، والطابع الغالب على هذه النزعة العلمية هو الطابع التقني والسيبرنيطيقي
Bilinmeyen sayfa