تكشفت من حين لآخر لمحات من برنامجه الخيميائي للآخرين. ففي أواخر عام 1680، حين انخرط نيوتن في سلسلة ممتدة من التجارب الخيميائية، اتجه توماس بيرنيت بكلية كرايست بجامعة كامبريدج إلى أفضل الفلاسفة الطبيعيين بكامبريدج لاستشارته بشأن الكيفية التي خلق بها الله الأرض من خلال وسائل طبيعية. وقد كان كتاب «النظرية المقدسة عن الأرض» لبيرنيت الصادر عام 1681 أول عمل في مجال اللاهوت الطبيعي يكتسب شهرة في أواخر تسعينيات القرن السابع عشر، وكان في ذلك الوقت قائما على فلسفة كتاب نيوتن «المبادئ الرياضية».
أخبر نيوتن بيرنيت أن خلق الجبال والمحيطات ربما حدث في البداية إما بفعل حرارة الشمس، أو بفعل ضغط الدوامات الأرضية والقمرية على المياه القديمة الموجودة منذ بداية الخلق. فانكمشت الأرض في اتجاه خط الاستواء، مما جعل المناطق الاستوائية «أكثر تقعرا»، ومن ثم سمح لمياه المحيطات بالتجمع هناك. إضافة إلى ذلك، كانت تلك الأيام الأولى تمتد لفترة أطول كثيرا من الأيام في عصرنا الحديث، مما أعطى عملية الخلق مدة كافية لتصبح ما هي عليه اليوم تقريبا. ولاستيعاب كيف أصبحت حالة اللاتكون البدائية القديمة متمايزة إلى تلال وتجاويف، عاد إلى تحليل بحثه عن «إنبات الفلزات»، والذي سجل فيه أن المواد الصلبة غالبا ما كانت تتشكل في صورة محاليل، كما حدث عندما ذاب الملح الصخري في المال وتبلور إلى قضبان طويلة من الملح. بخلاف ذلك، فقد أدى جفاف وانكماش الأجزاء الأخرى من حالة اللاتكون تحت تأثير حرارة الشمس إلى ترك قنوات تتيح للماء الهبوط إلى أسفل الأرض، وتتيح «للأبخرة تحت الأرضية»، مثل ينابيع الماء الحار و«الأدخنة» في المناجم الصعود من الأعماق.
وفي إسهام مهم لنيوتن في تفسير الإنجيل، انتقد أيضا وصف بيرنيت للكيفية التي ينبغي بها فهم الوصف الموسوي للخلق. فلم يكن يعتقد أن وصف خلق النورين الكبيرين (أي الشمس والقمر) والنجوم في اليوم الرابع يشير ضمنا إلى أنهما قد خلقا بالفعل في ذلك اليوم، ولا أن موسى قد وصف حقيقتهما الفيزيائية؛ «فالبعض منها أكبر من هذه الأرض، وربما من عوالم صالحة للسكن، ولكنه وصفها فقط كأنوار تضيء هذه الأرض». وقد تبنى نيوتن نهجا مشابها للوصف الموسوي للضوء الذي خلق في اليوم الأول للخلق. وعلى الرغم من أن موسى قد «واءم» لغته لكي تتناسب مع القدرات الإدراكية للجهلاء، فلم يكن الوصف مختلقا. فقد ذهب نيوتن إلى أن وصفه للخلق لم يكن «فلسفيا أو ملفقا» ولكنه كان «حقيقيا» - «فلم تكن مهمته تصحيح مفاهيم العامة في الأمور الفلسفية»، بل كانت «مواءمة وصف للخلق بشكل جذاب وجميل قدر الإمكان ليتناسب مع إدراك وقدرات العامة».
وفضلا عن تلميحه إلى بيرنيت في الخطاب، ذكر نيوتن أيضا أن وجود عوالم أخرى لم يكن أمرا غير قابل للتصديق وذلك في خطاب بعثه إلى ريتشارد بنتلي في بداية عام 1693. كذلك تشير مفكرة «الأسئلة الفلسفية» إلى أنه حين كان طالبا كان يؤمن بتلك النظرية المتطرفة التي تنص على أنه بعد أي حريق هائل، يكون هناك «تعاقب للعوالم»، وفي عام 1694 أخبر ديفيد جريجوري أن المذنبات لها وظيفة إلهية خاصة، وأن الخالق قد احتفظ بمخزون من أقمار المشتري من أجل خلق جديد.
في حوار غير معتاد مع جون كوندويت في نهاية حياته، أخبره نيوتن أن الضوء والمواد الأخرى التي تطلقها الشمس قد التحمت معا في شكل قمر، ثم في شكل كوكب من خلال جذب مواد أخرى، ليصبح في النهاية مذنبا يعود مرة أخرى إلى الشمس ليعيدها إلى حالتها مجددا. وأضاف أن هذا المذنب قد يكون تماما مثل مذنب عام 1680 الكبير الذي اصطدم بالشمس لاحقا في المستقبل القريب. وعندما عاد المذنب إلى الشمس، زاد من حرارتها على نحو هائل إلى حد «احتراق هذه الأرض وسلب قدرة أي حيوانات على البقاء حية»، وهو حدث فسر فيما يبدو ظهور المستعرات العظمى (السوبر نوفا) التي شوهدت في عامي 1572 و1604. ربما يكون كل ذلك قد أدير بواسطة «كائنات ذكية» أسمى تعمل بتوجيه من الله. وأردف نيوتن أن وجود الإنسان على الكوكب كان محدودا، وأشار ضمنا إلى أن القوة الإلهية ربما تكون قد «أعادت إعمار» الكوكب. بعد ذلك، أشار كوندويت إلى فقرة في كتاب «المبادئ الرياضية»، أشار فيها نيوتن إلى استعادة النجوم لحالتها بواسطة المذنبات، وسأل نيوتن لماذا لم يوضح تداعيات ذلك على مستقبل نظامنا الشمسي؟ ولما كان موضوع نهاية العالم موضوعا مسليا بوضوح، فقد علق نيوتن في لحظة عبث نادرة بأن هذا الأمر «يهمنا نحن أكثر، وأضاف ضاحكا أنه قد قال للناس ما يكفي لمعرفة ما يعنيه».
هوامش
الفصل السادس
أحد القلة المختارة من الله
حين التحق نيوتن بكلية ترينيتي، وجد نفسه أمام نظام يؤكد على الأهمية البالغة لدراسة كتابات آباء الكنيسة، وبالطبع الكتاب المقدس. وفي فترة ما - على الأرجح في أوائل سبعينيات القرن السابع عشر - أصبح مناهضا متطرفا لعقيدة الثالوث القدوس؛ لإيمانه بأن عقيدة الثالوث القدوس المألوفة كانت فسادا مبهما وشيطانيا جلبه محرفو الكتاب المقدس في القرن الرابع بعد الميلاد. واقتنع نيوتن بأن من وضعوا أصول العقيدة المسيحية الأرثوذكسية، أثناسيوس، إلى جانب العديد من الرهبان، وأعضاء الكنيسة، وأباطرة الإمبراطوريات الشرقية والغربية، قد لوثوا العقيدة بإدخال كلمات جديدة على المسيحية، وأقحموا نصوصا ملفقة في الإنجيل وكتابات آباء الكنيسة، وملئوا المجالس الكنسية بأنصارهم الفاسدين. وكان في قلب مخططهم تلك الرؤية الخفية - كما رآها نيوتن - التي مفادها أن المسيح كان مشابها للرب من الناحية الجسدية. وكان نيوتن يؤمن بأنه قد اصطفي من الله لكشف الحقيقة بشأن انحدار المسيحية، وكان يعتقد أن ذلك هو أهم عمل سوف يضطلع به على الإطلاق.
إن في حاجة نيوتن إلى إعفاء خاص من الترسيم الكهنوتي إشارة إلى أن آراءه المهرطقة قد سيطرت عليه بحلول نهاية عام 1674. ومن المستبعد للغاية أن يكون قد دعي لاعتناق هذه المعتقدات من جانب أي شخص آخر، وإن كان قد استطاع من منطلق مبدأ «اعرف عدوك» أن يقرأ آراء مماثلة في الكتابات المعاصرة المناهضة لعقيدة الثالوث القدوس، شأنه شأن طلاب آخرين. غير أن المسيحيين الأرثوذكسيين كانوا يعتبرون مناهضة الثالوث القدوس إلحادا رهيبا، وكان هناك عقوبات شديدة في لوائح القوانين لمن يقللون من شأن طبيعة المسيح. وباستثناء اثنين أو ثلاثة ممن يعرف تعاطفهم معه، قضى نيوتن جل حياته يخفي آراءه الدينية عن الآخرين.
Bilinmeyen sayfa