يعتبني على ذَلِك، وَيُرْسل إِلَيّ من يعتبني، فَلَا ازْدَادَ إِلَّا شهامة. ثمَّ إِنِّي حضرت عِنْده ختم البُخَارِيّ، فَأخذ يتَكَلَّم فِي فضل التَّوَاضُع وذم المتكبرين خُصُوصا فِي الْحرم. ففطنت أَنه يعرض بِي. فَالْتَفت إِلَيْهِ وأوردت عَلَيْهِ عدَّة أسئلة فِي الحَدِيث الَّذِي كَانَ يتَكَلَّم فِيهِ، فَأجَاب عَنْهَا بِمَا لَا يُرْضِي. فبحثت مَعَه إِلَى أَن انْقَطع، واعترف بالإستفادة مني، ونقلت لَهُ نقلا عَن " الإرتشاف " فَأنكرهُ. ثمَّ أرسل أحضرهُ من الْبَيْت، فَوجدَ النَّقْل فِيهِ كَمَا ذكرت. فخضع وَصَارَ فِي نَفسه مَا فِيهَا. ثمَّ مشت الْأَعْدَاء، وَاشْتَدَّ الشقاق، بِحَيْثُ خرجت من مَكَّة وَلم أودعهُ. ثمَّ قدم الْقَاهِرَة بعد سِنِين، فَسَأَلَنِي بعض الْأُمَرَاء أَن يجمع بيني وَبَينه للصلح، فَمَا أجبْت. ثمَّ بعد سِنِين أُخْرَى أرسل إِلَيْهِ الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شعْبَان الفرضي، وَهُوَ رَفِيقه فِي الْقِرَاءَة على وَالِدي، كتابا يسْأَله فِيهِ أَن يَجِيء إِلَيّ ويقرأني السَّلَام وَيطْلب لَهُ مني عدَّة كتب من تصانيفي ليستنسخها لَهُ. فَجَاءَنِي وَذكر لي ذَلِك فأجبته إِلَى مَا سَالَ، وأعطيته الْكتب الَّتِي سالها، وَهِي: " الإتقان "، و" الْأَشْبَاه والنظائر "، و" تَكْمِلَة تَفْسِير الْجلَال الْمحلي " و" شرح ألفية الحَدِيث "، و" شرح ألفية بن مَالك "، و" الْجُزْء الأول من الدّرّ المنثور فِي التَّفْسِير الْمَأْثُور ". ثمَّ كتبت لَهُ كتابا بالصفاء، وَهَذِه صورته: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم:
كل نهر فِيهِ مَاء قد جرى ... فإليه المَاء يَوْمًا سيعود يُبْدِي محبَّة كَانَت فِي نهر الْعُرُوق جَارِيَة، ومودة كَانَت فِي الأباء ثَابِتَة، وان كَانَ عطلها بعض الكدر، فَهِيَ الْآن فِي الْأَبْنَاء واهية. على انه وَالله شَهِيد لَيْسَ كل مَا نقل إِلَى المسامع الْكَرِيمَة من تِلْكَ الأكدار بِصَحِيح، وَإِن
1 / 21