19. Yüzyılda Avrupai Düşüncenin Eğilimi
نزعة الفكر الأوروبي في القرن التاسع عشر
Türler
وفي الواقع أريد أن أبحث ذلك الدور الذي لعبته حياتنا الداخلية الخفية؛ حياة الفكر، في تاريخ القرن التاسع عشر، مشفوعا ذلك بأوجه التقدم والارتقاء وضروب الكسب، التي كانت نتاجا لوقوع الحوادث والتغيرات الظاهرة في عالم الحياة العامة.
أما وقد سلمنا بأن العلم الذاتي والتجربة كليهما ذو خطر كبير في القيام بعبء ما خططت لنفسي، وما دام علمنا قد دلنا على أن عدم الاندماج في الحياة الكامنة لعصر من العصور لن ينتج إلا تاريخا يقتصر على ذكر الأسماء، أو يتناول بعض الآراء بالنقد، فإنا لا محالة نسلم مع هذا بأن هذه الأمور عامة بواعث تحدد في وجهنا مجال الانبعاث إلى ما وراءها؛ ولذا أشعر بأني مقسور على أن أقصر بحثي على الفكر الأوروبي وحده.
لم تكن فكرة الاقتصار في التأريخ على ناحية بعينها من نواحي الفكر موجودة منذ قرن من الزمان؛ لأن ذلك كان محتوما علينا. أما وقد أخذت صورة من صور المدنية الحديثة تتكون حول الشاطئ الآخر من المحيط الأطلانطيقي، يزجيها شعب فتي موفور القوة والنشاط بكل مهيئات النماء والتطور، فلا يسعني مع هذا إلا أن أسلم بأمرين: الأول: أن هنالك عالما جديدا يزداد كل يوم خطره، ويتضاعف شأنه، في حين أني لست على علم بشيء من خصائصه وحياته، ولن أشعر إذا ما أردت أن أؤرخ في حياته الداخلية الكامنة إلا بالعجز والقصور، والثاني: أن عجزي عن التأريخ فيه لا يضارعه إلا عجزي عن أن أصور لنفسي ما يكون من شبح التثقيف الأوروبي في عين باحث بعيد عنه، مبتوت الصلة به، غير ناظر إليه إلا بعين الدنيا الجديدة.
إن الدنيا الجديدة لتنمو وتتكثر، لا من جهة العدد والثروة الأهلية فحسب، بل من جهة الاستعماق الفكري، كلما زادت إمعانا في النشوء العقلي والتطور الروحي؛ لذلك لا نشك في أنها سوف تعاني مشقة الرغبة في التأريخ في حياتها الكامنة وعناصر تثقيفها؛ لتعثر في درج ذلك البحث على الخصائص التي تفرق بين مدنيتها ومدنيتنا، غير أن الميول التي يتجه فيها ذلك التثقيف الحديث غامضة علي، بل تكتنفها ظلمة موحشة، وليس لدي ما يحول دون اعترافي بالعجز عن أن أقضي فيها بحكم ثابت محدود.
أراني مقتنعا تمام الاقتناع بأن الحياة الظاهرة المرئية في حياة البشر رأي العين والحس ليست سوى وعاء يتضمن مادة خفية لا تصل إليها الحواس، أو هي صدفة يتكون في صميمها جنين المستقبل؛ لذلك لا آنس من نفسي قدرة على الإفصاح عن ماهيتها؛ ولهذا لا أريد أن أتناول من حركة التثقيف العام التي ولدها القرن التاسع عشر إلا ما احتك منها بالفكر الأوروبي احتكاكا مباشرا، وكان فيه من الحياة الأوروبية أثر بين.
على أنني سوف أقصر بحثي في الفكر الأوروبي على مرتكزه ومحوره، سأقصره على الآداب الفرنسوية والألمانية والإنكليزية. ولست أنكر أن الآداب الإيطالية والسيكانديناوية والروسية محيطة بذلك المرتكز، بل كثر ما أثرت فيه تأثيرا ما، غير أني فيها أقع على لغات لم آلفها، ونزعات لم أتبين ماهيتها وحقيقتها، فكنت أشعر بأنه يستحيل علي أن أتميز شيئا من صبغة الحياة الجديدة الكامنة فيها، وكانت مسئوليتي تزيد في نظرية كلما زدت اقتناعا بأنني إن تناولت تلك الآداب ببحث اضطررت إلى أن ألزم نفسي عنت السعي وراء الكشف عن أسباب وبواعث لم تتهيأ لي سبل الإبانة عن خفياتها، لأبلغ منها بدرس يرضي الحق والضمير.
يقتصر بحثنا على الفكر الأوروبي - أي على الفكر في فرنسا وألمانيا وإنكلترا - خلال الشطر الأعظم من القرن التاسع عشر. ومهما أحاط بهذا البحث من حدود الزمان والمكان، فإنه لا يزال شاقا متشعب الأطراف أشعر منه باستيحاش وخوف. ومع هذا فقد جعلت رائدي في كل مباحثي التي سوف أسوق بنفسي في غمراتها، وفي كل الصور والملخصات التي سوف أبرزها، أن لا أهمل في بحث كل منها فكرة الوحدة التي تجمع بينها.
وما تلك الوحدة في نظري سوى ذلك الشيء الذي ألزمتنا إياه روح التقدم الذي وقع في عصرنا، وهي في ماهيتها نتيجة ما بذل من الجهد خلال القرن التاسع عشر؛ فلقد كان يتعذر عليك منذ قرن واحد، لا بل منذ خمسين عاما فقط، أن تتكلم في «الفكر الأوروبي» على الوجه الذي أتكلم به الآن، فإن القرنين السابع عشر والثامن عشر، هما القرنان اللذان صبغ فيهما العلم بصبغة الوطنية؛ لأن فيهما حلت اللغات الوطنية الخاصة بكل أمة من الأمم محل اللغة اللاتينية العامة في تواليف الآداب والعلم، وفيهما بدأت تتميز الآداب بمميزات الشعوب وتصبغ بصبغتها، وفيهما بدأ الفكر يستقل باستقلال الأمم القاطنة في غربي أوروبا استقلالا معنويا.
لهذا تجد أن الناس في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر قد بدءوا بأسفار طويلة قضوها في التأمل والدرس، متنقلين من مملكة إلى أخرى؛ ليخصوا أوطانهم بما ينقلون من فكرات مبتكرة، أو أساليب للبحث غير مألوفة، على أن هذه الأسفار قد عقبها ذيوع الأفكار الحديثة، فوفد إلى إنكلترا «فولتير»
Voltaire
Bilinmeyen sayfa